رد: وماتت امنا الزهراء مظلومة
وإن بنود الوصية ترمز إلى أن الزهراء عاشت بعد أبيها ناقمة وغاضبة على أولئك الأفراد، واستمرت النقمة والغضب حتى الموت وبعد الموت وإلى يوم يبعثون.
فلا ترضى السيدة فاطمة أن يشيعها تلك العصابة، ولا أن يصلُّوا على جنازتها ولا يشهدوا دفنها، ولا يعرفوا قبرها، بل يبقى قبرها مخفياً من يوم وفاتها إلى يوم الفصل الذي كان ميقاتاً ليجلب هذا انتباه المسلمين وعلى الأخص الحجاج والمعتمرون الذين يزورون قبر الرسول (صلى الله عليه وآله) في المدينة المنورة، ومراقد الأئمة في البقيع، ويتساءلون عن قبرها فلا يجدون لذلك أثراً ولا خبراً.
فالقبر كان ولا زال مجهولاً عند المسلمين بسبب اختلاف المؤرخين والمحدثين فهناك أحاديث تصرّح بدفنها في البقيع، وهناك روايات أنها دفنت في حجرتها وعند توسيع المسجد النبوي الشريف صار قبرها في المسجد.
فإن صح هذا القول فإن صُوَر القبور التي صوَّرها الإِمام في البقيع كان لغرض المغالطة، وصرف الأنظار عن مدفنها الحقيقي.
وإن كان الإِمام قد دفنها في البقيع فالقبر كان ولا يزال مجهولاً.
وعلى كل تقدير: لقد حفروا القبر للسيدة فاطمة، وحفروا مرقداً لتلك الزهرة الزهراء، واللؤلؤة النوراء، وتقدّم أربعة رجال وهم علي والعباس والفضل بن العباس ورابع يحملون ذلك الجسد النحيف
ونزل علي (عليه السلام) إلى القبر لأنه وليّ أمرها، وأولى الناس بأمورها، واستلم بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأضجعها في لحدها، ووضع ذلك الخد الذي طالما تعفَّر بين يدي الله تعالى في حال السجود ذلك الخد الذي كان يقبّله رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل ليلة قبل أن ينام وضع ذلك الخد على تراب القبر وقال: يا أرض أستودعكِ وديعتي، هذه بنت رسول الله، بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله).
سلَّمتك أيتها الصّدّيقة إلى من هو أولى بك مني، ورضيت لك بما رضي الله تعالى لك. ثم قرأ (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى).
لقد دفنوا كتلة من المواهب والفضائل.
لقد أخفوا في بطون التراب الحوراء الإِنسية.
وسوّى علي (عليه السلام) قبرها، وكأنه في تلك المراحل كان جرحه حاراً، فلا يشعر بالألم، والإنسان قد يصاب بجراح أو كسر فلا يشعر بالألم في وقته، وبعد مضي لحظات يشتد به الوجع، ويتركه يصرخ ويصيح.
كان جثمان السيدة فاطمة نصب عين علي في تغسيلها وتكفينها والصلاة عليها ودفنها، والآن قد غابت الزهراء عن الأبصار، واختفت عن الأعين.
لقد حان أن يشعر الإمام علي بألم المصاب، ويشتد به الوجع أشد ما يمكن.
كانت تلك اللحظات الحرجة من تلك الليلة مؤلمة ومشجية فلقد كان قلب الإِمام مضغوطاً عليه بسبب المصيبة.
لقد ماتت فاطمة الزهراء شهيدة الاضطهاد، قتيلة الظلم والاعتداء.
وفَقَدَ الإِمام بفقدها شريكة حياته، وأحبّ الناس إليه وإلى رسول الله.
فَقَدَ سيدةً في ريعان شبابها، ومقتبل عمرها، ونضارة حياتها.
فَقَدَ سيدةً انسجمت معه ديناً ودنيا وآخرة.
فَقَدَ زوجةً شاركته في مصائب حياته ومرارتها بكل صير.
فَقَدَ حوراء ليست من مستويات نساء الدنيا.
سوف لا يجد الإِمام على وجه الأرض مثلها عصمة ونزاهة وتقوى وعلماً وكمالاًَ وشرفاً، وفضائل ومكارم وغيرها.
فلا يمكن له أن يتسلى بامرأة أُخرى.
ومما زاد في المصيبة، وضاعف في أبعاد الكارثة أن السيدة أوصت إلى زوجها أن يكون تشييع جثمانها ليلاً وسرّاً، وبإخفاء قبرها بحيث لا يكون لقبرها أثر ولا علامة.
ولهذا هاجت به الأحزان لمّا نفض يده من تراب القبر فأرسل دموعه على خديه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال:
السلام عليك يا رسول الله عني.
السلام عليك عن ابنتك وزائرتك.
والبائتة في الثرى ببقعتك.
والمختار الله لها سرعة اللحاق بك.
قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري.
وعفى عن سيدة نساء العالمين تجلّدي.
إلاَّ أن في التأسي لي بسُنَّتك في فرقتك موضع تعز.
فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك.
بعد أن فاضت نفسك بين نحري وصدري.
وغمّضتك بيدي.
وتولَّيت أمرك بنفسي.
بلى وفي كتاب الله لي أنعم القبول.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
قد استُرجعتِ الوديعة.
فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً؟!!
ويهتضم حقها قهراً؟!!
ويُمنع إرثها جهراً؟!!
ولم يَطُل منك العهد.
ولم يخلِق منك الذكر.
فإلى الله - يا رسول الله - المشتكى.
وفيك - يا رسول الله - أجمل العزاء.
فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته.
__________________
رُويَّ عن ابا عبد الله (ع): " ليس شيء إلاّ وله حد " قيل: فما حد التوكل؟ قال: " اليقين "، قيل: فما حد اليقين؟ قال: " إلاّ تخاف مع الله شيئاً ". وعنه (ع): " من صحة يقين المرء المسلم ألا يرضي الناس بسخط الله ولا يلومهم على ما لم يؤته الله فان الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا ترده كراهية كاره، ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ".
نسالكمـ الدعـــــــــــاء ...
|