رد: امرأة إسمها زينب ..تابعونا
(4)
عصف الأرق بأمّ سَلَمة.. غادر النوم عينيها الساهرتين.. تراقب النجوم وهي تومض من بعيد.
مُذْ غادر الحسين الحجاز.. والرؤيا لا تفارقها .. مذ رحل السبط إلى أرض السواد.. وهي ترى النبيّ حزيناً مكتئباً. وعندما تنحسر الرؤيا ، تتذكر حزن الحبيب يوم فقَد ابنَه إبراهيم.
عانقه ثم قال ـ وعيناه تدمعان : إنّا بك لَمحزونون.
ولكنّ حزنه الآن حزنٌ عميقٌ.. كبئر سحيقة.
لم تشاهده بهذه الحال أبداً.
رأت شعره المتموّج تموَّجَ الصحارى.. رأته أشعث ، ورأت وجهه القطني المشرَب بحمرةِ الشفق مغبرّاً ، وعلى رأسه التراب.
هدّ أمَّ المؤمنين القلقُ. كانت تدرك في قرارة نفسها أنّ شيئاً رهيباً قد وقع ، فالحسين في أرضٍ طالماً غَدَرتْ بأبنائها.
أغمضت عينيها الواهنتين ، فرأت الحبيبَ مرّة أخرى. أفزعها منظره.. كان يَنكتُ الترابَ عن رأسه ، وبدا شعره أشعثَ مغبّراً :
ـ مالي أراك أشعثَ مغبرّاً يا رسول الله ؟!
أجاب آخرُ الأنبياء ، وعيناه تدمعان :
ـ قُتل ولدي الحسين ، وما زلت أحفر القبور له ولأصحابه.
انتبهَتْ أمّ سَلَمة من الحُلم.. وجَدتْ نفسها تبكي بصوت يشبه نشيج الميازيب في مواسم المطر.
البكاء يشقّ طريقه في الليل .. يتسلّل من خلال الظلام الذي يغمر المدينة قبل الساعة التي ينفلق فيها الفجر.
النجوم ما تزال تومض كقلوبٍ واهنةٍ أجهدها النبض.
أسرعت أمّ سلمة إلى قارورة فيها قبضة من ترابٍ كان جبريل قد أحضرها من شُطآن الفرات.
كانت القارورة تفور دماً عبيطاً.. كجُرح بعيدِ الغَور.. بركان من دم ثائر.
ـ واثكلاه ! ليت الموت أعدَمَني الحياة.. اليومَ مات رسولُ الله.. فاطمةُ الزهراء.
غبرة كئيبة لفّت المدينة التي فَقَدتْ مجدها..
ها هو أبوسفيان يقود جيوشَ الشرك مرّة أخرى ، وقد عاد ليثأر من بدر.. يثأر لأبي جهل ، وأُمية ، والوليد ، وهُبل ، واللات والعُزّى.
:: يتبع ::
__________________
كون حسين محبوبك ... أبشر طاحت أذنوبك لو غـطـاك الــــتراب ... يوكفلك بالحســاب وبيده يمضي مكتوبك
|