18-12-2010, 10:55 PM
|
#41
|
♠ فاطمية مبتدئة ♠
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
|
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(556) بَيني وبينَكِ ، قَلّدوني ما تَقَلّدتُ ، وباتّفاق منهم أخذتُ ما أخذت ، غير مُكابرٍ ولا مُستبدّ ولا مُستأثر ، وهم بذلك شهود.
فالتفتت فاطمة ( عليها السلام ) إلى الناس وقالت :
مَعاشر الناس ! المُسرعة إلى قيل الباطل ، المُغضية على الفِعل القبيح الخاسر (1) ، أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها ؟
كلا ، بل ران على قلوبكم ما أسأتم مِن أعمالكم. فأُخذ بسمعكم وأبصاركم ، ولَبئسَ ما تأوّلتم ، وساء ما به أشَرتُم ، وشرّ ما منه اعتضَتّم (2) ، لَتجدنّ ـ والله ـ محمله ثقيلا ، وغِبّه وبيلاً (3) ، إذا كُشِف لكم الغطاء وبانَ ماوراءه الضرّاء ، وبَدا لكم من ربّكم مالَم تكونوا تحتسبون ، وخَسِر هنالك المبطلون.
ثمّ عطفت على قبر أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقالت :1 ـ المغضية : الساكتة ، الراضية.
2 ـ اعتضتّم : من الإعتياض وهو أخذ العوض.
3 ـ الغِبّ ـ بكسر الغين ـ : العاقبة. الوَبيل : الشديد الثقيل.
(557) قـد كان بَعدك أنبـاءٌ و هَنبَثـة (1)إنّـا فَقَدنـاك فَقدَ الأرض وابِلَها (3)وكلّ أهـلٍ لـه قُربى ومنـزلةٌأبدَت رجالٌ لنا نجوى صدورهم (5)تَجَهّمَتنا رجـالٌ و استخفّ بِنـالـو كنتَ شاهدَها لم تَكثُر الخُطبُ (2)و اختلّ قومُك فاشهَدهم وقد نَكبوا (4)عنـد الإله على الأدنين مُقتَـربُلمّا مَضَيتَ و حالَت دونَك التُرُبلَمّا فُقِدتَ ، وكلّ الإرث مُغتَصَبُ (6)1 ـ الهنبثة : الأمر الشديد المختلف.
2 ـ الخطب ـ بضمّ الخاء والطاء ـ جَمع خَطب ، بفتح الخاء ـ : المصائب الشديدة.
3 ـ الوابل : المطر الغزير الكثير.
4 ـ نَكبوا : عَدَلوا عن الطريق.
5 ـ نجوى ـ هنا ـ : الأحقاد الكامنة المَخفيّة سابِقاً.
6 ـ مُغتصَب : مغصوب.
(558) وكنتَ بَدراً ونـوراً يُستَضاءُ بهوكان جبريل بالآيـات يؤنسنـافليتَ قَبلَك كـان الموتُ صادفناإنا رُزينا بمـا لَم يُرزَ ذو شَجَنٍ (2)عليك تَنزلُ مِن ذي العِزّة الكُتُبفقد فُقِدتَ ، فكلّ الخير مُحتَجَبُلمّا مَضَيتَ وحالت دونك الكُثُبُ (1)مِن البريّة لا عَجمٌ و لا عَـرَبُ ثمّ انكفأت ( عليها السلام ) (3) ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يتوقّـع رجوعهـا إليه (4) ، ويتطلّع طلوعها عليه ، فلمّا استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) :1 ـ الكُثب ـ بضمّ الكاف والثاء ـ جمع كثيب ـ : وهو الرَمل.
2 ـ رُزينا : من الرزيّة وهي المصيبة. والشَجَن : الحُزن.
3 ـ انكفأت : رَجَعت.
4 ـ يتوقّع : ينتظر.
(559) يابن أبي طالب ، إشتملت شَملَة الجنين (1) ، وقَعَدتَ حُجرة الظنين (2) ، نَقَضتَ قادمة الأجدَل (3) ، فخانَك ريشُ الأعزَل (4)، هذا ابنُ أبي قحافة يَبتزّني نِحلة أبي (5) وبُلغةَ إبنيّ (6).
