الْلَّهُم صَل عَلَى مُحَمَّد وَّآل مُحَمَّد وَعَجِّل فَرَجَهُم
وَالْعَن اعْدَائِهِم
الْلَّهُم صَل عَلَى الْصِّدِّيقَة الْطَّاهِرَة فَاطِمَة وَأَبِيْهَا وَبَعْلِهَا
وَبَنِيْهَا وَالْسِر الْمُسْتَوْدَع فِيْهَا
عَدَد مَا أَحَاط بِه عِلْمُك وَأَحْصَاه كِتَابُك ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
آداب المجالس
قال تعالى;
{ياأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس
فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا
يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم
درجات والله بما تعملون خبير}
فضل ذكر الله تعالى عزّ جاره وجلّ مقامه
في المجالس والنهي عن مجالس لا يذكر فيها أسمه
عزّ وتعالى:
جاء النهي الشديد عن مجالس لا يذكر فيها
اسم الله جلّ وعلا، قال صلى الله عليه وآله
وسلم
(مامن قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه
إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة)
رواه أبو داوود
وورد في آخر عنه (ص);
(ماجلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا
على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم
وإن شاء غفر لهم)
والترة هي الحسرة والندامة، وذلك بسبب تفريطهم.
وفي مقابل ذلك مالو عُمرت هذه المجالس بذكر الله
والثناء عليه والصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم،
فإن هذه المجالس محبوبة إلى الله وأهلها في
ازدياد من الخيرات.
اختيار رفيق المجلس
من الأمور المهمة اختيار رفيق المجلس لأن المرء ولاشك
يتأثر بجليسه مهما كان عنده من حصانة
قال رسول الله (ص);
"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"
رواه أبوداوود
فإن كان مبتدعا فقد حذر السلف منهم وعدم مجالستهم
لأنهم ضرر على الدين والدنيا،
ومجالسهم إما أن ينغمس في بدعتهم أو يصاب بالحيرة
والشك لما يلقونه من الشبهات. قال الحسن البصري:
لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم
ولا تسمعوا منهم.
وإن كان الجليس فاسقا فإنك لن تسلم من سماع الخنا،
والقول الباطل والغيبة والنميمة، وقد يصاحب ذلك
الكثير من المعاصي التي تميت القلب،، فينتكس كثير
من أهل الاستقامة بسبب مجالستهم
للفساق.
ويساور فكرهم الشكوك والظنون بوساوس الشيطان
الرجيم.
أنواع المجالس
لا بد للإنسان في حياته اليومية من مخالطة
الناس ومعاملتهم، ومجالستهم في مجالس
عامة أو خاصة،
ومن خلال هذه المجالس يمكن الحكم على المتجالسين،
وبما ينفضون عن مجلسهم من نتائج وثمرات
يمكن الاعتداد بهذا المجلس والإفتخار بحضوره،
أو الإعراض عنه وتجنب خطره وفساده.
والمجالس مجتمعات يحضرها أناس من جميع الطبقات،
ويتكلم فيها رجال من كافة المستويات، منهم الغث
ومنهم السمين ومنهم المصلح ومنهم المفسد،
والمسلم من يستطيع أن يدير دفة المجلس لما فيه
من خير المتجالسين في دينهم ودنياهم،
ولما فيه رضى الله ورسوله، فإن لم يستطع فالإعراض
عن ذلك المجلس هو محض الخير وعين الصواب.
قال تعالى:
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي
حَدِيثٍ غَيْرِهِ
وقد كان الأنبياء والمصلحون يغشون مجالس الناس
فيقعدون معهم بتواضع وإخلاص،
يأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، ويذكرونهم
بما يصلحهم، ويعظونهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويرغبونهم بالتقوى والعمل الصالح، ويرهبوهم من الكفر
والإثم والمعصية والعدوان.
ولا ينبغي للعالم أو المرشد أن يجالس قوما يخوضون
في باطلهم، ويرتكبون الذنوب والآثام،
غافلين عن الله، ساهين عن عقابه وانتقامه،
مغترين بحلمه وإمهاله، إلا كما يجالس الطبيب
المريض، والعالم المعلم الغافل الجاهل،
بمقدار الحاجة وبما يحقق الدعوة والإصلاح،
كما لا ينبغي للمسلم أن يجلس مجلسا تنتهك فيه
حرمات الله، وتدور فيه كؤوس اللهو واللغو والمنكرات، يشاركهم فيها أكلهم وشربهم، وضحكهم وبطالتهم،
غير مبال بما ينزل على مجلسهم هذا من
غضب الله ومقته..
