لا اله الا الله
وفـى كـل شـئٍ لـه آيـةٌ **** تـدل علـى أنـه الواحـدُ
ومن خطبة له عليه السلام يحمد الله فيها ويثني على رسوله ويصف خلقاً من الحيوان التي تحكي عظمة الله وبديع صنعه ودقته وقدرته سبحانه وتبارك الله احسن الخالقين :
(ـ حمده الله تعالى ـ :
الْحَمْدُ لله : الَّذِي لاَ تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ ، وَلاَ تَحْوِيهِ الْمَشَاهِدُ ، وَلاَ تَرَاهُ النَّوَاظِرُ ، وَلاَ تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ ، الدَّالِّ عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ ، وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى وجُودِهِ ، وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لاَ شَبَهَ لَهُ ، الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعَادِهِ ، وَارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِه ، وَقَامَ بِالْقِسطِ فِي خَلْقِهِ ، وَعَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ .
مُسْتَشْهِدٌ : بِحُدُوثِ الأشياء عَلَى أَزَلِيَّتِهِ ، وَبِمَا وَسَمَهَا بِهِ مِنَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِهِ ، وَبِمَا اضْطَرَّهَا إِلَيْهِ مِنَ الْفَنَاءِ عَلَى دَوَامِهِ .
وَاحِدٌ لاَ بِعَدَدٍ ، وَدَائِمٌ لاَ بِأَمَدٍ ، وَقَائِمٌ لاَ بَعَمَدٍ ، تَتَلَقَّاهُ الأذهان لاَ بِمُشَاعَرَةٍ ، وَتَشْهَدُ لَهُ الْمَرَائِي لاَ بِمُحَاضَرَةٍ ، لَمْ تُحِطْ بِهِ الأوهام ، بَلْ تَجَلَّى لَهَا بِهَا ، وَبِهَا امْتَنَعَ مِنهَا ، وَإِلَيْهَا حَاكَمَهَا ، لَيْسَ بِذِي كِبَرٍ امْتَدَّتْ بِهِ النِّهَايَاتُ فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيماً ، وَلاَ بِذِي عِظَمٍ تَنَاهَتْ بِهِ الْغَايَاتُ فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيداً ، بَلْ كَبُرَ شَأْناً ، وَعَظُمَ سُلْطَاناً .
منها: في صفة عجيب خلق أصناف من الحيوان :
وَلَوْ فَكَّروا : فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ ، وَجَسِيمِ النِّعْمَةِ ، لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ ، وَخَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ، وَلكِنَّ الْقُلُوبَ عَلِيلَةٌ ، وَالاََبْصَارَ مَدْخُولَةٌ !
ألاَ تَنْظُرُونَ : إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ اللهُ ، كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ ، وَأَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ ، وَفَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ ، وَسَوَّى لَهُ الْعَظْمَ وَالْبَشَرَ .
انْظُرُوا إِلَى الَّنمْلَةِ : فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا ، وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا ، لاَ تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ ، وَلاَ بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ ، كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا ، وَصَبَتْ عَلَى رِزْقِهَا ، تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا ، وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا ، تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا ، وَفِي وُرُودِهَا لِصَدَرِهَا ، مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا ، مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا ، لاَ يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ ، وَلاَ يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ ، وَلَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ ، وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ!
وَلَوْ فَكَّرْتَ : فِي مَجَارِي أُكْلِهَا ، وَفِي عُلْوهَا وَسُفْلِهَا ، وَمَا فِي الجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا ، وَمَا فِي الرَّأسِ مِنْ عَيْنِهَا وَأُذُنِهَا ، لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً ، وَلَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً ! فَتعالى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا ، وَبَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا ! لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ ، وَلَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ .
وَلَوْ ضَرَبْتَ : فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ ، مَا دَلَّتْكَ الدَّلاَلَةُ إِلاَّ عَلَى أَنَّ فَاطِرَ الَّنمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ ، لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ ، وَغَامِضِ اخْتِلاَفِ كُلِّ حَيٍّ ، وَمَا الْجَلِيلُ وَاللَّطِيفُ ، وَالثَّقِيلُ والخَفِيفُ ، وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ ، فِي خَلْقِهِ إِلاَّ سَوَاءٌ .
ـ خلقة السماء والكون ـ :
وَكَذلِكَ : السَّماءُ وَالْهَوَاءُ ، وَالرِّيَاحُ وَالْمَاءُ ، فَانْظُرْ إِلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ، وَالنَّبَاتِ وَالشَّجَرِ ، وَالْمَاءِ وَالْحَجَرِ ، وَاخْتِلاَفِ هذَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَتَفَجُّرِ هذِهِ الْبِحَارِ ، وَكَثْرَةِ هذِهِ الْجِبَالِ ، وَطُولِ هذِهِ الْقِلاَلِ ، وَتَفَرُّقِ هذِهِ اللُّغَاتِ ، والألسن الْمُخْتَلِفَاتِ .
فَالوَيْلُ : لِمَنْ جَحَدَ الْمُقَدِّرَ ، وَأَنْكَرَ الْمُدَبِّرَ !
زَعَمُوا : أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارعٌ ، وَلاَ لاِخْتِلاَفِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ ، وَلَمْ يَلْجَأُوا إِلَى حُجَّةٍ فِيَما ادَّعَوا ، وَلاَ تَحْقِيقٍ لِمَا أَوْعَوْا ، وَهَلْ يَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بَانٍ ، أَوْ جِنَايَةٌ مِن غَيْرِ جَانٍ ؟!
ـ خلقة الجرادة ـ :
وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي الْجَرَادَةِ ، إِذْ خَلَقَ لَهَا عَيْنَيْنِ حَمْرَاوَيْنِ ، وَأَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَيْنِ قَمْرَاوَيْنِ ، وَجَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِيَّ ، وَفَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِيَّ ، وَجَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِيَّ ، وَنَابَيْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ ، وَمِنْجَلَيْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ ، يَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فِي زَرْعِهمْ ، وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ ذَبَّهَا وَلَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِم ، حَتَّى تَرِدَ الْحَرْثَ فِي نَزَوَاتِهَا ، وَتَقْضِي مِنْهُ شَهَوَاتِهَا ، وَخَلْقُهَا كُلُّهُ لاَ يُكَوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً .
فَتَبَارَكَ اللهُ الَّذِي ( يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَالاََْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) ، وَيُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَوَجْهاً ، وَيُلْقِي بِالْطَّاعَةِ إلَيْهِ سِلْماً وَضَعْفاً ، وَيُعْطِي الْقِيَادَ رَهْبَةً وَخَوْفاً !
فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لأمرهِ ، أَحْصَى عَدَدَ الرِّيشِ مِنْهَا وَالنَّفَسَ ، وَأَرْسَى قَوَائِمَهَا عَلَى النَّدَى وَالْيَبَسِ ، قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا ، وَأَحْصَى أَجْنَاسَهَا ، فَهذَا غُرابٌ وَهذَا عُقَابٌ ، وَهذَا حَمَامٌ وَهذَا نَعَامٌ ، دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بَاسْمِهِ ، وَكَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ .
وَأَنْشَأَ ( السَّحَابَ الثِّقَالَ ) ، فَأَهْطَلَ دِيَمَهَا ، وَعَدَّدَ قِسَمَهَا ، فَبَلَّ الأرض بَعْدَ جُفُوفِهَا ، وَأَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا
جزاكم الله خيرا يا اخواتي..تمعنوا جيدا...
نسألكم الدعاء.