اقترب منها ..مسكها من كتفها ويده الأخرى وضعها على جبينه المتعرق
وهبة تسأله ما بك ماذا هنالك ..
اتصلوا بي من الجبهة الآن ويجب ان اعود في اسرع وقت .. ارجوك تفهمي وضعي انا لا يمكنني التخلف عن واجبي ولا اظن انني سأغيب كثيرا ربما يومين ليس أكثر
دارت الدنيا بهبة .. لم تعد تعي شيئ .. تعبت من الانتظار والرحيل والوحدة ..
"اين وعدك لي بالبقاء شهرا "
ان الامر خارج عن ارادتي .. فالعدو اكتشف مركزا سريا لنا وقصفه واستشهد 5 من رفاقي الا تقدرين.. إنني على قيد الحياة الآن ولو كنت معهم لاستشهدت " وفي قلبه تمنى لو كان معهم " .. كلهم متزوجون ولديهم نساء واطفال .. ضعي نفسك مكانهم
" لم اعد احتمل محاضرتك .. انا بشر ولست ملاكا .. "
اعرف انك بشر وباستطاعتك ان تكوني افضل من الملائكة ..
" ثائر توقف عن ارشادي ونصحي فقد مللت .. مللت من حياتي البائسة ومنك ومن نفسي .. مللت انا امضي ايامي وحيدة والعمر قصير .. وانا لا اريده ان يمر هكذا .. "
انا الآن غير قادر على مناقشتك وتحمل كلامك الجارح .. تجاوزت كثيرا عن اخطائك بحقي .. ولكن وضعي النفسي والجسدي لا يسمحان لي باستيعابك فاصمتي قبل ان يحصل ما لا يحمد عقباه .. انا مضطر لان اذهب ساحضر اغراضي واتصل بياسر ليحضر محمد .
اجرى بعض الاتصالات .. وهبة جالسة في الصالة تبكي ..
وكان مستاءا جدا ولكنه ضغط على نفسه وحاول ان يكلمها قبل ان يرحل
" يومين واعود .. تعوذي من ابليس .. واحتسبي الاجر عند الله .. فيصير التعب والعناء والشقاء له طعم خاص .. لأنك تعملين لله .. وترجين ثوابه "
ولكن هبة كانت قد اخذت قرارها هذه المرة وحسمت امرها فلم تؤثر عليها كلمات زوجها ..
اسمعني يا ثائر .. اذا انت طلعت من هذا الباب الآن فعليك فانا ساطلع منه ايضًا ولكني لن اعود .. فإما ان تترك عملك وتدعنا نرتاح انا وطفلك .. او تطلقني ..
صعقت كلماتها ثائر .. تخيره بين عمله وبينها .. وكانها تخيره بين الجنة والنار
تقول له اشتري جسدا متعفنا يأكله الدود .. بنعيم الجنة .. وحورياتها وانهارها العسل واللبن ..
لم يكن يعلم ان هبة قد ضعفت الى هذا الحد ..
ولكنه طبعًا لن يطلقها الآن ..
فقال لها .. " انا أخبرتك بظروفي كلها قبل ان اتزوجك وانت وافقتي ورحبتي ان لم اكذب عليك يوما ولم اعدك بحياة خيالية .. ولكنني احببتك اكثر من روحي واحترمتك في حضورك وغيابك .. لم تنظر عيني على امرأة غيرك .. ولم تسكن في قلبي واحدة سواك .. افعل كل ما استطيع لأجعلك سعيدة .. لم ارفع صوتي عليك فضلا عن يدي .. وانت تعلمين كم جرحتني في الأشهر الفائتة .. ولكني صبرت وتحملت .. انا اعلم ان النساء من تصبرن على أذى ازواجهن ولكن معي حصل العكس .. كنت تقارنين بيني وبين اخي وانا لا ارد .. تطالبيني بأكثر مما املك وانا احاول جهدي ان لا ارد لك طلب .. حتى عندما ازداد مرتبي ... فدمت الزيادة كلها لك .. واي مكافئة احصل عليها .. كنت اقدمها لك ولا افكر بنفسي مطلقًا .. ولكنك لم تقدري .. واعتقدتي انك وحدك على هذا الكوكب من تعاني ..
سأتركك الآن فربما تهدئين وبعدها نتناقش في موضوع الطلاق .. وإذا كنت مازلت على موقفك لنا حديث آخر ..
انا الآن لم يعد لدي الوقت الكافي للبقاء اكثر ساحدث ياسر ..
كانت هبة منهارة جدًا فطلب ثائر من اخيه ان تأتي نسرين اليها ليطمأن انها لن تكون وحدها .. ولكن ياسر لم يعلم ماذا يقول .. فقد حدث خلاف كبير بينه وبين نسرين وهو الآن خارج المنزل ولكنه خجل ان يخبر اخيه بالأمر ..
اتصل بنسرين اكثر من مرة .. ولكنها لم ترد .. فبعث لها رسالة اخبرها بطلب ثائر ..
فأخذت مفاتيح سيارتها .. وتركت محمدا نائما عند جدته وذهبت الى هبة .. فقد كانت تحبها جدًا .. فهبة لم تظهر يوما غيرتها للعلن وفي اوقات الشدائد كانت تساندها وتقدم لها المعونة .. رغم ان وضع نسرين النفسي في هذه الأثناء صعب للغاية ولكنها لم تكن لتترك هبة وحدها او ترد طلبا لثائر ..
