عرض مشاركة واحدة
قديم 05-10-2023, 07:08 AM   #3
yasmin
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية yasmin
 
تاريخ التسجيل: Sep 2017
المشاركات: 227
معدل تقييم المستوى: 12
yasmin will become famous soon enoughyasmin will become famous soon enough
افتراضي رد: صلح الإمام الحسن عليه السلام الأسباب.. الأهداف





شروط الصلح
ما يذكره المؤرخون في هذا الشأن هو صحيفة كتب عليها الإمام الحسن (ع) شرطه مقابل الصلح، ولم يذكر أي من المؤرخين كل ما كتبه عليها، إنما تعرضوا لبعض ما فيها، إلا أنه يمكن أن نصل إلى عدد جيد من الشروط بتتبع المصادر والتوفيق فيما بينها، ويمكن تقسيم هذه الشروط إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الشروط المتعلقة بالحكم مثل:
1- العمل بكتاب الله وسنة نبيه (ص)(23).
2- أن يكون الأمر من بعد معاوية للحسن ثم الحسين (ع)(24).
3- أن لا يقضي بشيء دون مشورته(25).
القسم الثاني: الشروط الأمنية والاجتماعية والدينية:
1- أن لا يُشتم علياً وهو يسمع(26)، أو أن لا يذكره إلا بخير(27).
2- أن لا ينال أحداً من شيعة أبيه(ع) بمكروه(28).
3- أن لا يلاحق أحداً من أهل المدينة والحجاز والعراق مما كان في أيام أبيه(29).
4- أن لا يناله بالإساءة(30).
القسم الثالث: الشروط المالية:
1- أن لا يطالب أحداً مما أصاب أيام أبيه(31).
2- أن يعطيه خراج داربجرد فارس(32).
3- إعطاؤه ما في بيت مال الكوفة(33).
لماذا الصلح؟!!
هناك عدة نقاط جوهرية يمكن أن تشكل مجتمعة السبب الأبرز لاختيار الإمام الحسن(ع) الصلح، فالملاحظ - بناءً على ما تقدم من روايات تاريخية - هو أن حالة الفوضى واللا استقرار الاجتماعي والسياسي كانت سائدة في البلاد الواقعة تحت حكم الخلافة المركزية في الكوفة، كالبصرة ومكة والمدينة واليمن وفارس ومصر وغيرها من البقاع، هذا بخلاف الشام الواقعة تحت حكم معاوية، ومن الواضح أن لعدم الاستقرار في بلاد الخلافة الشرعية أسبابه الممتدة إلى عهد سابق وهو عهد عثمان، في حين أن الاستقرار في الشام يعود إلى وحدة الحكومة عبر سنوات؛ إذ الحكم هناك كان من نوع واحد وعلى سياق واحد لعقود ثلاثة.
والملاحظ كذلك أن الأمة بدأت تميل إلى الدعة والراحة وتخاف الحرب لأنها شهدت حروباً ثلاث في غضون أربعة أعوام، وكانت إضافة إلى تلك الحروب تعيش في ظل حكم يتميز بالعدالة الصارمة والمساواة التي لم يرض بها كثير من وجوه الأمة المؤثرين، إضافة إلى الحرب الإعلامية التي كان يشنها معاوية منذ اليوم الأول من خلافة الإمام علي(ع) والمطالبة بقتلة عثمان كورقة إعلامية، ومروراً بحرب صفين ورفع المصاحف وانتهاءً بإشاعة الخوف في صفوف قوات الإمام الحسن (ع)، والإشاعة الكاذبة بأن الإمام الحسن(ع) قد صالح قبل الصلح بفترة.
هذا إضافة إلى أن الثقل الأكبر ممن كان يعتمد عليهم الإمام علي(ع) في صراعه ضد معاوية لم يكن موجوداً في عهد الإمام الحسن(ع)، ومن الواضح أن وجود هكذا رجال يلعب دوراً بارزاً في مثل هذا الصراع.
هذه الأمور تكشف عن أن الظروف لم تكن في صالح الحرب؛ فاحتمال الانتصار العسكري كان أضعف الاحتمالين في مثل هذه الحالة، ويمكن أن نستشف هذا المعنى من قول الإمام الحسن(ع) لسليمان بن الصرد: (فوالله لو سرنا إليهم بالجبال والشجر ما شككت أنه سيظهر)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن وقوع الهزيمة في معركة كهذه هو أقوى الاحتمالات، ويمكن أن يكون له تداعيات خطيرة وانعكاسات سلبية:
أولاً: إن الهزيمة ستؤدي إلى تهديم البنية الداخلية التي شادها الإمام علي(ع) في الكوفة، حيث أن ما قام به كان حصيلة جهد سنوات قليلة من الحكم، ولم تكن هذه السنوات سنيناً طبيعية إنما كانت سنين حرب يحكمها اللااستقرار الاجتماعي، فجهود في مثل هذه الظروف وفي مدة قصيرة مهما كانت كبيرة، لا يمكن أن تكون منتجة لبنية واسعة الإطار، فجهوده(ع) كانت قد أنتجت ما يمكن أن تنتجه في مثل هذه الحالة، فخرج منها ثلة من الناس معدة بصورة جيدة.
