رد: امرأة إسمها زينب ..تابعونا

(2 )
لقد انتهى كل شيء ، ومرّت العاصفة الهوجاء.. ملأت الرمال دماءً ودموعاً.. والفراتُ ما يزال يجري... تتدافع أمواجه نحو البحر البعيد.
يمّمت الفرس وجهها شطر الفرات المسافر في مجاهل الصحراء.. اقتحمت أمواجه المتدافعة ، وغمرتها الأمواج ، وكان الحصى المتناثر فوق الشواطئ يصغي لأنين خافت يشبه حمحمة فرس حزينة.
وتألقت في أعماق النهر مآذنُ وقِباب وقوافل مسافرة.
هناك في القَيعان الخفية تسطع النجوم ، ويغفو القمر بسلام ، ويمتزج الصهيل الكربلائي مع المياه المتدافعة صوب البحر.
وتغفو الفرس في أحضان الطين المعطور بعد يوم عصيب.
وفي المساء ، عندما بدا نخيل الشواطئ كأهداب حوريّة شهيدة ، فقَدَ الفراتُ مذاقه العذب ، فاذا هو أُجاج يلفظه الظمآن كما لو كان مُترعاً بملح الصحراء.
وعندما مرّت الغيوم ، شاهد بعضُهم غيمةً بيضاء تشبه فرساً مجنّحة تشقّ طريقها في الفضاء الأزرق.. ترسم للأجيال طريق الحرّية.
تراقصت ألسنة النار المجنونة وهي تلتهم خيام القافلة.. بَدَت كشيطانٍ يتميّز من الغيظ.
فرّت النسوة والأطفال هائمين في وجه الصحراء ، وقطعانُ الذئاب تجوس خلال الخيام كريحٍ مجنونة.
هبّت القبائل تسلب وتنهب ، وتحوّلت تلك القطعة من أرض الله إلى مسرحٍ رهيبٍ ، وقد ظهر إبليس ينفخ ويَصفُر.. يسخر من آدم.. وبدا آدمُ حزيناً على فردوسه المفقود.
وكانت امرأة اسمها "زينب" تتألّق وَسْط الناس.. ترتّل نداء السماء : يا نارُ كوني برداً وسلاما.
تقدّمتْ نحو الشمس التي كُوّرت.. كانت تتنفس روحَ عليّ.. ترتدي حُلّة أيوب النبيّ.
تقدمت نحو آخِرِ القرابين السماوية.
اختفت الزهور والرياحين ، وظهرت الأشواك حادّة كأنصال السكاكين.. ملأت الطريق.. الطريق الذي يؤدي الي الحسين.
قالت زينب وهي تجثو أمام جسد ممزَّق :
ـ الهي تقبّل منّا هذا القربان !
نَهَضتْ تُلملم آلامها.. تبحث عن أطفال ونسوة فرّت مذعورة كطيور هاربة من سفن بعيدة غرقت.

:: يتبع ::
__________________
كون حسين محبوبك ... أبشر طاحت أذنوبك لو غـطـاك الــــتراب ... يوكفلك بالحســاب وبيده يمضي مكتوبك
|