بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وألعن أعداءعم أجمعين من الأولين والآخرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله ربي جل علاه : وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّة شَهِيداً ثُمَّ لاَيُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ(84) وَإِذَا رَءَا الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ(85) وَإِذا رَءَا الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَآءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هـؤُلاءِ شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِن دُونِكَ فَأَلْقَوا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكـذِبُونَ(86) وَأَلْقَوا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ(87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنـهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ(88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّة شَهِيداً عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجئْنا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَـؤُلاَءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتـبَ تِبْيـناً لِّكُلِّ شَىْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(89) من سورة النحل
(ويوم نبعث من كل أُمّة شهيداً)
وهل ثمّة حاجة إِلى شاهد مع وجود علم اللّه المطلق؟
قد يتبادر إِلى الأذهان هذا السؤال عند قراءة الآية، وتتّضح الإِجابة على ذلك من خلال التدقيق في الملاحظة التالية: إِنّ الأُمور غالباً ما يقصد فيها الجانب النفسي والروحي، والإِنسان كلما أيقن بوجود الشهود والمراقبين عليه من قبل اللّه سبحانه ازداد في محاسبة نفسه، وأقل ما يمكن أن يذكر بهذا الصدد ما سيصيبه من خجل يوم مواجهتهم مع ما إِقترفت يداه.
وبخصوص تلك المحكمة، تأتي الآية لتقول: (ثمّ لا يؤذن للذين كفروا).
وهل من الممكن أن لا يأذن اللّه للمجرمين في الدفاع عن أنفسهم؟
نعم، وذلك لعدم الحاجة للسان في ذلك اليوم العظيم، لأنّ الجوارح من رجل وأذن وعين وكذلك الجلد، بل وحتى الأرض التي أطاع الإِنسان عليها أو عصى، كلها ستشهد عليه، ويمكن استفادة هذا المعنى من آيات قرآنية أُخرى كالآية (65) من سورة يـس والآية (36) من سورة المرسلات.
بل ويزاد على عدم السماح لهم بالكلام بـ (ولا هم يستعتبون).
لأنّ هناك محل مواجهة نتائج الأعمال وليس يوم العمل والإِصلاح، وهم حينها كالثمرّة المقطوفة التي انتهى زمن نموها.
وتشرح الآية التالية حال الظالمين بعد انتهاء مرحلة حسابهم ودخولهم في العذاب، وكيف أنّهم يطلبون تخفيف شدة العذاب تارةً، ويطلبون إِمهالهم مدّة تارةً أُخرى، فتقول: (وإِذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون).
والآيتان أشارتا إِلى أربع مراحل لأهوال المجرمين (وهو ما نشاهد شبيهه في حياتنا الدنيا):
المرحلة الأُولى: سعي المجرم للتنصل والتزوير لتبرئة نفسه، وإِن لم يحصل على هدفه يسعى إِلى المرحلة التالية.
المرحلة الثّانية: يستعتب صاحب الحق ويمتص غضبه وصولا لرضاه، وإِذا لم ينفعه ذلك ينتقل إِلى المرحلة الثّالثة.
المرحلة الثّالثة: يطلب تخفيف العذاب، فيقول: عاقبني ولكنْ خفف العذاب! وإِن لم يستجاب له لعظم ذنبه فإِنّه سيطلب الطلب الأخير...
المرحلة الرّابعة: يطلب الإِمهال والتأجيل، وهو المحاولة الأخيرة للنجاة من العقاب...
إِلاّ أنّ القرآن الكريم يجيب عن طلبات المجرمين بعدم حصول إِذن الدفاع عنهم، ولا يمكنهم تحصيل رضا المولى جل وعلا، ولا يخفف عنهم العذاب، ولا هم ينظرون، لأن أعمالهم من القباحة وذنوبهم من العظمة تسد كل أبواب الإِستجابة.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الجزء الثامن
نسألكم الدعاء
أختكم الفاطمية
زينب قدوتي