وصلت الى منزل هبة فتحت لها الباب وارتمت في حضنها .. وهي تبكي وتقول رحل رحل .. تركني منهارة ورحل ..
أخذت تبكي وتشكي وتخبرها عن حجم المعاناة التي تعيشها كل يوم مع ثائر ولكنها لم تحدثها عن الطلاق .. وبعد ان هدأت قليلا دخلت الحمام غسلت جسمها بالماء غيرت ثيابها وعادت الى حيث كانت نسرين جالسة .. فوجدتها غارقة بدموعها تبكي بمرارة وصوت انينها بالكاد يسمع ..
ركضت اليها وظنت انها تبكي لحالها
" انا ارتحت الآن ارجوك توقفي عن البكاء فها انا قد توقفت "
مسكت نسرين يد هبة ونظرت في عيبنيها وقالت .. انا ابكي على حالي
فانت تتمنين لو يكون ثائر كياسر ويعاملك بالطريقة نفسها وانا اقول اتمنى لو انه ياسر يشبه ثائر ولو 20% فما كانت حالنا هكذا ..
على الأقل زوجك لم يتركك من اجل واحدة اخرى .. بل من اجل امر سامي .. من اجل دينه ووطنه وقيمه
" تفاجأت هبة من الكلام الذي تسمعه "
واكملت نسرين .. ثائر يحبك بإخلاص وكلنا نعلم ذلك .. ليست السعادة بما نملك من مال او ذهب او بما نزوره من بلاد .. او ما نلبسه من ثياب ..
اتظنين انني سعيدة .. كلا ..
انا في كل يوم اكتشف علاقة لياسر مع واحدة غيري ..
اسمعه يغازل في الهاتف .. ويتحدث عبر المسنجر ..
اواجهه تارة فيعتذر ويندم ويعدني بانها نزوة .. ومضت
وانا اسامح واتغاضى .. وافتح صفحة جديدة
.. ولكن الأخيرة قد قسمت ظهري ..
خانني مع خادمة والدتي .. كيف وصل اليها وكيف اغرته لا اعلم ..
ولكنني رأيته بعيني وسمعته بأذني ..
وكادت ان يغشى عليها وهي تتكلم .. فأوقفتها هبة عن الكلام وسقتها بعض الماء وأخذت تسمي عليها وتقرأ لها بعض السور القرآنية لتهدأ
" حبيبتي ارحمي نفسك خلاص .. لأجل الجنين .."
"اريد ان اطلب الطلاق لم اعد احتمل خيانته لي مجددا "
فأخذت هبة تقول : لا تتفوهي بمثل هكذا كلام .. إنه ابغض الحلال عند الله.. هل ستهزمك خادمة .. انت نسرين ستجعلك ساقطة تخسرين زوجك وبيتك .. وتدمرين حياتك وحياة الطفل .. لا ارجوك .. خذي فترة نقاهة .. إبحثي عن سبب خياته ربما يكون قلة الرادع الديني .. قوي ايمانك بالله وساعديه ايضًا على ذلك ..
لا تستسلمي بسهولة .. فانت وطفلك تستحقان حياة جميلة .. وياسر قلبه طيب .. وان اخطأ اكثر من مرة فربما بإمكانك الاصلاح ..
واخذت تنصحها وقد نسيت انها هي نفسها قبل قليل طلبت الطلاق من ثائر ..
نامت نسرين عند هبة وفي اليوم التالي استيقظتا باكرا .. مع آذان الفجر وكل واحدة في غرفته .. رجت رحمة ربها وان يرد لها زوجها ..
ومن ثم توجها الى منزل عمتهم
هبة مشتاقة لمحمد كثيرا ..
ونسرين عليها إعادت ترتيب حياتها من جديد وكما قالت لها هبة لن تستسلم .. وستعالج الخلل .. ولكنها ستعاقب ياسر قليلا .. ولكن بطريقتها
عمتهم كانت منشغلة البال فلم تعلم ماذا حصل ..
فأخبرتها هبة بعض الحقيقة واخفت الكثير
من ثم عادت الى منزلها وأخذت طفلها معها..
فهي بحاجة لإعادة حساباتها من جديد
ندمت على كل الوقت التي ارهقت به دماغها وهي تفكر وتقارن وتتمنى ان تعيش كنسرين ..
(وانا اكتب القصة تذكرت قول كنت قد قرأته في كتاب غير حياتك في 30 يوما للدكتور ابراهيم الفقي )
ونضيع في سراب ما لا نرى ,
كانت ستخسر زوجها الذي يحبها ويحترمها
خجلت من نفسها .. وكيف سارت وراء متاع هذه الدنيااا وكأن الشيطان اعماها
فصارت تشعر ان حياتها جحيم .. وانها مظلومة .. ومضطهدة ..
وتناست حجم النعيم الذي تعيش فيه .. فيكفي ان الله فتح لها بابا للجهاد ..
او ليس جهاد المرأة حسن التبعل ..؟ فكيف إذا كان بعلها مجاهد ..؟
كيف لم تستلذ بطعم الجهاد مع ثائر وهي تنتظره ؟
بل كيف أمضت وقتها تراقب الناس فكادت ان تموت هما كما قال لها ثائر يوما
وكم تمنت ما عندهم .. ولكنها كانت تأخذ الأمور بظاهرها .. ولم تعلم ان للبيوت اسرار وخفايا ...