بسم الله الرحمن الرحيم
الظلم الكبير الذي وقع عليها وعلى زوجها وعلى ذريتها
وبعد الظلم الكبير الذي وقع على سيدة النساء " فاطمة الزهراء " وزوجها سيد الأوصياء الإمام
" علي بن أبي طالب " وجرى ماجرى من مكر وخداع وكذب ممن خالفوا أمر رسول الله (ص) ولم
يجعلوا من بعده أمير المؤمنين " علي بن أبي طالب " خليفةً وقائداً لهم حيث كان أفضلهم وأعلمهم
وأقربهم من رسول الله (ص) وقد قال رسول الله (ص) : أعلم أمتي من بعدي " علي بن أبي طالب "
وقال : أقضى أمتي " علي " ويدل اعترافهم بعلمه وتقواه قولهم له بعد أن خضعت الرقاب لهم
وسيطروا على الأمور : لولا " علي " لهلك عمر . وطلب العون والمساعدة منه عند عجزهم عن
مواجهة المشاكل التي كانت تحدث في الدولة الإسلامية والإجابة عن أسئلة علماء اليهود والنصارى
فما كانوا يريدونه قد حصلوا عليه وهو حكم المسلمين وأما الدين وأحكامه وعلومه فهو ليس من
اختصاصهم وإنما هو من اختصاص الخليفة الفعلي لهذه الأمة وهو " علي بن أبي طالب " .
ولقد قال عمر يوماً : أقضانا علي . وقال عمر : اللهم لاتبقي لمعضلة ليس لها أبن أبي طالب حياً .
وقول عمر : اللهم لاتنزل بي شدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي . في تفسير قوله تعالى ( إذ أوى الفتية
إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة ) روي أنه لما ولي عمر بن الخطاب الخلافة أتاه قوم من
أحبار اليهود فقالوا له : يا عمر أنت ولي الأمر بعد " محمد " وصاحبه وإنا نريد أن نسألك عن
خصال إن أخبرتنا بها علمنا أن الإسلام حق وأن " محمد اً " كان نبياً ، وإن لم تخبرنا بها علمنا أن
الإسلام باطل ، وأن " محمداً " لم يكن نبياً ، فقال عمر : سلواعما بدا لكم ، قالوا: أخبرنا عن
أقفال السماوات ماهي ، وأخبرنا عن مفاتيح السماوات ماهي ؟ وأخبرنا عن قبر سار بصاحبه ما
هو ؟ وأخبرنا عمن أنذر قومه لا هو من الجن ولاهو من الإنس ؟ وأخبرنا عن خمسة أشياء مشوا
على وجه الأرض ولم يخلقوا في الأرحام ؟ وأخبرنا مايقول الدراج في صياحه ؟ ومايقول الديك في
صراخه ؟ ومايقول الفرس في صهيلة ؟ ومايقول الضفدع في نقيقه ؟ ومايقول الحمار في نهيقة ؟
وما يقول القُبر في صفيره ؟ قال فنكس عمر رأسه في الأرض ثم قال: لاعيب بعمر إذا سئُل عما
لايعلم أن يقول لاأعلم وأن يسأل عما لايعلم ، فوثب اليهود وقالوا : نشهد أن " محمداً " لم يكن
نبياً وأن الإسلام باطل ، فوثب سلمان الفارسي وقال لليهود : قفوا قليلاً ، ثم توجه نحو " علي "
( عليه السلام ) حتى دخل عليه فقال: يا أبا الحسن أغث الإسلام ، فقال: وماذاك؟ فأخبره الخبر ،
فأقبل يرفل في بردة رسول الله (ص) ، فلما نظر إليه عمر وثب قائماً فاعتنقه ، وقال يا أبا الحسن
أنت لكل معضلة وشدة تدعى ، فدعا " علي " ( عليه السلام ) اليهود فقال: سلوا عما بدا لكم فإن
النبي (ص) علمني ألف باب من العلم فتشعب لي من كل باب ألف باب ، فسألوه عنها فقال " علي "
( عليه السلام ) : إن لي عليكم شريطة إذا أخبرتكم كما في توراتكم دخلتم في ديننا وآمنتم فقالوا:
نعم ، فقال: سلوا عن خصلة خصلة ، ( قالوا) أخبرنا عن أقفال السماوات ماهي؟ قال: أقفال السماوات
الشرك بالله لأن العبد والأمة إذا كانا مشركين لم يرتفع لهما عمل ، ( قالوا) فأخبرنا عن مفاتيح
السماوات ماهي؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . قال: فجعل بعضهم ينظر
إلى بعض ويقول: صدق الفتى ، ( قالوا) فأخبرنا عن قبرسار بصاحبه ، فقال:ذلك الحوت الذي التقم
يونس بن متى فسار به في البحار السبعة ، ( فقالوا) أخبرنا عمن أنذر قومه لا هومن الجن ولا من
الإنس ، قال: هي نملة سليمان بن داود ( قالت يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان
وجنوده وهم لا يشعرون ) ، ( قالوا) فأخبرنا عن خمسة مشوا على الأرض ، ولم يخلقوا في الأرحام؟
قال: ذلك آدم وحواء وناقة صالح وكبش إبراهيم وعصا موسى ( قالوا) فأخبرنا ما يقول الدراج في
صياحه ؟ قال: يقول: الرحمن على العرش استوى ، ( قالوا) فأخبرنا مايقول الديك في صراخه ؟
قال: يقول: اذكروا الله ياغافلين ، ( قالوا) أخبرنا مايقول الفرس في صهيلة ؟ قال: يقول: إذا مشى
المؤمنون إلى الكافرين - اللهم انصر عبادك المؤمنين على الكافرين ، (قالوا) فأخبرنا مايقول الحمار
في نهيقة ؟ قال: يقول: لعن الله العشار وينهق في أعين الشياطين ، (قالوا) فأخبرنا مايقول الضفدع
في نقيقه؟ قال: يقول: سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار، (قالوا)فأخبرنا مايقول القُبر
في صفيره؟ قال: يقول: اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد ، وكان اليهود ثلاثة نفر قال اثنان منهم:
نشهد أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله (ص) ، ووثب الحبر الثالث فقال: يا " علي " لقد وقع
في قلوب أصحابي ماوقع من الإيمان والتصديق وقد بقي خصلة واحدة أسألك عنها ، فقال: سل عما
بدا لك ، فقال: أخبرني عن قوم في أول الزمان ماتوا ثلاثمائة وتسع سنين ثم أحياهم الله فما كان
قصتهم ؟ قال " علي " ( عليه السلام ) : يا يهودي هؤلاء أصحاب الكهف وقد أنزل الله على نبينا
قرآناً فيه قصتهم وإن شئت قرأت عليك قصتهم ، فقال اليهودي: ما أكثر ماقد سمعنا من قرآنكم ،
إن كنت عالماً فأخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم واسم مدينتهم واسم ملكهم واسم كلبهم واسم جبلهم
واسم كهفهم وقصتهم من أولها إلى آخرها ،
فاحتبى " علي " ( عليه السلام ) ببردة رسول الله (ص) ( ثم قال) يا أخا اليهود حدثني حبيبي " محمد"
(ص) أنه كان بأرض رومية يقال لها : أفسوس ويقال هي طرسون وكان اسمها في الجاهلية أفسوس
فلما جاء الإسلام سموها طرسون ، قال: وكان لهم ملك صالح ، فمات ملكهم وانتشر أمرهم فسمع
بهم ملك من ملوك فارس يقال له دقيانوس ، وكان جباراً كافراً فأقبل في عساكره حتى دخل أفسوس
فاتخذها دار ملكه وبنى فيها قصراً ، فوثب اليهودي وقال: إن كنت عالماً فصف لي ذلك القصر ومجالسه
فقال: يا أخا اليهود ابتنى فيها قصر من الرخام طوله فرسخ في عرض فرسخ ، واتخذ فيه أربعة
آلاف اسطوانة من الذهب وألف قنديل من الذهب ، لها سلاسل من اللجين تسرج في كل ليلة بالأذهان
