عرض مشاركة واحدة
قديم 30-12-2010, 04:57 PM   #4
حورية إنسية
~ نائبة سابقة ~ ••وماتوفيقي الا بالله ••
 
الصورة الرمزية حورية إنسية
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 279
معدل تقييم المستوى: 802
حورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ذكرى استشهاد الامام السجاد سلام الله عليه /25محرم~مأجورين



ظواهر فذّة
في حياة الإمام زين العابدين

((عليه السلام))

تميّزت حياة الإمام زين العابدين((عليه السلام)) بمظاهر فذّة، وهي وإن كانت متوفرة في حياة آبائه الطاهرين وأبنائه الأئمّة المعصومين((عليهم السلام)) إلاّ أنّها برزت في سيرته((عليه السلام)) بشكل أكثر وضوحاً وأوسع دوراً، ممّا دعانا إلى تسليط الضوء عليها أشدّ من غيرها، وهي:
أ ـ ظاهرة العبادة .
ب ـ ظاهرة الدعاء.
ج ـ ظاهرة البكاء .
د ـ ظاهرة الإعتاق.
فإذا سبرنا حياة الأئمّة ((عليهم السلام)) وجدناهم ـ كلّهم ـ يتميّزون في هذه المظاهر على أهل زمانهم، إلاّ أنّها في حياة الإمام زين العابدين((عليه السلام)) تجلّت بقوة، حتى كان ((عليه السلام)) فريداً في كلّ منها.



ظاهرة العبادة في حياة الإمام
((عليه السلام)):
أجمع معاصروا الإمام زين العابدين((عليه السلام)) على أنّه كان من أعبد الناس وأكثرهم طاعة لله تعالى، ولم ير الناس مثله في عظيم إنابته وعبادته، وقد بهر
بها المتّقون والصالحون، وحسبه أنّه وحده الذي قد لُقّب بزين العابدين وسيّد الساجدين في تأريخ الإسلام.
أمّا عبادته((عليه السلام)) فكانت ناشئة عن إيمانه العميق بالله تعالى وكمال معرفته به، وقد عبده لا طمعاً في جنّته ولا خوفاً من ناره، وإنّما وجده أهلاً للعبادة فعبده، وشأنه في ذلك شأن جدّه أمير المؤمنين وسيّد العارفين وإمام المتّقين، وقد أعرب ((عليه السلام)) عن عظيم إخلاصه في عبادته بقوله: «إنّي أكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلاّ ثوابه، فأكون كالعبد الطامع إن طمع عمل وإلاّ لم يعمل، وأكره أن أعبده لخوف عذابه، فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل...».

فانبرى إليه بعض الجالسين فقال له: فبم تعبده؟
فأجابه عن خالص إيمانه:
«وأعبُدُه لما هو أهله بأياديه وإنعامه» (1)

ولقد مَلأ حبّ الله تعالى قلب الإمام((عليه السلام)) وسخّر عواطفه فكان مشغولاً بعبادة الله وطاعته في جميع أوقاته، وقد سُئلت جارية له عن عبادته فقالت: اُطنب أو أختصر؟
قيل لها: بل اختصري.
فقالت: ما أتيته بطعام نهاراً قطّ، وما فرشت له فراشاً بليل، قطّ(2).
لقد قضى الإمام((عليه السلام)) معظم حياته صائماً نهاره، قائماً ليله، مشغولاً تارةً بالصلاة، واُخرى بالدعاء.


(1) حياة الإمام زين العابدين: 187 نقلاً عن تفسير الإمام الحسن العسكري.
(2) الخصال: 488.



عبادة الإمام :
1 ـ وضوؤه :
الوضوء هو نور وطهارة من الذنوب، والمقدمة الاولى للصلاة، وكان الإمام((عليه السلام)) دوماً على طهارة،
وقد تحدّث الرواة عن خشوعه لله في وضوئه، فقالوا:
إنّه إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقول له أهله:
ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيجيبهم قائلاً:
«أتدرون بين يدي مَن أقوم؟!»(1).

2 ـ صلاته :
أمّا الصلاة فمعراج المؤمن وقربان كلّ تقيّ كما في الحديث الشريف ، وكانت الصلاة من أهم الرغبات النفسية للإمام((عليه السلام)) فقد اتّخذها معراجاً ترفعه إلى الله تعالى، وكانت تأخذه رعدة إذا أراد الشروع في الصلاة، فقيل له في ذلك فقال:
«أتدرون بين يدي من أقوم، ومن اُناجي؟!»(2).
ونعرض لبعض شؤونه في حال صلاته.
أ ـ تطيّبه للصلاة:
وكان الإمام إذا أراد الصلاة تطيّب من قارورة كان قد جعلها في مسجد صلاته(3).



(1) نهاية الإرب : 21 / 326، سير أعلام النبلاء : 4 / 238.
(2) الخصال : 2 / 620 .
(3) بحار الأنوار : 46 / 58.
ب ـ لباسه في صلاته:
وكان الإمام((عليه السلام)) إذا أراد الصلاة لبس الصوف وأغلظ الثياب
(1)، مبالغة منه في إذلال نفسه أمام الخالق العظيم.

ج ـ خشوعه في صلاته :
كانت صلاته تمثّل الانقطاع التامّ إلى الله جلّ جلاله والتجرّد من عالم المادّيات، فكان لا يحسّ بشيء من حوله، بل لا يحسّ بنفسه فيما تعلّق قلبه بالله تعالى،
ووصفه الرواة في حال صلاته، فقالوا:
كان إذا قام إلى الصلاة غشي لونه بلون آخر، وكانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، وكان يقف في صلاته موقف العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، وكان يصلّي صلاة مودِّع يرى أنّه لا يصلّي بعدها أبداً(2).

