رد: الاعداد الروحي لعصر ظهور المهدي عجل الله فرجه الشريف
اللهم عجل لوليك الفرج
(( الإعداد الروحي لعصر الظهور - الجزء 2 ))
الظهور زمنٌ له خصائص:
بحسب هذه الخصائص ينبغي أن يهيأ الإنسان نفسه، ويعدّ نفسه حسب متطلبات تلك المرحلة.
أوّل خصائص مرحلة الظهور أنها مرحلة الحقائق ومرحلة انكشاف الزيف وسقوط الأقنعة، ففي زمن الإمام عليه السلام لن يستطيع أحد أن يلبس حقيقته عن الإمام كأن يتنكر بوجه آخر غير وجهه الحقيقي. الإمام عليه السلام يعلم ما في النفوس، ويسير بالناس سيرة نبي الله داود عليه السلام، أي سيحكم بما يعلم؛ بعلمه الواقعي.
قد يطرح هنا سؤال: ما الفرق بين سيرة داوود وحكمه وسيرة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؟
الجواب: هناك فرق فقهي، نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكم على الظواهر بالشهود وبالبينة، أما داود عليه السلام وإمامنا الإمام المهدي عليه السلام فسيحكمان بناءاً على علمهما الواقعي، الله عز وجل أعطاه علماً بواقع الأشياء بحيث لا يحتاج إلى بينة أو شهادة أحد وسيستفيد من ذلك العلم مباشرة بلا حاجة إلى وسائط.إذاً هي مرحلة الحقائق، مرحلة الصدق، مرحلة انكشاف الزيف، مرحلة سقوط الأقنعة وظهور الإنسان على حقيقته، نحن الآن في هذه الحياة قد ضرب الله تعالى علينا ستره, والرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام تقول: (لو تكاشفتم ما تدافنتم)،(2) لو علم أحدنا ما في نفس الآخر فقد لا يكون مستعداً حتّى لدفنه، ويعتبره غير مسلم أصلاً. ولو كشف الله ما في النفوس والخواطر لكانت الحياة صعبة فيما بين الناس، لكن الله عز وجل برحمته وحتّى تسير الحياة ويكتمل نظام الحياة, رحم الناس وأعطاهم فرصة لاكمال نفوسهم وتزكيتها، يؤخر الكشف فلا يكشف حقائقي أمام الناس ولا يكشف حقائق الناس أمامي.
وعلى هذا فماذا سيكون التكليف؟
الذي يريد أن يعدّ نفسه من الآن لزمن الحقائق عليه أن يبدأ من الآن بتصفية شؤونه وأموره، وتعديل أوضاعه بشكل إذا جاء وقت الحقيقة ووصل وقت الصدق لا ينكشف أو ينفضح يكون هو كما هو، كما أنا الآن أكون في ذلك الزمن دون أيّة فضيحة أو مشكلة، الإمام عليه السلام حينما يخرج (الروايات تقول): أنه ينتزع بعض الأملاك من الناس (يقول: هذا ليس بيتك أخرج منه) فيعيد الأملاك والحقوق إلى أصحابها الحقيقيين حتّى إذا اشتريت بها الدور.(3)
فالإنسان لا بدّ من الآن أن يعد نفسه ليحل عليه الظهور ويكون من السعداء بالإمام لا من الأشقياء بالإمام، ونكون على يقين أننا ذووا صفحات بيضاء نستطيع بها أن نقابل الإمام عليه السلام ونقول يا مولانا نحن منتظرون ونحن سعداء بظهورك ونحن في خدمتك، فلماذا أعيش الزيف إلى أن يظهر الإمام ويرجعني إلى حجمي الطبيعي فتكون هناك الفضيحة والهتك. قد يُطرد الإنسان من حضرة الإمام عليه السلام لأنه مدّعي
متطلبات زمن الظهور:
هناك أمور معينة عليه أن يلتزم بها:
أوّلاً: الصدق مع النفس:
عليه أن يكون صادقاً مع نفسه وأن لا يدعي لنفسه باطلاً، والإنسان الصادق مع نفسه سعيد وليس للاضطراب إلى قلبه سبيل، سعيد مع نفسه، سعيد مع الآخرين، يحترمه الناس. الإنسان الذي لا يعطي لنفسه أكبر من حجمها إنسانٌ محترم، مُحِب ومحبوب من قبل الناس.
