الموضوع: الطور المهدوي
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2011, 02:16 PM   #4
بوح أنثى
●• أنتظر شمس ظهورك •●
 
الصورة الرمزية بوح أنثى
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: واحة القلم
العمر: 31
المشاركات: 26
معدل تقييم المستوى: 0
بوح أنثى is a splendid one to beholdبوح أنثى is a splendid one to beholdبوح أنثى is a splendid one to beholdبوح أنثى is a splendid one to beholdبوح أنثى is a splendid one to beholdبوح أنثى is a splendid one to beholdبوح أنثى is a splendid one to behold
افتراضي رد: الطور المهدوي

2- البعد الكوني للمهدوية (تعدد العوالم)
تعدد العوالم في المأثور الديني:
الذين ينتقدون الدين جهلاً، هم أبعد الناس عن النظر في المأثور الديني والتأمل في نصوصه، بل يبدو أن الغرب أكثر منهم جديه في دراسة تاريخ الأديان، ويكفي أن تذكر أول معجم لفظي للقرآن وضع من قبل الألماني [فلوجيل]، فكأنه هو الذي بدأ عملياً تطبيق طريقة الإمام علي (ع) في تفسير القرآن بعضه ببعض ومع ذلك فقد ظل هذا المعجم حلم الكثيرين في الحصول عليه. وكذا فعلوا في دراسة النصوص الدينية المأثورة بخلاف علماء الأمة الذين اعتنوا فقط بالمعاني الظاهرة.
إن الكون في نظر الأقدمين هو قبة فلكية عُلقّت فيها النجوم كما تعلق المصابيح وهي تدور حول الأرض. والفلك عندهم أشبه بطبق أو سكة تتحرك فيها النجوم، وقد وجدوا أربعة كواكب تغير مواضعها فسموها الدراري أو الكواكب السيارة وهي المرئية بالعين المجردة من المجموعة الشمسية، وهذا هو كل الفلك عند بطليموس. وعند البعثة المحمدية توالت النصوص القرآنية والنبوية ونصوص أهل البيت (ع) وبعض الأصحاب العلماء (رض) في نسف هذا المفهوم عن الفلك جملةً وتفصيلاً. فأشارَ القرآن بعبارات محكمة إلى النظام السباعي للكون، وإلى التكوير، وإلى دَحو الأرض وإلى تابعية القمر للشمس وإلى سباحة الجميع في الفلك، وإلى توسع السماء، والى تفجرها أو تفتتها بعد الرتق، وإلى كونها أصلاً من غازات "واستوى إلى السماء وهي دخان"، وإلى هوي النجوم واندثارها، وإلى طمسها وحلف مرات عديدة بالسماء والنجوم ومواقعها، وأشار إلى وجود أعمار وآجال لها... إلى غير ذلك من الإشارات والعبارات التي تناقض المعلومات القديمة مناقضة تامة. وأشار القرآن كذلك إلى ان الشمس حارة ونارية (سراجاً) أو (ضياءً) والضياء عند العرب هو ضوء النار وإلى برودة القمر (والقمر نوراً) كما أشار إلى تعدد العوالم وكثرة المخلوقات في السماء "وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حراساً شديداً وٍشهباً" أو كقوله "ولا يعلم جنود ربك إلا هو" وقوله "ويخلق ما لا تعلمون".. وإلى حركة الشمس (والشمس تجري) إلى حركتها الدائمة (تجري لا مستقر لها) حسب قراءة أهل البيت (ع). وإلى تفلطح شكل الأرض (والأرض بعد ذلك دحاها)، فقال الصادق (ع) جعلها كالدحية والدحية هي البيضة. وهناك العشرات من الإشارات العلمية المختلفة يأتيك بعضها في هذا الكتاب.
ومنذ (كوبر نيكوس) توالت الاكتشافات العلمية في الفلك، حيث لوحظ أن السماء واسعة جداً وتتوسع باستمرار مثل بالون ينفخ بصورة مستمرة وإنها مليئة بالنجوم وإن ما نراه من نجوم هي شموس بقدر شمسنا وأكبر تحتوي عليها المجرة التي تقع مجموعتنا الشمسية في طرفها. وأقرب المجرات إلينا بروميدا التي تبعد مليون ونصف سنة ضوئية. ولوحظ أن المجرات تتشكل سوية وتميل إلى التجمع على شكل عناقيد فنحن بمجرتنا و(17) مجرة أخرى تشكل العنقود المحلي.. والذي تتناثر في الكون مثله الآلاف العناقيد. وتميل العناقيد إلى التوزيع المتجانس ويشبهها (برتراند راسل) في كتاب النسبية بقطرات المطر على صفيح الزجاج، وإن عددها في كل مساحة متساوٍ. إذن فالمجموعة الشمسية بكواكبها وأقمارها هي أصغر نسبة من الخاتم الذي في إصبعك إلى الصحراء إذا رميته فيها.