وتحدّث الإمام الباقر((عليه السلام)) عن خشوع أبيه في صلاته فقال: «كان عليّ بن الحسين إذا قام في الصلاة كأنـّه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلاّ ما حركت الريح منه»(3)
ونقل أبان بن تغلب إلى الإمام الصادق((عليه السلام)) صلاة جدّه الإمام السجاد((عليه السلام)) فقال له:
إنّي رأيت عليّ بن الحسين إذا قام في الصلاة غشي لونه بلون آخر،
فقال له الإمام الصادق((عليه السلام)):
«والله إنّ عليّ بن الحسين كان يعرف الذي يقوم بين يديه...».
وكان من مظاهر خشوعه في صلاته أنّه إذا سجد لا يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً(4) أو كأنّه غمس في الماء من كثرة دموعه وبكائه(5)،
ونقل عن أبي حمزة الثمالي أنّه رأى الإمام قد صلّى فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوّه فسأله أبو حمزة عن ذلك فقال له:
«ويحك، أتدري بين يدي مَنْ كنتُ؟ إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه»(6).

(1) بحار الأنوار : 46 / 108.
(2) حياة الإمام زين العابدين ((عليه السلام)): 190.
(3) وسائل الشيعة : 4 / 685.
(4) تهذيب الأحكام : 2 / 286 ح1146.
(5) بحار الأنوار : 46 / 108.
(6) علل الشرائع: 88 ، بحار الأنوار : 46 / 61.





د ـ صلاة ألف ركعة :
وأجمع المترجمون للإمام((عليه السلام)) أنّه كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة(1)، وأنّه كانت له خمسمائة نخلة، فكان يصلّي عند كلّ نخلة ركعتين(2) ونظراً لكثرة صلاته; فقد كانت له ثفنات في مواضع سجوده كثفنات البعير، وكان يسقط منها في كلّ سنة، فكان يجمعها في كيس، ولمّا توفّي ((عليه السلام)) دفنت معه(3).

هـ ـ كثرة سجوده :
إنّ أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو في حال سجوده كما في الحديث الشريف، وكان الإمام((عليه السلام)) كثير السجود لله تعالى خضوعاً وتذلّلاً له، وروي: أنّه خرج مرّةً إلى الصحراء فتبعه مولىً له فوجده ساجداً على حجارة خشنة، فأحصى عليه ألف مرّة يقول:
«لا إله إلاّ الله حقّاً حقّاً، لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّاً، لا إله إلاّ الله إيماناً وصدقاً»(4).
وكان يسجد سجدة الشكر، ويقول فيها مئة مرّة:
«الحمد لله شكراً»، ثمّ يقول: «يا ذا المنّ الذي لا ينقطع أبداً، ولا يحصيه غيره عدداً، ويا ذا الجود الذي لا ينفد أبداً، يا كريم، يا كريم» ويتضرّع بعد ذلك ويذكر حاجته.
(1) تهذيب التهذيب : 7 / 306، نور الأبصار : 136، الإتحاف بحب الأشراف : 49، ومصادر اُخرى.
(2) بحار الأنوار : 46 / 61، الخصال : 487.
(3) الخصال: 488.
(4) وسائل الشيعة : 4 / 981.

و ـ كثرة تسبيحه :
وكان دوماً مشغولاً بذكر الله تعالى وتسبيحه وحمده، وكان يسبّح الله بهذه الكلمات:
«سبحان من أشرق نوره كلّ ظلمة، سبحان من قدّر بقوته كلّ قدرة، سبحان من احتجب عن العباد بطرائق نفوسهم فلا شيء يحجبه، سبحان الله وبحمده»
(دعوات القطب الراوندي: 34).

ز ـ ملازمته لصلاة الليل:
من النوافل التي كان لا يَدَعُها الإمام((عليه السلام)) صلاة الليل، فكان مواظباً عليها في السفر والحضر(عن صفة الصفوة : 2 / 53 وكشف الغمة : 2 / 263 )إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.

ح ـ دعاؤه بعد صلاة الليل :
وكان((عليه السلام)) إذا فرغ من صلاة الليل دعا بهذا الدعاء الشريف، وهو من غرر أدعية أئمّة أهل البيت((عليهم السلام))، وإليك بعض مقاطعه:
«اللهمّ يا ذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان، الممتنع بغير جنود ولا أعوان، والعزّ الباقي على مرّ الدهور وخوالي الأعوام ومواضي الأزمان والأيام، عزّ سلطانك عزاً لا حدّ له بأوّلية ولا منتهى له بآخرية، واستعلى ملكك علوّاً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده ولا يبلغ أدنى ما استأثرت من ذلك أقصى نَعت الناعتين، ضلّت فيك الصفات وتفسّخت دونك النعوت، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام، كذلك أنت الله الأوّل في أوّليّتك، وعلى ذلك أنت دائمٌ لا تزول، وأنا العبد الضعيف عملاً الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلاّ ما وصله رحمتك، وتقطّعت عنّي عصم الآمال إلاّ ما أنا معتصم به من عفوك، قلّ عندي ما أعتد به من طاعتك، وكثر عليّ ما أبوء به من معصيتك، ولن يضيق عليك عفوٌ عن عبدك، وإن أساء فاعف عنّي...».
«اللهمّ إنّي أعوذ بك من نار تغلّظت بها على مَن عصاك، وتوعّدت بها على من صدف عن رضاك، ومن نار نورها ظلمة، وهيّنها أليم، وبعيدها قريب، ومن نار يأكل بعضها بعضٌ، ويصول بعضُها على بعض، ومن نار تذر العظام رميماً، وتسقي أهلها حميماً، ومن نار لا تبقي على مَن تضرّع اليها، ولا ترحم من استعطفها، ولا تقدر على التخفيف عمّن خشع لها واستسلم اليها، تلق سكانها بأحرّ ما لديها من أليم النكال وشديد الوبال...»
( الصحيفة الكاملة السجادية : الدعاء).
وذبل الإمام((عليه السلام)) من كثرة العبادة وأجهدته أيّ إجهاد، وقد بلغبه الضعف أنّ الريح كانت تميله يميناً وشمالاً بمنزلة السنبلة(1) التي تميلها الريح.

