غفلة كثير من المؤمنين عن الكنوز المتاحة أمامهم :
مما يؤسف له, عند بعض المؤمنين,ولا سيما الشباب, هو النظرة غير الفاحصة لما هو متاح أمامهم منة كنوز في هذه الأشهر العظيمة.
قد تجد بعض كبار السن أكثر حرصا على الاستفادة من هذه البرامج من الشباب. على سبيل المثال, يتثاقل كثير من الشياب عن الصيام في شهر رجب, بينما تجد كثيرا من كبار السن, يصلون صيام شهري رجب و شعبان بشهررمضان المبارك.
إن منشأ هذا الاعتقاد الخاطىء لدى الشباب هو عدم إحاطتهم بما تعود عليه هذه الأعمال من فوائد عظيمة دنيا و آخرة.
إن غفلة كثير من المؤمنين عن الاستفادة من فرص العطاء الإلهي في هذه الأشهر العظيمة, يعود بالخسارة العظيمة على الإنسان, ويرى أثر هذه الخسارة يوم القيامة.
ينبغي للإنسان الواعي أن يكون أكثر يقظة بأهمية هذه الأعمال التي تؤدى في هذه الأشهر العظيمة, وأن يعلم أنه هو المستفيد من هذه الأعمال.
وقبل أن ندخل في تحليل البرنامج العبادي في هذا الشهر العظيم, أضع أمام القارىء الكريم هذا الحديث الشريف, الذي رواه العلامة المجلسي في زاد المعاد وبحار الأنوار / جزء 7 / صفحة[ 318 ] :
قال رسول الله صلى الله عليه واله: إن من عرف حرمة رجب وشعبان، ووصلهما بشهر رمضان شهر الله الاعظم شهدت له هذه الشهور يوم القيامة، وكان رجب وشعبان وشهر رمضان شهوده بتعظيمه لها، وينادي مناد: يا رجب يا شعبان ويا شهر رمضان كيف عمل هذا العبد فيكم وكيف كانت طاعته لله عزوجل ؟
فيقوم رجب وشعبان وشهر رمضان: يا ربنا ما تزود منا إلا استعانة على طاعتك واستمدادا لمواد فضلك، ولقد تعرض بجهده لرضاك، وطلب بطاقته محبتك.
فقال للملائكة الموكلين بهذه الشهور: ماذا تقولون في هذه الشهادة لهذا العبد ؟
فيقولون يا ربنا صدق رجب وشعبان وشهر رمضان، ما عرفناه إلا متقلبا في طاعتك، مجتهدا في طلب رضاك، صائرا فيه إلى البر والاحسان، ولقد كان يوصله إلى هذه الشهور فرحا مبتهجا. أمل فيها رحمتك، ورجا فيها عفوك، ومغفرتك وكان مما منعته فيها ممتنعا وإلى ما ندبته إليه فيها مسرعا لقد صام ببطنه وفرجه و سمعه وبصره، وساير جوارحه ولقد ظمأ في نهارها ونصب في ليلها، وكثرت نفقاته فيها على الفقراء والمساكين، وعظمت أياديه وإحسانه إلى عبادك، صحبها أكرم صحبة، وودعها أحسن توديع أقام بعد انسلاخها عنه على طاعتك، ولم يهتك عند إدبارها ستور حرماتك، فنعم العبد هذا.
فعند ذلك يأمر الله تعالى بهذا العبد إلى الجنة فتلقاه ملائكة الله بالحباء و الكرامات، ويحملونه على نجب النور، وخيول النواق، ويصير إلى نعيم لا ينفد، ودار لا تبيد، لا يخرج سكانها، ولا يهرم شبانها، ولا يشيب ولدانها، ولا ينفد سرورها وحبورها، ولا يبلى جديدها، ولا يتحول إلى الغموم سرورها لا يمسهم فيها نصب ولا يمسهم فيها لغوب، قد أمنوا العذاب، وكفوا سوء الحساب وكرم منقلبهم ومثواهم.
إن هذا الحديث يهز النفس من الأعماق, وعلى الإنسان العاقل أن يضعه نصب عينيه.
إن الغفلة عن البرنامج العبادي في هذه الأشهر العظيمة جريمة كبيرة يقترفها الإنسان في حق نفسه.
ستشهد له هذه الأشهر الثلاثة يوم القيامة إذا أداها كما ينبغي, وستشهد ضده, إذا أضاع أوقاتها في ما لافائدة فيه ... قضاها بعيدا عن لذة مناجاة الله سبحانه وتعالى.
لا يوجد تعارض بين عمل الإنسان وبرامج أنشطته اليومية و بين أداء الأعمال الرجبية والشعبانية والرمضانية , فهذه الأعمال لا تستغرق إلا وقتا بسيطا من وقت الإنسان.
على الإنسان أن ينتبه من غفلته, وأن يعوض عما فاته من فرص أضاعها, لئلا يعض أصابع الندم, في يوم لا يمكنه الرجوع فيه مرة أخرى.
إن الجنة ليست درجة واحدة, بل هي درجات مختلفة, و كل إنسان له نصيب حسب اجتهاده.
يقال إن إضاعة الفرصة غصة, وينبغي للعاقل ان يحسن استغلال الفرص.
لو أن مؤسسة ما, عرضت أسهما للاكتتاب, وكان قيمة الشراء للسهم عشرة ريال, وقيمة البيع ألف ريال, فما مدى إقبال الناس على هذا الاكتتاب؟
إن فائدة التعامل مع الله سبحانه وتعالى في هذه الأشهر العظيمة أعظم بكثير جدا من فوائد الاكتتاب في الأسهم المادية, وهي تجارة مضمونة الأرباح لا خسارة فيها.
ينبغي للإنسان العاقل أن يعلم يقينا أنه بحاجة إلى شهود يشهدون له يوم القيامة الذي عبر عنه القرآن الكريم في سورة الحج :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
هناك أمور تقيك شر هذه الزلزلة و أهوالها, وفي طليعة تلك الأعمال هو ما تقدمه من أعمال في هذه الأشهر العظيمة : رجب و شعبان ورمضان.
ستشهد لك هذه الأشهر بأنك قد أحسنت جوارها, وقمت بما أوصى به الرسول صلى الله عليه و آله و الأئمة الطاهرين فيها من ألوان الطاعات و العبادات.
يُتبع :