لقد أجهَرَ في خصامي (7) ، والفَتية الألدّ في1 ـ إشتَمَل الثوب : إذا أداره على الجسد. والشِملة ـ بكسر الشين ـ : هيئة الإشتمال وكيفيّته ..
والشملة ـ بفتح الشين ـ : ما يُشتَمل به ، والمقصود هنا : مَشيمة الجنين ، وهي الكيس الذي يكون فيه الجنين داخل الرحم.
2 ـ الحجرة ـ بضمّ الحاء ـ : البيت. وبضمّ الحاء وسكون الجيم ثم الزاء : هو المكان الذي يُحتجز فيه. والظنين : المُتّهم.
3 ـ نَقَضتَ : كسرتَ. والقادمة ـ واحدة القوادم ـ : وهي مقاديم ريش الطائر. والأجدل : الصَقر. والمقصود : كنتَ ـ فيما مضى ـ تَكسِرُ ظهر الأبطال والشجعان في الحروب.
4 ـ خانَك من الخيانة. وفي نسخة : خاتكَ : أي : إنقضّ عليك.
5 ـ يَبتزّني : يَسلبني بالقَهر والغَلَبة. والنِحلة ـ بكسر النون ـ : العَطية ، والنُحيلة تصغيرها.
6 ـ البلغة : ما يُتبلّغ به من العَيش ويُكتفى به.
7 ـ أجهَر : أعلنَ بكلّ وضوح. وفي نسخة : أجهَد : أي جدّ وبالغ.
(560) كلامي (1) ، حتى حَبَستني قيلة نصرها (2) ، والمهاجرة وَصلَها (3) ، وغضّت الجماعة دوني طرفها ، فلا دافع ولا مانع ، خَرجتُ كاظمة ، وعُدتُ راغمة (4) ، أضرَعتَ خَدّك يوم أضعتَ حَدّك (5) ، إفتَرست الذئاب وافتَرَشتَ التُراب ، ما كفَفتَ قائلاً ولا أغنيتَ باطلا (6) ، ولا خيارَ لي (7) ، لَيتني مِتُ قبل هِينَتي (8) ، ودون ذِلّتي ، عذيري الله منك عادياً ومنك حامياً.
وَيلاي في كلّ شارق ، مات العَمَد ووَهَنَ العَضُد ، شكواي إلى أبي ، وعَدواي إلى رَبّي ، اللهم أنت أشدُّ قوّةً وحَولا ، وأحدُّ بأساً وتَنكيلا.1 ـ ألفَيته : وَجَدته. والألدّ : شديد الخصومة ، والحَقود.
2 ـ حَبَسَتني : مَنَعتني. وقيلة : اسم أُمِّ الأوس والخزرج ، وهما قبيلتان من الأنصار.
3 ـ المهاجرة : المهاجرون. وَصلَها : عَونَها.
4 ـ كاظمة : مُتجرّعة الغيظ مع الصبر.
5 ـ أضرغتَ : أذللتَ ، وأضعتَ حَدّك : أهمَلتَ قَدرَكَ.
6 ـ ما كفَفتَ : ما منعتَ. أغنيتَ : صَرَفتَ ودَفعتَ.
7 ـ لا خيار لي. لا اختيار لي.
8 ـ هينتي ـ بكسر الهاء ـ : مهانتي.
(561) فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
لا وَيلَ عليكِ ، بل الويلُ لِشانئكِ ، نَهنِهي عن وَجدِكِ يابنةَ الصفوة (1) ، وبقيّة النبوّة ، فما وَنيتُ عن ديني (2) ، ولا أخطأتُ مقدوري ، فإن كنتِ تريدين البُلغة فرزقُكِ مَضمون (3) ، وكفيلُك مأمون ، وما أُعدّ لكِ خيرٌ مما قُطعَ عنك ، فاحتَسبي الله.
فقالت : حسبي الله. وأمسكت. (4)1 ـ نَهنِهي : كُفّي. وَجدكِ : حُزنكِ.
2 ـ وَنَيتُ : عَجَزتُ.
3 ـ البُلغة ـ بضمّ الباء ـ : الكفاية.