ثانياً: التفقه:
ترويض النفس على أحكام الله عز وجل، الفقه عندنا مسألة جداً مهمة، هذا الفقه الذي نعتبره أعظم تراث ورثناه من أهل البيت عليهم السلام وأغلى جوهرة ورثناها من الأئمّة الأطهار عليهم السلام فقه تعب عليه الأئمّة عليهم السلام، وتوارثه أصحابهم وقتلوا من أجله، استشهد عشرات، بل مئات من أجل أن تكتب صفحة، في سبيل أن يُؤلف كتاب في الفقه، وما سيرة الشهيد الأوّل والثاني (رضي الله عنهما) ببعيدة عنا، صاحب اللمعة وشارح اللمعة _ كتاب اللمعة الفقهي _ كلاهما شهيدان من شهداء هذا الطريق، الفقه الذي بين أيدينا لا تتصور أنه مسألة سهلة، ينبغي أن يعطي قيمة لكل حكم شرعي والذي هو في الواقع تراث السماء.
من الأمور التي تُعين على التهيؤ لزمن الظهور وأن يكون الإنسان في ذلك الزمن إنساناً سوياً ومقبولاً عند الإمام عليه السلام أن يكون متفقهاً في دينه، ليس بمعنى أن يكون مجتهداً، لا، بل أن تكون المرأة عارفة بأحكامها، والرجل عارفاً بأحكام عمله وجملة ابتلاءاته
ثالثاً: البصيرة الكاملة:
الأمر الآخر الذي يجعله مهيأ بشكل كامل لزمن الظهور: العقيدة الصريحة والواضحة، والبصيرة الكاملة، لو جاء الإنسان في زمن الظهور وعقائده متزلزلة وغير ثابتة، ولم يدرس العقائد بشكل كاف، وما تعرف على مقامات الأئمّة الأطهار عليهم السلام بشكل كاف، فإنه قد يقع في بلاء.
قد يأتي ويرى الإمام عليه السلام يحكم بحكم فيعترض على الإمام، فيقدّمه الإمام ويضرب رأسه، الناس إذا لم تكن عقائدها كاملة بأهل البيت عليهم السلام سيُمتحنون امتحانات عسيرة، في بعض هذه الامتحانات قد يسقطون
الظهور مرحلة العمل الجاد لا النعيم فقط:
مرحلة الظهور هي أيضاً مرحلة المهام والمسؤوليات الجسام، فالمسألة ليست فقط أن نمني أنفسنا برخاء زمن الظهور ونعيم ذلك الزمن، لا بل هناك مسؤوليات تترتب علينا. مسؤوليات تترتب على المؤمنين، بالأخص وكما تعلمون أن الإمام سيتولى شأن العالم، لكن هذا حينما يظهر ويبدأ بالتدريج بمسح الكفر ونشر الإسلام، جيوش وقتال، عمل دؤوب، إرسال الناس إلى أطراف البلاد، تعليم، يعني هل نتصور أن الصين مثلا ستدخل في طاعة الإمام وأنهم سيصبحون في ليلة واحدة عارفين بأحكام الله ومطيعين وقارئين للقرآن؟ إنهم يحتاجون إلى من يعلمهم وإلى من يرشدهم. الإمام إذا أراد مجموعة من النساء المؤمنات لتعليم نساء بلد ما فإنه يُرسل إليهنّ امرأة، لكن ليست امرأة جاهلة ليس لها معرفة بالأمور الشرعية, أبداً، نعم الإمام يستطيع بمعجزة أن يحوّلها إلى عالمة, هذا ممكن، إلاّ أن الأمور لا تجري بالمعاجز دائماً. الإمام إذا رأى طبقة من النساء واعية متمسكة بعقيدتها حريصة على خدمة الإسلام فأوّل ما يكلّفها هي، يرتضيها. فتكون النساء حينئذ الجند الثقافي للإمام في نشر الوعي بين نساء العالم.
على هذا ينبغي علينا نحن كنخبة شيعية تحمل هذا الهم وتحمل أهمية المرحلة وتعرف قدر المرحلة أن تتهيأ لهذه المسؤوليات الجسام. فالقضية ليست قضية سيف فقط، فالسيف للظلمة، وللمعاندين ولمن لا يقبل الدين ولمن يقف بوجه المهدي، أما الحركة الثقافية التي علينا أن ننشأها في ذلك الوقت بإمرة الإمام المهدي عليه السلام حركة فكرية تحتاج إلى كفاءات وإلى مستويات، وهذا ما يرتب علينا هذه المسؤولية بأن نعد أنفسنا ثقافياً وفكرياً وعقائدياً لتحمل هذه المسؤوليات الجسام.
قصة هارون المكي:
نأتي بمثل من التاريخ:
في الرواية أنه دخل سهل بن حسن الخراساني على الإمام الصادق عليه السلام فسلم عليه ثمّ جلس، فقال له: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكم الرأفة والرحمة وأنتم أهل بيت الإمامة، مالذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف؟ فقال له عليه السلام: اجلس يا خراساني.. ثمّ قال: يا حنفية اسجري التنور، فسجرته حتّى صار كالحمرة.. ثمّ قال: يا خراساني قم فاجلس في التنور، فقال الخراساني: يا سيدي يا بن رسول الله لا تعذبني بالنار أقلني أقالك الله، قال: قد أقلتك، فبينا هم كذلك إذ أقبل (هارون المكي) ونعله في سبابته..، فقال له الصادق عليه السلام: ألق النعل من يدك واجلس في التنور. فألقى النعل وجلس في التنور، وأقبل الإمام يحدّث الخراساني حديث خراسان.. ثمّ قال: قم يا خراساني وانظر ما في التنور. قال: فقمت إليه فرأيته متربعاً، فخرج إلينا وسلم علينا، فقال الإمام: كم تجد يا خراساني بخراسان مثل هذا؟ فقلت: والله ولا واحداً. فقال الإمام عليه السلام: لا والله ولا واحد، أما إنّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت.(6)
أهلية لقاء الإمام عليه السلام:
المسألة الأخيرة التي نذكرها في الإعداد الروحي للنفس في استقبال مرحلة الظهور هي: مسألة أننا سنكون في ذلك الوقت وجهاً لوجه مع المعصوم، الآن نحن محرومون من النظر إلى وجهه الشريف، محرومون من سماع صوته مباشرة وكلامه، لا نستطيع تداول الكلام معه والجلوس إليه، لكن هذا سيرتفع في ذلك الوقت، سيكون هذا كله ممكناً بالنسبة للمؤمنين.
فعلينا كمؤمنين أن نهيئ أنفسنا لذلك اللقاء. اللقاء الذي يتمناه كل مؤمن، اللقاء الذي بكى من أجله المئات، بل الملايين من المؤمنين منذ أكثر من ألف سنة، وتهجَّدوا في ليلهم ونهارهم حتّى يتشرفوا بنظرة واحدة إلى إمامهم عليه السلام، ضعف نفوسنا من الموانع، في الواقع الإنسان عليه أن يتيقن أن لقاء الإمام عليه السلام ليس أمراً هيّناً وسهلاً، هناك علماء أجلّة وُفّقوا للقاء الإمام فأغمي عليهم من نور وجهه الشريف، فما بال الإنسان في زمن الظهور يجلس مع الإمام ويتحدّث معه، أيّ قابلية هذه يجب أن تتوفر فينا حتّى نحظى بهذا الشرف؟ يقولون ان هناك سنخية إذا حصلت يمكن لأحد أن يجالس أحداً، أما إذا كان هناك تباين تام فلن يكون الاجتماع وارداً.
المسانخة ضرورية ولو بنسبة معينة، إذا استطاع الإنسان أن يوفّر لنفسه نسبة من الطهارة ودرجة من القرب إلى الله عز وجل يكون قد أعد نفسه لذلك اللقاء الفريد. نحن الآن أحياء وما ندري ماذا سيكون بعد دقائق أو بعد أيّام، الله مَنَّ علينا بالحياة وفي هذه اللحظات في هذا الشهر المبارك رمضان شهر الخير وشهر البركة من عام 1426 للهجرة المباركة وجعلنا من أهل كرامته، هذه فرصة من حصل عليها فهو السعيد، ومن أضاعها فهو الغافل الخاسر.
نسأل الله أن يجعلنا من الذين أعدّهم الله خداماً وجنوداً لإمامنا عليه السلام، وممن وفّقهم لصيام هذا الشهر وقيامه وتلاوة كتابه فيه، ببركة محمّد وآله الطاهرين.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
نسألكم صالح الدعاء اختكم وخادمتكم / قمري فاطمة والمهدي
__________________
المهـدي تـاج رأسي
|