وهذا التشبيه هو تشبيه الرسول (ص) إذ رمى خاتمه في الصحراء وأشار إلى أن السماوات والأرض إلى الكرسي كهذه الحلقة في هذه الفلاة، والكرسي إلى العرش كهذه الحلقة إلى هذه الفلاة.
إن هذا التصور العلمي عن سعة الكون أمر سابق لأوانه بأكثر من ألف عام. بل أشاد هو (ص) وأهل بيته (ع) إلى تعدد العوالم وتعدد الكائنات وتعدد الشموس والأقمار... وأن منها الآلاف الآلاف...! وكل ذلك في عصر كان يدين فيه علم الفلك لمعلومات بطليموس حول القبة!.
المهدوية ليست إذن أمر متوقع حدوثه على الأرض وحدها! بل هو قانون جار في العوالم الأخرى كما تشير الروايات.
بمعنى آخر أن الله خلق عوالم متعددة وبنظم مختلفة، وإن بعضها ربما يمر بالطور المهدوي سابقاً البشرية على الأرض.
وسنرى في جملة الأحاديث الآتية إن الإمام الصادق (ع) يوبخ أحدهم على تصوراته الضيقة عن الكون.. ويشير إلى جهة المغرب لكوكب فيه خلق لا يعصون الله ما أمرهم وبإمكاننا أن نفهم أن هؤلاء يمرون بطور الاستخلاف الذي سيأتيك بيانه خلال الكتاب.
إن أحاديث تعدد العوالم وتعدد الخلق في المأثور الإسلامي كثيرة جداً. ويبدو أن هذه المعلومات كانت غريبة على الأسماع غرابة أفكار غاليلو لأول مرة. وقد حاول علماء كبار صرفها عن معانيها الظاهرة- لمخالفة بعضها مخالفة صريحة لعلم الفلك القديم- فلم يتمكنوا. وأذعن آخرون لنقلها والتسليم بها لاعتبار عصمة قائليها فقط، ولو كان غيرهم قائلها لأهملت.. وهذه جملة من النصوص كأمثلة:
الحديث(1):
في كتب بحار الأنوار، ومجمع البيان، وتفسير البرهان، سئل الرضا (ع) عن السماوات السبع والأرضين السبع فبسط كفه اليسرى ووضع اليمين عليها فقال "هذه الأرض الدنيا والسماء الدنيا فوقها عليها قبة- والأرض الثانية فوق السماء الدنيا والأرض الثانية فوقها قبة.. والأرض الثالثة فوق السماء الثانية... الخ".
من الواضح جداً أن التعبير القرآني "ومن الأرض مثلهن" أي سبع أرضين كان يفسر عندهم أنها أسفل أرضنا أو أنها طبقات تحتها!.
وأوضح الإمام (ع) بشكل لا لبس فيه إن هذه كواكب منفصلة كل كوكب بسمائه وبعضها فوق بعض.. فالسماء هنا معناها الغلاف الغازي أو فضائها المحيط بها. عدّد الحديث سبع أرضين وسبع سماوات وذكرناه مختصراً، ولذلك فوجئ السائل فسأل ثانية: "فما تحتنا إلا أرض واحدة؟! قال نعم ما تحتنا إلا أرض واحدة. وأن الست لهن فوقنا".
ثم أنظر إلى دقة العبارة الأولى: فوقها عليها- إذ يبدأ الغلاف الغازي من السطح مرتفعاً إلى الأعلى.
إن هذا الحديث يؤكد لنا أن الست المقصودة بفوقنا هي الكواكب الخارجية في المجموعة الشمسية- المريخ، المشتري، زحل، أورانوس، نبتون، بلوتو. فإن تصور الوضع العمودي للمجموعة نسبة إلى المجرة يجعل الست فوق الأرض والزهرة وعطارد أسفلها. فهو لم ينف وجود أسفل الأرض أرض أخرى بل ينفي وجود أرض أسفل أرضنا ضمن السبع المذكورة في القرآن- ولذا قال موضحاً وأن الست لهن فوقنا!.
