عمرها حين وفاتها
وبعد الهجوم الخاطف والشديد على بيت " فاطمة " ( عليها السلام ) لم تعش " فاطمة " طويلاً ،
من أثر الصدمة وشدة الضربة ، قال أبو الفرج الاصفهاني : وكانت وفاة " فاطمة الزهراء "
( عليها السلام ) بعد وفاة النبي (ص) بمدة يختلف في مبلغها فالمكثر يقول: ستة أشهر ، والمقل
يقول أربعين يوما ، الا ان الثابت في ذلك ما روي عن الامام أبي جعفر محمد بن علي الباقر ، إنها
توفيت بعده بثلاثة اشهر . وقال اليعقوبي : إنها عاشت بعد أبيها ثلاثين . أو خمسة وثلاثين يوما ،
وهذا أقل ماقيل في مدة بقائها بعد أبيها . وقول آخر أربعون يوما ، وقول ثالث خمسة وسبعون يوما
وهو الأشهر . والرابع خمسة وتسعون يوماً وهو الأقوى . وهناك أقوال لايعبأ بها بأنها عاشت بعد
أبيها ستة أشهر ، أو ثمانية أشهر وهذا أكثر ماقيل في مكثها بعد أبيها (ص) . وقال الإمام الصادق:
إنها قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة احدى عشرة من الهجرة .
أما عمرها يوم وفاتها ( عليها السلام ) ، فقد جاء في البحار عن جابر بن عبدالله : وقبض النبي (ص)
ولها يومئذ ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر . وعن الامام محمد الباقر : وتوفيت ولها ثماني عشر
سنة وخمسة وسبعون يوماً . وذكر ابن طاووس والشيخ الطوسي والكفعمي ، أن الثلاثة أشهر
هو الثابت في وفاة السيدة فاطمة الزهراء ، براوية أبي جعفر الباقر ( عليه السلام )
25- يا " علي " إرفع " الحسنان " عن " فاطمة " فإنهما أبكيا ملائكة السماء
قالت أم سلمى زوجة أبي رافع : كنت أُمرض " فاطمة " أيام شكاتها ، فأصبحت يوماً كأمثل ما
رأيتها في شكواها ، فقالت لي : يا أُماه اسكبي لي غسلاً ، فاغتسلت كأ حسن ما رأيتها تغتسل ،
ثم قالت لي : يا أماه اعطيني ثيابي الجدد ، فلبستها وأمرتني أن أقدم فراشها وسط البيت ، ففعلت ،
فنامت عليه مستقبلة القبلة وقالت : يا أماه إني مقبوضة الآن ، فلا يكشفني أحد . تقول أسماء بنت
عميس : لما دخلت " فاطمة " البيت انتظرتها هنيئة ثم ناديتها : فلم تجب ، فناديت : يابنت محمد
المصطفى ، يابنت أكرم من حملته النساء ، يابنت خير من وطأ الحصى ، يابنت من كان من ربه
قاب قوسين أو أدنى ، فلم تجب ، قد فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها
شهيدة ، صابرة مظلومة محتسبة مابين المغرب والعشاء ، فوقعت عليها أقبلها وأقول : يا " فاطمة"
إذا قدمت على أبيك (ص) فأقرئيه مني السلام ، فبينا هي كذلك واذا " بالحسن والحسين " دخلا
الدار وعرفا أنها ميتة ، فوقع " الحسن " يقبلها ويقول : يا أماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني
و " الحسين " يقبل رجلها ويقول : يا أماه أنا ابنك " الحسين " كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت
ثم خرجا الى المسجد وأعلما أباهما بشهادة أمهما ، فأقبل أمير المؤمنين الى المنزل وهو يقول:
بمن العزاء يابنت محمد ؟ كنت بك أتعزى ، ففيم العزاء من بعدك ؟ وقال ( عليه السلام ) : اللهم
إني راضٍ عن ابنة نبيك (ص) ، اللهم إنها قد أوحشت فآنسها ، وهجرت فصلها ، وظُلمت فاحكم
لها يا أحكم الحاكمين . وخرجت أم كلثوم متجللة برداء وهي تصيح : يا أبتاه يارسول الله الآن حقاً
فقدناك فقداً لا لقاء بعده . وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله ، واجتمع الناس ينظرون
خروج الجنازة ، فخرج إليهم أبوذر وقال: انصرفوا إن ابنة رسول الله أخر إخراجها هذه العشية .
وأخذ أمير المؤمنين في غسلها ، وعلله الامام الصادق ( عليه السلام ) بأنها صديقة فلا يغسلها
إلا صديق ، كما أن مريم لم يغسلها إلا عيسى ( عليه السلام ) . وقال عليه السلام : إن " علياً "
أفاض عليها من الماء ثلاثاً وخمساً ، وجعل في الخامسة شيئاً من الكافور ، وكان يقول: اللهم إنها
أمتك ، وبنت رسولك ، وخيرتك من خلقك ، اللهم لقنها حجتها ، واعظم برهانها ، وأعل درجاتها
واجمع بينها وبين محمد (ص) . وحنطها من فاضل حنوط رسول الله الذي جاء به جبرائيل ، فقال
النبي (ص) يا " علي " ويا " فاطمة " هذا حنوط من الجنة دفعه الي جبرائيل ، وهو يقرئكما
السلام ويقول لكما : أقسماه واعزلا منه لي ولكما ، فقالت " فاطمة " ثلثه لك ، والباقي ينظر فيه
" علي " ( عليه السلام ) . فبكى رسول الله وضمها إليه وقال: إنك موفقة رشيدة مهدية ملهمة ،
يا " علي " قل في الباقي ، فقال: نصف منه لها ، والنصف لمن ترى يارسول الله ، قال: هو لك .
وكفنها في سبعة أثواب ، وقبل أن يعقد الرداء عليها نادى : يا أم كلثوم ، يازينب ، يافضة ، يا
" حسن " يا " حسين " هلموا وتزودوا من أمكم الزهراء ، فهذا الفراق ، واللقاء في الجنة .
فأقبل الحسنان ( عليهما السلام ) يقولان: واحسرتا لاتنطفي من فقد جدنا محمد المصطفى وأمنا
الزهراء ، إذا لقيت جدنا فأقرئيه منا السلام وقولي له : إنا بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا ، فقال
أمير المؤمنين ( عليه السلام )أُشهد أنها حنت وأتت ومدت يديها وضمتها الى صدرها ملياً ، واذا
بهاتف من السماء ينادي يا أبا الحسن ارفعهما عنها ، فلقد أبكيا والله ملائكة السماء . فرفعهما
عنها وعقد الرداء عليها ، وصلى عليها ، ومعه " الحسن " و " الحسين " وعقيل وعمار وسلمان
والمقداد وأبوذر ، ودفنها في بيتها . ولما وضعها في اللحد قال: بسم الله الرحمن الرحيم ، بسم الله
وبالله ، وعلى ملة رسول الله محمد بن عبدالله ، سلمتك أيتها الصديقة الى من هو أولى بك مني ،
ورضيت لك بما رضى الله لك ، ثم قرأ: " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى "
وفي حديث : إن أمير المؤمنين لما أنزلها في القبر وسواه عليها ، سألها الملكان من ربك ؟ قالت:
الله ربي ، قالا : ومن نبيك ؟ قالت: أبي محمد ، قالا : ومن إمامك ؟ قالت: هذا القائم على قبري
" علي " .