ويضرب لنا رسول الله (ص) مثلا حيا
فيقول:
لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم
فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم
وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض،
ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم،
وذلك بما عصوا وكانوا يعتدون،
فجلس رسول الله (ص); ـ وكان متكئا ـ وقال:
لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرا ـ
أي تعطفوهم عليه ـ.
رواه الترمذي عن ابن مسعود.
واليوم قل أن نرى مجلسا يذكر فيه الله والدار الآخرة،
بعد أن عمت مجالس الغفلة والمنكرات،
وفشت مجالس الغيبة والنميمة والطعن في
الأعراض، والإنغماس في المحرمات.
ورب مجلس يقعده المرء مع قوم أشقياء، يصنع لنفسه
فيه حلة من الشقاء تلازمه الى يوم القيامة..
ورب مجلس علم أو ذكر أو نصيحة يرتع فيها
الإنسان في روضة من رياض الجنة فلا يخرج منها
الى يوم القيامة..
يقول عليه وعلى آله أفضل الصلاة
والسلام:
ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون
حتى يقال لهم:
قوموا قد غفر الله لكم ذنوبكم، وبدل سيئاتكم حسنات.
رواه الطبراني عن سهل بن حنظلة.
أما ما يتعلق بآدابها
ففيها تنعكس جميع آداب المسلم الإجتماعية،
وتتجلى براعته في لفت أنظار الناس،
وانتزاع إعجابهم، واكتساب قلوبهم، وذلك بحسن أدبه،
وكرم معشره، ودماثة خلقه، ولين جانبه،
وطيب كلامه، وبشاشة وجهه.
وقد نبهنا الله تعالى الى شيء من هذه الآداب
في كتابه العزيز، فأمر بالتوسع والتفسح في المجالس
للقادمين إليها، وإكرامهم وإيثارهم والإحسان إليهم.
أخرج ابن جرير عن قتادة قال:
كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنوا بمجلسهم
عند رسول الله (ص);
فنزلت الآية الكريمة:
يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس
فافسحوا يفسح الله لكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنها نزلت يوم الجمعة
وقد جاء ناس من أهل بدر وفي المكان ضيق،
فلم يفسح لهم، فقاموا على أرجلهم، فأقام نفرا لعدتهم،
وأجلسهم مكانهم، فكره أولئك النفر ذلك، فنزلت الآية.
قال رسول الله (ص): ثلاث يصفين ودّ المرء لأخيه
المسلم:
يلقاه بالبشر إذا لقيه ، ويوسعّ له في المجلس
إذا جلس إليه، ويدعوه بأحب الأسماء إليه .
أتى رسول الله (ص) رجل فقال :
يا رسول الله أوصني،
فكان فيما أوصاه أن قال(ص):
إلق أخاك بوجه منبسط .
في مناهي النبي (ص) أنه نهى أن يقول
الرجل للرجل:
لا وحياتك وحياة فلان .
عن إسحاق بن عمار قال: قال الصادق (ع):
يا إسحاق .. صانع المنافق بلسانك واخلص ودّك للمؤمن،
فإن جالسك يهودي فأحسن مجالسته
نهى النبي (ص) عن المدح، وقال:
احثوا في أفواه المداحين التراب .
قال أبو عبد الله (ع) ثلاث من مكارم الدنيا
والآخرة:
تعفو عمّن ظلمك، وتصل من قطعك،
وتحلم إذا جهل عليك
آداب المشاورة مع الإخوان
قال أبو عبد الله (ع):
إستشر في أمرك الذين يخشون ربهم .
عن علي (ع) قال: قال رسول الله (ص):
يا علي .. لاتشاورنّ جباناً فإنه يضيق عليك المخرج،
ولاتشاورنّ بخيلاً فإنه يقصر بك عن غايتك،
ولاتشاورن حريصا فإنه يزّين لك شرّها،
وأعلم أن الجبن والبخل والحرص غريزة يجمعها
سوء الظن .

آداب معاملة صاحب البيت لضيوفه
عن إسحاق بن عثمان قال:
قلت لأبي عبد الله (ع): من قام من مجلسه تعظيما" لرجل ؟ .. قال : مكروه إلا لرجل في الدين .
قال رسول الله (ص): إنّ من حقّ الداخل على أهل البيت أن يمشوا معه هنيئة .. إذا دخل وإذا خرج .
قال رسول الله (ص): إذا عرض على أحدكم الكرامة فلا
يردها ، فإنما يردّ الكرامة الحمار.
عن عبد الله بن القداح، عن أبي عبد الله (ع) قـال:
دخل رجـلان على أمير المؤمنين (ع) ..
فألقى لكل واحد منهما وسادة فقعد عليها أحدهما
وأبى الآخر، فقال أمير المؤمنين (ع):
إقعد عليها فإنه لايأبى الكرامة إلا الحمار.
