ماجرى عليها ( عليها السلام )
( بنت ) رسول الله (ص) التي قال في حقها رسول الله (ص) :
إن الله يرضى لرضاك ، ويغضب لغضبك .، وقال (ص) : " فاطمة " بضعة مني ، من آذاها فقد
آذاني إلى أن قال: وإن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أخرجها ومعه " الحسن والحسين " ( عليهما
السلا م ) في الليل ، وصلوا عليها ، ولم يعلم بها أحد ، ولا حضروا وفاتها ولاصلى عليها أحد من سائر
الناس غيرهم ، لأنها ( عليها السلام ) أوصت بذلك ، وقالت : لا تصلي علي أمة نقضت عهد الله ،
وعهد أبي رسول الله (ص) في أمير المؤمنين " علي " ( عليه السلام ) ، وظلموني حقي ، وأخذوا
أرثي ، وخرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك ، وكذبوا شهودي وهم - والله - جبرائيل
وميكائيل وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأم أيمن ، وطفت عليهم في بيوتهم ، وأمير المؤمنين
( عليه السلام ) يحملني ومعي " الحسن والحسين " ليلاً ونهاراً إلى منازلهم ، أُذكرهم بالله
وبرسوله ألا تظلمونا ، ولا تغصبونا حقنا الذي جعله الله لنا .، فيجيبونا ليلاً ويقعدون عن نصرتنا
نهاراً ، ثم ينفذون إلى دارنا قنفذاً ومعه عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد ليخرجوا ابن عمي " علياً "
إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة .، فلا يخرج إليهم متشاغلاً بما أوصاه به رسول الله ،
وبأزواجه . وبتأليف القرآن ، وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها عنه عداةً وديناً . فجمعوا
الحطب الجزل على بابنا ، وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا ، فوقفت بعضادة الباب ، وناشدتهم بالله
وبأبي ( ص) أن يكفوا عنا وينصرونا ، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به
عضدي ، فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج ، وركل الباب برجله فرده علي وأنا حامل ،
فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي .، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني ، وجاءني
المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم ، فهذه أُمة تصلي علي ! وقد تبرأ الله ورسوله منهم ،
وتبرأت منهم . فعمل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بوصيتها ، ولم يعلم أحداً بها فأصنع في
البقيع ليلة دفنت " فاطمة " ( عليها السلام ) أربعون قبراً جدداً . ثم إن المسلمين لما علموا بوفاة
" فاطمة " ( عليها السلام ) ودفنها جاؤوا ، فقالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ، تموت إبنة نبينا
محمد (ص) ولم يخلف فينا ولداً غيرها ولانصلي عليها ، إن هذا لشيء عظيم . فقال ( عليه السلام ):
حسبكم ماجنيتم على الله وعلى رسوله (ص) وعلى أهل بيته ، ولم أكن - والله - لأعصيها في
وصيتها التي أوصت بها في أن لايصلي عليها أحد منكم ولا بعد العهد فاغدر فنفعن القوم أثوابهم ،
وقالوا: لابد لنا من الصلاة على إبنة رسول الله ( عليها السلام ) ، ومضوا من فورهم إلى البقيع
فوجدوا فيه أربعين قبراً جدداً ، فإشتبه عليهم قبرها ( عليها السلام ) بين تلك القبور فضج الناس
ولام بعضهم بعضاً ، وقالوا: لم تحضروا وفاة بنت نبيكم ولا الصلاة عليها ، ولاتعرفون قبرها
فتزورونه . فقال أبوبكر: هاتوا من ثقات المسلمين من ينبش هذه القبور حتى تجدوا قبرها فنصلي
عليها ، ونزورها ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فخرج من داره مغضباً وقد إحمر
وجهه ، وقامت عيناه ، ودرت أوداجه ، وعلى يده قباه الأصفر الذي لم يكن يلبسه إلا في يوم
كريهة يتوكى على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع ، فسبق الناس النذير ، فقال لهم : هذا " علي "
قد أقبل كما ترون ، يقسم بالله لئن بحث من هذه القبور حجراً واحد لأضعن السيف على غابر هذه
الأمة ، فولى القوم هاربين قطعاً قطعاً ... .
8- وصيتها للا مام " علي " ( عليه السلام )
مرضت " فاطمة " ( عليها السلام ) مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت
( صلوات الله عليها ) ، فلما نعيت إليها نفسها دعت أُم أيمن ، وأسماء بنت عميس ، ووجهت خلف
" علي " فاحضرته . فقالت : يابن عم ، إنه قد نعيت إلي نفسي ، وإنني لا أرى مابي إلا أنني لاحقة
بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أُصيك بأشياء في قلبي . قال لها " علي " ( عليه السلام ) :أوصيني
بما أحببت يابنت رسول الله ، فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت . ثم قالت : يابن عم ،
ماعهدتني كاذبةً ولا خائنةً ، ولا خالفتك منذ عاشرتني . فقال ( عليه السلام ): معاذ الله ، أنت أعلم
بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله من أُبخك بمخالفتي ، قد عز علي مفارقتك وفقدك ، إلا
أنه أمر لابد منه - والله - جددت علي مصيبة رسول الله (ص) وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنا لله
وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها ، هذه - والله - مصيبة لاعزاء
لها ، ورزية لا خلف لها . ثم بكيا جميعاً ساعة ، وأخذ علي رأسها وضمها إلى صدره ، ثم قال :
أوصيني بما شئت فإنك تجديني فيها أمضي كما أمرتني به ، وأختار أمرك على أمري .،
ثم قالت : جزاك الله عني خير الجزاء يابن عم رسول الله ، أوصيك أولاً : أن تتزوج بعدي بأُمامة
فإنها تكون لولدي مثلي ، فإن الرجال لابد لهم من النساء ، قال : فمن أجل ذلك قال أمير المؤمنين
( عليه السلام ) : أربع ليس لي إلى فراقهن سبيل ، أُمامة أوصتني بها " فاطمة بنت محمد (ص) .
ثم قالت : أُصيك يابن عم ، أن تتخذ لي نعشاً ، فقد رأيت الملائكة صوروا صورته ، فقال له :صفيه
لي ، فوصفته ، فاتخذه لها ، فأول نعش عمل على وجه الأرض ذلك وما رأى قبله ولا عمل أحد .
ثم قالت : أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فإنهم عدوي وعدو
رسول الله (ص) .، ولاتترك أن يصلي علي أحد منهم ، ولا من أتباعهم . وادفني في الليل إذا
هدأت العيون ونامت الأبصار . ثم توفيت ( صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ) فصاح
أهل المدينة صيحة واحدة ، واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ، فصرخن صرخة واحدة كادت
المدينة أن تتزعزع من صراخهن وهن يقلن : ياسيدتاه ، يابنت رسول الله . وأقبل الناس مثل عرف
الفرس إلى " علي " ( عليه السلام ) ، وهو جالس و " الحسن " و " الحسين " ( عليهما السلام )
بين يديه يبكيان ، فبكى الناس لبكائهما . وخرجت أُم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها ، متجللة
برداء عليها تسحبه ، وهي تقول : يا أبتاه ، يارسول الله ، الآن حقاً فقدناك ، فقداً لا لقاء بعده أبداً .
واجتمع الناس ، فجلسوا وهم يضجون وينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها وخرج أبوذر
فقال: انصرفوا ، فإن ابنة رسول الله (ص) قد أُخر إخراجها في هذه العشية .، فقام الناس وانصرفوا
فلما هدأت العيون ومضى شطر من الليل ، أخرجها " علي " و " الحسن " و " الحسين "
( عليهما السلام ) وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبوذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم
وخواصه ، صلوا عليها ودفنوها في جوف الليل .، وسوى " علي " حواليها قبوراً مزورة مقدار
سبعة حتى لايعرف قبرها .، وقال بعضهم من الخواص : قبرها سوي مع الأرض مستوياً ، فمسح
مسحاً سواء مع الأرض حتى لا يعرف موضعه