26-03-2010, 03:51 PM
|
#21
|
:: مديرة المنتدي & سما الأبداع :: نذرت للحسين حياتي ::
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الدولة: العراق / الكاظمية المقدسة
العمر: 38
المشاركات: 4,072
معدل تقييم المستوى: 20
|
رد: سيدة عش آل محمد
9 ـ معجزاتها وكراماتها
فرق بعض بين المعجزة والكرامة بأن المعجزة تختص بالانبياء ، والكرامة بالاولياء .
وفرق آخرون بينهما بأن المعجزة هي ما ظهرت على وجه التحدي ، والكرامة ما ليس فيها تحد .
والظاهر أنه لا فرق بينهما ، والشاهد على ذلك أنه ربما يأتي الولي بما يأتي به النبي من المعجزة ، كشفاء المرضى .
فلماذا تسمى إحداهما معجزة ، والأخرى كرامة ؟ !
وقد يأتي النبي بمعجزة ليس فيها تحدي ، ولم نقرأ أو نسمع أحداًَ سماها كرامة .
فيبدو أن كلمة ( كرامة ) ليست سوى إصطلاحاً مخترعاً (1) ، ولا تفترق عن المعجزة في معناها .
فما هي المعجزة ؟ ولماذا يؤتى بها ؟
المعجز في اللغة عبارة عمّا يعجز الغير ، كالمقدر فإنّه عبارة عمن يجعل الغير قادراً .
« وأما في العُرف : فهو الخارق للعادة ، الذي يظهر من جهة الله تعالى ، الدّال على صدق من ظهر عليه » (2) .
____________
(1) ولعلها من مخترعات الصوفية ، نحلوها أولياءهم ، ثم تسربت منهم إلى غيرهم .
(2) المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد : ص 384 .
1 ـ فهو خارق للعادة ، فلا يشمل الحيل والسحر وما أشبه من وسائل التلبيس والتمويه ، إذ هي ليست خرقا للعادة ، وإنما المعجز هو كل ما كان ممتنعاً عادة ممكناً ذاتاً ، كطلوع الشمس من المغرب ، والخلق من غير ذكر وأنثى ، إذ لم تجر العادة بطلوع الشمس من المغرب ، ولا بخلق ولد من غير ذكر وأنثى .
وقد يهب الله تعالى لأحد ما قدرة ليست موجودة عند عامة الناس فيتوهم أنّها خارقة للعادة ، كالتي ادعت النبوة (1) ، واتخذت من قدرة إبصارها القوية لتوهم الناس بنزول الوحي عليها ، فقد كانت حادة البصر بحيث ترى لمسافة ثلاثة أيام من الطريق ، فترى القافلة والأشخاص التي فيها ، تخبر الناس بمجيئهم بعد ثلاثة أيام ، وتخبرهم بما معهم من المتاع .
فهذا ليس إعجازاً وخرقا للعادة ، وإن كانت العادة أن الإنسان لا يرى إلى هذه المسافة ، ولكن يمكن ذلك إذا امتلك قدرة حادة على الإبصار ، كالقدرة التي كانت عند هذه المرأة .
ولزيادة إيهام الناس إتخذت من شبيب بن ربعي مؤذناً لها ، إذ كان يسمع نداؤه على بعد فرسخ .
وهذا العباس بن عبد المطلب كان يسمع نداؤه على بعد ثمانية أميال (2) ، ولذا كان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في بعض المواطن ، يطلب من عمه العبّاس أن يعينه بصوته .
____________
(1) وهي سجاح التميمية ، مثل قولك حذام .
(2) عيون الأخبار ـ لابن قتيبة ـ : ج1 ص 186 .
وإلى غير ذلك من أمثال هذه القدرات مما يظن أنها من خوارق العادات .
بل إن الله تعالى قد أودع أمثال هذه القدرات في بعض الحيوانات .
هل رأيت النسور كيف تحلق في السماء فترى فريستها على أبعاد شاهقة قد تبلغ مئات الأقدام ؟ (1) .
أم هل رأيت النعام كيف يبتلع الجمر ولا يبالي ؟ (2) .