أدب وكيفية الجلوس
قال أبو عبد الله (ع): لاينبغي للمؤمن أن يجلس
إلاّ حيث ينتهي به الجلوس، فإنّ تخطي أعناق
الرجال سخافة.
عن الصادق (ع) قال: كان رسول الله (ص)
أكثر ما يجلس تجاه القبلة.
عن أبي عبد الله (ع) قال:
لايجوز للرّجل أن يحتبي مقابل الكعبة.
[ الإحتباء: هو أن يضّم الانسان ساقيه الى بطنه
بثوب يجمعهما به مع ظهره .]
نهى النبي (ص) عن أن يقام الرجل عن مجلسه
ويجلس فيه آخر. قال صلّى الله عليه وآله:
ولكن تفسّحوا وتوسعّوا وروي أنّ النبي (ص)
لعن من جلس وسط الحلقة، ونهى أن يجلس الرجل
بين الرجلين إلاّ بإذنهما .
عن الصادق (ع) قال:
كان رسول الله (ص) أكثر مايجلس تجاه القبلة.
روي أن النبي (ص) كان يجلس ثلاثا":
القرفصاء وهو أن يقيم ساقيه ويستقبلها بيديه
ويشدّ يده في ذراعه، وكان يجثو على ركبتيه،
وكان يثني رجلا" واحدة ويبسط عليها الأخرى،
ولم يرَ (ص) متربعا" قط .
وصايا ونواهي في آداب المجالس
السلام عند الدخول الى المجلس،
وعند الخروج منه.
الجلوس حيث ينتهي المجلس،
ولو انتهى به الى مكان متواضع وتجنب تخطي
الرقاب للوصول الى صدر المجلس.
أداء حق المجلس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والتذكير بالطاعات والصالحات
والصدقات.
الإصغاء الى الكلام الحسن ممن يحدث،
دون طلب إعادته، والبعد عن المضاحك والمهازل،
وتجنب التصنع والقطع والتكلف والتبذل.
التيامن في الدخول الى المجلس والخروج
منه وشغل الأماكن بالجلوس، وإخلائها بعد المجلس،
وفي توزيع الماء أو الطعام، حيث يبدأ بسيد المجلس
ثم الأيمن فالأيمن.
المحافظة على نظافة المجلس، وحضوره بثياب نظيفة،
ومظهر حسن، متعطرا، متسوكا، مرجلا شعره،
مقلما أظافره هادئا وقورا.
تجنب الجلوس في مكان أحد بعد إبعاده عنه
ولو كان طفلا صغيرا أو رجلا فقيرا.
تجنب الجلوس بين اثنين جلسا مع بعضهما قبله
إلا إذا فسحا له بينهما.
تجنب الجلوس في وسط الحلقة في مجلس
حلق فيه الناس على شكل دائري.
تجنب إشغال المكان الذي قام منه صاحبه
إذا علم أنه سيعود إليه، والإفساح له في مجلسه
إذا عاد إليه.
تجنب تهامس إثنين وتناجيهما مع بعضهما
في مجلس لا يضم سوى ثلاثة أشخاص لئلا يظن
بهم ظن السوء،
أو يحزن لانشغالهم عنه وتركه وحيدا.
إلا أذا أذن لهم بذلك.
تجنب تنقيص أحد أو الإستهزاء به في المجلس،
أو الإستهتار بالحاضرين أو الجلوس على
غير هيئة الأدب بينهم كالإستلقاء
وهم جلوس أو القعود في مكان مرتفع وهم
على الأرض أو مد الأرجل.
تجنب الاحتباء وتشبيك الأصابع وفرقعتها،
والعبث بالخاتم، وتخليل الأسنان، وإدخال اليد ف الأنف،
وكثرة التمطي والتثاؤب.
تجنب إفشاء أسرار المجالس، وما إئتمنه عليه أصحابها،
فذلك من الخيانة.
تجنب نقل أحاديث المجالس وتبليغها على
وجه الإفساد
ونشر العداوة والبغضاء.
تجنب مجالس اللهو واللغو والحرام وهدر الأوقات،
ونهش الأعراض، وغمط الناس وهمزمهم وغيبتهم،
أو مجالس المراء والجدال والكفر والإلحاد والباطل.
أو مجالس الغناء والمعازف أو مجالس الإختلاط
وإثارة الغرائز والشهوات.
إنهاء المجلس بقراءة سورة العصر والتواصي بها والتذكير بمعناها الجامع لكل خير.
وصلّ الله على محمد وآل محمد
وفقنّا الله تعالى لحسن مرضاته ولجميع طاعته
يُتبع في المرة القادمة....أن شاء الله
دمتم بعين الرحمن وحفظه