رد: قراءة تحليلية في أعمال شهر شعبان.
أشرت سابقا إلى اهتمام الإسلام بعامل الزمن, و ارتباط البرنامج العبادي المكثف بأوقات خاصة, ويمثل شهر شعبان أحد تلك الأوقات, وكل أوقات شهر شعبان ذات فضل, و تمتاز ليلة النصف منه و يوم النصف بفضل خاص.
على أنه ينبغي التأكيد أن من أراد الحصول على مراتب عالية من التكامل الروحي, عليه أن لا يحصر وقت عبادته في ليلة النصف فقط, بل لا بد أن يستعد لها قبل ذلك, شأن ذلك شأن من لديه امتحان, فمذاكرة ليلة الامتحان فقط و إهمال الفترة السابقة للامتحان لا تجعل الإنسان ينال درجة الامتياز والتفوق, وكذلك الحال مع ليلة النصف من شهر شعبان.
إن من يعمل ليلة النصف فقط, سينال نصيبا من العطاء الإلهي, ولكن هناك فرق بين شخص عمل ليلة النصف فقط, وبين شخص آخر استعد للقاء الله في ليلة النصف من شعبان منذ فترة.
إن البرامج العبادية المتنوعة في شهر شعبان من صيام ودعاء و مناجاة واستغفار و صلوات, تعمل على تهيئة النفس تهيئة قوية, فالنفس في هذا الشهر في دورة مكثفة, توصل هذه النفس إلى مراتب متقدمة في التكامل الروحي, بسبب عظمة الزمان الذي تمت فيه هذه الدورة, وهو شهر شعبان.
إن الأشهر الثلاثة - رجب وشعبان ورمضان - تمثل دورة سلوكية تربوية تعمل على صقل الروح و تهذيبها وتنقيتها مما يعلق بها من أدران الهوى, والسمو بها نحو معارج التكامل.
الهدف من هذه الدورة المكثفة هو زيادة الاستعداد والتهيئة الروحية لاستقبال الجوائز الكبرى التي أعدها الله للراغبين في شهر رمضان, حيث تصل هذه الجوائز ذروتها في ليلة القدر العظمى.
إن أشهر رجب و شعبان و رمضان ملأى بكثير من المستحبات, التي لو اجتهد الإنسان في أدائها فإنه سيصل إلى مراتب عالية من التكامل الروحي, وهذا يؤهله لأن يحصل على مزيد من فيوضات الله سبحانه وتعالى.
كل عمل مستحب يفعله الإنسان بصدق و إخلاص , يرفع من درجات التكامل الروحي لديه, ويعمل على تصفية روحه مما يعلق بها من شوائب, تحرمها من الحصول على ألطاف الله سبحانه وتعالى.
ومن أعظم المستحبات في شهر شعبان هو الصوم, وقد أكدت على فضله الروايات الكثيرة الواردة عن المعصومين, و كذلك الاستغفارو و الصلاة على محمد و آل محمد, و الدعاء.
و توجد صلوات خاصة يؤتى بها برجاء المطلوبية, وهي ذات فضل كبير.
كل هذه الأعمال إذا أتى بها الإنسان بتوجه و إقبال على الله سبحانه وتعالى, فإنها تترك تأثيرا عظيما في روحه, يزيد من قربه من الله سبحانه وتعالى, وهي تمثل رصيدا قويا يزودنا بالصبر, ويقوي من أنفسنا إزاء إغراءات الشهوات, كي نصل إلى مراتب أعلى و أعلى و أعلى من الكمالات الروحية.
إن مداومتنا على الذكر تنتشلنا من سبات الغفلة, وتدفعنا نحو الأمام وتعمق من درجة قربنا من الله سبحانه وتعالى.
كي يصل الإنسان إلى الله, فإنه بحاجة إلى ما يعبر عنه بزاد الراحل, وهذا الزاد يعتمد وجوده على قوة إرادة الشخص على أداء العمل العبادي.
كما عبر عن ذلك الإمام السجاد عليه السلام :
" و قد علمت أن أفضل زاد الراحل إليك عزم إرادة و قد ناجاك بعزم الإرادة قلبي .. "
فالتوجه القلبي نحو هذه الأعمال هو إقبال على الله سبحانه وتعالى, وعلى الإنسان أن يكون ذا إرادة قوية, وألا يتكاسل عن أداء المستحبات الواردة في هذا الشهر العظيم.
إن الحرص على أداء هذه البرامج العبادية المتنوعة هو سير في معراج الكمالات الروحية, وكلما كان اهتمام الإنسان بالبرامج العبادية أكثر, وكان توجهه القلبي إلى الله أقوى في أدائها , كان أكثر قربا من الله, وهذا يؤهله للحصول على مراتب من التكامل لم يحصل عليها ممن قبل.
يُتبع :
|