أم هل سمعت أو رأيت السمندل كيف يدخل النار فلا تحرقه ؟ (3) .
أليس كل ذلك وكثير من أمثاله مما يعد في بادىء الرأي أنّه خرق للنواميس ، مع أنّه واقع محسوس ، ومعاين مشهود ؟
2 ـ وهذا الخارق للعادة يجب أن يكون من جهة الله تعالى ، (وما كان لرسول أن يأتي بآية (4) إلا بإذن الله ) (5) .
فقد يؤتى بأمر خارق للعادة ولكنّه ليس من قبل الله تعالى .
كخوارق العادات التي يأتي بها المرتاضون على أثر تقوية النفس بالرياضة والزهد في الدنيا ، والكف عن الملاذ من ا المآكل والمشارب والمناكح والملابس .
____________
(1) في سبيل موسوعة علمية : ص 178 .
(2) حياة الحيوان الكبرى : ج2 ص 363 .
(3) المعجم الزولوجي الحديث : ج3 ص 439 ، وحياة الحيوان الكبرى : ج1 ص 573 .
(4) بآية : أي بمعجزة .
(5) سورة غافر : الآية 78 .
وهؤلاء لاحظ لهم في الدين ولا ثواب ، إذ هكذا رياضات تخالف جوهر الدين ، وإنما الرياضة الروحية الوحيدة في الإسلام هي التقوى ، يعني عدم اتباع هوى النفس ، والعمل على طبق الأوامر الإلهية ، فبالتقوى تسعو وتقوى الروح ، وترتقي مدارج الكمال ، فتكون مورد العناية الربانية .
3 ـ وقد يكون الأمر خارقا للعادة ، ويكون من قبل الله تعالى ، ولكنه ليس على وجه يبين صدق دعوى المدعي ، بل يأتي تكذيباً لما ادعاه .
مثل ما روي أنه قيل لمسيلمة الكذاب (1) : إن محمداً [ صلّى الله عليه وآله وسلم ] تفل في بئر فكثر الله ماءه القليل ، فاتفل أنت في بئر قليل الماء ! !
فتفل فغار ما كان فيه من الماء .
وقيل له أيضاً : إن محمداً [ صلّى الله عليه وآله وسلم ] دعا لأعور فرد الله عينه الأخرى إليه ، فافعل أنت مثله ! !
فدعا لأعور فذهبت عينه الأخرى الصحيحة (2) .
فهذه وإن كانت خرقا للعادة ، ومن قبله تعالى ، ولكنّها نقيض ما التمسه مسيلمة المدعي للنبوة ، وذلك مبالغة في تكذيبه وتقريراً لنبوة نبيا ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وتصديقاً له .
فالمعجز إنّما يدل على صدق دعوى تطابقه ، فإن ادعى مدع
____________
(1) الذي ادعى النبوة في زمان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
(2) المنقذ من التقليد والمرشد إلى التوحيد : ص 413 .
النبوة فالمعجز دال على نبوته ، وإن ادعى الإمامة فهو دال على إمامته ، وإن ادعى صلاحاً وعفة وفضلاً دلّ على صدقه في ذلك (1) .
فالمعجز يظهر على الأولياء كما يظهر على الأنبياء .
ذلكم القرآن الكريم شاهد صدق على ذلك ، فقد ذكر أمثلة متعددة لذلك ، كحمل السيدة مريم بلا دنس ، وكقصة أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم أكثر من ثلاثمائة سنة ، وإتيان آصف بن برخيا بعرش بلبقيس حيث قال لسليمان النبي ( عليه السلام ) ( أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك . . . ) (2) وما إلى ذلك من خوارق العادات التي صدرت من غير الأنبياء ، وجاء ذكرها في القرآن المجيد وسائر الكتب السماوية .
الخلاصة :
إن المعجزة « فعل ربوبي ، وآية إلهية ، وحجة قاطعة ، يعجز عنها البشر ، وتنحط دونها القوى والقدر وتنحسم بها بواعث الشك والإرتياب ، وعوابث الوسوسة والإضطراب » (3) .
وبعد أن عرفنا المعجزة وشرائطها ، وكيف نميز بينها وبين ما ليس بمعجز ، بعد هذا كله يأتي السؤال التالي :
لماذا أعطى الله تعالى المعجزة لأنبيائه وأوليائه ؟
هذا أبو بصير أحد أصحاب سيدنا ومولانا الإمام الصادق ( عليه
____________
(1) الذخيرة في علم الكلام : ص 322 .
(2) سورة النمل ، الآية (40) .
(3) الدين والإسلام : ج 2 ص 275 .
السلام ) يسأل من الإمام عن سبب إعطاء الله تعالى المعجزة لهم وللأنبياء .
قال : قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ) لأي علّة أعطى الله عز وجل أنبياءه ورسله ، وأعطاكم المعجزة ؟ (1) .
فقال : ليكون دليلاً على صدق من أتى به ؟
والمعجزة علامة الله لا يعطيها إلا أنبياءه ورسله وحججه ، ليعرف به صدق الصادق [ من كذب الكاذب ] » (2) .
فيؤيد الله سبحانه وتعالى أولياءه والصالحين من عباده بالمعجزة ، تصديقا لهم ، وإصحاراً بحقيقة أمرهم ، وحثا للملأ على اقتفاء آثارهم .
والتعجب من هذه الخوارق والمعاجز أو الإستنكار لها ، إنّما هو بسبب غرابتها عن المشاهدة والمألوف .
ولكن لا تلبث أن تنفشع سحابة الغرابة إذا عرفنا أن هؤلاء بالطاعة اكتسبوا رضى الخالق عز وجل ، فخلق الأشياء لأجلهم ، وتحت تصرفهم ، فوهبهم الدنيا والآخرة .
ففي الحديث القدسي : « عبدي ! خلقت الأشياء لأجلك ،
____________
(1) ملاحظة حول تسمية الخوارق بالمعجزة أو الكرامة : جاء في كلام : جاء في كلام أبي بصير : « وأعطاكم المعجزة » ، فيشمل لفظ المعجزة الأنبياء والأئمة ( عليهم السلام ) ، ولم يرده الإمام بأن المعجزة تختص بالأنبياء فقط ، والكرامة لغيرهم . فتقرير الإمام دليل آخر على أن المعجزة لا تختص بالأنبياء .
(2) علل الشرائع : ج1 ص 122 ح1 .
وخلقتك لاجلي . وهبتك الدنيا بالإحسان ، والآخر بالإيمان » (1) .
كما و « إن لله عباداً أطاعوه فيما أراد ، فأطاعهم فيما أرادوا ، يقولون للشيء كن فيكون » (1) .
وفي حديث قدسي ثالث :
« يابن آدم ! . . .
أنا أقول للشيء كن فيكون . أطعني فيما أمرتك ، أجعلك تقول للشيء كن فيكون » (3) .
وفي حديث قدسي آخر :
« عبدي ! أطعني أجعلك مثلي . . . أنا مهما أشاء يكون ، أجعلك مهما تشاء يكون » (4) .
فمفتاح ظهور هذه المعاجز على العباد هو الطاعة التامة لله وحده وحينئذ لا يبقى مجال لأي تعجب أو إستغراب .
ومن تلك المعاجز مانراه عند مشاهد أهل بيت العصمة والطهارة ، وقباب وأضرحة أولادهم وذراريهم ( عليهم السلام ) .
ومن سيدات ذلك البيت الطاهر ، والمنبع الزاكي ، سيدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة ( عليها السلام ) ، حيث نجد حرمها الشريف مزدلف أرباب الحوائج ، ومأوى كل مهموم ومغموم ، وحمى كل مستجير ومضطهد .
____________
(1) الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسية : ص 361 .
(2) المصدر السابق : ص 361 .
(3) المصدر السابق : ص 363 .
(4) المصدر نفسه : ص 361 .
فلا ينكفىء المحتاج إلا ثلج الفؤاد ، ولا يرجع القاصد إلا قرير العين ، ولا يلبث المريض إلا وقد شفي .
|
|
|