4 ـ نُنَبّه القاري الكريم أنّ السيد المؤلف ( رحمة الله تعالى عليه ) قام بشرح كلمات هذه الخطبة في كتابه : « فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد » ، وجدير بالقارئ الكريم أن يقرا شرح الخطبة في ذلك الكتاب ، ليَطّلع على بعض ما فيها من الأسرار والإشارات والتعليقات والتوضيحات. المحقق
(562) كانت السيدة زينب ( عليها السلام ) قد بَلغَت مَبلغاً من الوعي والنضج الفكري والإستعداد العقلي بحيث استطاعت أن تَسمع مِن أمّ أيمن حديثاً يتعلّق بمستقبلها ومُستَقبَل أُسرتها. (1)
حديثاً يَقشَعرّ منه الجلود ، وتتوتّر منه الأعصاب ، لأنّه إخبار عن مُستقبل محاط بشتّى أنواع الفجائع والكوارث ، والمآسي1 ـ أمّ أيمن : اسمها بَركة بنت ثعلّبة بن عمرو ، غَلَبت عليها كُنيتها ، إمرأة جليلة محترمة ، كانت أمَةً لسيدنا عبد الله بن عبد المطلب ـ والد رسول الله ـ ، وصارت ميراثاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وبذلك صارت حاضنةً له ، وقد أعتقها النبي الكريم عندما تزوّج من السيدة خديجة ( عليها السلام ). رَوت عن النبي الكريم أحاديث مُتعدّدة ، وقد شَهِدَ لها رسول الله بأنّها من أهل الجنّة ، وشهد لها ـ أيضاً ـ الإمام الباقر ( عليه السلام ) بذلك حيث قال للراوي : « أرأيت أمّ أيمن فإنّي أشهد أنّها من أهل الجنة ». تزوجها عُبيد بن زيد ، من بني الحارث بن الخزرج ، فولدت له « أيمَن » ، واستُشهد(564) والإضطهاد والأهوال ، وهو مقتل أخيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأُسرته وأهل بيته.
إذن ، لم تكن فاجعة كربلاء للسيدة زينب مفاجأة ، بل كانت على عِلم بهذه المقدّرات التي كتبتها المشيئة الإلهية.
ولا نعلم ـ بالضبط ـ التاريخ الذي سمعت فيه السيدة زينب هذا الحديث من أمّ أيمن ، حتى نستطيع معرفة مقدار عمر السيدة زينب يوم سماع هذا الحديث ، لكن ذكر المؤرّخون تاريخ وفاة أمّ أيمن سنة 36 من الهجرة ، وبناءً على هذا .. فقد كان عمر السيدة زينب ( عليها السلام ) يوم وفاة أم أيمن ثلاثين سنة. ولعلّها كانت قد حدّثت السيدة زينب قبل وفاتها بسنوات.
وعلى كل تقدير ، فإنّ السيدة زينب كانت تعلم بقضايا كربلاء قبل وقوعها بأربع وعشرين سنة .. على أقلّ التقادير ، إستناداً إلىعبيد يوم خيبر ، فتزوّجها ـ بعد ذلك زيد بن حارثة ، والد أسامة بن زيد ، كانت علاقاتها مع أهل بيت رسول الله .. علاقات طيّبة جداً ، وخاصّةً بعد وفاة النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ). قيل : تُوفّيَت في أيام حكومة عثمان بن عفّان ، وصلى على جنازتها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ودُفنت في البقيع. المحقق
(565) حديث أم أيمن ، سوى ما سمعته من جدّها رسول الله وأبيها أمير المؤمنين من الإخبار بمقتل الإمام الحسين في أرض كربلاء ، وقد إتّضح شيء من هذا الموضوع في الفصول الماضية من هذا الكتاب.
وأمّا حديث أمّ أيمن فإليك نصّه :
ذُكرَ في ملحقات كتاب ( كامل الزيارات ) لابن قولويه (1) ، بسنده عن نوح بن درّاج ، قال : حدّثني قدامة بن زائدة ، عن أبيه قال :
قال علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ : « بَلَغني ـ يا زائدة ـ أنّك تزور قبر أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) أحياناً ؟ ».
فقلت : إنّ ذلك لَكَما بَلَغَك.
فقال لي : « فلماذا تفعل ذلك ، ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتملُ أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا ، والواجب على هذه الأمّة من حقّنا » ؟
فقلت : والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله ، ولا أحفل بسخط من سخط (2) ولا يكبُرُ في صدري مكروه ينالُني بسببه !1 ـ كتاب ( كامل الزيارات ) لابن قولويه المتوفى سنة 367 هـ.