وكيف يتمكن الإمام من إعطاء المزيد من المعلومات- والعلماء والفلكين الفقهاء احتاروا في هذا الحديث حتى بعد سبعمائة سنة.
قال العلامة المجلسي وهو من أشهر علماء الإمامية بعد نقل الخبر: "ولما كان هذا الخبر مخالفاً للحس والعيان فيمكن تأويله"... وذكر له وجوهاً من التأويل.
وقال الجزائري من علماء الشيعة ولا يخفي ما فيه من الأشكال وعدم إمكان تأويله لينطبق على الأخبار وظواهر الآيات وعلى أقوال الحكماء والرياضيين، وهذا لا يوجب رده بل يجب التسليم". والعبارة الأخيرة واضحة لوثاقه السند وكونه صادر عن المعصوم (ع) حسب قواعدهم.
واستدل به (هبة الدين الشهرستاني) من المعاصرين على أن الأرضين هي كواكب مجموعتنا الشمسية في كتابه (الهيئة والإسلام).
ونضيف هنا: أن العلماء لو كانوا يدرسون الآيات القرآنية بمقارنة ألفاظها بعضها ببعض لما وجدوا الحديث مخالفاً لها بل لوجدوه سائراً بنفس اتجاه القرآن.
لقد ذكر القرآن السماوات (190) مرة ولكنه لم يذكر السبع إلا تسع مرات فهل يشير ذلك إلى العدد الحقيقي للسيارات عند إضافة الزهرة وعطارد حيث يصبح المجموع الكلي تسعة كواكب كما هو المكتشف حالياً من كواكب محاطة بغلاف غازي؟.
الحديث (2):
مجموعة أحاديث عن تعدد العوالم وأن السماوات السبع والأرضين السبع ما هي إلا في عالم واحد من تلك العوالم- هو عالم الدنيا! يتكرر الرقم 18 هنا بوضوح كاف للبرهنة على أن الحديث يوضح أمر العنقود المحلي:
في كتاب السمرقندي نقلاً عن الهيئة بسنده عن النبي (ص) قال: "إن لله تعالى جدّه ثمانية عشر ألف عالم الدنيا منها عالم واحد".
وفي تفسير ابن شهراتوب عن النبي (ص) قال "إن لله ثمانية عشر ألف عالم أحدها الدنيا".
إن مجرتنا تحتوي على مائة ألف نظام شمسي، والدنيا تعبير عن الكون المرئي بالعين ولا يرى منه سوى القليل من المجرات الأخرى السبعة عشر إضافة لمجرتنا فإذا كان كل مائة نظام تشكل عالماً فالعنقود المحلي يحتوي بالفعل على ثمانية عشر ألف عالم لأنه يحتوي على (18) مجرة.
الحديث (3):
في البحار ومشارق النوار عن الإمام السجاد(ع):
"أتظن أن الله تعالى لم يخلق خلقاً سواكم؟ بلى والله لقد خلق الله ألف ألف عالم وألف ألف آدم وانتم والله في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميين"
وفي كتاب التوحيد وكتاب نور المقلين عن الباقر (ع) قال:
"لعلك ترى أن الله تعالى إنما خلق هذا العالم الواحد أو ترى أن الله لم يخلق بشراً غيركم؟ بلى والله لقد خلق الله تبارك وتعالى ألف ألف عالم وألف ألف آدم وأنتم والله في آخر تلك العوالم".
إذا كان الإمام (ع) يقصد بآخر تلك العوالم التأخير الزمني فهو شيء نجهله وإن كان يقصد الموقع الجغرافي من الكون- فنحن في الطرف الأقصى لذيل من ذيول مجرة درب التبانة بالفعل.
"لقد خالف الإمام علي (ع) قول المنجم وسار إلى الخوارج بخلاف قوله ومما قال له يومئذ "البارحة سعد سبعون ألف عالم وولد في كل عالمٍ سبعون ألفاً". إن هذه الأرقام يقصد منها تثبيت فكرة تعدد العوالم وسعة الكون!.
لا أحد في العصر الحديث يبدو أنه يمكنه التصديق بأن هذه الملايين من النظم التي تدور حولها المليارات من الكواكب بعضها بقدر الأرض وبعضها أكبر منها بألف مرة- ليست مسكونة وخالية من أية مخلوقات!.
