رد: فاطمة الزهراء (عليها السلام) من الميلاد إلى الإستشهاد (كل ما مر عليها بحث شامل)
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك مجموعة أهداف مهمة كانت وراء طلب الزهراء لحقها :
أولاً : أرادت الزهراء استرجاع حقها المغصوب ، وهذا أمر طبيعي لكل إنسان غصب حقه أن يطالب
به بالطريق المشروعة .
ثانياً : كان الحاكم قد استولى على جميع الحقوق السياسية والاقتصادية لبني هاشم ، وألغى جميع
امتيازاتهم المادية والمعنوية ، فهذا عمربن الخطاب يقول لابن عباس : أتدري مامنع قومكم ( أي
قريش ) منكم بعد محمد (ص) ؟ كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا
بجحا ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت هذا بالنسبة للخلافة . وبالنسبة للأموال فقد منعوا
بني هاشم فدك والميراث والخمس . أي سهم ذوي القربى . واعتبروهم كسائر الناس .
وجعلت الزهراء من نفسها مطالبة بحق بني هاشم وحقها ، ومدافعة عنهم اعتمادا على فضلها
وشرفها وقربها من رسول الله (ص) .
ثالثاً : استهدفت الزهراء من مطالبتها الحثيثة بفدك فسح المجال أمامها للمطالبة بحق زوجها
والواقع أن فدك صارت تتمشى مع الخلافة جنبا الى جنب ، كما صا لها عنوان كبير وسعة في المعنى
فلم تبق فدك قرية زراعية محدودة بحدودها في عصر الرسول ، بل صار معناها الخلافة والرقعة
الاسلامية بكاملها . ومما يدل على هذا تحديد الائمة لفدك فقد حدها " علي " ( عليه السلام ) في
زمانه بقوله : حد منها جبل أحد ، وحد منها عريش مصر ، وحد منها سيف البحر ، وحد منها دومة
الجندل . وهذه الحدود التقريبية للعالم الاسلامي آنذاك . أما الإمام الكاظم فقد حدها للرشيد بعد أن
ألح عليه الرشيد أن يأخذ فدكا ، فقال له الإمام : ما آخذها إلا بحدودها ، قال الرشيد : وما حدودها ؟
قال: الحد الأول عدن ، والحد الثاني سمرقند ، والحد الثالث أفريقية ، والحد الرابع سيف البحر
مما يلي الخزر وأرمينية ، فقال له الرشيد : فلم يبق لنا شيء فتحول في مجلسي ( أي أنك طالبت
بالرقعة الإسلامية في العصر العباسي بكاملها ) . فقال الإمام : قد أعلمتك أني إن حددتها لم تردها .
ففدك تعبير ثان عن الخلافة الإسلامية ، والزهراء جعلت فدكا مقدمة للوصول إلى الخلافة ،
فأرادت استرداد الخلافة عن طريق استرداد فدك . ومما يدل على هذا تصريحات الزهراء في خطبتها
بحق " علي " وكفاءته وجهاده ، فهي القائلة في خطبتها الكبيرة التي ألقتها في مسجد رسول الله
" فأنقذكم الله بأبي محمد بعد اللتيا والتي وبعد ان مني ببهم الرجال ،وذؤبان العرب ، ومردة اهل
الكتاب ، كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها الله ، اونجم قرن للشيطان ، أو فغرت فاغرة من المشركين
قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصة ، ويخد لهبها بسيفه ، مكدوداً في
ذات الله ، ومجتهداً في أمر الله ، قريباً من رسول الله (ص) ، سيداً في أولياء الله ، مشمراً ناصحاً ،
مجداً كادحاً ....
رابعاً : أرادت الزهراء ( عليها السلام ) بمنازعة أبي بكر اظهار حاله وحال اصحابه للناس ،
وكشفهم على حقيقتهم ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيي من حي عن بينة ، وإلا فبضعة الرسول
أجل قدرا وأعلى شأنا من أن تقلب الدنيا على أبي بكر حرصا على الدنيا ، ولا سيما أن النبي (ص)
اخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به ولذا لم ينهها " علي " ( عليه السلام ) عن منازعة أبي
بكر في فدك وهو القائل : " وما اصنع بفدك وغير فدك ، والنفس مكانها في غد جدث "
قال ابن أبي الحديد : قلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعلي ابن تقي من بلدة النيل : وهل
كانت فدك إلا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير ؟ فقال لي : ليس الأمر كذلك ، بل كانت جليلة جدا
وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن . ( أي في القرن السادس الهجري ) وما قصد أبو بكر
وعمر بمنع " فاطمة " عنها إلا ألا يتقوى بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة ، ولهذا اتبعا
ذلك بمنع " فاطمة " و " علي " وسائر بني هاشم وبني المطلب حقهم في الخمس ، فإن الفقير
الذي لامال له تضعف همته ، ويتصاغر عند نفسه ، ويكون مشغولاً بالاحتراف والاكتساب عن طلب
الملك والرئاسة .
وقال الإمام الصادق للمفضل بن عمر : " لما بويع أبو بكر أشار عليه عمر أن يمنع " علياً "
وأهل بيته الخمس والفيء وفدكا ، فإن شيعته إذا علموا ذلك تركوه وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا ،
فصرفهم أبو بكر عن جميع ماهو لهم " . قال المحقق الفاضل الألمعي عبد الزهراء عثمان محمد:
ربما يعترض البعض على موقف " فاطمة " فيقول: لماذا إذن تقف " فاطمة " هذا الموقف الصلب
في مطالبتها بفدك ، فلولم يكن هناك هدف آخر تبتغيه من ورائه ، لما طالبت هذه المطالبة الحقيقية
به . ولأجل أن نبرز الحقائق التي دفعت الصديقة " فاطمة الزهراء " ( عليها السلام ) للمطالبة
بفدك نضع أمامنا النقاط الآتية :
1- انها ( عليها السلام ) رأت أن تأميم فدك قد هيأ لها فرصة ذهبية في الادلاء برأيها حول الحكومة
القائمة ، وكان لابد أن تدلي بتصريحاتها أما الجماهير ، وقد هيأت لها قضية فدك هذه الملابسات
المناسبة ، فحضرت دار الحكومة في المسجد النبوي وألقت بتصريحاتها التي لا تنطوي على أي
لبس أو غموض .
2- تبيان أحقية " علي " في قيادة الأمة بعد رسول الله (ص) وقد تجلى ذلك في خطبتها التي ألقتها
في مسجد أبيها (ص) على مسمع ومرأى من المسلمين وبضمنهم الحكومة الجديدة ، فكان من بعض
أقوالها : " أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي ؟ " وقولها : " وأبعدتم
من هو أحق بالبسط والقبض " . حيث أوضحت أن " علياً " ( عليه السلام ) أعلم الناس بعد محمد
(ص) بمعرفة الرسالة وأحكامها وقوانينها ، وهو لذلك أحق برعاية شؤون الأمة التي صنعها الوحي
المقدس .
3- كشف ألاعيب الحكومة الجديدة على الشرع المقدس ، واجتهاداتهم التي لاعلاقة لها بأهداف
الرسالة ... وهذه: النقاط الثلاث هي التي استهدفتها " فاطمة " ( عليها السلام ) في مطالبتها
الحثيثة بفدك ، ليس غير ، وليس لها وراء ذلك هدف مادي رخيص ، كما يعتقد البعض من مؤرخي
حياتها ، فهي - لعمر الحق - قد تصرفت مامن شأنه أن يحفظ الرسالة من شبح الانحراف الذي تبأت
بوقوعه بعد إنتخاب الحكومة الجديدة ، فاتخذت من فدك خير فرصة لخدمة المبدأ ، وإلقاء الحجة
على الأمة تأدية للمسؤلية ، ونصرا للرسالة ، وحفظا لبيضة الإسلام .
|