2 ـ لا أحفَلُ : لا أبالي. كما في كتاب « العين » للخليل بن أحمد.
(566) فقال : « والله إنّ ذلك لكذلك ». (1)
فقلت : والله إنّ ذلك لكذلك. يقولها ثلاثاً ، وأقولها ثلاثاً. (2)
فقال : « أبشِر ثمّ أبشِر ثمّ أبشِر فلأُخبِرنّك بخبرٍ كان عندي فـي النَخب المخـزون (3) فإنّه لمّا أصابنا بالطفّ ما أصابنا (4) وقُتل أبي ( عليه السلام ) وقُتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله ، وحُملَت حُرَمُه ونساؤه على الأقتاب يُراد بنا1 ـ لكذلك : أي : هو كما أخبَرتَني بذلك ، وأنتَ صادق في قولك.
2 ـ أي : لمزيد التأكيد على صدق كلامي .. كنتُ أُقسم بالله تعالى ثلاث مرّات ، وكان الإمام ( عليه السلام ) أيضاً يُقسم بالله سبحانه ثلاث مرات أنّي صادقٌ في قولي ، أو : أنّه يُصدقني على كلامي. المحقق
3 ـ هناك إحتمالان في معنى كلمة « النَخب » : الإحتمال الأول : هو صُندوقٌ صغير ، يُصنَع من خَشَب ، توضع فيه الأشياء النفيسة أو الثمينة ، كالمجوهرات والكتب المخطوطة الفريدة.
الاحتمال الثاني : هو ما يختارها الإنسان وينتخبها من المعلومات الثقافية النادرة التي يعتزّ بها ، ويودعها في ذاكرته. قال ابن منظور ـ في « لسان العرب » ـ : نَخَبَ : إنتخبَ الشيء : إختاره ، مشتقّ من النخبة. وجاء في كتاب « لاروس » : نَخَبَ الشيء : أخذ أحسنه. والله العالم. المحقق
4 ـ الطفّ : أرض كربلاء.
(567) الكوفة (1).
فجعلتُ أنظرُ إليهم صرعى ولم يُواروا ، فعَظُم ذلك في صدري ، واشتدّ ـ لما أرى منهم ـ قَلَقي ، فكادت نفسي تخرج ، وتبيّنَت ذلك منّي عمّتي زينب الكبرى بنت علي ( عليه السلام ) فقالت : ما لي أراكَ تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي ؟؟!
فقلت : وكيفَ لا أجزع وأهلَع ؟ وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومَتي ووُلدَ عمّي ، وأهلي مُصرّعين بدمائهم (2) مُرَمّلين بالعراء ، مسَلّبين ، لا يُكفّنون ولا يوارون ، ولا يُعرّج عليهم أحد ، ولا يقربُهم بشر ، كأنّهم أهل بيتٍ من الدَيلم والخَزر ؟؟ (3)1 ـ لقد ذكرنا ـ فيما مضى ـ أنّ الأقتاب ـ جمعُ قَتَب ـ : وهي مجموعة من الأقمشة السميكة المخيّطة بعضها فوق بعض ، لكي توضَعَ على سنام الإبل وتُشَدّ وتُثبّت هناك ، وذلك لراحة الراكب. ويُعبّر عنبه بـ « الإكاف ». المحقّق
2 ـ لعلّ الصحيح : مضرّجين بدمائهم. المحقق
3 ـ الديلم والخَزَر : أهالي مُقاطعة « مازندران » و « كيلان » في إيران ، كانوا يحاربونهم ويأسرونَ رجالهم ونساءهم ، ويأتون بهم إلى الشام ، ويتعاملون معهم تعامل العبيد والإماء ، فيبيعونهم. المحقق
(568) فقالت : لا يُجزعنّك ما ترى ، فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى جدّك [ أمير المؤمنين ] وأبيك وعمّك [ الإمام الحسن ].
ولقد أخذ الله الميثاق ، أُناسٌ من هذه الأمّة ـ لا تعرفهم فراعنة هذه الأمّة (1) ، وهم معروفون في أهل السماوات ـ أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة وهذه الجسوم المضرّجة فيوارونها.
وينصبون لهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيد الشهداء ، لا يُدرَس أثره (2) ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام. (3)
ولَيَجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً ، وأمره إلا علوّاً. (4)
فقلتُ : وما هذا العهد وما هذا الخبر ؟؟
فقالت : نعم ، حدّثتني أمّ أيمن أن رسول الله ( صلى الله1 ـ وفي نسخة : فراعنة هذه الأرض.
2 ـ لا يُدرس أثره : أي : لا يُعفا ولا يُمحى لا أثره. كما يستفاد من « المعجم الوسيط ». المحقق
3 ـ كرور الليالي والأيام : مرور ومُضيّ الليالي والأيام. المحقق
4 ـ تطميسه : محوه وإزالته.
(569) عليه وآله وسلم ) زارَ منزل فاطمة ( عليها السلام ) في يوم من الأيام ، فعَمِلَت له حريرة (1) ، وأتاهُ علي ( عليه السلام ) بطبقٍ فيه تمر.
ثمّ قالت أمّ أيمن : فأتيتهم بعُسٍ فيه لبن وزبد (2) فأكلَ رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين من تلك الحريرة ، وشَربَ رسول الله وشربوا من ذلك اللبن ، ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزُبد. ثم غسل رسول الله يده ، وعليٌ يَصُبّ عليه الماء.
فلمّا فرغ من غسل يده مسح وجهه ، ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين نظراً عرفنا به السررو في وجهه ، ثم رمقَ بطرفه نحو السماء مليّاً (3) ثم إنّه وجّه وجهه نحو القبلة ، وبسط يديه ودعا ، ثمّ خرّ ساجداً وهو ينشج (4) فأطالَ النشيج ، وعلا نحيبه وجََرَت دموعه.
ثمّ رفع رأسه ، وأطرَقَ إلى الأرض ودموعه تقطر كأنّها1 ـ الحريرة : دقيق « طحين » يُطبَخُ بِلَبَن. كما في كتاب « مجمع البحرين » للطريحي.
2 ـ العُسّ ـ بضمّ العَين ، وتشديد السين ـ : القدح الكبير. كتاب « العَين » للخليل. الزُبدُ : ما خَلُصَ من اللبن إذا مُخِض .. يشبه الدُهن. « لسان العرب »
3 ـ مَلِيّاً : مُدّةً طويلةً من الزمن. كما يُستفاد من كتب اللغة. المحقق
4 ـ يَنشجُ : يتردّد البكاء في صدره .. دون صوت عال.
(570) صوب المطر (1) ، فحزنت فاطمة وعلي والحسن والحسين ( عليهم السلام ) وحزنت معهم ، لما رأينا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهِبناه أن نسأله (2).
حتّى إذا طال ذلك ، قال له علي وقالت له فاطمة : ما يُبكيك يا رسول الله ؟ لا أبكى الله عينيك ! فقد أقرح قلوبنا ما نرى مِن حالك.
فقال : يا أخي سُررتُ بكم (3) وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته عليّ فيكم ، إذ هبطَ عليّ جبرئيل فقال :
يا محمد ! إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ إطّلع على ما في نفسك ، وعرفَ سرورَك بأخيك وابنتك وسبطيك ، فأكمل لك النعمة وهنّأكَ العطيّة : بأن جعَلَهم وذُريّاتهم ومُحبّيهم وشيعتهم معك في الجنة ، لا يُفرّق بينك وبينهم ، يُحبَونَ كما تُحبى (4) ، ويُعطَونَ كما تُعطى ، حتى ترضى وفوق الرضا.1 ـ صوبُ المطر : إنصباب المطر الغزير. المعجم الوسيط.
2 ـ هِبناه : أخَذَتنا هيبته من أن نسأله عن سبب بكائه.
3 ـ وفي نسخة : فقال : يا حبيبَيّ إنّي سُررتُ بكم سروراً ما سررتُ مثله قطّ.
4 ـ يُحبَونَ كما تُحبى : أي يُعطون كما تُعطى ، يُقال : حبا الرجل حبواً : أعطاه ؛ مأخوذ من الحَبوَة : وهي العطيّة الهنيئة .. بلا مَنٍّ أو توقّع جزاء. كما يُستفاد من « القاموس » و « لسان العرب ». المحقق
|
|
|