ولولا هذا الشعور لما أرسلت وكالة الفضاء رسالة بخمسين لغة حية وفيها تراتيل من الكتب الثلاثة إلى سكان الكواكب تطلب فيها إليهم عدم مهاجمة الأرض وضرورة [التعايش السلمي]!!. ولا يزال العلماء يستلمون إشارات واضحة على وجود سكان في كواكب قريبة أو بعيدة.
أما الاختلاف المناخي فلا يوجد أي مانع عقلي من تصور وجود كائنات لها نظم خاصة تلائم طبيعة تلك الكواكب كما يلائم الإنسان طبيعة الأرض.
لقد أوضحت النسبية الحديثة أن الفوق والأسفل واليمين والشمال والحار والبارد إنما تحسب من نقطة القياس والمبدأ.. فقد تجد هناك كائنات تكون درجة الصفر المئوي عندهم هي درجة الغليان عندنا.. وبالتالي فلو نزلوا إلى الأرض لماتوا من شدة البرد.
إن نفس هذه المصادر هي التي تتحدث عن وجود كائنات أخرى في الكواكب وأن بعضها يمر بالطور المتقدم جداً. الطور المهدوي- وبعضها الآخر لازال في مرحلة الصراع الفكري والعقائدي- وأن لهذه الكائنات أنبياء ورسل ومبشرين.
هذه جملة من تلك الأحاديث:
الحديث رقم (4): في دائرة المعارف ومعجم البلدان عن النبي (ص) في معنى ومن الأرض مثلهن قال: [... وفي كل أرض آدم مثل آدمكم ونوح مثل نوحكم وإبراهيم مثل إبراهيمكم].
الحديث (5): في بحار الأنوار عن ابن عباس قال [سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم].
الحديث (6): في تفسير القمي والبحار جـ 14 عن أمير المؤمنين [هذه النجوم التي في السماء [فيها] مدائن مثل المدائن التي في الأرض].
الحديث (7): في الفتوحات المكية والأنوار النعمانية عن ابن عباس (ض) قال [... وان في كل من الأرضين السبع خلقاً مثلنا].
الحديث (8): في كتاب بصائر الدرجات والبحار عن ابن أبي عبد الله (ع):
[إن خلف مغربكم هذا تسع وثلاثون مغرباً أرضاً بيضاء مملوءة خلقاً يستضيئون بنوره لم يعصوا الله تعالى طرفة عين].
الحديث (9): في الدر المنثور عن النبي (ص) [... أرض بيضاء خلف المغرب فيها خلق من خلق الله لم يعصوا الله طرفة عين، فقيل يا نبي الله أهم من ولد آدم قال (ص): لا يدرون خُلق آدم أم لم يُخلق].
الحديث (10): في كتاب الفقيه للنيسابوري عن النبي (ص) قال: [خلق الله تعالى أرضاً بيضاء مثل الدنيا ثلاثين مرة لا يعلمون أن الله تعالى يعصى طرفة عين].
إن الأحاديث الآنفة تعدد أنواعاً مختلفة جداً من المخلوقات، بعضها من آدم آخر وبعضها لا يدري خلق آدم أم لم يخلق والبعض الآخر لهم أنبياء ورسل، في حين تشير الأحاديث 8، 9، 10 إلى خلق وصلوا مرحلة العبودية الحقة لله. فلا يعصون الله طرفة عين.. وهي مرحلة المهدوية.
ذلك أن الخالق لهذه العوالم واحد والغاية من الخلق واحدة.. وهي العبودية الحقة للخالق الواحد. لأن الخضوع التام للمبدأ الحق الواحد هو أعلى درجة للمتحرر من العبودية المتعددة (عبودية الموجودات).
ولهذا السبب أكدت الأحاديث على أن أرضهم بيضاء- مليئة بالأنوار ولا حاجة لهم للشمس.. لأن مرحلة العبودية الحقة- تجعل الخالق هو الذي يرزقهم: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يُطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين". ومعنى أن الله يرزقهم هو قدرتهم على تسخير الموجودات عن طريق المعرفة الإلهية. وتشير النصوص الى تحقق نفس الأمر من تغير طبيعة ونزول البركات والاستغناء عن ضوء الشمس عند تحقيق المهدوية على الأرض. وتحول الأرض إلى جنات [وأرضاً كفاتورة الفضة] حسب أحد النصوص، مما يدل على الترابط الوثيق بين الأمرين وشمول الجميع بنفس القواعد.. وهو أمر سنبين تفاصيله قرآنياً بإذن الله تعالى في المواضيع اللاحقة.
