الوجه الحضاري للزهراء
الوجه الحضاري للصديقة الزهراء(عليها السلام)
وهذا البحث يأتي مكملاً للبحث الأول (المقامات الغيبية) وهو بحث مهم جداً بل قد يكون واجباً بالوجوب المقدمي في عالم اليوم; فإن العلماء يقولون إن مقدمة الواجب واجبة إما بالوجوب العقلي أو بالوجوب العقلي والشرعي معاً، فهم و إن اختلفوا في نحو الوجوب إلا أن أصل الوجوب ليس محل خلاف.
وفي البدء أنقل لكم بعض القصص الواقعية لبيان حاجة الإنسان المعاصر إلى القيم وتعطشه إلى الأخلاقيات.
۞القصة الأولى تعود لشاب خليجي كان يعيش مع شخص مسيحي في بيت واحد، فكان يجلب له الطعام دائماً، فتأثر المسيحي بهذا السلوك وأعلن عن رغبته في اعتناق الإسلام.
۞ والقصة الثانية: إن رجلا كافراً كان يرقد في المستشفى فرأى أن جاره المسلم يزوره أصدقاؤه المسلمون أما هو فحتى ابنه لا يزوره، وعندما سأل جاره عن السبب قال:
إن ذلك يعود لثواب عيادة المريض في الإسلام. فقال المسيحي: أما أنا فابني ينتظرني حتى أموت لكي يبيع جثتي للمشرحة ثم اعلن إسلامه!
۞أما القصة الثالثة فتعود لشاب من دول الخليج يدرس في إحدى الجامعات في الغرب، يقول:
كنت ذاهباً إلى الجامعة وكان الحضور في ذلك اليوم مهماً جداً ـ ربما لامتحان أو أمر مهم آخر ـ إذ هطل المطر بغزارة، فاستظل الناس بسقف في انتظار أن يتوقف المطر، وكنت أحمل مظلة، فرأيت في الأثناء امرأة واقفة متحيرة لا تعلم ماذا تفعل، لأن المطر قد لا ينقطع بسرعة فيدركها الوقت ويفوتها الحضور في الجامعة.
فأخذتني الشفقة عليها لأنها فتاة فدنوت منها وسلّمتها المظلّة ثم ذهبت إلى الجامعة تحت الأمطار.
وبعد بضعة أيام رأتني الفتاة فقالت لي: لقد حققت عنك فعرفت أنك من البلد الفلاني وأنك تدين بالإسلام، وأن ما قمت به تجاهي ينبع من بند في دينكم يسمى الإيثار، وهذه القيمة مفقودة عندنا، ولقد أعجبني دينكم، فعلّمني كيف أدخل فيه!
وما أكثر القيم التي توجد عندنا ولا مفهوم لها عند كثير من الغربيين، وإحدى هذه القيم قيمة الضيافة، وقد نقل أحد الإخوة أنه حتى الزوجين ربّما يدفع كل منهما ثمن طعامه بنفسه إذا دخلا المطعم.
وهذه الحالة المادية أثرت حتى على بعض المسلمين الذين ذهبوا إلى الغرب، ولذلك ترى تفكيرهم مادياً صرفاً، ولا يعملون شيئاً إلا بعد معرفة مردوده المادي ويحسبون حتى للدقيقة التي يصرفونها مع أحد بما يجنونه من ربح مادي فقط.
وفي ظل سيطرة التفكير المادي شهد الغرب تفكك الأسرة وغياب القيم الإنسانية، فالأب يُخرج أبناءه من البيت ليتدبروا أمرهم ولا يعد نفسه مسؤولاً عنهم، والأولاد لا يكترثون بما يحلّ بآبائهم وأمهاتهم، وبعض الأبناء ينتظر موت أبيه ليبيع جثته، أما الاحترام والطاعة والتفقد للوالدين فلا وجود لها غالباً في المجتمع الغربي.
والأخلاق أصبحت أخلاقاً مادية، فالشخص لا يعود صديقه المريض إلا إذا رأى أن في ذلك نفعاً مادياً له.
وإذا كان موقف واحد من شاب مسلم أثر في فتاة غربية وحوّلها إلى الإسلام فكيف إذا عرضنا حياة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) على العالم، وحياتها كلها مواقف وقيم؟!
مقتبس من محاضرة للسيد رضا الشيرازي قدس سره
|