بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد
مباركـٌ على الجميع هذا اليوم المباركـ ,, يوم مبعث رسولنا الكريم.. عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة والسلام ,,
نكمل قصة " الإسراء والمعراج " مع الجزء الثاني والأخير من القصة
"البُراق وسيلة "
كان البراق هو الوسيلة التي قطع بها النبي صلى الله عليه وعلى آله هذه المسافات الطويلة وقد هوّن عليه الإيمان بها ما نجده اليوم من سفن فضائية تغزو عمق الفضاء وتخترق الأجواء وتصل إلى عنان السماء ...
والبراق دابة لم يعهدها بنو البشر أبداً ولولا وصف النبي صلى الله عليه وآله كما في الرواية عنه لبقي أمرها مجهولاً يتخيّله كل فرد حسب مايملك من تصوّر , وما يحمله من خيال ولكن النبي صلى الله عليه وآله يقول في وصفه : إنه فوق الحمار ودون البغل خده كخد الإنسان وذنبه كذنب البقرة وعرفه كعرف الفرس , وقوائمه كقوائم الإبل , عليه رحل من الجنة وله جناحان من فخذيه, خطوه منتهى طرفه .
ابتدأت الرحلة بحضور ثلاثة من الملائكة الكبار .. جبرائيل و ميكائيل وإسرافيل , وكان زمام البراق بيد جبرائيل فقال النبي صلى الله عليه وآله : اركب , فركب وانطلق البراق إلى بيت المقدس , إلى القبلة الأولى للمسلمين حيث ملتقى الأديان وملتقى الأنبياء ... بلحظات كانت أقدام رسول الله تحطّ في بيت المقدس .
ولما وصل إلى هناك هبط بعض الملائكة , الله يزف له البشرى و يهنئه بالكرامة التي اختصه الله بها ... ثم أخذ جبرائيل بيده فأقعده على الصخرة الشريفة , ومن هناك انطلق النبي في رحلة جديدة نحو أعالي السماء سميت المعراج .. اخترق خلالها السماوات سماء بعد سماء , حتى وصل للسماء السابعة , واجتازها إلى أن انفرد وحده في الوصول إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى , تخلّف جبرائيل في نهاية الرحلة حيث لم يسمح له بدخول تلك المنطقة التي أباحها الله لنبيه وحبيبه محمد وحرّم دخولا على غيره ..
كانت للنبي مشاهدات رائعة , وكان له اتصالات ومحاورات وتعارف ولقاء , كان بينه وبين الأنبياء لقاء كما كان بينه وبين الملائكة .. انزاحت الحجب و انعدمت , ووصل إلى مرتبة لم يصلها ملك مقرّب ولا نبي مرسل ...
ابتدأ النبي بهذه الرحلة إلى السماء الدنيا فرأى عجائبها وملكوتها وملائكتها فسلموا عليه و سلم عليهم ... ولم يمر بملكاً إلأا كان مستبشرا فرحاً إلا ملكاً واحداً فإنه رآه حزيناً كئيباً فسأل جبريل من يكون فأجابه أنه مالك خازن جهنم وهكذا جعله الله تعالى , ثم صعد به جبرئيل إلى السماء الثانية فرأى فيها عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا .
ثم صعد إلى السماء الثالثة فرأى فيها يوسف
ثم صعد إلى السماء الرابعة فرأى فيها إدريس
ثم صعد إلى السماء الخامسة فرأى فيها هارون
ثم صعد إلى السماء السادسة فإذا فيها خلق كثير يموج بعضهم في بعض وفيها الملائكة الكروبيّون . . .
ثم صعد إلى السماء السابعة فأبصر فيها خلقاً وملائكة .
ثم صعد إلى أعلى عليين... إلى سدرة المنتهى ... إلى مقام لم يصل أحد إليه .
كانت هذه الرحلة في ليلة واحدة ... استغرقت طوال الليل, طاف بها النبي صلى الله عليه وآله الأرض والسماوات ... وعندما انفلق الصبح واشرقت شمسه أخذ النبي صلى الله عليه وآله في الحديث عن رحلته وما جرى له فيها وحدودها وخصائصها ...
لقد وصل النبأ إلى أبي جهل فأنكر ذلك وكذّب النبي صلى الله عليه وآله فيما يدّعيه وكذلك وقف المشركون جميعاً هذا الموقف ... لقد أنكروا على الرسول رحلته ورموه بكل شائنة حتى وصل الأمر برجل اسمه مطعم بن عدي أن قال له : إنك تزعم أنك سرت مسيرة شهرين في ساعة , أشهد إنك كاذب ... ثم أرادت قريش أن تفشّل رحلة النبي صلى الله عليه وآله وترد عليه دعواه هذه , وتوقف الناس على بطلان ما قال فلعلها تفلح أو تنجح في مسعاها.
أرادت أن تستفسر عن قافلتها التي في رحلة الشام لعله يعجز عن وصفها ولعلها يعثر في بعض ما يقول فيفشل حديثه وينهزم فيما يقول, ولكن النبي أخذ يحدثهم بدقة عن القافلة وعن بعض خصوصياتها التي لا يطلع عليها إلا بعض من رافقها ومشى معها .
أخذ يحدّث قريش عن قافلتها قائلاً: مررت بعير بني فلان وقد أضلّوا بعيراً لهم وهم في طلبه وفي رحلهم قعب مملوء من ماء فشربت الماء ثم غطيته كما كان فسألوهم هل وجدوا الماء في القدح فلما نفوا ذلك قالت قريش هذه آية واحدة, وقال : قد مررت بعير بني فلان فنفرت بكرة فلان فانكسرت يدها فسألوهم عن ذلك فصدّقوه فقالت قريش هذه آية أخرى .
فقالت قريش أخبرنا عن عيرنا: قال مررت بها بالتنعيم وبيّن لهم أجمالها وهيئاتها وقال : تقدمها جمل أورق عليه قرارتان محيطتان ويطلع عليكم عند طلوع الشمس فقالوا هذه آية أخرى ثم خرجوا يشتدون نحو التيه وهم يقولون : لقد قضى محمد بيننا وبينه قضاء بيّنا وجلسوا ينتظرون مطلع الشمس ليكذّبوه.
فقال قائل: والله إن الشمس قد طلعت , وقال آخر : والله هذه الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق فبهتوا ولم يؤمنوا ... إنها رحلة وصفها النبي بدقة وأتى على جميع جوانبها وحصوصياتها .. ولكنها قريش و عنادها وكفرها وأغلالها ... إنها رفضت الإيمان مع وجود المعجزات والبينات ...
كانت هذه الرحلة في وقت مبكر من عمر الإنسانية , أنكرها من جرت في عهده وآمن بها من آمن برسوله رحلة تير على المسلمين أن يكونوا في السماء كما هم في الأرض... أن يكونوا قادة وسادة ... أحراراً في دنياهم ... يتساوى عندهم غزو الفضاء وغزو الأرض ... إنها رحلة نزلت فيها آيات بينات في أشرف كتاب وأعز بيان حيث قال تعالى :
((بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(1)
تنزه الله عما لا يليق به أو تعجب من هذا الإسراء الذي كان بعبد الله محمد ليلاً حيث كان المنطلق من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في فلسطين .. هذا الكسجد الذي بارك الله حوله حيث كان للأنبياء مقراً وللملائكة مهبطاً ,, رأى النبي عجائب الكون ومافي السماء من أنبياء وملائكة وفيه أعظم آية هي طي الأرض واختصار المسافة حيث في ليلة واحدة قطع النبي ما يقطعه المسافر في ذلك الزمن في شهرين .. .
إنها رحلة معجزة اخترقت الزمان وتجاوزت المكان وسبقت العلم الحديث ولاتزال سابقة له في زمانها وفي وسيلة النقل وفي الحدود التي وصلت إليها ...
رحلة ترفع رؤوس المسلمين وتشدّ من عزائمهم وتدفعهم إلى أن يكونوا رواد العلم والمعرفة وبيدهم مفاتيح السماء فضلاً عن مفاتيج الأرض ...
* (1) سورة الإسراء ,, آية 1
هذا وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على خير المرسلين .. محمد الصادق الأمين .. وعلى آله الطيبين الطاهرين .. وسلم تسليماً كثيرا ,,
إنتظروني الأسبوع القادم مع قصة وآية جديدة بإذن الله ,,
نسألكم خالص الدعاء بظهر الغيب ..