وقال ابنه عبد الله: كان أبي يصلّي بالليل فإذا فرغ يزحف إلى فراشه(2)

وأشفق عليه أهله ومحبّوه من كثرة ما بان عليه من الضعف والجهد من كثرة عبادته، فكلّموه في ذلك لكنّه((عليه السلام)) أصرّ على شدّة تعبّده حتى يلحق بآبائه، قال له أحد أبنائه:
يا أبت كم هذا الدؤوب ( يعني الصلاة )؟
فأجابه الإمام((عليه السلام)):
«أتَحَبّبُ إلى ربّي» (3).
وقال جابر بن عبدالله الأنصاري للإمام((عليه السلام)):
ياابن رسول الله!
أما علمت أنّ الله تعالى إنّما خلق الجنّة لكم ولمن أحبّكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم،
فما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك؟
فأجابه الإمام((عليه السلام)):
«يا صاحب رسول الله، أما علمت أنّ جدي رسول الله
((صلى الله عليه وآله)) قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فلم يَدَع الإجتهاد له، وتعبّد ـ بأبي واُمي ـ حتى انتفخ ساقه وورم قدمه، وقد قيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال((صلى الله عليه وآله)): أفلا أكون عبداً شكوراً؟».
فقال له جابر:
ياابن رسول الله، البُقْيا على نفسك، فإنّك من اُسرة بهم يستدفع البلاء، وبهم يستكشف الأدواء، وبهم تُستمطر السماء...»
فأجابه الإمام((عليه السلام)):
«لا أزال على منهاج أَبَوَيَّ متأسِّياً بهما حتى ألقاهما...»(4).

(1) الإرشاد: 272، روضة الواعظين : 1 / 237.
(2) بحار الأنوار : 46 / 99.
(3) المصدر السابق : 46 / 99 .
(4) مناقب آل أبي طالب : 4/161 ، 162.



3 ـ صومـه :
وقضى الإمام معظم أيام حياته صائماً، وقد قالت جاريته حينما سئلت عن عبادته:
«ما قدّمتُ له طعاماً في نهار قطّ»
وقد أحبَّ الصومَ وحثَّ عليه إذ قال ((عليه السلام)):
«إنّ الله تعالى وكّل ملائكة بالصائمين»،
وكان((عليه السلام)) لا يفطر إلاّ في يوم العيدين وغيرهما ممّا كان له عذر.
وكان له شأن خاص في شهر رمضان، أنّه لم يترك نوعاً من أنواع البِرّ والخير إلاّ أتى به، وكان لا يتكلم إلاّ بالتسبيح والإستغفار والتكبير،
وإذا أفطر قال:
«اللّهم إن شئت أن تفعل فعلت».
وكان((عليه السلام)) يستقبل شهر رمضان بشوق ورغبة لانّه ربيع الأبرار، وكان يدعو لدى دخول شهر الله تعالى بدعاء نقتطف منه بعض الفقرات، قال((عليه السلام)):
«الحمد لله الذي هدانا لحمده وجعلنا من أهله ; لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين.
والحمد لله الذي حبانا بدينه، واختصّنا بملّته، وسَبَّلَنا في سُبُلِ إحسانه، لنسلكها بمنّه إلى رضوانه... والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص وشهر القيام...
اللّهم صلّ على محمد وآله، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفّظ ممّا حظرت فيه، وأعِنّا على صيامه بكفّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نُصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعي بطوننا إلاّ ما أحلَلْت، ولا تنطق ألسنتنا إلاّ بما مثّلت، ولا نتكلّف إلاّ ما يدني من ثوابك، ولا نتعاطى إلاّ الذي يقي من عقابك، ثم خلّص ذلك كلّه من رئاء المرائين وسُمعة المسمعين، لا نُشرك فيه أحداً دونك، ولا نبتغي فيه مراداً سواك...
اللهمّ اشحنه بعبادتنا إيّاك، وزيّن أوقاتنا بطاعتنا لك، وأعنّا في نهاره على صيامه، وفي ليله على الصلاة والتضرع اليك والخشوع لك والذلّة بين يديك حتى لا يشهد نهاره علينا بغفلة ولا ليله بتفريط.
اللهمّ واجعلنا في سائر الشهور والأيام كذلك ما عمّرتنا...».
وكان الإمام زين العابدين((عليه السلام)) في كلّ يوم من أيام شهر رمضان يأمر بذبح شاة وطبخها... فإذا نضجت يقول: «هاتوا القصاع» ويأمر بأن يُفرَّق على الفقراء والأرامل والأيتام حتى يأتي على آخر القدور ولا يبقي شيئاً لإفطاره، وكان يفطر على خبز وتمر.
ومن مَبَرّات الإمام((عليه السلام)) في شهر رمضان المبارك كثرة عتقه وتحرير أرقّائه من رقّ العبودية، على أنهم كانوا يعيشون في ظلاله محترمين، فكان يعاملهم كأبنائه، وكان((عليه السلام)) لا يعاقب أمةً ولا عبداً إذا اقترفا ذنباً، وإنّما كان يسجّل اليوم الذي أذنبوا فيه، فإذا كان آخر شهر رمضان جمعهم وأظهر الكتاب الذي سجّل فيه ذنوبهم، ويقول:
«ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليّ بن الحسين! إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّ ما عملتَ، كما أحصيت علينا ما عملناه، ولديه كتاب ينطق بالحقّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيت إلاّ أحصاها، وتجد كلّ ما عملت لديه حاضراً، كما وجدنا كلّ ما عملنا لديك حاضراً، فاعف واصفح، كما ترجو من المليك العفو، وكما تحبّ أن يعفو المليك عنك، فاعف عنّا تجده عَفُوّاً، وبك رحيماً ولك غفوراً، ولا يظلم ربّك أحداً... كما لديك كتاب ينطق بالحقّ علينا، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيناه إلاّ أحصاها، فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك الحَكَم العدل الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى بالله حسيباً وشهيداً، فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح، فإنّه يقول: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم).
وكان يلقّنهم بتلك الكلمات التي تمثّل انقطاعه التامّ إلى الله تعالى واعتصامه به، وهو واقف يبكي من خشيته تعالى ويقول:
«ربِّ إنّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد عفونا عمّن ظلمنا كما أمرت فاعف عنّا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، وأمرتنا أن لا نردّ سائلاً عن أبوابنا، وقد أتيناك سُؤّالاً ومساكين، وقد أنَخْنا بفنائك وببابك نطلب نائلك ومعروفك وعطاءك فامنن بذلك علينا، ولا تخيّبنا فإنّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين، إلهي كَرُمتَ فأكرِمني، إذ كنت من سُؤّالك وجُدْتَ بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك يا كريم...».
ثم يُقبِلُ عليهم بوجهه الشريف وقد تبلّل من دموع عينيه قائلاً لهم بعطف وحنان: «قد عفوت عنكم، فهل عفوتم عنّي؟ وممّا كان منّي من سوء ملكة، فإنّي مليك سوء لئيم ظالم، مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضّل...» وينبري العبيد قائلين له: قد عفونا عنك يا سيّدنا، فيقول لهم: «قولوا: اللهمّ اعف عن عليّ بن الحسين كما عفا عنّا، فاعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق».
فيقولون ذلك، ويقول بعدهم: «اللهمّ آمين ربّ العالمين، اذهبوا فقد عفوت عنكم، وأعتقت رقابكم رجاءً للعفو عنّي وعتق رقبتي» فإذا كان يوم عيد الفطر
سورة النور (24) : 22.
أجازهم جائزة سنيّة تغنيهم عمّا في أيدي الناس(بحار الأنوار : 46 / 103 ـ 105).