ويدل التنبيه إلى عدم عصيان هذا الخلق إلى توجيه اللوم من قبل النبي (ص) والإمام (ع) إلى المخاطبين- وهم نحن- لنكون أمثالهم، وهذا لا يكون صحيحاً إلا إذا كانوا قادرين في الأصل على العصيان، ولكنهّم لا يعصون اختياراً لا (قهراً).. وهذا هو غاية الله تعالى من الخلق- الذي سماه الخليفة، فهؤلاء إذن وصلوا إلى مرحلة الاستخلاف في الأرض والطاعة الكاملة وهي مرحلة المهدوية- والتي سنبرهن قريباً بإذن الله على حتميتها.
إذن فالمهدوية ليست حلم البشر على الأرض وحدهم، بل هي قانون إِلهِي شامل لأجزاء الكون.. تمر به المخلوقات تباعاً.. والذي يمر به أولاً.. ربما استطاع مساعدة الآخرين في الوصول إليه.. بمعنى أن هذه العوالم رغم المسافات السحيقة بينها فإن هناك اتصالاً بينها من نوع ما.ولكن الاتصال بين الكواكب والعوالم ليس دائمياً.. فإنه ينقطع لفترات معينة حين لا يوجد بين أعضاء مجموعة من الكواكب أحد يمر بالطور المتفوق.. ويحدث بدلاً من ذلك تمهيد على صعيد محدود يخص خلفاء الله وحدهم- حيث يقومون بالتنسيق والزيارات لأصفياء وخلفاء جيرانهم- وفي القرآن توجد خمس إشارات ورحلات من هذا النوع.. بيد أنها حجمت مضامينها وأخفيت أسرارها تحت ركام التفاسير.. وذلك لقصور إدراك أكثر المفسرين- لسعة الكون، وعالمية الرسالة وشمولية هذه النظم بنفس السنن والنواميس. وسوف نحاول التعرض لبعض هذه الموارد في القرآن الكريم.
3- البعد الكوني للرسالة السماوية
أ. المفهوم المتعدد لمعنى البشر:
يبدو أن الاعتقاد السائد بأن البشر يقصد به النوع الإنساني على الأرض فقط هو اعتقاد خاطئ.. فقول الإمام (ع) في الحديث [أتظن أن الله لم يخلق بشراً سواكم..] يدل على أن البشر أجناس كثيرة وأن أهل الأرض نوع منها واحد.
فإن قال أحد أن الإمام يقصد بالعبارة خلقاً آخر- فنقول أنه قادر على تحديد ما يريد بدقة- ألا تراه حين ذكر الخلق الذين لا يعصون طرفة عين سماهم خلقاً ولم يسمهم بشراً.. على أن الأدلة الآتية تعضد هذا المعنى العام للبشر بل وتفك بعضاً من رموز القرآن. ومثال على ذلك الرواية الآتية:-
الحديث (11): في [قضاء أمير المؤمنين] عن علي (ع) قال:
[كل البشر من ولد آدم إلا يأجوج ومأجوج] .
الحديث يبين أن يأجوج ومأجوج بشر لكنهم ليسوا من ولد آدم فالنتيجة أن ولد آدم أصل أنواع البشر المتعددة.
دقق مرة أخرى في الحديث حسب مقتضيات المنطق، فالاستثناء لا يمكن أن يكون من قسمي المقدمة.. فيدل ذلك على أنهم بشراً وأن آدم والداً لجميع البشر إلا يأجوج ومأجوج. إذن فالبشر أنواع كثيرة تحدّرت من آدم واحد أو أوادم كثيرة- الجامع بينهم كلهم [آدميون]- بمعنى أنهم خطة الخالق في استخلافهم في الأرض- فيشملهم في هذه الحالة سجود الملائكة واعتراضهم على الاستخلاف وامتناع إبليس.
وهكذا تتوضح الأحاديث التي تدل على الأوادم في العوالم المتعددة مثل [ألف ألف آدم]- كما تتوضح معاني النبوي [لا يعرفون خلق آدم أم لم يخلق]. الذي يخص جنساً آخر من الخلق ليسوا من ولد آدم.