فلو حصلت الهزيمة العسكرية لقضي على هذه الثلة، التي كانت تتجمع في قوات الإمام الحسن(ع).
هذا المعنى نجده في أكثر من كلام للإمام الحسن (ع)، فعندما لامه سليمان بن صرد الخزاعي، خاطبه قائلاً: (وأما قولك يا مذل المؤمنين، فوالله لأن تذلوا وتعانوا أحب إليّ من أن تغروا وتقتلوا)(34)، ويوم خاطب حجر - وقد كان مريداً للحرب مع معاوية -: (يا حجر ليس كل الناس تحب ما تحب ولا رأيهم كرأيك، وما فعلت إلا إبقاءً عليك)(35).
ثانياً: إن الإمامين الحسن والحسين(ع) وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على وفاة النبي(ص) كانا يمثلان المركز المحوري الذي يربط الأمة بالدين، وهذا لا يشك به أحد، فكل الشخصيات الأخرى من ناحية المؤهلات الذاتية لم تكن قادرة على أداء ما أدياه، والهزيمة ستؤدي إلى القضاء عليهما معاً؛ لأن معاوية لا يتركهما إذا انتصر، مما سيؤدي إلى ترك الأمة بدون مركزية دينية قوية.
ثالثاً: إن خلو الساحة لمعاوية - الأمر الذي سيصدر عن الحرب - يعني إبقاءه بدون رادع، مما يعني تعريض الإسلام من الناحيتين النظرية والتطبيقية لتحريف كامل، في حين أن الصلح قد أفسح المجال أمام شخصيات تردع معاوية، حيث تصدى طيلة فترة حكمه وما بعدها أشخاص لسياسته وتصرفاته؛ فقد تصدى الإمام الحسن(ع) نفسه مراراً لسب الإمام علي (ع)، وكذا حجر وعمرو بن الحمق الخزاعي وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر والأحنف بن قيس(36)، بل وموقف أهل الكوفة في عهدي المغيرة وزياد وكذلك البصرة في عهد الأخير(37)، أو موقف المدينة من تعيين يزيد خليفة، وثورة الإمام الحسين (ع)، وثورة المختار، وحركة سليمان بن صرد وغيرها..
رابعاً: كان هناك خطر خارجي كبير محدق على الحدود الشمالية للدولة الإسلامية، من جهة الرومان الذين كانوا ينوون شن هجومهم على البلاد الإسلامية، فبالحرب ستضعف الدولة الإسلامية وينهار نظام الحكم فيها سواء انتصر الإمام الحسن(ع) أم لم ينتصر؛ هذا الأمر سيعطي الرومان حافزاً لأن يعيدوا الكرة على البلاد الإسلامية خصوصاً وأنها تضم القدس الشريف وبقية البلدان التي عاش فيها السيد المسيح(ع).
أهداف مصيرية
رغم أن الصلح قد أدى إلى تولي معاوية أمور الحكم وإقصاء الإمام الحسن (ع) عنها، إلا أنه قد وفر على الإمام الحسن (ع) ما يمكن أن يخسره في حربه، كما تقدم، فقد تكون آلة الرئاسة أكثر فاعلية في الإعداد والتربية، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود طرق أخرى فيها الكثير من الفاعلية.
فالإمام علي (ع) عندما توقف عن الدخول في صراع مع الآخرين ليسترد الخلافة حفاظاً على الوجود الإسلامي، قد ترك الأمة تختار بنفسها وتكشف الحقائق وحدها حتى عادت إليه وهي مختارة ومقتنعة بكفاءته بعد أن ذاقت مرارة تولي غيره أمور الخلافة.
وبنظرة متأملة في صلح الحديبية يتضح لنا، أن في صلح الإمام الحسن أبعاداً تشابه أبعاد ذلك الصلح؛ حيث أن الرسول (ص) قد أجّل الحرب عشر سنوات وأخر فتحه للبلدان بما في ذلك مكة، ووافق على تأجيل الحرب إلى عام قادم وبدون سلاح، مع أن المشركين اشترطوا عليه إعادة كل هارب منهم.
ولهذا العمل أبعاد منها:
1- إراحة المسلمين من الحرب فترة طويلة إذا التزم المشركون بالصلح.
2- اختبار المسلمين؛ حيث أبدى جمع منهم رفضهم للصلح.
3- فضح المشركين؛ فإن بعض المسلمين قد اغتر بما يدعيه المشركون من إرادة السلم.
4- إعادة إعداد المسلمين؛ حيث أن الإعداد في حال الحرب أقل مستوى منه في حال السلم.