4 ـ دعاؤه :
أ ـ دعاؤه في الأسحار :
وكان الإمام((عليه السلام)) يناجي ربّه ويدعوه بتضرّع وإخلاص في سحر كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان بالدعاء الجليل الذي عرف بدعاء أبي حمزة الثمالي; لأنّه هو الذي رواه عنه، وهو من غرر أدعية أهل البيت((عليهم السلام)) وهو يمثّل مدى إنابته وانقطاعه إلى الله تعالى كما أنّ فيه من المواعظ ما يوجب صرف النفس عن غرورها وشهواتها، كما يمتاز بجمال الاُسلوب وروعة البيان وبلاغة العرض، وفيه من التذلّل والخشوع والخضوع أمام الله تعالى ما لا يمكن صدوره إلاّ عن إمام معصوم.
وقد احتلّ هذا الدعاء مكانة مهمّة في نفوس الأخيار والصلحاء من المسلمين، إذ واظبوا على الدعاء به، وممّا قاله الإمام ((عليه السلام)) في دعائه:


«إلهي، لا تؤدّبني بعقوبتك، ولا تمكر بي في حيلتك، من أين لي الخير يا ربّ ولا يوجد إلاّ من عندك؟ ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلاّ بك؟ لا الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك، ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك...

بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني اليك، ولو لا أنت لم أدر ما أنت.
الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني، والحمد لله الذي أسأله فيعطيني وإن كنت بخيلاً حين يستقرضني...


أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ اُناجيك بقلب قد أوبقه جرمه، أدعوك يا ربّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعتُ، وإذا رأيت كرمك طمعت...يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، فوعزّتك يا سيّدي لو نهرتني ما برحتُ(1)من بابك ولا كففت عن تملّقك(2)
لما انتهى إليّ من المعرفة بجودك وكرمك...




اللهمّ إنّي كلّما قلت قد تهيّأت وتعبّأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك ألقيت عليّ نعاساً إذا أنا صلّيت وسلبتني مناجاتك إذا أنا ناجيت، ما لي كلّما قلتُ قد صلُحت سريرتي(3)
وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية أزالت قدمي وحالت بيني وبين خدمتك. سيدي لعلّك عن بابك طردتني، وعن خدمتك نحيتني، أو لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك فأقصيتني، أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني، أو لعلّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني، أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني، أو لعلّك لم تحبّ أن تسمع دعائي فباعدتني، أو لعلّك بجرمي وجريرتي كافيتني، أو لعلّك بقلّة حيائي منك جازيتني...




إلهي، لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني سيبك(4)
من بين الأشهاد ودللت على فضايحي عيون العباد وأمرت بي إلى النار وحلت بيني وبين الأبرار; ما قطعتُ رجائي منك، وما صرفت تأميلي للعفو عنك، ولا خرج حبّك من قلبي...