إن المفهوم المتعدد لمعنى البشر يفك لنا الكثير من الرموز الغامضة من الآيات القرآنية ومن الحديث كما سنرى قريباً بإذن الله.
ب. البعد الكوني للرسالة:
حينما يكون القانون التطوري للخلق البشري واحداً في عدد من العوالم وحينما يكون هناك أنبياء ورسل للتمهيد للطور المهدوي- لابد إذن من اتصال من نوع ما بين تلك العوالم، وفي الأقل للأنبياء والرسل وحدهم ليكون لديهم تصور شامل عن تلك العوالم... ومن أجل أن يروا بأعينهم حتمية الوصول إلى هذا الطور من خلال إطلاعهم على المجتمعات المهدوية في الكواكب الأخرى.
ومن أجل ذلك كان لإبراهيم (ع) جولة في تلك العوالم:
[وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين] الأنعام/75
أي ليكون من الموقنين بحتمية ظهور الدين ووصول أهل الأرض إلى مرحلة الاستخلاف التام في الطور المهدوي فمن أجل ذلك قال..[واجعل لي لسان صدق في الآخرين]- يريد المشاركة في صنع هذا الطور لعلمه بتأخره الزماني فأجيبت دعوته في سورة أخرى [وجعلنا له لسان صدق عليا]. ثم قال [وتركنا عليه في الآخرين].. ثم طلب أن يكون خاتم الرسالات من ذريته، وقائد الطور المهدوي من ذريته فقال الله [أي جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي]. فكان النبي (ص) يقول [أنا دعوة إبراهيم].
لقد دعا نوح عالماً واحداً ومع ذلك فقد قال الله تعالى [سلام على نوح في العالمين]. وكان إبراهيم (ع) من شيعة نوح (ع) [وإن من شيعته لإبراهيم]. فسلام على نوح في جميع العوالم التي فيها مثله أو نفسه دعا فيها بنفس دعوته. والعالمين مصطلح تحير فيه العلماء وتناقضوا ففي قوله تعالى الحمد لله رب العالمين قال البيضاوي [والعالم أسم لما يعلم به الصانع وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض]، ولكنه لا يطبق هذا المعنى وكذلك جميع المفسرين على قوله مثلاً [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين]- حيث جعلوا كل إنسان عالم بمفرده ليحصل الجمع.
لكن الحقيقة هي أن الرسول هو واحد لجميع عوالم البشر- يختم أنبياءنا وأنبياءهم- فعالمية الرسالة المذكورة في القرآن إنما تشير إلى أن الرسالة الخاتمة واحدة للجميع ولهذا كان كتاب الرسالة الخاتمة تبياناً لكل شيء وتفصيلاً للذي بين يديه من الكتاب.
ففي قوله تعالى [هو الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا] إشارة واضحة إلى مهمة الرسالة الخاتمة ومهمة عبده (ص) في إنذار العوالم الأخرى القريبة. وسوف يأتي بيان ذلك خلال الروايات.
وفي قوله تعالى [إنها لإحدى الكبر. نذيراً للبشر]. أي جميع البشر الذين هم أجناس مختلفة في عوالم متعددة. وهذا لا يحدث بالطبع إلا بعد ظهور الدين على الأرض كافة، وحدوث اتصال واسع مستقبلاً وهو ما أكدته روايات صحيحة أخرى. ومن هنا نفهم سبب الاختلاف في الصيغ القرآنية عند الخطاب بعبارة [يا بني آدم] عن الخطاب بصيغة [يا أيها الناس]. حيث بني آدم أكثر من جنس في عوالم متعددة.
ولم يكتفِ بذلك فشمل الإنذار والتبشير الجن باعتبار قربهم من الأرض رغم أنهم ليسوا من ولد آدم ولا من البشر- فيكون غيرهم من ولد آدم أولى بالإنذار والبشارة، وخصصت سورة باسم الجن وتم إنذارهم بالقرآن أسوة ببني آدم.
وهذا هو الذي يفسر تفضيل الرسول (ص) على الجميع وكونه سيداً لجميع الكائنات مما أجمعت عليه الأمة وأيده المأثور ولاحظناه في معنى البشر من كتاب (أصل الخلق). كما أنه يفسر لنا امتلاكه ناصية الأمر في القيامة - حيث تحشر جميع الخلائق على صعيد واحد. فلولا أنه الرسول الخاتم لرسالتهم والشاهد على رسلهم لما كان يستحق المقام المحمود على الخلائق بأسرها.