وبملاحظة صلح الإمام الحسن(ع) نجد أنه يتشابه في هذه الأبعاد من الناحية الجوهرية؛ فهو يحتوي وبحسب الظاهر على الأبعاد التالية:
أولاً: نقل المسلمين من وضع اللااستقرار المادي والفكري والروحي الناتج عن الحرب إلى حالة الهدوء، حتى لا تشغلهم الحرب عن التفكير في حياتهم وحركتهم ودورهم لفترة ما، وقد يكون الإمام عنى هذا عندما قال: (حتى يستريح بر ويستراح من فاجر)(38).
ثانياً: إيجاد الأرضية المناسبة لزيادة الوعي الديني لدى الجيل الذي ينشأ في فترة اللااستقرار منذ بداية الفتن، وكذا لدى الأفواج التي دخلت الإسلام في تلك الحقبة.
ثالثاً: التصدي لأعمال معاوية، وفضح نواياه وأطماعه، وإبطال إعلامه المضاد؛ مثلاً: عندما عمد إلى سن تلك السنة السيئة بسبه الإمام علي(ع)، ورواية الأحاديث المزيفة ضده، والمنع عن رواية فضائله، نجد أكثر من مسلم قد تصدى له، فقد تصدى الإمام الحسن(ع) نفسه له وكذلك فعل حجر وعمرو بن الحمق وعبد الله بن عباس وأمثالهم.
ومثلاً: في مسألة تنصيب يزيد لولاية العهد ومن ثم الحكم، نجد مواقفاً واضحة قد اتخذت حتى قبل موت معاوية، من قبل عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر والأحنف بن قيس، بل وموقف أهل المدينة(39)، كل هذا، إلى أن انتهى الأمر إلى ثورة الحسين(ع) التي زلزلت العرش الأموي. بل إن معاوية قد واجه معارضة من قبل أشخاص لم يكونوا مع الإمام الحسن(ع) من أمثال عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير(40).
رابعاً: إذا نفذ معاوية الشروط المدرجة في الصلح فسيعود الأمر للإمام للحسن أو الحسين(ع)، وأما إذا خالفها - وهو ما وقع فعلاً - فإن معاوية سيفتضح، فكثير من الأمة الإسلامية كان جاهلاً أمر معاوية أو أنهم لا يعلمون منه الأمور التي تجعلهم لا يرضون به، أو أنهم كانوا لا يتوقعون منه أن ينزل بهم ظلماً وجوراً سيتمنون معه عودة سيرة الإمام علي(ع) وشدته في الحق وحرصه على إقامة موازين القسط. إن معاوية في فترة حكمه قد عرض نفسه للفضيحة، منذ اليوم الأول وحتى تنصيب يزيد واستشهاد الإمام الحسين(ع)، وأوضح للأمة بسلوكه وسياسته أن الحرب كانت سبيلاً للقضاء عليه وعلى ظلمه، فقد عرض معاوية المسلمين للظلم والاضطهاد عندما سلط على أهل الكوفة زياداً فقتل منهم الكثير(41)، وعندما سلطه على أهل البصرة، حيث أن زياداً قد ترك على أهلها بسر بن ارطأة فقتل وفي أيام قليلة آلافاً(42)، وكذلك أهل المدينة عندما نصب عليهم يزيداً وغير ذلك(43)، فإن هذه الأعمال شكلت تصوراً جديداً للأمة تمثل في ضرورة القضاء على حكم معاوية وإعادة سيرة الإمام علي(ع).
كما أن سبايا كربلاء عندما دخلوا الشام قد أوجدوا هناك أرضية جيدة لفضح معاوية.
من هنا يلاحظ أن الحسن البصري في وصفه لمعاوية يقول: (أربع خصال كن في معاوية؛ لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة، انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضل، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً.. وادعاؤه زياداً.. وقتله حجراً - ويلاً له من حجر وأصحاب حجر- مرتين)(44)، هذا الفهم والإطلاع على حقيقة معاوية لم يكن واضحاً وكاملاً لو لم يتسلم سدة الحكم.
هذا فضلاً عن خطاب معاوية المشهور بعد الصلح في الكوفة حيث روي أنه قال: (إني لم أقاتلكم لتصوموا وتصلوا، بل قاتلتكم لأتأمر عليكم)، وروي كذلك أنه قال: (إن كل شيء أعطيته للحسن تحت قدمي هاتين)(45).
بناءاً على هذا فإن الصلح كان ضرورة مرحلية ومقدمة أساسية لإعداد آلية عمل جديدة، قد تنتهي إلى استرداد الحكم أو إلى المنع من تدمير الإسلام، بعد أن يكون معاوية قد افتضح تماماً ولم يبق أي تشويش في رؤية الأمة. هذا ما يظهر من كلام للإمام الحسن والحسين (ع) مع سليمان بن صرد إذ قالا له: (فإن يهلك - معاوية - ونحن وأنتم أحياء، سألنا الله العزيمة على رشدنا والمعونة على أمرنا)(46).
yasmin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس