بسم الله الرحمن الرحيم
متى كانت بيعة أمير المؤمنين " علي " ( عليه السلام ) لأبي بكر ؟
أشهر ما قيل ثلاثة آراء :
الرأي الأول : بعد وفاة الصديقة " فاطمة " ( عليها السلام ) أي بعد شهرين أو خمس وسبعين يوماً
من وفاة الرسول الأعظم ( ص) .
الرأي الثاني : بعد ستة أشهر .
الرأي الثالث : بعد أيام قلائل من وفاة الرسول الأكرم (ص) ومن خلال هذه الأقوال نصل إلى نتيجة
واحدة وهي أن مبايعة الامام لأبي بكر لم تكن واضحة تاريخياً ، إذ المستندات والوثائق التاريخية
قاصرة عن اعطاء قول قاطع تحُدد فيه المدة والفترة الزمانية للبيعة ، فنحن إذن أمام آراء متعارضة
لابد من حلها والوصول إلى نتيجة معينة فيها ، وبداية المنافسة تكون من السؤال التالي : ماعلاقة
البيعة بموت الصديقة " فاطمة " ( عليها السلام ) ؟ فلوأراد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن
يبايع ، أترى أنه يتحرج من " فاطمة " ( عليها السلام ) ولماذا هذا التحرج ؟ أم أن القوم كانوا
يتحرجون من الضغط على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حياة " فاطمة " ؟
بل على العكس ، فإننا نجدهم يحُرقون باب " فاطمة " وبمرأى منها وفعلوا بها ما فعلوا ومارسوا
أنواع الضغوط على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فلم يصدر منهم ذلك الاحترام والتقدير
ل " فاطمة " ( عليها السلام ) حتى نضطر للقول بالملازمة بين البيعة وبين استشهاد " فاطمة "
( عليها السلام ) . إلا أن يراد من ذلك تحديد الفترة الزمانية فقط فكان وفاة " فاطمة " ( عليها
السلام ) علامة لاغير على طول فترة الامتناع مثلاً . والحصيلة أنا نقطع بأنه ( عليه السلام )
لم يبايع في الأيام القلائل تلك أي الرأي الثالث - وهو القول بالبيعة في الأيام الأولى من وفاة
النبي (ص) - ساقط عن الاعتبار للأسباب التالية :
أدلة عدم البيعة في الأيام الأولى
أ- لو كان قد بايع في تلك الأيام أي بعد السقيفة وأحداث دار فاطمة ( عليها السلام ) لما إمتنع
مالك بن نويرة عن دفع الزكاة إلى أبي بكر ، إذ يكون دفع الزكاة أمر طبيعي بعد مبايعة أمير
المؤمنين لأبي بكر ، ولكن امتناعه دل على عدم المبايعة فكان سبيله القتل ، ومعلوم أن قتل مالك
كان ضمن الفترة الأولى من تسلم أبي بكر الحكم .
ب - ويذكر المؤرخ اليعقوبي خبراً مفاده أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في تلك الأيام لم يكن
ليطيع أبا بكر وذلك عندما ظهر المتنبئون فاستشار أبوبكر عمرو بن العاص من يرسل لهم ؟ فقال
له : فما ترى في " علي " ؟ فقال عمرو : لا يطيعك مع أن محاربة المتنبئين كان أمراً ضرورياً
بعد وفاة الرسول (ص) فإباية " علي " ( عليه السلام ) إنما تدل على عدم موافقته سلفاً بمقام
أبي بكر .
ج - ولو كان قد بايع في تلك الفترة السريعة من اغتصاب الخلافة منه يكون قد أوجد شرخاً في
قلوب أوليائه وحواريه وخاصته إذ يتبادر إلى قلوبهم الشك في إمامهم المعروف بالصمود والمواجهة
وليس " علي " ( عليه السلام ) من الذين يضحون بالأفراد المخلصين لا سيما في مثل تلك
الظروف الصعبة ، خصوصاً اذا نظرنا إلى مثل حسان بن ثابت وهو يمدح أمير المؤمنين ( عليه
السلام ) في تلك الفترة ( بعد محاججات كثيرة بين الأول والثاني والأنصار وقريش ) يقول فيها :
جزى الله خيراً والجزاء يكفه --------------------- أبا حسنٍ عنا ومن كأبي حسن
سبقت قريشاً بالذي أنت أهله --------------------- فصدرك مشروحٌ وقلبك ممتحن
تمنت رجالٌ من قريش أعزةٌ ---------------------- مكانك هيهات الهزال من السمن
حفظت رسول الله فينا وعهده --------------------- اليك ومن أولى به منك من ومن
ألست أخاهُ في الإخا ووصيهُ --------------------- وأعلم فهرٍ بالكتاب وبالسنن
فهذه الأبيات تعكس انطباع الناس عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من أنه الأولى بالمنصب
وذلك لوصية رسول الله ولمناقبه وفضائله وعلمه بالشريعة ، فكيف يسرع أمير المؤمنين ( عليه
السلام ) إلى البيعة وهو يعلم أن مردودها سلبي على الأمة ؟