اهتمام الإسلام بعامل الزمن :
هناك علاقة كبيرة بين الزمن وبين العبادة.
لقد اهتم الإسلام كما جاء عن النبي صلى الله عليه و آله و أهل بيته الأطهار بالزمن, وحث على العبادة في أوقات معينة, هي من مواطن استجابة الدعاء, نحو :
- يوم الجمعة وليلة الجمعة.
- آخر ساعة في نهار الجمعة.
- الثلث الأخير من الليل.
- أول يوم من رجب, ويوم النصف منه وليلة النصف منه, وليلة المبعث ويومها.
- ليلة النصف من شهر شعبان.
- شهر رمضان وليالي القدر فيه.
- ليلة عرفة ويومها.
إن النفس بحاجة إلى تهيئة كي تنال حظا وافرا من عطاء الله سبحانه وتعالى, و يعتبر شهرا رجب و شعبان من شهور التهيئة والتعبئة الروحية , كي تصل الروح إلى مراتب من الكمالات الروحية, تكون مهيئة فيها لنيل المزيد من العطاء الإلهي, الذي يرفعها إلى درجات عالية في عالم التكامل.
لا يمكن لطالب أهمل المذاكرة طيلة العام أن يحرز درجة التفوق و التميز بمذاكرته ليلة الامتحان فقط.
و كذلك الحال في الأمور العبادية.
إن الأشهر الثلاثة - رجب وشعبان ورمضان - تمثل دورة سلوكية تربوية تعمل على صقل الروح و تهذيبها وتنقيتها مما يعلق بها من أدران الهوى, والسمو بها نحو معارج التكامل.
في هذه الأشهر دورات مختلفة.
كل يوم وكل ليلة تعتبر دورة صغيرة.
تكون هذه الدورات مكثفة في أيام معينة من هذه الأشهر, نحو أول ليلة من رجب, وليلة النصف من رجب ويوم النصف, ويوم المبعث وليلته, وليلة النصف من شعبان, الخ ...
الهدف من هذه الدورات الصغيرة والمكثفة هو زيادة الاستعداد والتهيئة الروحية لاستقبال الجوائز الكبرى التي أعدها الله للراغبين في شهر رمضان, حيث تصل هذه الجوائز ذروتها في ليلة القدر العظمى.
غير أنه ينبغي أن نشير إلى أن العمل في ليلة القدر وحده لا يكفي للحصول على جوائز عظمى.
لو عمل المرء في ليلة القدر فقط, سيكون حظه من العطاء الإلهي أقل من حظ أولئك الذين استعدوا للحصول على هذه الجوائز الإلهية قبل شهر رمضان بفترة, حيث استثمروا أيام رجب و شعبان, في تصفية أرواحهم كي تكون مهيئة لنيل ماهو أعظم و أعلى من الجوائز الإلهية.
إن البرنامج العبادي المتنوع في شهري رجب و شعبان هو فرصة ذهبية ينبغي للإنسان أن يستثمرها ففيها سعادته الحقة.
هنالك برامج عبادية متنوعة تشمل الصوم والصلاة والدعاء والأذكار الصغيرة, و الزيارات, وردت عن الرسول الأعظم و أهل بيته عليهم السلام, وفي الالتزام بها خير للإنسان.
لا ينبغي للإنسان أن يخترع له برنامجا عباديا, فهناك برامج عبادية معدة وردت عن النبي صلى الله عليه و آله و أهل بيته الأطهار عليهم السلام, حيث أنه لا يمكن تحقق وجه التدين الذين يريده الله تعالى بعيدا عن هذه البرامج العبادية, فلا قيمة لبرنامج عبادي لم يرد عن المعصومين عليهم السلام.
هذه الدورة التربوية الإيمانية المكثفة التي تبدأ في شهر رجب و تنتهي في شهر رمضان, تضع الإنسان المؤمن في قلب الصراط المستقيم, الذي أشار إليه القرآن الكريم :
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } الفاتحة : 6
وقد أورد العلامة الطباطبائي في الميزان بعض الروايات الواردة عن المعصومين :
و في المعاني، عن الصادق (عليه السلام): في معنى قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم يعني أرشدنا إلى لزوم الطريق المؤدي إلى محبتك، و المبلغ إلى جنتك، و المانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك و في المعاني، أيضا عن علي (عليه السلام): في الآية، يعني، أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به في ماضي أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.
و في المعاني، أيضا عن علي (عليه السلام): في معنى صراط الذين الآية: أي: قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك و طاعتك، لا بالمال و الصحة، فإنهم قد يكونون كفارا أو فساقا، قال: و هم الذين قال الله: "و من يطع الله و الرسول - فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم - من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين، و حسن أولئك رفيقا".
إن البرامج العبادية المتنوعة التي أشار إليها الرسول وأهل بيته عليهم السلام, تحقق هذه المعاني المشار إليها في هذه الأحاديث.
يُتبع :