رد: فاطمة الزهراء (عليها السلام) من الميلاد إلى الإستشهاد (كل ما مر عليها بحث شامل)
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في مسجد النبي صلى الله عليه واله وسلم
لما أجمع أبو بكر وعمر على منع " فاطمة " ( عليها السلام ) فدكاً وبلغها ذلك ، لاثت خمارها
على رأسها ، واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها ، وتطأ ذيولها ، ماتخرم
مشيتها مشية رسول الله (ص) . حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار
وغيرهم فنيطت دونها ملاءة ، فجلست ثم أنت أنة ، أجهش القوم لها بالبكاء ، فارتج المجلس ، ثم
أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم ، وهدأت فورتهم .،
افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة على رسوله (ص) فعاد القوم في بكائهم ، فلما
أمسكوا عادت في كلامها ، فقالت ( عليها السلام ) : الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما
ألهم ، والثناء بما قدم ، من عموم نعم ابتداها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وتمام منن أولاها ، جم عن
الإحصاء عددها ، ونأى عن الجزاء أمدها ، وتفاوت عن الإدراك أبدها ، وندبهم لاستزادتها بالشكر
لاتصالها ، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وثنى بالندب إلى أمثالها .،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، كلمة جعل الأخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها
وأنار في التفكر معقولها ، الممتننع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام كيفيته .
ابتدع الأشياء لامن شيء كان قبلها ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها ، كونها بقدرته وذرأها
بمشيئته ، من غير حاجة منه إلى تكوينها ، ولا فائدة له في تصويرها ، إلا تثبيتها لحكمته ، وتنبيهاً
على طاعته ، وإظهاراً لقدرته ، وتعبداً لبريته ، وإعزازاً لدعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ،
ووضع العقاب على معصيته ، ذيادة لعباده عن نقمته وحياشة لهم إلى جنته .
وأشهد أن أبي محمداً عبده ورسوله اختاره ( وانتجبه ) قبل أن أرسله ، وسماه قبل ان اجتباه ،
واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونة ، وبستر الأهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة
علماً من الله تعالى بما يلي الأمور ، وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفةً بمواقع الأمور .
ابتعثه الله تعالى إتماماً لأمره ، وعزيمةً على إمضاء حكمه ، وإنقاداً لمقادير حتمه ، فرأى الأمم
فرقاً في أديانها ، عكفا على نيرانها ، عابدةً لأوثانها ، منكرةً لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي محمد
(ص) ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها ، وجلى عن الأبصار غممها وقام في الناس بالهداية ،
فأنقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الطريق
المستقيم . ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار ، ورغبة وإيثار .،
فمحمد (ص) من تعب هذه الدار في راحة ، قد حف بالملائكة الأبرار ، ورضوان الرب الغفار ،
ومجاورة الملك الجبار .،
صلى الله على أبي نبيه ، وأمينة ، وخيرته من الخلق وصفيه ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته .
ثم التفتت إلى أهل المجلس ، وقالت: أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وأُمناء
الله على أنفسكم وبلغاؤه إلى الأمم ، زعيم حق له فيكم ، وعهد قدمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم :
كتاب الله الناطق ، والقرآن الصادق ، والنور الساطع ، والضياء اللامع .، بينة بصائره ، منكشفة
سرائره ، منجلية ظواهره ، مغتبطة به أشياعه ، قائد إلى الرضوان اتباعه ، مؤد إلى النجاة
استماعه ، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وبيناته الجالية ،
وبراهينة الكافية ، وفضائله المندوبة ورُخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة .
فجعل الله الإيمان : تطهيراً لكم من الشرك .،
والصلاة : تنزيهاً لكم عن الكبر .،
والزكاة : تزكية للنفس ، ونماءً في الرزق .،
والصيام : تثبياً للأخلاص
والحج : تشييداً للدين .،
والعدل : تنسيقاً للقلوب .،
وطاعتنا : نظاماً للملة .،
وإمامتنا : أماناً للفرقة .،
والجهاد : عزاً للإسلام .،
والصبر: معونة على استحباب الأجر .،
والأمر بالمعروف: مصلحة للعامة .،
وبرالوالدين : وقاية من السخط .،
وصلة الأرحام : منساة في العمر ، ومنماة للعدد .،
والقصاص : حقناً للدماء .،
والوفاء بالنذر : تعريضاً للمغفرة .،
وتوفية المكائيل والموازين : تغييراً للبخس .،
والنهي عن شرب الخمر : حجاباً عن اللعنة .،
وترك السرقة : إيجاباً للعفة .،
وحرم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية .،
فاتقوا الله حق تُقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .،
وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء
ثم قالت : أيها الناس : اعلموا أني فاطمة ، وأبي محمد أقول عوداً وبدواً ، ولا أقول ما أقول غلطاً ،
ولا أفعل ما أفعل شططاً ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما غنتم حريص عليكم بالمؤمنين
رؤوف رحيم )
فإن تعزوه وتعرفوه ، تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، ولنعم المعزى إليه ،
فبلغ الرسالة ، صادعاً بالنذارة مائلاً عن مدرجة المشركين ضارباً ثبجهم ، آخذاً بأكظامهم ، داعياً
إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجف الأصنام ، وينكث الهام ، حتى انهزم الجمع وولوا
الدبر ، حتى تفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقائق
الشياطين ، وطاح وشيظ النفاق ، وانحلت عقد الكفر والشقاق .،
وفُهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص ، وكنتم على شفا حفرة من النار .،
مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتقتاتون القد .
أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد (ص) ،
بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مُني ببهم الرجال ، وؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب .،
كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله أو نجم قرن الشيطان ، أو فغرت فاغرة من المشركين ، قذف
أخاه في لهواتها .،
فلا يكفيء حتى يطأ جناحها بأخمصة ، ويخمد لهبها بسيفة مكدوداً في ذات الله مجتهداً في أمر الله ،
قريباً من رسول الله ، سيداً في أولياء الله مشمراً ناصحاً ، مجداً كادحاً ، لا تأخذه في الله لومة لائم .
وأنتم في رفاهية من العيش وادعون ، فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار
وتنكصون عند النزال ، وتفرون من القتال .،
فلما اختار الله لنبيه (ص) دار أنبيائه ، ومأوى أصفيائه ، ظهر فيكم حسكة النفاق وسمل جلباب
الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبع خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ،
وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم ، فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين ،
ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً ، وأحشمكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير مشربكم ،
هذا والعهد القريب ، والكلم رحيب والجرح لما يندمل ، والرسول لما يُقبر ، ابتداراً زعمتم خوف
الفتنة ( ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنى تؤفكون.
وكتاب الله بين أظهركم ، أموره ظاهرة ، وأحكامه زاهرة ، وأعلامه باهرة ، وزواجره لايحة ،
وأوامره واضحة ، وقد خلفتموه وراء ظهوركم .،
أرغبة عنه تريدون ؟ أم بغيره تحكمون ؟ ( بئس للظالمين بدلاً ) ( ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن
يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ، ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها ، ويسلس قيادها ،
ثم أخذتم تورون وقدتها ، وتهيجون جمرتها ، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي ، وإطفاء أنوار
الدين الجلي ، وإهمال سنن النبي الصفي (ص) ، تشربون حسوا في ارتغاء ، وتمشون لأهله وولده
في الخمرة والضراء .،
ويصبر منكم على مثل حز المدى ووخز السنان في الحشاء ، وأنتم الآن تزعمون : أن لا إرث لنا ،
أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ! أفلا تعلمون ؟! بلى قد تجلى لكم
كالشمس الضاحية : أني إبنته . أيها المسلمون : أ أُغلب على إرثي ؟ يابن أبي قحافة ، أفي كتاب
الله ترث أباك ولا أرث أبي ؟ لقد جئت شيئاً فرياً ! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ؟
إذ يقول: ( وورث سليمان داود ) .،
وقال : فيما اقتص من خبر يحيي بن زكريا إذ قال : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل
يعقوب ) وقال: ( وأولوالارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) وقال : ( يوصيكم الله في أولادكم
للذكر مثل حظ الانثيين ) وقال: ( إن ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقاً على
المتقين ) وزعمتم : أن لا حظوة لي ولا أرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج
أبي منها ؟ أم تقولون : أن أهل ملتين لا يتوارثان ؟ أو لستُ أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟ أم أنتم
أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ،
فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) .،
والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولا ينفعكم إذ تندمون ، ولكل نبأ مستقر وسوف
تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم . ثم رمت طرفها نحو الأنصار فقالت :
يامعشر النقيبة وأعضاد الملة وحضنة الإسلام ، ماهذه الغميرة في حقي ، والسنة عن ظلامتي
أما كان رسول الله (ص) أبي يقول: المرء يحفظ في ولده ؟ سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالة
ولكم طاقة بما أحاول ، وقوة على ما أطلب وأزاول ، أتقولون مات محمد (ص) ؟ فخطب جليل
استوسع وهيه واستنهر فتقه وانفتق رتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، وكسفت الشمس والقمر
وانتثرت النجوم لمصيبته ، وأكدت الآمال ، وخشعت الجبال ، وأُضيع الحريم وأزيلت الحرمة عند
مماته ، فتلك - والله - النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، لامثلها نازلة ، ولا بائقة عاجلة ، أعلن
بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم ، وفي ممساكم ومصبحكم يهتف في أفنيتكم هتافاً وصراخاً وتلاوة
وإلحاناً ولقبله ماحل بانبياء الله ورسله حكم فصل ، وقضاء حتم . ( وما محمد إلا رسول قد خلت من
قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا
وسيجزي الله الشاكرين ) .
إيها بني قيلة ، أأهضم تراث أبي ؟ وأنتم بمرأى مني ومسمع ، ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدعوة
وتشملكم الخبرة ، وانتم ذوو العد والعدة ، والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة ، توافيكم الدعوة
فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون وأنتم موصفون بالكفاح معروفون بالخير والصلاح ، والنخبة
التي انتخبت والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت ، قاتلتم العرب وتحملتم الكد والتعب وناطحتم الأمم
وكافحتم البهم ، لانبرح أو تبرحون ، نأمركم فتأمرون ، حتى إّذا دارت بنا رحى الإسلام ودر حلب
الأيام ، وخضعت ثغرة الشرك وسكنت فورة الإفك وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج واستوسق
نظام الدين ، فأنى حزتم بعد البيان ؟ وأسرتم بعد الإعلان ؟ ونكصتم بعد الإقدام ؟ وأشركتم بعد
الإيمان ؟ بؤساً لقوم نكثوا ايمانهم من بعد عهدهم ، وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة ،
أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين . ألا وقدأرى أن قد أخلدتم إلى الخفض وأبعدتم من
هو أحق بالبسط والقبض وخلوتم بالدعة ونجوتم بالضيق من السعة ، فمججتم ماوعيتم ودسعتم
الذي تسوغتم . ( فإن تكفروا انتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ) .
ألا وقد قلت ماقلت هذا على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ،
ولكنها فيضة النفس ، ونفثة الغيظ وخور القناة وبثة الصدر وتقدمة الحجة فدونكموها فاحتقبوها
دبرة الظهر ، نقبة الخُف ، باقية العار موسومة بغضب الجبار ، وشنار الأبد ، موصولة بنار الله
الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة . وأنا إبنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد .،
فأعلموا إنا عاملون ، وانتظروا إنا منتظرون . فأجابها أبوبكر عبد الله بن عثمان ، وقال: يابنت
رسول الله ، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً ، رؤوفاً رحيماً ، وعلى الكافرين عذاباً أليماً ،
وعقاباً عظيماً ، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء ، وأخا إلفك دون الأخلاء آثره على كل حميم ،
وساعده في كا أمر جسيم ، لايحبكم إلا سعيد ، ولايبغضكم إلا كل شقي بعيد ، فأنتم عترة رسول الله
الطيبون الخيرة المنتجبون ، على الخير أدلتنا ، وإلى الجنة مسالكنا . وأنت ياخيرة النساء ، وابنة
خير الأنبياء ، صادقة في قولك ، سابقة في وفور عقلك ، غير مرودة عن حقك ، ولا مصدودة عن
صدقك ، والله ماعدوت رأي رسول الله (ص) ولا عملت إلا بإذنه ، والرائد لايكذب أهله وإني أُشهد
الله وكفى به شهيداً أني سمعت رسول الله (ص) يقول: نحن معاشر الأنبياء لانورث ذهباً ولا فضة
ولا داراً ولا عقاراً وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وماكان لنا من طعمة فلولي الأمر
بعدنا أن يحكم فيه بحكمه !! وقد جعلنا ماحاولته في الكراع والسلاح يقالتل بها المسلمون ويجاهدون
الكفار ، ويجالدون المردة ثم الفجار ، وذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي ولم أستبد
بما كان الرأي عندي !! وهذه حالي ومالي ، هي لك وبين يديك ، لاتزوي عنك ، ولاتدخر دونك ،
وإنك وأنت سيدة أمة أبيك ، والشجرة الطيبة لبنيك . لاندفع مالك من فضلك ، ولا يوضع من فرعك
وأصلك ، حكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين ان أُخالف في ذلك أباك (ص) ؟ فقالت " فاطمة "
( عليها السلام ) سبحان الله ماكان أبي رسول الله (ص) عن كتاب الله صادفاً ولا لأحكامه مخالفا !
بل كان يتبع أثره ، ويقفو سوره ، أفتجمعون إلى الغدراعتلا لاً عليه بالزور ، وهذا بعد وفاته شبيه
بما بغي له من الغوائل في حياته ، هذا كتاب الله حمكاً عدلاً ، وناطقاً فصلا يقول :
( يرثني ويرث من آل يعقوب ) ويقول ( وورث سليمان داود ) وبين عز وجل فيما وزع " عليه "
من الاقساط وشرع من الفرائض والميراث ، وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح به علة
المبطلين ، وأزال التظني والشبهات في الغابرين . كلا بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل
والله المستعان على ما تصفون . فقال أبوبكر: صدق الله ورسوله ، وصدقت ابنته ، أنت معدن
الحكمة ، وموطن الهدى والرحمة ، وركن الدين ، وعين الحجة ، لا أبعد صوابك ، ولا أنكر خطابك .
هؤلاء المسلمون بيني وبينك ، قلدوني ماتقلدت ، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غي مكابر ولا مستبد
ولا مستأثر ، وهم بذلك شهود . فالتفتت " فاطمة " ( عليها السلام ) إلى الناس ، وقالت: معاشر
المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر أفلا تتدبرون القرآن أم
على قلوب أقفالها ؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم ، فأخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس
ما تأولتم ، وساء مابه أشرتم ، وشر مامنه اغتصبتم . لتجدن والله محمله ثقيلاً وغبه وبيلاً إذا
كشف لكم الغطاء ، وبان ما وراءه الضراء ، وبدا لكم من ربكم مالم تكونوا تحتسبون .،
( وخسر هنالك المبطلون ) ثم عطفت على قبر النبي (ص) وقالت :
قد كان بعدك أنباء وهنبثةُ --------------------------- لوكنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ------------------------ واختل قومك فاشهدهم ولا تغب
وكل أهل له قربى ومنزلة --------------------------- عند الإله على الأدنين مقترب
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم ---------------------- لما مضيت وحالت دونك الترب
تجهمتنا رجال واستخف بنا ------------------------- لما فقدت وكل الأرض مغتصب
وكنت بدراً ونوراً يستضاء به ---------------------- عليك ينزل من ذي العزة الكتب
وكان جبريل بالآيات يؤنسنا ----------------------- فقد فقدت وكل الخير محتجب
فليت قبلك كان الموت صادفنا -------------------- لما مضيت وحالت دونك الكثب
إنا رُزينا بما لم يُرز ذو شجن -------------------- من البرية لا عجم ولا عرب
وهنا كلمة وسؤال :
قد يتبادر إلى ذهن القارئ أن يسأل : مادعا أبابكر أن يلين ويخضع هكذا ؟ وما دعا الزهراء أن
تثبت على رأيها ، ولا تتضعضع عن موقفها ؟
لقد أجاب الجاحظ عن هذا السؤال ، وكفانا مؤونة الجواب ، قال في رسائله : ( ... فإن قالوا: كيف
تظن به ظلمها والتعدي عليها ، وكلما إزدادت عليه غلطة إزداد لها ليناً ورقة حيث تقول له : والله
لا أكلمك أبداً ، فيقول: والله لا أهجرك أبداً ، ثم تقول: والله لأدعون الله عليك ، فيقول: والله لأدعون
الله لك ، ثم يتحمل منها الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة ، وبحضرة قريش والصحابة
مع حاجة الخلافة إلى البهاء والتنزيه ، وما يجب لها من الرفعة والهيبة ، ثم لم يمنعه ذلك عن أن
قال معتذراً متقرباً بكلام المعظم لحقها ، والمكبر لمقامها ، الصائن لوجهها ، المتحنن عليها ، ما أحدٌ
أعز علي منك فقراً ولا أحب الي منك غنى ، ولكن سمعت رسول الله يقول: " إنا معاشر الأنبياء
لا نورث ماتركناه صدقة " . قيل لهم : ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم ، والسلامة من الجور ،
وقد يبلغ من مكر الظالم ، ودهاء الماكر ، إذا كان أريباً وللخصومة معتاداً ، أن يظهر كلام المظلوم
وذلة المنتصف ، وحدب الوامق ومقت المحق ... الخ "
|