ارحم في هذه الدنيا غربتي، وعند الموت كربتي، وفي القبر وحدتي، وفي اللحد وحشتي، وإذا نُشرتُ للحساب بين يديك ذلّ موقفي، واغفر لي ما خفي على الآدميّين من عملي، وأدم لي مابه سترتني، وارحمني صريعاً على الفراش، تقلّبني أيدي أحبّتي، وتفَضَّل عليّ ممدوداً على المغتسل يقلّبُني صالح جيرتي، وتحنّنْ عليّ محمولاً قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، وجُد عليّ منقولاً قد نزلتُ بك وحيداً في حفرتي، وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي، حتى لا أستأنس بغيرك...»(1)
وكان الإمام((عليه السلام)) يتأثّر إذا انطوت أيام شهر رمضان; لأنّه عيد أولياء الله تعالى، وكان يودّعه بدعاء جليل نقتطف منه ما يلي:
«السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه.
السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات، ويا خير شهر في الأيام والساعات.
السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال، ونشرت فيه الأعمال.
السلام عليك من قرين جلّ قدره موجوداً، وأفْجع فقده مفقوداً، ومرجوٍّ آلم فراقه.
السلام عليك من أليف آنس مقبلاً فسرّ، وأوحش منقضياً فمضّ(2).
السلام عليك من مجاور رقّت فيه القلوب، وقلّت فيه الذنوب.
السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان.
السلام عليك وعلى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك، وأشدّ شوقنا غداً إليك.
اللهمّ اسلخنا بانسلاخ هذا الشهر(3) من خطايانا، وأخرجنا بخروجه من سيئاتنا، واجعلنا من أسعد أهله به، وأجزلهم قسماً فيه، وأوفرهم حظّاً منه...»(4).
(1) راجع : مفاتيح الجنان «الدعاء المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي».
(2) مضّ : آلَم.
(3) انسلخ الشهر: مضى.
(4) راجع : الصحيفة السجادية «الدعاء في وداع شهر رمضان» .




5 ـ حجّه ((عليه السلام)) :
وكان يحثّ على الحج والعمرة بقوله: حجّوا واعتمروا تصح أجسادكم، وتتّسع أرزاقكم، ويصلح إيمانكم، وتكفوا مؤونة الناس ومؤونة عيالكم»( وسائل الشيعة : 8 / 5).

وقال((عليه السلام)): «الحاج مغفور له، وموجوب له الجنّة، ومستأنف به العمل، ومحفوظ في أهله وماله»(1).


وقال((عليه السلام)): «الساعي بين الصفا والمروة تشفع له الملائكة»(2)
.


وكان((عليه السلام)) يدعو إلى تكريم الحجّاج إذا قدموا من بيت الله الحرام ويقول: «استبشروا بالحجّاج إذا قدموا وصافِحوهم، وعظّموهم تشاركوهم في الأجر قبل أن تخالطهم الذنوب»(3)
.


وحجّ((عليه السلام)) غير مرّة ماشياً كما حج أبوه وعمّه الحسن((عليهم السلام))، وحج على ناقته عشرين حجّة وكان يرفق بها كثيراً.


وقال ابراهيم بن عليّ: حججتُ مع عليّ بن الحسين فتلكّأتْ ناقته فأشار اليها بالقضيب، ثم ردّ يده، وقال: «آه من القصاص...»(4)
.


وكان الإمام((عليه السلام)) إذا أراد السفر إلى بيت الله الحرام احتفّ به القرّاء والعلماء; لأنّهم كانوا يتزوّدون منه العلوم والمعارف والحكم والآداب، وقال سعيد بن المسيب: إنّ القرّاء كانوا لا يخرجون إلى مكّة حتى يخرج عليّ بن الحسين، فخرج وخرجنا معه ألف راكب(5)
.


واذا انتهى الإمام إلى إحدى المواقيت التي يحرم منها; يأخذ بعمل سننالإحرام، وإذا أراد التلبية عند عقد الإحرام اصفرّ لونه واضطربولم يستطع أن يلبّي، فاذا قيل له: ما لك لا تلبّي؟ قال: «أخشى أن أقول: لبيك،فيقال لي: لا لبيك».


وإذا لبّى غشي عليه من كثرة خوفه من الله تعالى، ويسقط من راحلته، ولا يزال يعتريه هذا الحال حتى يقضي حجّه(6).


وكان الإمام((عليه السلام)) إذا أدّى مناسكه في البيت الحرام; أقبل على الصلاة تحت ميزاب الرحمة. ورآه طاووس اليماني في ذلك المكان قائماً وهو يدعو الله ويبكي من خشية الله، فلمّا فرغ من صلاته قال له طاووس: رأيتك على حالة من الخشوع ولك ثلاثة اُمور، أرجو أن تؤمنك من الخوف، أحدها: أنّك ابن رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، الثاني: شفاعة جدّك، الثالث: رحمة الله.


فأجابه الإمام((عليه السلام)) قائلاً: «يا طاووس، أمّا أ نّي ابن رسول الله((صلى الله عليه وآله)) فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول: (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)(7)، وأمّا شفاعة جدّي فلا تؤمنني; لانّ الله تعالى يقول: (ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى)(8) وأمّا رحمة الله فالله يقول: (إنّ رحمة الله قريب من المحسنين)(10) ولا أعلم أنّي محسن»(11)
.


وقال طاووس: رأيت عليّ بن الحسين يطوف من العشاء إلى السحر ويتعبّد، فإذا لم يرَ أحداً رمق السماء بطرفه وقال:
«الهي، غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتّحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد ((صلى الله عليه وآله)) في عرصات القيامة»
ثم بكى وقال:
«أما وعزّتك وجلالك ما أردتُ بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاكّ، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرّض، ولكن سوّلت لي نفسي، وأعانني على ذلك سترك المرخى به عليّ، فأنا الآن من عذابك من يستنقذني، وبحبل من اعتصم إن قطعت حبلك عنّي...».
ثم خرّ إلى الأرض ساجداً، فدنوت منه ورفعت رأسه ووضعته في حجري، فوقعتْ قطرات من دموعي على خدّه الشريف فاستوى جالساً،
وقال بصوت خافت:
«من هذا الذي أشغلني عن ذكر ربي؟».


فأجابه طاووس بخضوع وإجلال:
أنا طاووس ياابن رسول الله، ما هذا الجزع والفزع ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جانون؟
أبوك الحسين بن عليّ واُمّك فاطمة الزهراء وجدّك رسول الله.


فأجابه الإمام((عليه السلام)):
«هيهات هيهات يا طاووس، دع عنك حديث أبي واُمي وجدّي، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيّداً قرشياً، أما سمعت قوله تعالى: (فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)؟ والله لا ينفعك غداً إلاّ ما تقدّمه من عمل صالح»
(مناقب آل أبي طالب : 4 / 163، 164، وبحار الأنوار : 46 / 81 .).



(1) نهاية الإرب : 21 / 326.
(2) المؤمنون (23) : 101 .
(3) الأنبياء (21) : 28 .
(4) الأعراف (7) : 56 .
(5) بحار الأنوار : 46 / 101.
(6) فروع الكافي : 4/252 .
(7) من لا يحضره الفقيه: 2 / 208 ح 2168 .
(8) بحار الأنوار: 99/386 مع اختلاف في اللفظ .
(9) الفصول المهمة: 189.
(10) حياة الإمام زين العابدين : 227 .





رسالةالحقوق
تكفّلت رسالة الحقوق تنظيم أنواع العلاقات الفردية والاجتماعية للإنسان في هذه الحياة بنحو يحقّق للفرد والمجتمع سلامة العلاقات، ويجمع لهما عوامل الاستقرار والرقيّ والازدهار.
« لقد نظر الإمام الحكيم ((عليه السلام)) بعمق وشمول للإنسان، ودرس جميع أبعاد حياته وعلاقاته مع خالقه ونفسه واُسرته ومجتمعه وحكومته ومعلّمه »
(حياة الإمام زين العابدين: 477)
وكلّ من يرتبط به أدنى ارتباط.
ويمكن أن نقول: إنّ تنظيم العلاقات الاجتماعية على أساس تعيين مجموعة الحقوق بشكل دقيق هو الرصيد الأول للنظام الاجتماعي الإسلامي، وهو المبنى المعقول للتشريعات الإسلامية عامّة، فإنّ الذي يفهم بعمق هذه الرسالة ويدرس بدقّة حقوق الخالق وحقوق المخلوقين بعضهم تجاه بعض يتسنّى له أن يفهم أسرار التشريع الإسلامي وفلسفة الأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لتنظيم حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً.


إنّ العدالة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإدارية لن تتحقّق ما لم يُطبّق نظام الحقوق بشكل دقيق أوّلاً، وتنظّم الأحكام والتشريعات على أساس تلك الحقوق، وفيما نعلم أنّ الإمام((عليه السلام)) قد سبق العلماء والقانونيين جميعاً في دنيا الإسلام بل في دنيا الإنسان في هذا المضمار الذي على أساسه ترتكز اُصول الأخلاق والتربية ونظم الاجتماع.


وقد كتب الإمام زين العابدين((عليه السلام)) هذه الرسالة العظيمة واتحف بها بعض أصحابه، ورواها العالم الكبير ثقة الإسلام ثابت بن أبي صفيّة المعروف بأبي حمزة الثمالي تلميذ الإمام((عليه السلام)) كما رواها عنه بسنده المحدّث الصدوق في كتابه «الخصال» وثقة الإسلام الكليني في «الكافي» والحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني في «تحف العقول» وهي من المصادر القديمة الموثوقة.


والإمام((عليه السلام)) قبل بيانه للحقوق يشير إلى أنّ هناك حقوقاً محيطةً بالإنسان، ولا بد له من معرفتها، ثمّ يبيّن أكبر الحقوق وهو ما يرتبط بالله سبحانه بالنسبة لعبده، ثمّ يفرّع عليها حقوق الإنسان المفروضة من الله تجاه نفس الإنسان، فيبيّن أنواع علاقة الإنسان بنفسه من خلال المنظار الآلهي، ثمّ ينتهي الى أنواع العلاقة بين الإنسان وبيئته التي تشتمل على قيادة ومقودين ورعاة ورعية، مع بيانه لأنواع الأئمّة والمأمورين ودرجاتهم، ثمّ يبيّن سائر العلاقات مع الأرحام والاُسرة وأعضائها، ثمّ من تشتمل عليه الاُسرة من الموالي والجواري، ثمّ سائر ذوي الحقوق كالمؤذّن والإمام في الصلاة والجليس والشريك والغريم والخصم والمستشير والمشير والمستنصح والناصح والسائل والمسؤول والصغير والكبير.. حتى ينتهي إلى من يشترك مع الإنسان في دينه من بني الإنسان، ثمّ حقوق من يشترك مع الإنسان في الإنسانية وفي النظام السياسي الذي يخضع له وإن لم يكن من أهل ملّته ودينه.









في رحاب الصحيفة السجّاديّة

لقد خطّط القرآن الكريم لثورة ثقافية عظيمة، وكانت آياته الاُولى تبشّر بحركة كبرى في عالم العلم والمعرفة، حيث ابتدأ الوحي الربّاني بالأمر بالقراءة أمراً مؤكدّاً والإشارة بنعمة التعليم الإلهي والاهتمام بظاهرتي القلم والكتابة في التعليم وتدوين المعرفة ونقلها وتطويرها وتطوير الإنسان من خلال تكامل المعرفة وتطوّر العلوم.
والرسول الأمين وإن عرف عنه بأنّه لم يتعلّم القراءة والكتابة المتعارفة ولكنّه قد حثّ على طلب العلم ونشره وتدوينه بإلهام إلهي، وبالرغم من أنّ الجهاز الحاكم الذي خلف الرسول ((صلى الله عليه وآله)) أصدر قراراً بمنع تدوين حديث الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وبذلك وجّه ضَربةً كبيرةً للثقافة الإسلامية المتمثّلة في أحاديث الرسول الأعظم، لكنّها قد تدوركت بعد أن خلّفت مضاعفات كبيرةً لا زال العالم الإسلامي والإنساني يدفع ضريبتها حتى يومنا هذا بعد أن لمسوا تلك المضاعفات الكبرى التي ترتّبت على مثل هذا القرار.
وأمّا الأئمّة من أهل البيت ((عليهم السلام)) حيث كانوا قد أدركوا في وقت مبكّر مضاعفات منع التدوين والنكسة التي سوف يصاب بها العالم الإسلامي بل الإنساني، فبادروا إلى التدوين وشجّعوا أصحابهم على عملية التدوين



مميزات الصحيفة السجّاديّة :


1 ـ إنّها تمثّل التجرّد التام من عالم المادّة والانقطاع الكامل إلى الله تعالى والاعتصام به، والذي هو أثمن ما في الحياة.


2 ـ إنّها تكشف عن كمال معرفة الإمام((عليه السلام)) بالله تعالى وعميق إيمانه به .


3 ـ امتازت الصحيفة السجادية على سائر أدعية المعصومين((عليهم السلام)) بتكرار الصلاة على محمّد وآل محمد لأنّه من الأرجح أن هذه الأدعية اُنشئت في أعقاب واقعة كربلاء التي كان منشؤها يزيد الذي كان هو وأبوه وجدّه ومن ورائهم بنو اُمية يسعون في إطفاء النور المحمّدي((صلى الله عليه وآله)).


والأرجح ان الإمام كان يريد من خلال هذه الأدعية تكريس مبادئ الإسلام وترسيخها في النفوس في مواجهة المساعي الاُموية الهدّامة.


4 ـ فتحت الصحيفة للإنسان المسلم أبواب الأمل والرجاء برحمة الله الواسعة.


5 ـ كما فتحت للمناظرات البديعة مع الله تعالى باباً مهمّاً يتضمّن أنواع الحجج البالغة لاستجلاب عفو الله وغفرانه، مثل قوله((عليه السلام)): « إلهي إن كنتَ لا تغفر إلاّ لأوليائك وأهل طاعتك فإلى من يفزع المذنبون ؟ ! وإن كنتَ لا تُكرِم إلاّ أهل الوفاء لك فبمن يستغيث المُسيئون ؟ !».


وهكذا قوله: « إلهي إنّي امرؤ حقير وخطري يسير وليس عذابي ممّا يزيد في ملكك مثقال ذرّة ... ».


6 ـ تضمّنت الصحيفة برامج أخلاقية روحية وسلوكية مهمّة لتربية الإنسان، ورسمت له اُصول الفضائل النفسية والكمالات المعنويّة.


ـ احتوت على حقائق علمية لم تكن معروفةً في عصره . وقد أشرنا إلى بعض منها(1).


8 ـ كما تصدّت الصحيفة لمواجهة الفساد الفردي والإجتماعي والسياسي في عصر أشاعت فيه السياسة الاُموية الفساد الأخلاقي والخلاعة والمجون بين المسلمين، فكانت الصحيفة خير وسيلة للإصلاح في أحلك الظروف التي اتّبع فيها الاُمويون سياسة القمع والإرهاب.


9 ـ والصحيفة بعد هذا هي منجم من مناجم البلاغة والفصاحة وينبوع ثرّ للأدب الإسلامي الهادف، فهي لا تفترق عن «نهج البلاغة» في هذا المضمار.


10 ـ وقد ضمّن الإمام زين العابدين((عليه السلام)) أدعيته ـ التي تمثّلت في الصحيفة الكاملة وسائر الأدعية التي وصلت عنه وجُمعت مؤخّراً في ما سمّي بــ « الصحيفة الجامعة » ـ منهاجاً كاملاً للحياة الإنسانية الفريدة ، ولم يترك الإمام جانباً ممّا تحتاجه الاُمّة الإسلامية إلاّ وتعرّض له وعالجه باُسلوبه الفذّ وبلاغته البديعة.




الدور التأريخي للصحيفة السجّاديّة :
المسلمين في عصر الإمام زين العابدين((عليه السلام)) واجهوا «خطرين كبيرين خارج النطاق السياسي والعسكري، وكان لا بدّ من البدء بعمل حاسم للوقوف في وجههما :
أحدهما : الخطر الذي نجم عن انفتاح المسلمين على ثقافات متنوّعة

(1) راجع فصل: من علوم الإمام ((عليه السلام))، حقائق علميّة في الأدعيّة السجّادية.
من قيم خلقية وحقوق وواجبات.
قد استطاع الإمام عليّ بن الحسين بما اُوتي من هذه المواهب أن ينشر من خلال الدعاء جوّاً روحياً في المجتمع الإسلامي يساهم في تثبيت الإنسان المسلم عندما تعصف به المغريات، وشدّه إلى ربّه حينما تجرّه الأرض إليها وتأكيد ما نشأ عليه من قيم روحية، لكي يظلّ أميناً عليها في عصر الغنى والثروة كما كان أميناً عليها وهو يشدّ حجر المجاعة على بطنه.
وهكذا نعرف أنّ الصحيفة السجّادية تعبّر عن عمل إجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام، إضافةً إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي، وتزداد حاجةً كلّما ازداد الشيطان إغراءً والدنيا فتنة »(1).



سند الصحيفة السجّادية :
ينتهي سند الصحيفة إلى الإمام أبي جعفر محمد الباقر ((عليه السلام)) وإلى أخيه الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين ((عليهما السلام))، وقد ذكرت سلسلة السند في مقدمة الصحيفة، وحظي هذا السند بالتواتر، وما زال العلماء يتلقّونها موصولة الإسناد بالإسناد.
قال السيّد محسن الأمين العاملي: « وبلاغة ألفاظها ـ أي الصحيفة ـ وفصاحتها التي لا تبارى وعلوّ مضامينها وما فيها من أنواع التذلّل لله تعالى والثناء عليه والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسّل اليه أقوى شاهد على صحّة نسبتها، وإنّ هذا الدرّ من ذلك البحر، وهذا الجوهر من ذلك (1) نقلاً عن مقدمة السيد الشهيد محمد باقر الصدر على الصحيفة السجّادية الكاملة .
المعدن، وهذا الثمر من ذلك الشجر، مضافاً إلى اشتهارها شهرةً لا تقبل الريب، وتعدّد أسانيدها المتّصلة إلى منشئها صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعدّدة المتّصلة إلى زين العابدين ((عليه السلام)) وقد كانت منها نسخة عند زيد الشهيد ثمّ انتقلت إلى أولاده، وإلى أولاد عبدالله بن الحسن المثنّى، كما هو مذكور في أوّلها، مضافاً إلى ما كان عند الباقر ((عليه السلام)) من نسختها، وقد اعتنى بها عامّة الناس فضلاً عن العلماء اعتناءً بروايتها وضبط ألفاظها ونسخها، وواظبوا على الدعاء بأدعيتها في الليل والنهار والعشي والإبكار »
(1).




شروح الصحيفة السجّادية :
عكف العلماء على دراسة الصحيفة السجّادية وشرحها وإيضاح مقاصدها، وقد اُلّفت في ذلك مجموعة من الكتب القيّمة ذكرها شيخ المحقّقين الشيخ آغا بزرك الطهراني في موسوعته المعروفة بــ
« الذريعة إلى تصانيف الشيعة ».
وقد أحصى ستّة وستين شرحاً لها.



وصف الصحيفة بــ «الكاملة» :
1 ـ ذكروا أنّ سبب تسمية هذه الصحيفة بـ «الكاملة» هو أنّ لدى الزيدية نسخة ناقصة من هذه الصحيفة تصل إلى نصفها، ولذلك عرفت هذه الصحيفة بالكاملة(2).
2 ـ وذهب البعض الى أنّ السبب في إطلاق هذه الصفة على الصحيفة

(1) حياة الإمام زين العابدين : 375 ، وراجع شجرة طرق أسانيد الصحيفة السجادية المطبوعة في مؤسسة الإمام المهدي ((عليه السلام)) بإشراف السيد الأبطحي .
(2) حياة الإمام زين العابدين ((عليه السلام)) : 190 .



الموضوعات العامّة للصحيفة الجامعة :


1 ـ أدعيته ((عليه السلام)) في التحميد والتوحيد والتمجيد ، وفيها (8) أدعية .


2 ـ أدعيته في الصلوات ، وهي (14) دعاءً .


3 ـ دعاؤه لنفسه وخاصّته .


4 ـ أدعيته في الصباح والمساء ، وفيها (8) أدعية .


5 ـ أدعيته في المهمّات والكربات والاستعاذة ، وفيها (6) أدعية .


6 ـ أدعيته في الاعتراف والاستغفار ، وفيها (9) أدعية .


7 ـ أدعيته في طلب الحوائج وقضائها ، وفيها (5) أدعية .


8 ـ أدعيته إذا اعتُدي عليه ، وفيها دعاءان .


9 ـ أدعيته في الأمراض والبلايا ، وفيها (3) أدعية .


10 ـ دعاؤه في الاستقالة .


11 ـ دعاؤه في الاستعاذة من الشيطان .


12 ـ أدعيته في الحذر ، وفيها دعاءان .


13 ـ أدعيته في الاستسقاء ، وفيها دعاءان .


14 ـ أدعيته في مكارم الأخلاق ، وفيها دعاءان .


15 ـ أدعيته في الحزن والشدّة ، وفيها (4) أدعية .


16 ـ أدعيته في العافية ، وفيها دعاءان .


17 ـ أدعيته فيمن دعا لهم، وهم : الأبوان والولد والجيران والأولياء وأهل الثغور وجملة من الأشخاص .


18 ـ أدعيته فيمن دعا عليهم.


19 ـ أدعيته في الفزع إلى الله ، وفيها دعاءان .

لقراءة الصحيفة السجادية
http://www.mezan.net/books/sahifa/html/indexs.html
وللتحميل

__________________
<TABLE width="100%"><TBODY><TR><TD width="20%"></TD><TD>إذا جَادَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ فَجُدْ بها -على الناس طراً إنها تتقلب

فَلاَ الجُودُ يُفْنِيْهَا إذا هِيَ أَقْبَلَتْ-ولا البُخْلُ يُبْقِيْها إذا هِيَ تَذْهَبُ
امير المؤمنين الامام علي عليه السلام
</TD></TR></TBODY></TABLE>
روي عن رسول الله () : يا سلمان !.. مَن أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي ، ومَن أبغضها فهو في النار . يا سلمان !.. حبّ فاطمة ينفع في مائة موطن ، أيسر تلك المواطن: الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، فمَن رضيتْ عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ، ومَن رضيت عنه رضي الله عنه ، ومَن غضبتْ عليه فاطمة غضبت عليه ، ومَن غضبتُ عليه غضبَ الله عليه . يا سلمان !.. ويلٌ لمن يظلمها ويظلم ذريتها وشيعتها ..ّ

نسألكم الدعاء
شكرا للقلوب التي احتوتني
حورية إنسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس