عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-2010, 10:45 PM   #31
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

قبل أن نبدأ بشرح بعض كلمات هذه الخطبة نجلب إنتباه القارئ الكريم إلى هذا التمهيد :
تدبر قليلاً لتتصور أجواء ذلك المجلس الرهيب ، ثم معجزة السيدة زينب الكبرى في موقفها الجريئ !
بالله عليك ! أما تتعجب من سيدة أسيرة تخاطب ذلك الطاغوت بذلك الخطاب ؟
وتتحداه تحدياً لا تنقضي عجائبه ؟
ولا تهاب الحرس المسلح الذي ينفذ الأوامر بكل سرعة وبدون أي تأمل أو تعقل ؟!


(408)
وأعجب من ذلك سكوت يزيد أمام ذلك الموقف مع قدرته وإمكاناته ؟
وكأنه عاجز لا يستطيع أن يقول شيئاً أو يفعل شيئاً !
أليس من العجيب أن يزيد ـ وهو طاغوت زمانه ، وفرعون عصره ـ لم يستطع أو لم يتجرأ على أن يرد على السيدة زينب كلامها ، بل يشعر بالعجز والضعف عن مقاومة السيدة زينب ، ويكتفي بقراءة قول الشاعر :
« يا صيحة تحمد من صوائح » !
فما معنى هذا البيت في هذا المقام ؟!
وما المناسبة بين هذا البيت وبين كلمات خطبة السيدة زينب ؟
فهل كانت حرفة السيدة زينب النياحة حتى ينطبق عليها قول يزيد : « ما أهون النوح على النوائح » ؟
وما يدرينا مدى ندم يزيد بن معاوية من مضاعفات جرائمه التي ارتكبها ؟ وخاصة تسيير آل رسول الله من العراق إلى الشام.
فإنه ـ بالقطع واليقين ـ ما كان يتصور أن سيدة أسيرة سوف تغمسه في بحار الخزي والعار ،


(409)
فلا يستطيع يزيد أن يغسل عن نفسه تلك الوصمات .. إلى يوم القيامة.
وتكشف الغطاء عن هوية يزيد ، وترفع الستار عن ماهيته وأصله ، وحسبه ونسبه ، وسوابقه ولواحقه ، وتخاطبه بكل تحقير ، وتقرع كلماتها مسامع يزيد ، وكأنها مطرقة كهربائية ، ترتج منها جميع أعصابه ، فيعجز عن كل مقاومة !!
والآن إليك شرحاً موجزاً لبعض كلمات هذه الخطبة الحماسية الملتهبة :
« الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على جدي سيد المرسلين »
إفتتحت كلامها بحمد الله رب العالمين ، ثم الصلاة على جدها : سيد المرسلين ، فهي ـ بهذه الجملة ـ عرفت نفسها للحاضرين أنها حفيدة رسول الله سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى يعرف الحاضرون أن هذه العائلة المسبية الأسيرة هي من ذراري رسول الله ، لا من بلاد الكفر والشرك. ثم قرأت السيدة هذه الآية :
« صدق الله سبحانه ، كذلك يقول : « ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوئى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها


(410)
يستهزؤون » (1) ».
وما أروع الإستشهاد بها ، وخاصةً في مقدمة خطبتها !!
وعاقبة كل شيء : آخره ، أي : ثم كان آخر أمر الذين أساؤا إلى نفوسهم ـ بالكفر بالله وتكذيب رسله ، وارتكاب معاصيه ـ السوئى ، أي : الصفة التي تسوء صاحبها إذا أدركته ، وهي عذاب النار.
« أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون » أي : بسبب تراكم الذنوب والمعاصي في ملف أعمالهم حصل منهم التكذيب بآيات الله والحقائق الثابتة ، وظهر منهم الإستهزاء بها وبالمقدسات الدينية.
وهي ( عليها السلام ) تشير بكلامها ـ هذا ـ إلى تلك الأبيات التي قالها يزيد :
« لعبت هاشم بالملك فلاخبر جاء ولا وحي نزل » ومعنى هذا البيت من الشهر : أن بني هاشم ـ والمقصود من بني هاشم : هو رسول الله ـ لعب بالملك بإسم النبوة والرسالة ، والحال أنه لم ينزل عليه وحي من السماء ، ولا جاؤه خبر من عند الله تعالى.
1 ـ سورة الروم ، الآية 10.

(411)
فتراه ينكر النبوة والقرآن والوحي !!
وهل الكفر والزندقة إلا هذا ؟!
ثم إن بعض الناس ـ بسبب أفكارهم المحدودة ـ يتصورون ـ خطأ ـ أن الإنتصار في الحرب يعتبر دليلاً على أنهم على حق ، وعلى قربهم من عند الله تعالى ، فتستولي عليهم نشوة الإنتصار والظفر ، ويشملهم الكبرياء والتجبر بسبب التغلب على خصومهم ؛
ولكن السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) فندت هذه الفكرة الزائفة ، وخاطبت الطاغية يزيد باسمه الصريح ، ولم تخاطبه بكلمة : « أيها الخليفة » أو « يا أمير المؤمنين » وأمثالهما من كلمات الإحترام.
نعم ، خاطبته باسمه ، وكأنها تصرح بعدم إعترافها بخلافة ذلك الرجس ، فقالت :
« أظننت ـ يا يزيد ـ حين أخذت علينا أقطار الأرض وضيقت علينا آفاق السماء ، فاصبحنا لك في أسار ، نساق إليك سوقاً في قطار ، وأنت علينا ذو اقتدار ، أن بنا من الله هوانا ، وعليك منه كرامة وامتنانا » ؟!
تصف السيدة زينب حالها ، وأحوال من معها من العائلة المكرمة ، أنهم كانوا في أشد الضيق ، كالإنسان


(412)
الذي أخذوا عليه ، أي : منعوه وحاصروه من جميع الجوانب والجهات ، بحيث لا يستطيع الخروج والتخلص من الأزمة.
وبعد هذا التضييق والتشديد ، والمنع والحبس « أصبحنا نساق » مثل الأسارى الذين يأتون بهم من بلاد الكفر عند فتحها.
« سوقاً في قطار » يقال ـ ولا مناقشة في الأمثال ـ : « قطار الإبل » أي : عدد من الإبل على نسق واحد وفي طابور طويل ، وقد قرأنا أن جميع أفراد العائلة ومعهم الإمام زين العابدين والسيدة زينب ( عليهما السلام ) كانوا مربوطين ومكتفين بحبل واحد !
« وأنت علينا ذو اقتدار » أي : نحن في حالة الضعف وأنت في حالة القدرة.
« أن بنا من الله هواناً ، وعليك منه كرامة وامتناناً » ؟!
أي : أظننت ـ لما رأيتنا مغلوبين ، ووجدت الغلبة والظفر لنفسك ـ أن ليس لنا جاه ومنزلة عند الله ، لأننا مغلوبون ؟!! وظننت أن لك عند الله جاهاً وكرامة لأنك غلبتنا وظفرت بنا ، وقتلت رجالنا ، وسبيت نساءنا ؟!!


(413)
« و » ظننت : « أن ذلك لعظم خطرك »
أي : لعلو منزلتك.
« وجلالة قدرك » عند الله تعالى ؟!
وعلى أساس هذا الظن الخاطئ الذي « لا يغني من الحق شيئاً » و « إن بعض الظن إثم » ، إستولت عليك نشوةً الإنتصار.
« فشمخت بانفك » يقال : شمخ بأنفه : أي رفع أنفه عزاً وتكبراً.
« ونظرت في عطفك » العطف ـ بكسر العين ـ : جانب البدن ، والإنسان المعجب بنفسه ينظر إلى جسمه وإلى ملابسه بنوع من الأنانية وحب الذات والغرور.
« تضرب أصدريك فرحاً » الأسدران : عرقان تحت الصدغين ، وضرب أصدريه : أي : حرك رأسه ـ بكيفية خاصة ـ تدل على شدة الفرح والإعجاب بالنفس .. إزاء ما حققه من إنتصار موهوم.
« وتنفض مذرويك مرحاً »
يقال : جاء فلان ينفض مذرويه. إذا جاء باغياً يهدد


(414)
الآخرين.
هذا ما ذكره اللغويون ، ولكن الظاهر أن معنى « ينفض مذرويه » أي يهز إليتيه ، وهو نوع من حركات الرقص عند المطربين حينما تأخذهم حالة الطرب والخفة.
« حين رأيت الدنيا لك مستوسقة »
أي : مجتمعة.
« والأمور لديك متسقة »
أي : منتظمة ، بمعنى : أنك رأيت الأمور على ما تحب وترضى ، وعلى ما يرام بالنسبة إليك ، فكل شيء يجري كما تريد.
« وحين صفى لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا »
أي : ومن أسباب فرحك ، وقيامك بالحركات الطائشة التي تدل على شدة سرورك ، أنك رأيت من نفسك ملكاً وسلطاناً قد نجح في خطته التي رسمها لإبادة منافسه ، وأسر نسائه.
لكن .. إعلم أيها المغرور : أن هذه القدرة والمكانة التي اغتصبتها ـ وهي الخلافة ـ هي لنا أساساً ، لأن يزيد


(415)
كان يحكم بإسم خلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
ومن الواضح أن خلافة رسول الله لها موارد خاصة ، وأن خلفاء رسول الله أفراد معينون ، منصوص عليهم بالخلافة ، وهم : الإمام علي بن أبي طالب ، والأئمة الأحد عشر من ولده ( عليهم السلام ) ، ولكن الآن .. صارت تلك القدرة والسلطة بيد يزيد !!
بعد هذه المقدمة والتمهيد قالت :
« فمهلاً مهلاً »
يقال ـ للمسرع في مشيه ، أو المتفرد برأيه ـ : مهلاً. أو : على مهلك ، أي : أمهل ، ولا تسرع ، أي : ليس الأمر كما تعتقد أو كما تظن ، أو : ليس هذا الإسراع في العمل صحيحاً منك فلا تعجل حتى نبين لك حقيقةً الأمر.
« لا تطش جهلاً » طاش فلان : أخذه الغرور وفقد إتزانه ، فصار غير ناضج في تصرفاته.
أي : يا يزيد ! لا تطش .. بسبب جهلك بالحقائق ، وخلطك بين المفاهيم والقيم ، والإغترار بالظواهر.


(416)
« أنسيت قول الله ( عزوجل ) : « ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ، إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين » ؟!! (1)
نملي : أي نطيل لهم المدة والمجال ، أو نطيل أعمارهم ونجعل الساحة مفتوحة أمامهم « خير لأنفسهم » ، بل : إنما نطيل أعمارهم ومدة سلطتهم وحكومتهم .. لتكون عاقبة أمرهم هي إزدياد الإثم والمعاصي في ملف أعمالهم ، ولهم عذاب مهين ، أي : يجزيهم ـ في جهنم ، تعذيباً ممزوجاً مع الإهانة والتحقير.
ثم خاطبته وذكرته بأصله السافل ، ونسبه المخزي ، فقالت :
« أمن العدل يا بن الطلقاء »
وهذه الكلمة إشارة إلى ما حدث يوم فتح مكة ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما فتح مكة ـ وصارت تحت سلطته ـ كان بإمكانه أن يقتلهم لما صدرت منهم من مواقف عدائية وحروب طاحنة ومتتالية ضد النبي الكريم ـ بالذات ـ وضد المسلمين بصورة عامة ، لكنه رغم كل

1 ـ سورة آل عمران ، الآية 178.

(417)
ذلك .. إلتفت إليهم وقال لهم :
« يا معاشر قريش ! ما ترون أني فاعل بكم ؟ »
قالوا : « خيراً ، أخ كريم ، وابن أخ كريم »
فقال لهم : « إذهبوا فأنتم الطلقاء » (1)
وكان فيهم : معاوية وأبو سفيان.
ويزيد هو ابن معاوية ، وحفيد أبي سفيان ، ويطلق عليه ( ابن الطلقاء ) إذ قد يستعمل ضمير الجمع في مورد التثنية.
أما معنى كلمة « يابن الطلقاء » فالطلقاء ـ جمع طليق ـ : وهو الأسير الذي أطلق عنه إساره ، وخلي سبيله.
إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فتح مكة ، فصارت البلدة ومن فيها تحت سلطته وقدرته ، وكان بإمكانه أن ينتقم منهم أشد إنتقام ، وخاصة من أبي سفيان الذي كان يؤجج نار الفتن ، ويثير الناس ضد رسول الله ، ويقود الجيوش والعساكر لمحاربة النبي والمسلمين ، كما حدث ذلك يوم بدر وأحد ، وحنين

1 ـ السيرة النبوية ، لإبن هشام ، طبع لبنان عام 1975 م ، ج 4 ص 41 ، وبحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 21 ص 106.

(418)
والأحزاب ، وهكذا إبنه معاوية « الذي كان على دين أبيه » ، ولكن الرسول الكريم أطلقهما وخلى سبيلهما في من أطلقهم.
قال الله تعالى : « فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ، حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما مناً بعد وإما فداءً ، حتى تضع الحرب أوزارها » (1)
« فإما منا بعد » أي : إما أن تمنوا عليهم مناً بعد أن تأسروهم ، أي : تحسنوا إليهم فتطلبوا منهم دفع شيء من المال إزاء إطلاقكم سراحهم.
وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مخيراً بين ضرب أعناقهم وبين المن والفداء ، فاختار الرسول الكريم المن وأطلقهم بلا فداء ولا عوض.
والظاهر أن السيدة زينب تقصد من كلمة « يابن الطلقاء » واحداً من معنيين :
المعنى الأول : أن تذكر يزيد بأنه ابن الطليقين الذين أطلقهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع أهل مكة ، وكأنهم عبيد ، فتكون الجملة تذكيراً له بسوء

1 ـ سورة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الآية 4.

(419)
سوابقه المخزية وملف والده وجده !
والمعنى الثاني : أن تذكر يزيد بالإحسان الذي بذله رسول الله لأسلاف يزيد حيث أطلقهم ، فقالت : « أمن العدل » أي : هل هذا جزاء إحسان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع أسلافك .. أن تتعامل مع حفيدات الرسول هذا التعامل السيئ ؟!
ولعل السيدة زينب قصدت المعنيين معاً.
ومن الواضح أنها لا تقصد ـ من كلامها هذا ـ السؤال والإستفهام ، بل تقصد توبيخ يزيد على سلوكه القبيح ، ونفسيته المنحطة ، وتنكر عليه تعامله السيئ ، وتعلن له أنه بعيد ـ كل البعد ـ عن أوليات الفطرة البشرية ، وهي جزاء الإحسان بالإحسان !!
« تحذيرك حرائرك وإماءك »
يقال : خدر البنت : الزمها الخدر ، أي : أقامها وراء الستر.
الحرائر ـ جمع حرة ـ : نقيض الأمة. (1)

1 ـ لسان العرب لابن منظور.

(420)
« وسوقك بنات رسول الله سبايا »
السوق : يقال : ساق الماشية يسوقها سوقاً : حثها على السير من خلف (1) وذلك يعني : الحث على السير من الوراء مع عدم الإحترام.
اقول : لا يرجى من يزيد العدل والعدالة ، ولكنه لما ادعى الخلافة لنفسه ، كان المفروض والمتوقع منه أن يكون عادلاً.
ولهذا خاطبته السيدة زينب بقولها : أمن العدل أن تجعل جواريك والنساء الحرائر ـ الساكنات في قصرك ـ وراء الخدر ، وتسوق بنات الرسالة وعقائل النبوة ، ومخدرات الوحي .. سبايا ؟
« قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن »
فبعد أن كن مخدرات مستورات ، لا يرى أحد لهن ظلاً ، وإذا بهن يرين أنفسهن أمام أنظار الرجال الأجانب ، وبعد أن كن محجبات .. وإذا بالأعداء قد سلبوهن ما كن يسترن به وجوههن .. من البراقع والمقانع !

1 ـ أقرب الموارد للشرتوني.
نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس