عرض مشاركة واحدة
قديم 12-12-2008, 12:04 AM   #6
ريحانة المصطفى
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 69
معدل تقييم المستوى: 17
ريحانة المصطفى is on a distinguished road
افتراضي

ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة [ الجذلة : ترك النصر ]
التي خامرتكم [ أي خالطتكم ] والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنها فيضة
النفس ، ونفثة الغيظ ، وخور [ أي الضعف ] القناة [ أي الرمح ، والمراد من
ضعف القناة هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة ] وبثة الصدر ، وتقدمة الحجة
، فدونكموها فاحتقبوها [ أي احملوها على ظهوركم ودبر البعير اصابته
الدَبَرَة وهي جراحة تحدث من الرحل ] دبرة الظهر ، نقبة [ نقب خف البعير
رق وتثقب ] الخف ، باقية العار ، موسومة بغضب الجبار ، وشنار الابد ،
موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطلع على الافئدة ، فبعين الله ما تفعلون
، وسيعلم الذين ظلموا أي مقلب ينقلبون .

وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعلموا أنا عاملون ، وانتظر أنا منتظرون .

فاجابها ابو بكر عبد الله بن عثمان وقال : يا بنت رسول الله ، لقد كان
ابوك بالمؤمنين عطوفا كريما ، روؤفا رحيما ، وعلى الكافرين عذابا اليما ،
وعقابا عظيما ، ان عزوناه وجدناه اباك دون النساء ، واخا إلفك دون الاخلاء
[ الالف : هو الاليف بمعنى المألوف والمراد به هنا الزوج لانه إلف الزوجة
، وفي بعض النسخ : ابن عمك ] آثر على كل حميم ، وساعده في كل امر جسيم ،
لا يحبكم الا سعيد ، ولا يبغضكم الا شقي بعيد ، فأنتم عترة رسول الله ،
والطيبون الخيرة المنتجبون ، على الخير ادلتنا ، إلى الجنة مسالكنا ، وأنت
يا خيرة النساء ، وأبنة خير الانبياء ، صادقة في قولك ، سابقة في وفور
عقلك ، غير مردودة عن حقك ، ولا مصدودة عن صدقك ، والله ماعدوت رأي رسول
الله ، ولا عملت الا بإذنه ، والرائد لا يكذب أهله ، واني اشهد الله وكفى
به شهيدا ، أني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( نحن معاشر
الانبياء ، لا نورث ذهبا ولا فضة ، ولا دارا ولا عقار ، وإنما نورث الكتاب
والحكمة ، والعلم والنبوة ، وما كان لنا من طعمة ، فلولي الامر بعدنا ، ان
يحكم فيه بحكمه ) وقد جعلنا ماحولته في الكراع والسلاح ، يقاتل بها
المسلمون ويجاهدون الكفار ، ويجالدون المردة الفجار ، وذلك باجماع من
المسلمين ، لم انفرد به وحدي ، ولم استبد بما كان الرأي عندي ، وهذه حالي
ومالي ، هي لك وبين يديك ، لاتزوى عنك ، ولا ندخر دونك ، وانك وانت سيدة
امة أبيك ، والشجرة الطيبة لبنيك ، لا ندفع مالك من فضلك ، ولا يوضع في
فرعك واصلك ، حكمك نافذ فيما ملكت يداي ، فهل ترين ان اخالف في ذلك أباك (
صلى الله عليه وآله ) ؟

فقالت ( عليها السلام ) : سبحان الله ما كان أبي رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) عن كتاب الله صادفا [ أي معرضا ] ولا لاحكامه مخالفا ! بل كان
يتبع اثره ، ويقفو سوره ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور ، وهذا
بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل [ أي المهالك ] في حياته ، هذا كتاب
الله حكما عدلا ، وناطقا فصلا ، يقول : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) [ مريم
: 6 ] ويقول : ( وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] وبين عزوجل فيما وزع
من الاقساط ، وشرع من الفرائض والميراث ، واباح من حظ الذكران والاناث ،
ما ازاح به علة المبطلين ، وأزال التظني والشبهات في الغابرين ، كلا بل
سولت لكم انفسكم أمرا ، فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون .

فقال ابو بكر : صدق الله ورسوله ، وصدقت ابنته ، أنت معدن الحكمة ، وموطن
الهدى والرحمة ، وركن الدين ، وعين الحجة ، لا ابعد صوابك ، ولا انكر
خطابك ، هؤلاء المسلمون بيني وبينك ، قلدوني ما تقلدت ، وباتفاق منهم أخذت
ما أخذت ، غير مكابر ولا مستبد ، ولا مستأثر ، وهم بذلك شهود .

فالتفتت فاطمة ( عليها السلام ) إلى الناس وقالت : معاشر المسلمين المسرعة
إلى قيل الباطل [ في بعض النسخ : قبول الباطل ] المغضية على الفعل القبيح
الخاسر ، افلا تتدبرون القرآن ؟ أم على قلوب أقفالها ؟ كلا بل ران على
قلوبكم ما اسأتم من اعمالكم ، فأخذ بسمعكم وابصاركم ، ولبئس ما تأولتم ،
وساء ما به أشرتم ، وشر ما منه اغتصبتم ، لتجدن والله محمله ثقيلا ، وغبه
وبيلا ، اذا كشف لكم الغطاء ، وبان باورائه الضراء ، وبدا لكم من ربكم ما
لم تكونوا تحتسبون ، وخسر هنالك المبطلون .

ثم عطفت على قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقالت :

قد كان بعدك انباء وهنبثة.... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
انا فقدناك فقد الارض وابلها... واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
وكل اهل له قربى ومنزلة..... عند الاله على الادنين مقترب
ابدت رجال لنا نجوى صدورهم.... لما مضيت وحالت دونك الترب
تجهمتنا رحال واستخف بنا.... لما فقدت وكل الارض مغتصب
وكنت بدرا ونورا يستضاء به.... عليك ينزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريل بالآيات يؤنسنا.... فقد فقدت وكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا..... لما مضيت وحالت دونك الكثب


ثم انكفئت ( عليها السلام ) ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يتوقع
رجوعها اليه ، ويتطلع طلوعها عليه ، فلما استقرت بها الدار ، قالت : لأمير
المؤمنين ( عليه السلام ) : يابن أبي طالب ، اشتملت شملة الجنين ، وقعدت
حجرة الظنين ، نقضت قادمة [ قوادم الطير : مقادم ريشه وهي عشرة ] الاجدل [
أي الصقر ] فخانك ريش الاعزل [ العزل من الطير : ما لا يقدر على الطيران ]
هذا ابن ابي قحافة يبتزني [ أي يسلبني ] نحلة أبي وبغلة [ البغلة ما يتبلغ
به من العيش ] ابني ! لقد اجهد [ في بعض النسخ : اجهر ] في خصامي ،
والفيته [ أي وجدته ] الد [ الالد : شديد الخصومة ] في كلامي ، حتى حبستني
قيلة نصرها والمهاجرة وصلها ، وغضت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا
مانع ، خرجت كاظمة ، وعدت راغمة ، اضرعت [ ضرع : خضع وذل ] خدك يوم اضعت
حدك إفترست الذئاب ، وافترشت التراب ، ما كففت قائلا ، ولا اغنيت طائلا [
أي ما فعلت شيئا نافعا ، وفي بعض النسخ : ولا اغيت باطلا : أي كففته ] ولا
خيار لي ، ليتني مت قبل هنيئتي ، ودون ذلتي عذيري [ العذير بمعنى العاذر
أي : الله قابل عذري ] الله منه عاديا [ أي متجاوزا ] ومنك حاميا ، ويلاي
في كل شارق ! ويلاي في كل غارب ! مات العمد ، ووهن [ الوهن : الضعف في
العمل او الامر او البدن ] العضد ، شكواي إلى أبي ! وعدواي [ العدوى :
طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك ] إلى ربي ! اللهم انك اشد منهم قوة وحولا
، واشد بأسا وتنكيلا .

فقال امير المؤمنين ( عليه السلام ) : لا ويل لك بل الويل لشانئك [
الشانيء : المبغض ] ثم نهنهي عن وجدك [ أي كفي عن حزنك وخففي من غضبك ]
ياابنة الصفوة ، وبقية النبوة ، فما ونيت [ أي ماكللت ولا ضعفت ولا عييت ]
عن ديني ، ولا اخطأت مقدوري [ أي ما تركت ما دخل تحت قدرتي أي لست قادرا
على الانتصاف لك لما اوصاني به الرسول ] فان كنت تريدين البغلة ، فرزقك
مضمون ، وكفيلك مأمون ، وما اعد لك اضل مما قطع عنك ، فاحتسبي الله .

فقالت : حسبي الله وامسكت
ريحانة المصطفى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس