عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-2010, 10:36 PM   #20
نبض حنين
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
نبض حنين will become famous soon enoughنبض حنين will become famous soon enough
افتراضي رد: زينب الكبرى عليها السلام

وبعد ما قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) بمدة قصيرة .. هجم جيش الأعداء بكل وحشية على خيام الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وهم على خيولهم !! حتى سحق سبعة من الأطفال تحت حوافر الخيل .. ساعة الهجوم (1) وقد سجل التاريخ أسماء خمسة منهم ، وهم :
بنتان للإمام الحسن المجتبى عليه السلام. (2)
طفلان لعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ، وإسمهما :
1 ـ كتاب « معالي السبطين » ج 2 ص 135 ، الفصل الخامس عشر ، المجلس الثاني عشر.
2 ـ معالي السبطين ، ج 2 ص 140.

(242)
سعد وعقيل. (1)
عاتكة بنت مسلم بن عقيل ، وكان عمرها سبع سنوات. (2)
محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب وكان له من العمر سبع سنوات. (3)
نعم ، لقد كان الهجوم على العائلة ـ المفجوعة لتوها ـ بعيداً عن الرحمة والإنسانية ، وقد وصف التاريخ ذلك الهجوم بقوله :
وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول ، وقرة عين الزهراء البتول ، حتى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها !! (4).
وكانت المرأة تجاذب على إزارها وحجابها .. حتى تغلب على ذلك. (5)
1 ـ معالم السبطين ، ج 2 ، ص 135.
2 ـ نفس المصدر ، ص 135.
3 ـ نفس المصدر.
4 ـ الملحفة : الملاءة التي تلتحف بها المرأة ، كما في « أقرب الموارد ». ويعبر عنها ـ حالياً ـ بالعباءة والإزار. المحقق
5 ـ كتاب معالي السبطين ، الفصل الثاني عشر ، المجلس الثاني. أي :

(243)
وخرجن بنات آل الرسول وحريمه يتساعدن على البكاء ، ويندبن لفراق الحماة والأحباء. (1)
قال حميد بن مسلم : رأيت امرأة من بني بكر بن وائل ـ كانت مع زوجها في عسكر عمر بن سعد ـ فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الإمام الحسين في خيامهن ، وهم يسلبونهن ، أخذت سيفاً وأقبلت نحو الخيام وقالت :
« يا آل بكر بن وائل
اتسلب بنات رسول الله ؟!
لا حكم إلا لله !!
يا لثارات رسول الله !! »
فأخذها زوجها ، وردها إلى رحله. (2)
قالت فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام :
« كنت واقفة بباب الخيمة ، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه
كانت المرأة تمسك عباءتها وحجابها بقوة ، وكان الأعداء يسحبون ويجذبون عنها ذلك ، ويضربونهن على أيديهن بالعصي والسياط لكي يستطيعوا سلب ما عليهن من أزر ومقانع !! المحقق
1 ـ كتاب ( الملهوف ) لابن طاووس ، ص 181.
2 ـ نفس المصدر.

(244)
مجزرين كالأضاحي على الرمال ، والخيول على أجسادهم تجول !!
وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي .. من بني أمية !
أيقتلوننا أم يأسروننا ؟
فإذا برجل على ظهر جواده ، يسوق النساء بكعب رمحه ، وهن يلذن بعضهن ببعض ، وقد أخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة(1) وهن يصحن : « وا جداه ! وا أبتاه ! وا علياه ! وا قلة ناصراه ! واحسيناه !
أما من مجير يجيرنا ؟
أما من ذائد يذود عنا ؟ »
قالت : فطار فؤادي ، وارتعدت فرائصي ، فجعلت أجيل بطرفي (2) يميناً وشمالاً على عمتي أم كلثوم خشيةً منه أن يأتيني.
فبينا أنا على هذه الحالة وإذا به قد قصدني ، ففررت منهزمة ، وأنا أظن أني أسلم منه !! وإذا به قد تبعني ، فذهلت خشيةً منه ، وإذا بكعب الرمح بين كتفي ، فسقطت على وجهي
1 ـ أخمرة ـ جمع خمار ـ : ما تغطي به المرأة رأسها.
أسورة ـ جمع سوار ـ : حلية ـ كالطوق ـ تلبسها المرأة في زندها أو معصمها ، ويعبر عنها ـ أيضاً ـ : بالمعاضد.
2 ـ أجيل بطرفي : أدبر بعيني وبصري.

(245)
فخرم أذني ، وأخذ قرطي ومقنعتي ، وترك الدماء تسيل على خدي ، ورأسي تصهره الشمس ، وولى راجعاً إلى المخيم وأنا مغشي علي !!
وإذا بعمتي عندي تبكي ، وهي تقول :
قومي نمضي ، ما أعلم ما جرى على البنات ، وعلى أخيك العليل ؟
فما رجعنا إلى الخيمة إلا وهي قد نهبت وما فيها.
وأخي : علي بن الحسين مكبوب على وجهه ، لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام ، فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا !! (1)
وروي عن السيدة زينب ( عليها السلام ) أنها قالت : كنت ـ في ذلك الوقت ـ واقفة في الخيمة إذ دخل رجل أزرق العينين (2)فأخذ ما كان في الخيمة ، ونظر إلى علي بن الحسين وهو على نطع من الأديم (3) وكان مريضاً فجذب النطع من تحته ، ورماه إلى الأرض !!
1 ـ بحار الأنوار للمجلسي ج 45 ص 61.
2 ـ وهو خولى بن يزيد الأصبحي. كما في كتاب ( اسرار الشهادة ) للدربندي الطبعة الحديثة ، ج 3 ص 129.
3 ـ النطع : بساط من الجلد يفرش تحت الإنسان. الأديم : الجلد المذبوغ.

(246)
قال حميد بن مسلم : انتهيت إلى علي بن الحسين ، وهو مريض ومنبسط على فراش ، إذ أقبل شمر بن ذي الجوشن ومعه جماعة من الرجالة ، وهم يقولون [ له ] : ألا تقتل هذا العليل ؟
فهم اللعين بقتله ، فقلت : سبحان الله ! أتقتل الصبيان ؟! إنما هو صبي.
فلم يمتنع اللعين وسل سيفه ليقتله ، فألقت زينب ( عليها السلام ) بنفسها عليه وقالت : والله لا يقتل حتى أقتل.
فأخذ عمر بن سعد بيده وقال : أما تستحي من الله ، تريد أن تقتل هذا الغلام المريض ؟!
فقال شمر : قد صدر أمر الأمير عبيد الله بن زياد أن أقتل جميع أولاد الحسين.
فبالغ عمر في منعه ، فكف عنه. (1)1 ـ كتاب معالي السبطين ج 2 ، الفصل الثاني عشر ، المجلس الثاني. وكتاب أسرار الشهادة ج 3 ص 129.
ولما فرغ القوم من النهب والسلب ، أمر عمر بن سعد بحرق الخيام.
فأضرموا الخيم ناراً ، ففررن بنات رسول الله من خيمة إلى خيمة ، ومن خباء إلى خباء ..
وذكر في بعض كتب المقاتل : أن زينب الكبرى ( عليها السلام ) أقبلت إلى الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وقالت :
يا بقية الماضين وثمال الباقين ! (1) قد أضرموا النار في مضاربنا (2) فما رأيك فينا ؟
1 ـ الثمال ـ على وزن كتاب ـ : الغياث الذي يقوم بأمر قومه ، يقال : فلان ثمال قومه : أي غياث لهم. كتاب « مجمع البحرين » للطريحي.
2 ـ المضارب : الخيام.

(248)
فقال ( عليه السلام ) : عليكن بالفرار.
ففررن بنات رسول الله صائحات باكيات.
قال بعض من شهد ذلك :
رأيت امرأة جليلة واقفة بباب الخيمة ، والنار تشتعل من جوانبها ، وهي تارةً تنظر يمنة ويسرة ، وتارةً أخرى تنظر إلى السماء ، وتصفق بيديها ، وتارةً تدخل في تلك الخيمة وتخرج.
فأسرعت إليها وقلت : يا هذي ! ما وقوفك ها هنا والنار تشتعل من جوانبك ؟! وهؤلاء النسوة قد فررن وتفرقن ، ولم لم تلحقي بهن ؟! وما شأنك ؟!
فبكت وقالت : يا شيخ إن لنا عليلاً في الخيمة ، وهو لا يتمكن من الجلوس والنهوض ، فكيف أفارقه وقد أحاطت النار به ؟ (1)
وعن حميد بن مسلم قال : رأيت زينب ـ حين إحراق الخيام ـ قد دخلت في وسط النار ، وخرجت وهي تسحب إنساناً من وسط لهيب النار ، فظننت أنها تسحب ميتاً قد احترق ، فاقتربت لأنظر إليه ، فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين. (2)
1 ـ معالي السبطين ج 2 ، الفصل الثاني عشر ، المجلس الثالث.
2 ـ كتاب « الطراز المذهب في أحوال سيدتنا زينب ».

(249)
أيها القارئ الكريم : أنظر إلى هذه العملية الفدائية ، وهذه التضحية بالحياة !!
كيف تقتحم هذه السيدة الجليلة المكان المشحون بلهيب النار ، لتنقذ ابن أخيها ـ ، وإن شئت فقل : إمام زمانها ـ من بين أنياب الموت ؟!
فهل تعرف نظيراً لهذه السيدة فيما قامت به من الخطوات والأعمال ؟!
إنها مغامرة بالحياة من أجل الدين.
إنها إبنة ذلك البطل العظيم الذي كان يخوض غمار الموت ـ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ للدفاع عن الإسلام والمحافظة على حياة نبي الإسلام.
إنها إبنة أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ).

لقد أوصى الإمام الحسين أخته السيدة زينب بالمحافظة على العيال والأطفال بعد استشهاده ( عليه السلام ) ، ويعلم الله كم كان تنفيذ هذه الوصية أمراً صعباً ، وخاصةً بعد الهجوم الوحشي على مخيمات الإمام الحسين ( عليه السلام ) وعبد إحراق الخيام وتبعثر النساء والأطفال في الصحراء !
ففي ساعة الهجوم على الخيام كانت النساء تلجأ إلى السيدة زينب ، وتخفي أنفسهن خلفها ، وكان الأطفال ـ أيضاً ـ يفزعون إليها ويتسترون وراءها خوفاً من الضرب بالسياط والعصي ، فكانت السيدة زينب ( عليها السلام ) تحافظ عليهم ـ كما يحافظ الطير على فراخه حين هجوم الصقور على عشه ـ فتجعل جسمها مانعاً من ضرب النساء والأطفال ، وقد إسود ظهرها ـ في مدة زمنية قصيرة ـ بسبب الضرب المتوالي على جسمها !

(252)
وبعد الهجوم والإحراق بدأت السيدة زينب تتفقد النساء والأطفال ، وتنادي كل واحدة منهن باسمها ، وتعدهم واحدةً واحدة ، وتبحث عمن لا تجده مع النساء والأطفال !
ونقرأ في بعض الكتب : أن السيدة زينب ( عليها السلام ) لما بدأت بجمع العيال والأطفال ، لم تجد طفلين منهم ، فذهبت تبحث عنهما هنا وهناك ، وأخيراً .. وجدتهما معتنقين نائمين ، فلما حركتهما فإذا هما قد ماتا من الخوف والعطش !!
ولما سمع العسكر بذلك قالوا لا بن سعد : رخص لنا في سقي العيال ... (1)
وذكر في بعض الكتب أن طفلين لعبد الرحمن بن عقيل كانا مع الحسين ، إسمهما : سعد وعقيل ، وأنهما ماتا من شدة العطش ومن الدهشة والذعر ، بعد مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهجوم الأعداء على المخيم للسلب. وأمهما : خديجة بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. (2)
1 ـ كتاب « الإيقاد » للسيد محمد علي الشاه عبد العظيمي ، الطبعة الحديثة ، ص 139.
2 ـ معالي السبطين ج 2 ، الفصل 12 ، المجلس الرابع.

باتت العائلة المفجوعة ليلة الحادية عشرة من المحرم بحالة لا يستطيع أي قلم شرحها ووصفها ، ولا يستطيع اي مصور أن يصور جانباً واحداً من جوانب تلك الليلة الرهيبة.
قبل أربع وعشرين ساعة من تلك الليلة باتت العائلة المكرمة وهي تملك كل شيء ، وهذه الليلة أظلمت عليها وهي لا تملك شيئاً.
رجالها صرعى مرملون بدمائهم ، وأطفالها مذبحون ، والأموال قد نهبت ، والأزر والمقانع سلبت ، والظهور والمتون قد سودتها السياط وكعاب الرماح.
ليس لهم طعام حتى يقدموه إلى من تبقى من الأطفال ، ولا تسأل عن المراضع اللواتي جف اللبن في صدورهن جوعاً وعطشاً.
واستولت على العائلة ـ وخاصةً الأطفال ـ حالة الفواق ، وهي

(254)
حالة تشنج تحصل للإنسان حينما يبكي كثيراً ، فتتشنج الرئة ، ويخرج النفس متقطعاً.
يا للفاجعة ، يا للمأساة ، يا للمصائب.
لا غطاء ، ولا فراش ، ولا ضياء ، ولا أثاث ، ولا طعام.
قد أحدقت السيدات بالإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وهو بقية الماضين ، وثمال الباقين ، وهن يتفكرن بما خبأ لهن الغد من أولئك السفاكين.
فالفاجعة لم تنته بعد ، والظلم ـ بجميع أنواعه ـ بالنتظار آل رسول الله الطيبين الطاهرين ، والحوادث المؤلمة سوف تمتد إلى غد وما بعد غد ، وإلى أيام وشهور ، مما لا بالبال ولا بالخاطر.
وسوف تبدأ رحلة طويلة مليئة بالآلام والأهات والدموع.
وحكي أن السيدة زينب ( عليها السلام ) تفقدت العائلة في ساعة من ساعات تلك الليلة ، وإذا بالسيدة الرباب لا توجد مع النساء ، فخرجت السيدة زينب ومعها أم كلثوم ، وهما تناديان : يا رباب .. يا رباب.
فسمعها رجل كان موكلاً بحراسة العائلة ، فسألها ماذا تريدين ؟!
فقالت السيدة زينب : إن إمرأةً منا مفقودة ولا توجد مع النساء.

(255)
فقال الرجل : نعم ، قبل ساعة رأيت امرأة منكم إنحدرت نحو المعركة !
فأقبلت السيدة زينب حتى وصلت إلى المعركة ، وإذا بها ترى الرباب جالسة عند جسد زوجها الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهي تبكي عليه بكاءً شديداً وتنوح ، وتقول في نياحتها :
وا حسيناه وأين مني حسينغادروه فـي كربلاء قتيلاًأقصـدته أسنة الأدعيـاءلا سقى الله جانبي كربلاء فأخذت السيدة زينب ( عليها السلام ) بيدها وأرجعتها معها إلى حيث النساء والأطفال.
وفي هذا الجو المتوتر ، والوضع المقرح للفؤاد ، يقول الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : « فتحت عيني ليلة الحادية عشر من المحرم ، وإذا أنا أرى عمتي زينب تصلي نافلة الليل وهي جالسة ، فقلت لها : يا عمة أتصلين وأنت جالسة » ؟
قالت : نعم يابن أخي ، والله إن رجلي لا تحملني !! (1)1 ـ كتاب « زينب الكبرى » للشيخ جعفر النقدي ، ص 58.
نبض حنين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس