عرض مشاركة واحدة
قديم 16-10-2023, 07:12 AM   #2
yasmin
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية yasmin
 
تاريخ التسجيل: Sep 2017
المشاركات: 227
معدل تقييم المستوى: 12
yasmin will become famous soon enoughyasmin will become famous soon enough
افتراضي رد: لَتُفْسِدُنَّ.. مرّتين



الإفسادان:
إن الآيات الكريمة في بداية البحث تذكر إفسادين كبيرين لليهود قادمين في مستقبل الأيام بعد الإخبار، مع توعّد الله (عزَّ وجلَّ) لهم بالإفشال والعقوبة الإلهية لهم فيهما، قال الله تعالى:
﴿وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مرّتين وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾.
قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسرائيل﴾ أي أعلمناهم وأخبرناهم بما سيحصل - كما ذكر بعض المفسرين(٦) - ﴿فِي الكِتَابِ﴾ وهو القرآن الكريم - أو التوراة كما ذكر البعض(٧) - أنكم ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مرّتين وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ وهذا سيكون زمنياً بعد نزول سورة الإسراء في مكة إذا كان الإخبار ﴿فِي الكِتَابِ﴾ يراد منه القرآن الكريم - كما هو الأقرب -، أمّا إذا كان المراد من ﴿الكِتَابِ﴾ التوراة فيصدق أيضاً كإخبارٍ متقدّم منذ زمن موسى (عليه السلام) والمراد به زمن النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقرينة المعاقِبين الذين ذكرهم الله (عزَّ وجلَّ) في الآيات الكريمة كما سيأتي ذلك في تفسير القمّي.
لقد ذكر المفسّرون آراءً عديدة في تفسير الإفسادين لبني إسرائيل والعقوبتين فيهما والمعاقِبين، وفي ما ذكروا اختلاف وتضارب وإشكالات، ومن أشهر ما أوردوا(٨) السبي الذي تعرّض له بنو إسرائيل على يد الملك نبوخذ نصّر(٩).
وتوقّف بعضهم في تطبيق وصف الله تعالى عليه وعلى جنده بقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا﴾ وهو ليس من المؤمنين، وحاول الإجابة عن ذلك(١٠) بأنه مجازاة وتسليط للكفار على أمثالهم، كما وذكر بعضهم أن الإفسادين يتعلقان ببيت المقدس والمسجد الأقصى(١١).
وقد ورد في تفسير القمّي تفسيرٌ تطبيقيٌّ عامٌّ لآيات البحث، إلّا أن في جزءٍ من هذا التفسير ما يشير إلى أن العقوبة الأولى كانت على يد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه وعلي (عليه السلام)، والعقوبة الثانية على يد القائم (عجَّل الله فرجه) وأصحابه.
قال علي بن إبراهيم القمّي في مقطع من تفسيره للآيات: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ﴾ يعني القائم وأصحابه ﴿لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ﴾ يعني يسوّدون وجوههم ﴿وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ يعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه وأمير المؤمنين (عليه السلام) ﴿وَلِيُتَبِّرُوا﴾ أي يهلكوا علوّهم وطغيانهم(١٢).
وقبل مناقشة ذلك نشير إلى أهميّة تفسير علي بن إبراهيم القمّي فيما أورد من روايات تفسيرية، وكذلك فيما ذكر من مقاطع تفسيرية للآيات تنطق عموماً عن الروايات - وإن كنّا لم نعتمد ما أورده في تفسير هذه الآيات كاملاً، بل اكتفينا بما نعتقده دقيقاً في تفسيرها - حيث قيل فيه وفي تفسيره:
١ - إن هذا التفسير أصلُ أصولٍ للتفاسير الكثيرة.
٢ - إن رواياته مرويّة عن الصادقين (عليهما السلام) مع قلّة الوسائط والإسناد....
٣ - مؤلّفه كان في زمن الإمام العسكري (عليه السلام).
٤ - أبوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابياً للإمام الرضا (عليه السلام).
٥ - إن فيه علماً جمّاً من فضائل أهل البيت ݜ التي سعى أعداؤهم لإخراجها من القرآن الكريم.
٦ - إنه متكفّل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يُفهم مُرادها تماماً إلّا بمعونة إرشاد أهل البيت ݜ التالين للقرآن(١٣).
وقال السيد الخوئي (قدس سره) عن المؤلّف في مُعجم رجاله: علي بن إبراهيم بن هاشم: قال النجاشي: (علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن القمي، ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع فأكثر وصنّف كتباً، وأضرّ في وسط عمره. وله كتاب التفسير.(١٤).
المناقشة:
إن الإفسادين المذكورين هما من علم الغيب الذي قضاه الله (عزَّ وجلَّ) إعلاماً لبني إسرائيل في الكتاب، وهو التوراة - كما قيل - أو القرآن الكريم وهو الأظهر، وأخبرهم بسابق علمه بما سيفعلونه من إفسادين في الأرض كبيرين، وبما أعدّ لهم من عقابين كبيرين أيضاً.
ومع ملاحظة عموم الفساد والإفساد في تاريخ بني إسرائيل يكون هذان الإفسادان كبيرين وليسا من الذنوب والمعاصي الفردية والجماعية العامة الشائعة في حياتهم، ويكون أثرهما التخريبي في أعلى درجات الضرر الشامل، كأن يكون محاربة لرسولٍ لله في بعثته أو وصيٍّ لرسول، ومنعاً للهداية العامة للناس، وصدّاً كبيراً عن سبيل الله تعالى، فما هاذان الإفسادان؟
الإفساد الأول:
إن لمعرفة هذا الإفساد لبني إسرائيل المذكور في الآية الكريمة والعقوبة الموعودة، علينا تشخيص تاريخه وطبيعته وملاحظة ما حملته الآية الكريمة من إشاراتٍ وأوصافٍ للمعاقِبين لهم، فنقول:
أولاً: أن هذا الوصف للإفساد الأول وعقوبته لا يمكن أن ينطبق في تاريخ اليهود على محاربتهم لنبي الله زكريا أو يحيى أو عيسى ݜ - إن كان المراد بالكتاب التوراة - وذلك لعدم تحقق العقوبة الموعودة على الإفساد الأول المذكورة في قوله تعالى:
﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾.
فبعد محاربتهم لزكريا ويحيى (عليهما السلام)، وأيضاً لعيسى (عليه السلام) ومحاكمته وصلبه بزعمهم استمرّوا في حياتهم وشأنهم من دون عقوبة كبرى يُجاس فيها خلال ديارهم، ممّا يجعل ذلك بعيداً عن تأويل وتطبيق الآية الكريمة.
ثانياً: ينطبق الوصف المذكور للإفساد الأول وبوضوح على تصدّي اليهود لبعثة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودولته في المدينة المنورة - فضلاً عن ترصّدهم لولادته ومحاولة قتله في أول حياته لما كانوا يعرفون من علامات زمانه ووقت ولادته - فإن الآيات الكريمات مورد البحث هن من سورة الإسراء المكّية فيكون الإفسادان في الزمن اللاحق ما بعد نزولها.
إن الإفساد الأول كان تحالفهم مع المشركين والمنافقين في المدينة المنورة للقضاء على الرسالة الإسلامية بالأكاذيب والتكذيب والتصدّي العقائدي والنفسي.
وكان أخطرها الخيانة العسكرية عندما تعاونوا مع المشركين في معركة الأحزاب الكبيرة متآمرين ومخالفين في ذلك العهود والمواثيق التي قطعوها مع النبي(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الدفاع المشترك عن المدينة وأهلها.
وقد قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام علي (عليه السلام) والأصحاب بالقضاء على فتنتهم وطردهم من المدينة بعد غدرهم الفاضح ذاك ونقضهم المعاهدة بتحالفهم مع المشركين ومساندتهم لهم في معركة الخندق الكبيرة.
ثالثاً: أن من القرائن على صحّة ما ذكرناه من تشخيص للإفساد الأول وعقوبته وأن المبعوثين لمعاقبة بني إسرائيل حينها هم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام علي (عليه السلام) والأصحاب قوله تعالى في العقوبة: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ﴾ حيث إن البعث - بمعنى من يرسله الله تعالى من العباد لأمرٍ- ورد في القرآن الكريم في الأعم الأغلب في ما يكون فيه المبعوث نبياً أو وصياً، كقوله تعالى:
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالبَيِّنَاتِ﴾ (يونس: ٧٤).
﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا﴾ (يونس: ٧٥).
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً﴾ (النحل: ٣٦).
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً﴾ (الفرقان: ٥١).
﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ (البقرة: ٢١٣).
﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ (آل عمران: ١٦٤).
رابعاً: ويؤيد التفسير المذكور أيضاً في أن المبعوثين لعقوبة بني إسرائيل في الإفسادين هم نبي أو وصي، قوله تعالى في آية البحث: ﴿عِبَاداً لَنَا﴾.
فكثيراً ما ورد الوصف لأنبياء الله (عزَّ وجلَّ) وأوصيائهم بنسبتهم ونسبة عبوديتهم لله (عزَّ وجلَّ) كقوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠٥).
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً﴾ (الفرقان: ٦٣).
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ﴾ (الصافات: ١٧١).
﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ﴾ (ص: ٤٥).
وبالتالي يكون الأقرب في التطبيق والتأويل في قوله تعالى في وصف المعاقِبين: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا﴾ أنهم بإمرة نبي أو وصي وتحت راية حق، وهم هنا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه وعلي (عليه السلام).
yasmin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس