الرواية الثالثة, بركة مال الإمام أبا الحسن,
علي (ع)
عبيد بن كثير معنعناً عن أبي سعيد الخدريّ,قال;
أصبح عليّ بن أبي طالب (ع) ذات يوم ساغباً, فقال;
( يا فاطمة هل عندك شيء تغذينيه?
قالت: لا و الذي أكرم أبي بالنبوة و أكرمك بالوصية
ما أصبح الغداة عندي شيء و ما كان شيء أطعمناه مذ
يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابني
هذين الحسن و الحسين.
فقال علي: يا فاطمة أ لا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئا .
فقالت : يا أبا الحسن إني لأستحيي من إلهي
أن أكلف نفسك ما لا تقدر عليه.
فخرج الإمام عليّ من عند فاطمة عليهما السلام,
واثقاً بالله بحسن الظنٍ
فأستقرض ديناراً, فبينما الدينار في يد عليّ (ع),
يريد أن يبتاع لعياله ما يصلحهم, فتعرضّ له المقداد
بن الأسود في يوم شديد الحرّ ق لوحتٍّه الشمس من فوقه
وآذته من تحته, فلّما رآه الإمام عليه السلام ...
أنكر شأنه, فقال;
يامقداد, ماأزعجك هذه الساعة من رحلك؟
قال مقداد;
ياأبا الحسن, خليّ سبيلي ولاتسألني عما ورائي,
فقال الإمام (ع);
ياأخي, أنّه لايسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك,
فأجاب مقداد;
ياأبا الحسن, رغبةٌ إلى الله وإليك أن تُخلي سبيلي
ولاتكشفني عن حالي, فقال له الإمام البرّ (ع);
ياأخي, أنه لايسعك أن تكتمني حالك,
فقال مقداد;
ياأبا الحسن, أمّا وقد أبيت..فوالذي أكرم محمداً بالنبّوة
وأكرمك بالوصيّة وماأزعجن من رحلي إلا الجهد,
وقد تركت عيالي يتضاغون جوعاً, فلّما سمعت بكاء العيال,
لم تحملني الأرض فخرجت مهموماً راكب رأسي,
هذه حالتي وقصّتي
فأنهملت عينا عليٍّ (ع) بالبكاء حتى بلّت دمعته لحيته,
فقال له;
أحلف بالذي حلف ماأزعجني إلاّ الذي أزعجك من رحلك
فقد أستقرضت ديناراً, وقد آثرتك على نفسي,
فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل مسجد النبيّ (ص),
فصلّى فيه الظهر والعصر والمغرب, فلّما قضى
رسول الله (ص) المغرب, مرّ ب علي (ع) وهو في
الصف الأول بغمزه برجله, فقام الإمام عليه السلام
متعقباً خلف رسول الله (ص)...حتى لحقه على باب
من أبواب المسجد , فسلّم عليه, فرّد الرسول (ص) السلام
, فقال; ياأبا الحسن , هل عندك شيء نتعشاه,
فنميل معك؟
فمكث مطرقًا لايجد جواباً ...حياءاً من الرسول (ص),
وهو يعلم ماكان من أمر الدينار ومن أخذه وأين صارت
وجهته
وقد أوحى الله تعالى إلى نبيه محمد (ص),
أن يتعشى عند علي بن أبي طالب (ع),
فلمّا نظر النبيّ إلى سكوته, قال;
مالك لاتقول لا, فأنصرف. أو تقول نعم فأمضي معك,
فقال الإمام (ع), حياءاً وتكرماً ....فأذهب بنا,
فأخذ رسول الله (ص) يد علي (ع) فإنطلقا حتى دخلا
على فاطمة الزهراء (ع) وهيّ في مصّلاها
وقد قضت صلاتها وخلفها جفنة تفور دخاناً,
فلما سمعت كلام رسول الله (ص) في رحله,
خرجت من مصّلاها ...فسلّمت عليه, فرد أبيها
عليها السلام ومسح بيده (ص) على رأسها وقال لها;
يابنتاه, كيف أمسيت؟ رحمك الله تعالى ...عشّينا,
غفر الله تعالى لكِ
وقد فعل.
فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبي (ص)
وعليّ (ع),
فلّما نظر عليّ إلى الطعام وشّم ريحه...فقال لها;
يافاطمة أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قطّ,
ولم أشّم مثل ريحه قّط, ولم آكل أطيب منه قطّ؟
فوضع رسول الله (ص) كفّه الطيبّة المباركة بين كتفي
عليّ (ع) فغمزها ثم قال;
ياعليّ,هذا بدل دينارك وهذا جزاء دينارك من عند الله,
إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ
ثم أستعبر النبيّ (ص) باكياً, ثم قال;
الحمد لله الذي هو أبى لكم أن تخرجوا من الدنيا حتى
يجزيكما
ويجزيك ياعليّ مجزى زكريّا ويجزيك يافاطمة مجزى
مريم بنت عمران ,,
كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً.
وإلى اللقاء في القصة القادمة, بمشيئة الله.