الطيبة ، واتخد لشرقي المجلس مائة وثمانين كوة ولغربية كذلك ، وكانت الشمس من حين تطلع
إلى حين تغيب تدور في المجلس كيفما دارت ، واتخذ فيه سريراً من الذهب طوله ثمانون ذراعاً في
عرض أربعين ذراعاً مرصعاً بالجواهر ، ونصب على يمين السرير ثمانين كرسياً من الذهب فأجلس
عليها بطارقته، واتخذ أيضاً ثمانين كرسياً من الذهب عن يساره فأجلس عليها هراقلته ، ثم جلس هو
على السرير ووضع التاج على رأسه ، فوثب اليهودي وقال: يا علي إن كنت عالماً فأخبرني مم
كان تاجه ؟ فقال: يا أخا اليهود كان تاجه من الذهب السبيك له تسعة أركان على كل ركن لؤلؤة
تضيء كما يضيء المصباح في الليلة الظلماء ، واتخذ خمسين غلاماً من أبناء البطارقة فمنطقهم
بمناطق الديباج الأحمر ، وسرولهم بسرواويل القز الأخضر وتوجهم ودملجهم وخلخلهم ، وأعطاهم
عمد الذهب ، وأقامهم على رأسه واصطنع ستة غلمة من أولاد العلماء وجعلهم وزراء فما يقطع
أمراً دونه ، وأقام منهم ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره ، فوثب اليهودي وقال: ياعلي إن كنت
صادقاً فأخبرني ماكانت أسماء الستة ؟ فقال " علي " ( عليه السلام ) : حدثني حبيبي " محمد (ص)
إن الذين كانوا عن يمينه أسماؤهم تمليخا ومكسلمينا ومحسلمينا ، وأما الذين كانوا عن يساره
فمرطليوس وكشطوس وسادنيوس ، وكان يستشيرهم في جميع أموره ، وكان إذا جلس كل يوم في
صحن داره واجتمع الناس عنده دخل من باب الدار ثلاثة غلمة في أحدهم جام من الذهب مملوء
من المسك وفي يد الثاني جام من فضة مملوء من الورد ، وعلى يد الثالث طائر فيصيح به فيطير
الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه فينشف مافيه بريشه وجناحيه ، ثم يصيح به الثاني
فيطير فيقع في جام المسك فيتمرغ فيه فينشف مافيه بريشه وجناحيه ، ثم يصيح به الثالث فيطير
فيقع على تاج الملك فينفض ريشه وجناحيه على رأس الملك بما فيه من المسك وماء الورد ،
فمكث الملك في ملكه ثلاثين سنة من غير أن يصيبه صداع ولا وجع ولاحمى ولا لعاب ولابصاق
ولامخاط ، فلما رأى ذلك من نفسه عتا وطغى وتجبر واستعصى ، وأدعى الربوبية من دون الله
تعالى ، ودعا إليه وجوه قومه فكل من أجابه أعطاه وحباه وكساه وخلع عليه ، ومن لم يجبه ويتابعه
قتله ، فأجابوه بأجمعهم ، فأقاموا في ملكه زماناً يعبدونه من دون الله تعالى ، فبينما هو ذات يوم
جالس في عيد له على سريره والتاج على رأسه إذا أتى بعض بطارقته فأخبره أن عساكر الفرس
قد غشيته يريدون قتاله ، فاغتم لذلك غماً شديداً حتى سقط التاج عن رأسه وسقط هو عن سريره ،
فنظر أحد فتيته الثلاثة الذين كانوا عن يمينه إلى ذلك - وكان عاقلاً يقال له تمليخاً - فتفكر وتذكر في
نفسه وقال: لو كان دقيانوس هذا إلهاً كما يزعم لما حزن ولما كان ينام ولما كان يبول ويتغوط
وليست هذه الأفعال من صفات الإله ، وكانت الفتية الستة يكونون كل يوم عند واحد منهم وكان ذلك
اليوم نوبة تمليخاً فاجتمعوا عنده فأكلوا وشربوا ، ولم يأكل تمليخاً ولم يشرب فقالوا: يا تمليخاً مالك
لاتأكل ولاتشرب؟ فقال: يا إخوتي وقع في قلبي شيء منعني عن الطعام والشراب والمنام ، فقالوا:
وماهو يا تمليخاً ؟ فقال: أطلت فكري في هذه السماء فقلت: من رفعها سقفاً محفوظاً بلا علاقة من
فوقها ولا دعامة من تحتها ؟ ومن أجرى فيها شمسها وقمرها ؟ ومن زينها بالنجوم؟ ثم أطلت
فكري في هذه الأرض من سطحها على ظهر اليم الزاخر ومن حبسها وربطها بالجبال الرواسي لئلا
تميد؟ ثم أطلت فكري في نفسي فقلت: من أخرجني جنيناً من بطن أمي ؟ ومن غذاني ورباني ؟ إن
لهذا صانعاً ومدبراً سوى دقيانوس الملك ، فانكبت الفتية على رجليه يقبلونهما وقالوا: ياتمليخاً
لقد وقع في قلوبنا ماوقع في قلبك فأشر علينا فقال: يا إخوتي ما أجد لي ولكم حيلة إلا الهرب من
هذا الجبار إلى ملك السماوات والأرض فقالوا: الرأي ما رأيت ، فوثب تمليخاً فابتاع تمراً بثلاثة
دراهم وصرها في ردائه وركبوا خيولهم وخرجوا ، فلما ساروا قدر ثلاثة أميال من المدينة قال لهم
تمليخاً : يا إخوتاه قد ذهب عنا ملك الدنيا وزال عنا أمره فانزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم
لعل الله يجعل لكم من أمركم فرجاً ومخرجاً ، فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعة فراسخ
حتى صارت أرجلهم تقطر دماً لأنهم لم يعتادوا المشي على أقدامهم ، فاستقبلهم رجل راعٍ فقالوا:
أيها الراعي أعندك شربة ماء أولبن ؟ فقال: عندي ماتحبون ولكني أرى وجوهكم وجوه الملوك
وما أظنكم إلا هراباً فأخبروني بقصتكم ، فقالوا: ياهذا إنا دخلنا في دين لايحل لنا الكذب أفينجينا
الصدق ؟ قال: نعم فأخبروه بقصتهم ، فأنكب على أرجلهم يقبلها ويقول: قدوقع في قلبي ماوقع في
قلوبكم ، فقفوالي هاهنا حتى أرد الأغنام إلى أربابها وأعود إليكم ، فوقفوا له فردها وأقبل يسعى
فتبعه كلب له ، فوثب اليهودي قائماً فقال: يا " علي " إن كنت عالماً فأخبرني ماكان لون الكلب
واسمه ؟ فقال: يا أخا اليهود حدثني حبيبي " محمد " (ص) أن الكلب كان أبلق بسواد وكان اسمه
قطمير ، قال: فلما نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم لبعض : إنا نخاف إن يفضحنا الكلب بنبيحه فألحوا
عليه طرداً بالحجارة فلما نظر إليهم الكلب وقد ألحوا عليه بالحجارة والطرد أقعى على رجليه وتمطى
وقال بلسان طلق ذلق: ياقوم لم تطردونني وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، دعوني
أحرسكم من عدوكم وأتقرب بذلك إلى الله سبحانه وتعالى ، فتركوه ومضوا ، فصعد بهم الراعي
جبلاً وانحط بهم على كهف ، فوثب اليهودي وقال: يا " علي " ما اسم ذلك الجبل وما اسم الكهف ؟
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يا أخا اليهود اسم الجبل ناجوس واسم الكهف الوصيد ،
( وقيل خيرم ) ، قال: وإذا بفناء الكهف أشجار مثمرة وعين غزيرة ، فأكلوا من الثمار وشربوا من
الماء وجنهم الليل فأووا إلى الكهف وربض الكلب على باب الكهف ومد يديه عليه ، وأمر الله ملك
الموت بقبض أرواحهم ، ووكل الله تعالى بكل رجل منهم ملكين يقلبانه من ذات اليمين إلى ذات
الشمال ومن ذات الشمال إلى ذات اليمين ، قال: وأوحى الله تعالى إلى الشمس فكانت تزاور عن
كهفهم ذات اليمين إذا طلعت وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ، فلما رجع الملك دقيانوس من عيده
سأل عن الفتية فقيل له : إنهم اتخذوا إلهاً غيرك وخرجوا هاربين منك ، فركب في ثمانين ألف فارس
وجعلوا يقفون آثارهم حتى صعد الجبل وشارف الكهف ، فنظر إليهم مضطجعين فظن أنهم نيام ،
فقال لأصحابه: لوأردت أن أعاقبهم بشيء ما عاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم فأتوني بالبنائين ،
فأتى بهم فردموا عليهم باب الكهف بالجص والحجارة ثم قال لأصحابه : قواوا لهم يقولوا لإلههم
الذي في السماء إن كانوا صادقين يخرجهم من هذا الموضع ، فمكثوا ثلاثمائة وتسع سنين ، فنفخ
الله فيهم الروح وهبوا عن رقدتهم لما بزغت الشمس ، فقال بعضهم لبعض: لقد غفلنا هذه الليلة
عن عبادة الله تعالى قوموا بنا إلى العين ، فإذا بالعين قد غارت والأشجار قد جفت ، فقال بعضهم
لبعض: إنا من أمرنا هذا لفي عجب ، مثل هذه العين قد غارت في ليلة واحدة ، ومثل هذه الأشجار
قد جفت في ليلة واحدة ، فألقى الله عليهم الجوع ، فقالوا: أيكم يذهب بورقكم هذه إلى المدينة فليأتينا
بطعام منها ، ولينظر أن لايكون من الطعام الذي يعجن بشحم الخنزير ، وذلك قوله تعالى ( فابعثوا
أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما )
أي أحل وأجود وأطيب فقال لهم تمليخاً : يا أخوتي لايأتكم أحد بالطعام غيري ولكن أيها الراعي
ادفع إلي ثيابك وخذ ثيابي ، فلبس ثياب الراعي ومر وكان يمر بمواضع لا يعرفها وطريق ينكرها
حتى أتى المدينة فإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه لا إله إلا الله عيسى روح الله ، فطفق الفتى ينظر
إليه ويمسح عينيه ويقول : أراني نائماً ، فلما طال عليه ذلك دخل المدينة فمر بأقوام يقرأون الانجيل
واستقبله أقوام لايعرفهم حتى انتهى إلى السوق فإذا هو بخباز فقال له: ياخباز ما اسم مدينتك هذه ؟
قال: أفسوس ، قال: وما أسم ملككم ؟ قال: عبد الرحمن ، قال تمليخاً : إن كنت صادقاً فإن أمري
عجيب ادفع لي بهذه الدراهم طعاماً - وكانت دراهم ذلك الزمان الأول ثقافاً كباراً ، فتعجب الخباز من
تلك الدراهم ، فوثب اليهودي وقال: يا " علي " إن كنت عالماً فأخبرني كم كان وزن الدرهم منها ؟
فقال: يا أخا اليهود أخبرني حبيبي " محمد " (ص) أن وزن كل درهم منها عشرة دراهم وثلثا درهم،
فقال له الخباز: ياهذا قد أصبت كنزاً فأعطني بعضه وإلا ذهبت بك إلى الملك ، فقال تمليخاً: ما أصبت
كنزاً وإنما هذا من ثمن تمر بعته بثلاثة دراهم منذ ثلاثة أيام وقد خرجت من هذه المدينة وهم يعبدون
دقيانوس الملك ، فغضب الخباز وقال: ألا ترضى أن أصبت كنزاً أن تعطيني بعضه حتى تذكر رجلاً
جباراً كان يدعي الربوبية قد مات مند ثلاثمائة سنة وتسخر بي وأمسكه واجتمع الناس ثم أنهم أتوا
به إلى الملك - وكان عاقلاً عادلاً - فقال لهم: ماقصة هذا الفتى ؟ قالوا: أصاب كنزاً . فقال له الملك:
لاتخف فإن نبينا عيسى ( عليه السلام ) أمرنا أن لا نأخذ من الكنوز إلا خمسها فادفع إلي خمس هذا
الكنز وامض سالماً ، فقال: أيها الملك تثبت في أمري ما أصبت كنزاً وإنما أنا من أهل هذه المدينة
فقال له: أنت من أهلها ؟ قال: نعم ، قال: أفتعرف فيها أحداً ؟ قال: نعم قال: فسم لنا فسمى له نحواً
من ألف رجل فلم يعرفوا منه رجلاً واحداً ، قالوا: ياهذا مانعرف هذه الأسماء وليست هي من أسماء
أهل زماننا ولكن هل لك في هذه المدينة دار ؟ فقال: نعم أيها الملك فابعث معي أحداً فبعث معه الملك
جماعة حتى أتى بهم داراً أرفع دار في المدينة وقال: هذه داري ، ثم قرع الباب فخرج لهم شيخ كبير
قد استرخى حاجباه من الكبر على عينيه وهوفزع مرعوب مذعور ، فقال: أيها الناس ما بالكم ؟
فقال له رسول الملك: إن هذا الغلام يزعم أن هذه الدار داره فغضب الشيخ والتفت إلى تمليخاً وتبينه
وقال له : ما اسمك ؟ قال: تمليخاً بن فلسطين ، فقال له الشيخ : أعد علي فأعاد عليه فأنكب الشيخ
على يديه ورجليه وقال: هذا جدي ورب الكعبة وهو أحد الفتية الذين هربوا من دقيانوس الملك الجبار
إلى جبار السماوات والأرض ولقد كان عيسى ( عليه السلام ) أخبرنا بقصتهم وأنهم سيحيون ،
فأنهى ذلك إلى الملك فركب الملك وأتى إليهم وحضرهم ، فلما رأى الملك تمليخاً نزل عن فرسه وحمل
تمليخاً على عاتقه فجعل الناس يقبلون يديه ورجليه ويقولون له: تمليخاً مافعل بأصحابك ؟ فأخبرهم
أنهم في الكهف ، وكانت المدينة قد وليها رجلان ملك مسلم وملك نصراني ، فركبا في أصحابهم وأخذا
تمليخاً فلما صاروا قريباً من الكهف ، قال لهم تمليخاً : ياقوم إني أخاف أن إخوتي يحسون بوقع
حوافر الخيل والدواب وصلصلة اللجم والسلاح فيظنون أن دقيانوس غشيهم فيموتون جميعاً فقفوا
قليلاً حتى أدخل عليهم فأخبرهم فوقف الناس ودخل تمليخاً فوثب إليه الفتية واعتنقوه ، وقالوا: الحمد
لله الذي نجاك من دقيانوس ، فقال: دعوني منكم ومن دقيانوس كم لبثتم ؟ ( قالوا: لبثنا يوماأوبعض
يوم ) قال: بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين ، وقد مات دقيانوس وانقرض قرن بعد قرن وآمن أهل المدينة
بالله العظيم وقد جاؤوكم ، فقالوا له: ياتمليخاً تريد أن تصيرنا فتنة للعالمين ، قال: فماذا تريدون ؟
قالوا: إرفع يديك ونرفع أيدينا ، فرفعوا أيديهم وقالوا: اللهم بحق ما أريتنا من العجائب في أنفسنا
إلا قبضت أرواحنا ولم يطلع علينا أحد فأمر الله ملك الموت بقبض أرواحهم وطمس الله باب الكهف
وأقبل الملكان يطوفان حول الكهف سبعة أيام فلا يجدان له باباً ولا منفذاً ولامسلكاً فأيقنا حينئذ بلطيف
صنع الله الكريم وأن أحوالهم كانت عبرة أراهم الله إياها ، فقال المسلم: على ديني ماتوا أنا أبني
على باب الكهف مسجداً ، وقال النصراني: بل ماتوا على ديني فأنا أبني على باب الكهف ديراً ،
فاقتتل الملكان فغلب المسلم النصراني فبنى على باب الكهف مسجداً فذلك قوله تعالى ( قال الذين
غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ) وذلك يايهودي ماكان من قصتهم ثم قال " علي " ( عليه
السلام ) لليهودي: سألتك بالله يايهودي أوافق هذا مافي توراتكم ؟ فقال اليهودي: مازدت حرفاً ولا
نقصت يا أبا الحسن ، لاتسمني يهودياً فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأنك أعلم
هذه الأمة .
لقد كان هناك الكثير من الصحابة المرافقين لرسول الله (ص) يرون ويسمعون ماينقله لهم رسول الله
(ص) عن الوحي ( عليه السلام ) عن الله عزوجل ولا ينكر أحد أنه كان يوجد بين الصحابة الكثير من
المنافقين أعداء الدين على اختلاف نفاقهم ، فمنهم من كان هدفه من الإسلام ومن مرافقة ومصاحبة
النبي الحصول على مكان قيادي ومهم في السلطة الإسلامية ، ومنهم من كان هدفه المحافظة على
ماكان يملكه من أموال وغيره . ومنهم من كان هدفه تشويه صورة الدين ومساعدة الأعداء على
القضاء على الإسلام ، ومنهم من كان يحما أحقاداً وبغضاً دفيناً للإسلام وقياداته الحقيقية فكان ينتظر
الفرصة للانتقام والتدمير . والقرآن الكريم أورد سورة كاملة سماها سورة المنافقين والتاريخ
الإسلامي يذكر بعد وفاة رسول الله (ص) ولايمكن لأحد أن يقول إن جميع الصحابة كانوا من الصدق
والطهارة إلى درجة أن لايمكن أن يخطأوا أو يعملوا عملاً يغضب الله ورسوله ، فهذا القرآن الكريم
يذكر في بعض آياته أنه حتى الأنبياء وزوجاتهم وهم أقرب الناس إليهم يمكن أن يكونوا من أهل النار
فأبن النبي نوح وزوجته وزوجة النبي لوط كانوا أعواناً للكافرين . ولقد حفظ لنا التاريخ الاسلامي
الكثير من المواقف الي تبين لنا عظم الأخطاء التي قام بها البعض : منهم ماقام به خالد بن الوليد
من قتل مالك بن نويرة والتعدي على زوجته وقتل الكثير من رجال قبيلته ظلماً وعدوناً ...
يقول ابن الأثير ... ودخل ( أي خالد ) المسجد وعليه قباء ، وقد غرز في عمامته أسهماً فقام إليه
عمر فنزعها وحطمها وقال له : قتلت إمرءاً مسلماً ، ثم نزوت على امرأته ، والله لأرجمنك بأحجارك.
وهذه عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي (ص) قادت حملة حربية مع الكثير من الصحابة في المعركة
المسماة بمعركة الجمل لقتال إمام زمانها والخليفة المفترض الطاعة بعد رسول الله ، وقتل بسبب
ذلك آلاف من المسلمين . وهذا معاوية بن أبي سفيان الذي أصر على البقاء حاكماً على المسلمين في
الشام وقد حرباً ضد خليفة المسلمين الإمام " علي " ( عليه السلام ) في معركة تسمى بمعركة
صفين وسن سنة سب أهل البيت على منابر المسلمين لسنوات طويلة . وجعل على الناس بعه إبنه
يزيد ملكاً عليهم الذي فعل مافعل من تحريف وتشويه للدين الإسلامي .