بسم الله الرحمن الرحيم
بداية حياتها مع أبيها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ..
كانت الزهراء ( عليها السلام ) تنمو في بيت الوحي ، وتنبت في مهبط الرسالة نباتاً حسناً ، يعلمها أبوها
الرسول ( ص ) العلوم الإلهية ، ويفيض عليها المعارف الرباّنية ، ويدرسها أحسن دروس التوحيد ، وأرقى
علوم الإيمان ، وأجمل حقائق الإسلام . ويربيها أفضل تربية وأحسنها ، إذ وجد الرسول في ابنته
المثالية كامل الاستعداد لقبول العلوم ووعيها ، ووجد في نفسها الشريفة الطيبة كل الروحانية والنورانية
والتهيؤ لصعود مدارج الكمال . إلى جانب هذا شاءت الحكمة الإ لهية للسيدة فاطمة الزهراء أن تكون
حياتها ممزوجة بالمكاره ، مشفوعة با لآلام والمآسي منذ صغر سنها ، فإنها فتحت عينها في وجه
الحياة وإذا بها ترى أباها خائفاً ، يحاربه الأقربون والأبعدون ويناوءه الكفار والمشركون .
فربما حضرت فاطمة في المسجد الحرام فرأت أباها جالساً في حجر إسماعيل ( عليه السلام )
يتلوالقران ، وترى بعض المشركين يوصلون إليه أنواع الأذى ، ويحاربونه محاربة نفسية .
وحضرت يوماً فنظرت إلى بعض المشركين وهو يفرغ سلا الناقة ، ( وهو الكيس الذي يتكون فيه
الجنين ) على ظهر أبيها الرسول وهو ساجد .
كانت الزهراء تشاهد ذلك المنظر المؤلم ، وتمسح ذلك عن ظهر أبيها وثيابه ، وهم يضحكون على ذلك
المنظر .
وعن ابن عباس قال : ( إن قريشاً اجتمعوا في الحجر ، فتعاقدوابللات والعزى ومناة : لو رأينا محمد اً
لقمنا مقام رجل واحد ، ولنقتلنه ، فدخلت فاطمة ) عليها السلام على النبي صلى الله عليه واله وسلم
باكية ، وحكت مقالهم ... واشتدت الأزمة وزادت المحنة حتى اضطر الرسول ( ص) أن يختفي في شعب
أبي طالب ، ورافقته عائلته ، وآل أبي طالب إلى ذلك المكان ، وكانوا يعيشون في جو من الإرهاب
الشديد ، ففي كل ليلة يتوقعون هجوم المشركين عليهم ، وخاصة بعد أن كتب المشركون الصحيفة
القاطعة ، وحاصروا بني هاشم حصارا اقتصاديا ، فلا يبيعون ولا يشترون شيئاً حتى المواد الغذائية ،
بل ومنعوا إيصال الطعام إليهم ، فاستولى الجوع عليهم ، وأثر في الاطفال أكثر وأكثر ، فلا عجب إذا
كانت أصوات بكاء الأطفال تصل إلى مسا مع أهل مكة ، فبين شامت بهم مسرور، وبين متألم حزين .
وطالت المدة ثلاث سنين وشهوراً ، وكانت السيدة فاطمة عليها السلام من الذين شملتهم هذه المأساة .
هذه المآسي أيقظت في السيدة ( فاطمة ) روح الجهاد والاستقامة والمثابرة ، وكأنها التمرين والتدريب
للمستقبل القريب .
يتبع ..