في حين ذكر تفسير القمّي أن الدخول الأول للمسجد هو من قبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه وعلي (عليه السلام)، وهو دخول مكة وفتحها المؤذن ببداية نصرٍ على الأعداء - بما فيهم اليهود المفسدون في الافساد الأول - وانتشار للإسلام في الجزيرة العربية مقدّمة للانتشار في العالم.
وكذلك سيكون دخول الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأصحابه إلى المسجد الحرام عند بداية الظهور المبارك له مقدمة حاسمة للقضاء على أعداء الدين وعلى رأسهم اليهود، وبما سيتبعه من إعادة الدين والحق والعدل في المنطقة الإسلامية والعالم، كالدخول الأول، لأن الإمام وأصحابه المعاقِبين لبني إسرائيل في إفسادهم الثاني هم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام علي (عليه السلام) وأصحابه المعاقبين لليهود في إفسادهم الأول.
وهكذا تكون الآيات الكريمة المحذّرة لليهود في زمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والكاشفة لهم وللمسلمين وقوع الإفساد الكبير منهم مرّتين، وأن الله أخبرهم بذلك في التوراة أو في القرآن الكريم في مكة المكرمة، كاشفاً سير الأحداث ومبيّناً ما سيحلّ بهم أيام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلى يديه ويدي الإمام علي (عليه السلام) والأصحاب، وما سيحلّ بهم أيام ولده ووصيّه الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان عند إفسادهم الثاني المبني على كثرتهم النسبيّة وسيطرتهم على المال والاقتصاد العالمي وأيضاً حصولهم على الدعم الغربي الواسع في قِبال المسلمين.
أمّا قوله تعالى في آخر آيات البحث:
﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً﴾.
فالظاهر أنه يشير إلى مرحلة ما بعد العقوبة الربّانية على الإفساد الثاني لبني إسرائيل على يد الإمام المنتظر (عجَّل الله فرجه) وأصحابه، حيث سينجو ويبقى المسالمون منهم، ويقوم الإمام (عجَّل الله فرجه) بهدايتهم ومحاججتهم بالتوراة الصحيحة، ويساعد الإمام (عجَّل الله فرجه) في هدايتهم وهداية المسيحيين نبي الله عيسى (عليه السلام) بعد نزوله من السماء إلى الأرض لهدايتهم، فيكون لهم قوله تعالى: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ بهدايتكم.
ثم يتوعدهم الله (عزَّ وجلَّ) بعقوبة أخرى إن قاموا بإفسادٍ آخر بعد الإفساد الثاني بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً﴾.
والحمد لله رَبِّ العالمين
من مجلة الموعود العدد -10
السيد باسم الصافي
الهوامش:
(١) ثواب الأعمال للصدوق: ٣٩٩.
(٢) كامل الزيارات - جعفر بن محمد بن قولويه: ٥٤١.
(٣) كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري: ٨.
(٤) تفسير البغوي ٢: ٢٨٤ - ٢٨٥؛ وتفسير الآلوسي ١٠: ٨٢.
(٥) البداية والنهاية لابن كثير ٢، فصل في خروجه (عليه السلام) مع عمّه أبي طالب إلى الشام.
(٦) التبيان - الشيخ الطوسي ٦: ٤٤٨.
(٧) تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي ٢: ٣٦٠؛ والكشاف للزمخشري ٢: ٤٣٨.
(٨) التبيان - الشيخ الطوسي ٦: ٤٤٨.
(٩) نبوخذ نصر كان أعظم ملوك الكلدانيين، وملك في بابل من سنة ٦٠٤ إلى سنة ٥٦١ ق م، وقد وصف بالقوة والبأس، وعدّ من أبطال التاريخ في الشرق، وجاء ذكره في التوراة كثيراً لأنه عاقب الأُمم الغربية عقاباً شديداً، وهاجم اليهود - سكان مملكة يهوذا الصغيرة - هجوماً صاعقاً بعد أن أجلى أكثرهم إلى بابل ودمَّر عاصمتهم أورشليم تدميراً شديداً. [التوحيد - المفضل بن عمر الجعفي، هامش ص١١٥].
(١٠) تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ١٣: ٣٩.
(١١) تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ١٣: ٤١.
(١٢) تفسير علي بن إبراهيم ٢: ١١٤.
(١٣) تفسير القمي ١: مقدمة المصحح ١٥.
(١٤) معجم رجال الحديث ١٢: ٢١٢.