وهذا يفسر أيضاً تفضيل بني آدم على كثير ممن خلق كما نص عليه القرآن. ومن هنا أيضاً صح أن يقال أن الله خلق الخلق لأجله (ص)- بمعنى أنه خلقهم لأجل تطبيق شريعته وصولاً إلى تلك العوالم المثالية.
وهذه مجرد إشارات للتمهيد يأتيك بيانها التفصيلي لاحقاً- لأن هذا البحث بكامله هو برهان على تلك القضية.
من هنا نفهم أن مهمة المهدي (ع) هي إيصال جنس الإنسان على أرضنا إلى مرحلة الإذعان للشرع السماوي تمهيداً للقيام بعملية الإنذار الأكبر والاستمرار بالدعوة على صعيد النظم الفلكية المجاورة.
وهذا يعني أن المهدوية على الأرض تستمر حقباً طويلة بعكس ما قيل عن بقائها سبعة أعوام أو أربعين سنة. وسوف نرى قريباً أن المهدوية في مأثور أهل البيت (ع) ذات حقب طويلة جداً. ونؤيد ذلك بأدلة قرآنية واضحة، حيث سنرى أن الآيات التي ذكرناها هنا من سورة الفرقان والصافات والمدثر ذات علاقة وطيدة بعلامات الظهور وبالطور المهدوي. ولا نعجز عن العثور على أحاديث تؤكد قيام [المهدي] (ع) بالدعوة في الكواكب بعد إتمام سيطرة الدين على كافة بقاع الأرض منها مثلاً:
الحديث (12): في بصائر الدرجات عن الباقر (ع) قال:
[ذُخرَ لصاحبكم الصعب. قال. قلت وما الصعب؟ قال من سحاب فيه رعد وبرق وصاحبكم يركبه. أما أنه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع والأرضين السبع، خمس عوامر واثنتان خراب].
الحديث يوضح قيامه بالمهمة على صعيد المنظومة الشمسية، لكن النظام السباعي العام للكون- يجعلنا نتصور إمكانية حدوث الإنذار إلى مناطق أبعد.
فالرسول (ص) في المعراج ارتقى في الأسباب إلى أبعد من ذلك بما لا يتصوره عقل، حيث بلغ السدرة، وتمكن من الإطلاع على ما هو أبعد وأوسع من الملكوت الذي اطلع عليه إبراهيم (ع). ولا يمكن أن يكون هذا الإنذار لتلك الأقوام مفاجئاً- إذ لا بد من تمهيد سابق للدعوة.
إن الأحاديث التي تشير إلى وجود أنبياء ورسل في تلك العوالم توضح أيضاً هذا التمهيد.. ولكن الاتصال بين الأرض وبينهم هو الآخر قد حدث خلال التاريخ البشري على الأرض. وتعبّر رؤية الملكوت لإبراهيم (ع) والمعراج للرسول (ص) عن جزء من هذا الاتصال.
إن قوله تعالى [للعالمين نذيرا]- لا يمكن أن تتصور فيه العالمين بالصورة التي يصفها المفسرون في (الحمد لله رب العالمين)- لأنه من الواضح أن المنذرين لابد أن يكونوا كائنات عاقلة وقادرة على الاختيار ومنوط بها التكليف الشرعي.. نعم في سورة الرحمن فقط الخطاب موجه إلى الثقلين - الإنس والجن ولكن لا يشكل الجمع في صيغة (العالمين).. مما يوحي بأن الإنس غير الناس وهم عدد من الأجناس، ولذلك جمع الأقطار والسماوات في مقام التحدي: [إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا]، لكونهم عوالم متعددة في أقطار السماوات والأرض المتباعدة. ويدل على ذلك أن الخطاب الآخر في سورة الأنعام يؤكد كون الرسالة لجميع العوالم الإنس والجن وهما أصلان لكثير من سكان الكواكب وهو قوله تعالى [يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا] 130/الأنعام.
ويتأكد المعنى الشمولي الكوني للرسالة حينما نتذكر أن المخاطبين يوم القيامة لإدخالهم جهنم هم فقط نوعان هما (الإنس والجن) مما يدل على أنهما أصل جميع تلك الخلائق المجموعة في ذلك اليوم:
[قال أدخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس] 38/الأعراف.
إذن فالإنس ليسوا بني الإنسان على أرضنا وحدهم، ولا يعقل أن يخاطبهم القرآن مراراً وهو كتاب أنزل في الأرض، فلا بد من وجود تمهيد سابق لهذا الإنذار.
ففي كل مقام ضروري يأتي القرآن بالأسماء الأصلية: ففي مقام التحدي يتحدى جميع العوالم التي انحدرت من أصل الإنس والجن:
[قل لأن اجتمعت الجن والإنس على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا] 88/الإسراء.
وفي مقام الغاية من الخلق يأت أيضاً بالأسماء العامة التي تضم جميع عوالم التكليف الشرعي [وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون] 56/الذاريات.
ومن هنا يتبين أن الأحاديث التي أشارت إلى خلق يمرون بالطور المهدوي ولا يعصون الله طرفة عين- إنما تعني خلقاً آخر لا نعرفه لا صلة له بالطين ولا مارج النار وذلك لأن الكتاب الخاتم نزل على الأرض- والرسول في الأرض- والأرض لم تصل بعد إلى الطور المهدوي، إذ أن عوالم الإنس والجن لا يمكن أن تسبق الأرض بالطور المهدوي- فالأرض هي مصدر الإشعاع لإيصال تلك العوالم إلى مرحلة المهدوية.
ومن هنا قال لبني إسرائيل (وأني فضلتكم على العالمين)- ذلك أنه أراد منهم أن يشكلوا ركيزة للاستخلاف في الأرض- وتمنى لهم ذلك رسولهم فقال: [عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض..]، بيد أن هذه الأمة فشلت أخيراً في الاختبار.
نعم في عهد سليمان (ع) تمكن من بسط نفوذه على الأرض- ولهذا حدث الاتصال مع تلك العوالم المؤثرة الأخرى فجاء القرآن مرة أخرى بالأسماء العامة إذ تكون له جيش من نوعين.. وكانت غايته المضي قدماً في الدعوة إلى الله:
[وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير..] 17/النحل.
ومن هنا نعرف إذا حدث استخلاف في الأرض- يحدث دوماً معه- الاتصال بعوالم الإنس والجن- وحينما يضمحل هذا الطور يبقى الاتصال رمزياً ومحدوداً للأولياء والأنبياء وحسب. حيث يقومون بتفقد تلك العوالم بمفردهم.
ولذلك لا يبدوا غريباً أن يدعوا المهدي (ع)- القاطنين في السماوات إلى دين الله بعد أن يتمكن من الأرض- بل الغريب ألا يفعل ذلك. وهو يطبق الشريعة الخاتمة ويحمل الكتاب المهيمن.. ويرث الذي أرسله الله ليكون للعالمين نذيراً. ولرب سائل يسأل أين يكون الرسول (ص) نفسه المبلغ بإنذار العالمين؟.
والحق أن السؤال بالغ الصعوبة على أذهان البعض! ولكنه في الحقيقة واضح كل الوضوح في عشرات الآيات القرآنية- لو تدبر فيها المرء بإمعان- فالرسول (ص) في الحقيقة هو القائد الأعلى لهذا الطور ويكون موجوداً.. والمهدي(ع) والمسيح (ع) إنما يقومان بترتيب الأوضاع في الأرض تمهيداً لطور الاستخلاف الطويل الأمد.. والذي يستمر الرسول (ص)، في إدارته من الأرض.. يساعده عدد كبير من الأنبياء والخلفاء والقادة.. وجميع التفاصيل تأتيك خلال الكتاب بإذن الله.
ولم يكن الاتصال مع الكواكب لمجرد الإطلاع.. بل أيضاً لأداء المهام الدينية والرسالية من اجل التمهيد هناك- لاستخلاف تلك الأمم على أراضيهم.. وسوف تعرف قريباً في الفصل اللاحق أن الاستخلاف هو قانون عام شامل للكون وأنه الغاية الأولى والأخيرة من الخلق.
ويبدو أن الرحلة الغامضة في القرآن- أعني رحلة ذي القرنين هي من هذا النوع ولما كانت هذه الرحلة بالغة الأهمية ولشخوصها صلة بالمهدي (ع) وتنطوي على تفسير جديد فسوف نضعها تحت عنوان مستقل.
__________________


~
بوح أنثى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس