18-12-2010, 10:29 PM
|
#11
|
♠ فاطمية مبتدئة ♠
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 57
معدل تقييم المستوى: 17
|
رد: زينب الكبرى عليها السلام
(106) فهو يُحاول أن يَكسب شيئاً من الشرف والمجد ، لِيَملأ هذا الفراغ ويتخلّص من هذا الشعور ، ويُغطّي على وَصمات الخزي من سجلّ حياته ومن صفحات تاريخه ، ويتشبّث بشتّى الوسائل ، ولكنّ محاولاته كانت تَبوء بالفشل.
ومن جملة الطرق والوسائل التي حاول معاوية ـ من خلالها ـ إكتساب الشرف والسؤدد ، هي مُصاهرة الأشراف ، لإكتساب الشرف منهم.
وكان البيت العَلَوي الطاهر على علم وبصيرة من نوايا معاوية وأهدافه ، ولهذا كانوا يَسدّون عليه كلّ باب يمكن أن يدخل منه.
فلقد أوصى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) عند وفاته : أن يتزوّج المُغيرة بن الحارث بن الزبير بن عبد المطّلب بأُمامة بنت زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
تلك السيدة التي أوصت مولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أمير المؤمنين أن يتزوّج بها ، حيث قالت : « وتزوّج بأُمامة إبنة أُختي ، فإنّها لأولادي مِثلي ».
وإنّما أوصى الإمام بذلك كي لا يتزوّج بها معاوية ، فالإمام كان يعلم ـ بعلم الإمامة ـ بأنّ معاوية سوف يُحاول أن يتزوّج بها ،
(107) ويَفتخر بأنّه صاهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأنّ حفيدة النبيّ قد صارت في حِبالته.
ولهذا أغلق الإمام الباب على معاوية ، وتركه في ظلمات نسَبه وحَسَبه ! (1)
1 ـ ذكر ابنُ عبد البَرّ في كتاب ( الاستيعاب ) ـ في ترجمة حياة أُمامة ـ : « تزوّجها علي بن أبي طالب بعد فاطمة ... وكان علي بن أبي طالب قد أمرَ المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب أن يتزوّج زوجته بعدَه ، لأنّه خاف أن يتزوّجها معاوية. فتزوّجها المغيرة ... وذكر عَمر بن شبّة بسنده أنّ عليّاً لما حَضَرته الوفاة قال ـ لأُمامة بنت أبي العاص ـ : « لا آمن أن يَخطبكِ هذا الطاغية بعد موتي ـ يعني : معاوية ـ ، فإن كان لكِ في الرجال حاجة فقد رضيتُ لكِ المغيرة بن نوفل عشيراً ». فلمّا انقضت عَدّتها .. كَتَب معاوية إلى مروان يأمره أن يَخطبها ، ويَبذل لها مائة ألف دينار !! فلمّا خطبها أرسلت إلى المغيرة بن نوفل أنّ هذا قد أرسَلَ يَخطبني ، فإن كان لك بنا حاجة فأقبِل ، فأقبَل وخَطبها مِن الحسن بن علي ، فزوّجها منه.
وذكر ابنُ حجر العسقلاني في كتاب ( الإصابة ) مثلَ هذا النص.
وجاء في كتاب ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد : أن أُمامة بنت أبي العاص قالت للمغيرة بن نوفل : إنّ معاوية قد خطبني. فقال لها : أتتزوّجين ابنَ آكلة الأكباد ؟! فلو جَعلتِ ذلك إليّ ؟ قالت : نعم. قال : قد تزوّجتكِ.
وحكى السيد الأمين في ( أعيان الشيعة ) عن الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي زواجَ أمامة مِن المغيرة بعد مقتل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
(108) وبعد سنوات قام معاوية بمحاولة أخرى ، فلقد كتَبَ إلى زميله ونظيره في الدَناءة واللؤم والحقارة والصلافة والوقاحة : مروان بن الحَكَم ، ابن الزرقاء الزانية ـ وكان حاكماً على الحجاز مِن قِبَل معاوية ـ أن يخطب أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر ، وأمّها السيدة زينب ـ ليزيد بن معاوية.
وجاء مروان إلى عبد الله بن جعفر ، وأخبَره بذلك.
ومن الواضح : أن عبد الله بن جعفر هو أبو الفتاة ، وله عليها الولاية ، وهو يَعلم نوايا معاوية وهدفه من هذه المصاهرة ، ولكنّه
هذا .. ولكن قد ذكر ابنُ شهر أشوب في كتاب ( المناقب ) ج 3 ص 305 ، عن كتاب ( قوت القلوب ) روايةً تتنافى مع ما ذكره المؤرّخون ، وهي : أنّ المغيرة بن نوفل خطب أُمامة ، فروَت عن علي ( عليه السلام ) أنّه : لا يَجوز لأزواج النبي والوصيّ أن يتزوّجن بغيره بعده ».
أقول : على فرض صحّة هذا الخبر الأخير وثبوته ، فإنّ هناك احتمالات :
1 ـ عدم صحّة ما قيل حول زواجها بعد الإمام ( عليه السلام ).
2 ـ عدم صحّة ما قيل حول عدم زواجها ، وهو الخبر الأخير.
3 ـ الجَمع بين هذا الخبر الأخير وبين الأقوال التاريخيّة : أنّ زواجها من بعد الوصي كان لضرورة التخلّص من الموقف المحرج ، وهو الزواج من معاوية. والله العالم بحقائق الأمور. المحقق
(109) يَعتبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) كبير الأسرة ، وسيّد العائلة ، وأشراف أفراد العشيرة ، فلا ينبغي لعبد الله بن جعفر أن يُنعم بالقَبول ويوافق بدون موافقة الإمام الحسين ، فتخلّص من هذا الطلب المُحرج ، ومن هذه الحيلة الشيطانيّة فقال : « إنّ أمرها ليس إليّ ، إنّما هو إلى سيدنا الحسين ، وهو خالُها ». فأخبر عبد الله الإمام الحسين بذلك.
فقال الإمام : « أستخيرُ الله تعالى ، اللهم وفّق لهذه الجارية رِضاك من آل محمد ». (1)
فلمّا اجتمع الناس في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أقبَل مروان حتى جلس إلى [ جَنب ] الحسين ( عليه السلام ) وعنده مِن الجِلّة. (2)
فقال مروان : إنّ أمير المؤمنين [ معاوية ] أمَرَني بذلك ، وأن
1 ـ أستخير الله : أي أطلُب مِن الله تعالى الخير والصلاح في هذا الأمر.
اللهم وَفّق : أي : هَيّء ، التوفيق : تهيئة الأسباب.
الجارية : الفتاة.
رضاك : مَن ترضى به زوجاً لهذه الفتاة.
من آل محمد : أي ويكون ذلك الزوج مِن أقرباء رسول الله القريبين منه .. لا من غيرهم. المحقّق
2 ـ الجِلّة ـ مِن القوم ـ كِبار السنّ ، والشخصيّات البارزة. كما يُستفاد من كتاب ( لسان العرب ) لابن منظور.
(110) أجعَل مَهرها حُكم أبيها بالغاً ما بلغ (1) مع صُلح مابين هذين الحَيّين (2) مع قضاء دَينه (3). واعلم أنّ مَن يَغبطكم بيزيد أكثر ممّن يغبطه بكم !!
والعجَب كيف يُستَمهَر يزيد وهو كُفوُ مَن لا كفوَ له !!
وبوجهه يُستسقى الغمام !!
فرُدّ خيراً يا أبا عبد الله ؟ (4)
أقول : قبل أن أذكر تكملة هذا الخبر أودّ التعليق على كلمات مروان :
من الصحيح أن نقول : إنّ الصلافة والوقاحة لا حدّ لهما ولا نهاية ، وإنّ دِناءة النَفس وخساسة الروح تُسبّب إنقلاب المفاهيم إلى صورة أخرى.
فالحقير يَنقلب شريفاً ، والنَذل يُعتبر مُحترماً ، والوجه الذي لم يَسجُد لله يُستَسقى به الغمام ، ووليد الكفر والفجور يُغتَبَط
1 ـ أي : وأن أجعل مقدار المهر ما يُعيّنه أبو البِنت ، وهو عبد الله بن جعفر. مهما كان ذلك المقدار كثيراً.
2 ـ الحيّين : العشيرتين. الحيّ : القبيلة.
3 ـ أي : دَين أبيها عبد الله بن جعفر.
4 ـ رُدّ خيراً : أجِب بالإيجاب والموافقة.
(111) به ، والسافل المنحَط يَصير أرفع وأجلّ مِن أن يُطالَب بالمهر ، بل ينبغي أن تُهدي العظماء فَتياتها إليه هدايا بلا مَهر !!!
هذا هو منطق مروان ، وعصارة دماغه ، وكيفيّة تفكيره ، ومَدى إدراكه للقيم والمفاهيم. وقد تجرّأ أن يَرفع صوته بهذه الأكاذيب التي لا يَجهلها أحد .. وكأنّه لا يعلم مع مَن يتكلّم ، وعمّن يتحدّث ويمدَح ؟!
فأجابه الإمام الحسين ( عليه السلام ) بجوابٍ ألقَمَه حَجراً ، وزَيّف أباطيله وأضاليله ، وفنّد تلك الترّهات التي صدرت مِن أقذر لسان ، وألعن وأحقر إنسان.
والآن .. إليك تكملة الخبر :
فقال ـ عليه السلام ـ : « الحمد لله الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه ... إلى آخر كلامه ».
أُنظر إلى قوّة المنطق ، وعُلوّ مستوى النفس ، وشِرافة الروح ، وقداسة السيرة ، وغير ذلك ممّا يتجلّى في جواب الإمام الحسين ( عليه السلام ) لمروان بن الحَكم.
فهو ( عليه السلام ) يَفتتح كلامه بحمد الله تعالى الذي اصطفاهم واختارهم ، وهذا منتهى البلاغة والكلام المناسب لمُقتضى الحال ، فتراه يُصرّح أنه من الأسرة التي اختارهم الله تعالى للإمامة واصطفاهم ، ومعنى ذلك توفر المؤهلات فيهم ،
(112) وتواجد الفضائل والمزايا والخصائص التي لا توجد في غيرهم ، فهم في أعلى مستوى من الشرف ، وفي ذروة العظمة الممنوحة لهم من الله تعالى ، والفرق بينهم وبين غيرهم كالفرق بين الثُريّا والثَرى ، والجواهر والحصى.
إذن ، فهناك البون الشاسع بينهم وبين غيرهم من الناس الذين لم يَتلوّثوا بالجرائم ، ولم يُسوّدوا صحائف اعمالهم بالمخازي ، فكيف بمعاوية ويزيد و مروان ، والذين هم من هذه الفصيلة !
ثم قال الإمام : « يا مروان ، قد قلتَ ، فسمعنا ،
أمّا قولك : « مَهرها حُكم أبيها بالغاً ما بلغ » ، فلَعمري لو أردنا ذلك ما عَـدَونا (1) سنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو (2) اثنتا عشرة أوقية ، يكون أربعمائة وثمانين درهماً. (3)
1 ـ عَدَونا : تجاوَزنا. عدا عدواً : تجاوز الحد في الشيء. كما في كتاب ( لسان العرب ) لابن منظور.
2 ـ وهو : أي المهر.
3 ـ الدرهم : وحدة وَزن ، وقطعة من فضّة مضروبة للمعاملة. أمّا الوَزن : فقيل : إنّ الدرهم الواحد يُساوي ستّة دوانق ، والدانق : قيراطان ، والقيراط ، طسّوجان ، والطسوج : حبّتان ، والحَبّة : سُدس ثمن درهم ، وهو جزء من ثمانية وأربعين ج
|
|
|