عرض مشاركة واحدة
قديم 05-10-2023, 07:04 AM   #2
yasmin
♣ فاطمية فعالة ♣
 
الصورة الرمزية yasmin
 
تاريخ التسجيل: Sep 2017
المشاركات: 227
معدل تقييم المستوى: 12
yasmin will become famous soon enoughyasmin will become famous soon enough
افتراضي رد: صلح الإمام الحسن عليه السلام الأسباب.. الأهداف



من هنا نجد أن الإمام الحسن وعندما جاءه حجر رافضاً الصلح - كما يروى - خاطبه قائلاً: (يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك)(15).
فالحرب بناء على هذا الاحتمال كانت غير محببة لدى عموم المجتمع المسلم، لأن الأمر ليس أمر إسلام وحسب، وليس مجرد رغبة في القضاء على معاوية، بل هو يشكل لحظة حاسمة هي الحرب التي تحتاج إلى إرادة داخلية صلبة.
من هنا سيكون التمرد حاصلاً من جراء الخوف من الدخول في معركة جديدة لا يريدها الناس، فحصل التمرد كرد فعل للإعداد الذي قام به الإمام الحسن (ع) للحرب؛ إذ إن قيام الإمام الحسن(ع) بالإعداد للحرب، إضافة إلى الأحداث التي عاصرت عملية الإعداد هذه، من قبيل الإعلام المضاد والارتباك الذي حصل في القوات الأمامية بسبب هروب ابن عباس، وقيام بعض أعداء الإمام(ع) بإشاعة الفوضى داخل الجيش وغير ذلك من الأمور قد أدت إلى وقوع التمرد.
ج) إن الأمة لم تكن تريد استمرار الإمام الحسن (ع)؛ وهذا خوفاً من استمرار السياسة الداخلية للإمام علي (ع) القائمة على أساس العدل والحزم وتطبيق الحدود، وخوفاً من استمرار السياسة الخارجية له القائمة على أساس تطهير البلاد من ولاة السوء، السياسة التي تحتاج إلى الحروب خصوصاً مع معاوية.
هذه ثلاثة احتمالات حول قضية التمرد، والذي يبدو هنا - وفقاً لهذه الاحتمالات - أن ذلك المجتمع كان ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الصنف الذي كان يريد الحرب ضد معاوية راغباً بها، وطالباً لها، ورافضاً مصالحته.
القسم الثاني: الصنف الذي كان يريد الإمام الحسن (ع) ويرغب فيه وفي القضاء على معاوية، ولكن حالة الخوف والإرهاق من الحروب أدت إلى عدم ثباتهم؛ بناءاً على التفسير المتقدم في الاحتمال الثاني، هذا الصنف كان يمثل عامة أهل الكوفة.
والقرينة على حب الناس للإمام الحسن (ع) هي أنه عندما خطب في المسجد خطبته الوداعية لأهل الكوفة وحينما أراد العودة إلى المدينة، تعاملوا مع هذا الموقف بحزن شديد، فيقول ابن الأثير والطبري أنه قد بكى كل من في المسجد حتى لم يبق أحد إلا وسمع نحيبه(16).
لكن هذا الحب أمر آخر لا يعني الثبات وعدم الخوف، فكم من أمة خذلت قائدها رغم حبها له، وكم من أمة قتلت رجالها وهي تعرف حقهم تمام المعرفة.
القسم الثالث: الصنف الذي كان معادياً للحسن أصلاً أو رافضاً لبقائه، وهو موقف القليل من أهل الكوفة، لكن تأثيرهم كان كبيراً.
الإعداد للحرب
ما تقدم من روايات تاريخية يدل دلالة كافية على أن الإمام(ع) كان في طور تهيئة المقدمات الأساسية للحرب؛ ذلك أن هذه الروايات لم تحدثنا عن أنه سار للصلح وأعد العدة له، بل كان الإعداد كله للحرب والقتال.
فما حمله خطابه(ع) هو خيار الحرب، وإرسال قوات بقيادة قيس بن سعد وابن عباس في اثني عشر ألف مقاتل إلى الجبهات الأمامية، وإقامته بمعسكر النخيلة مع الباقين من جيشه.. كل هذه الأمور تصب في الحرب لا في السلم.
فادعاء البعض أن الإمام الحسن (ع) كان يريد الصلح هو مجرد حكم فاقد لأي مبرر موضوعي؛ لأن الصلح كخيار إنما فرض نفسه فيما بعد ولوقع الظروف المسببة له، إضافة إلى ما يمكن أن تتركه الحرب من تداعيات خطيرة سوف نشرحها لاحقاً.
لكن هناك ثلاث روايات فقط يمكن أن يستفاد منها إرادة الصلح، إلا أن هذه الروايات معارضة بروايات أخرى كثيرة، وهي مناقشة بأكثر من وجه، وهذه الروايات هي:
الأولى: ما تقدم من رواية الطبري التي قال فيها أن جيش الحسن (ع) قد ارتاب من خطابه لأنه ذكر السلم، وهذه الرواية مردودة من وجوه:
أ) قد يكون موقف الارتياب نتيجة وجود من أراد زعزعة الموقف من القسم الثالث المعادي للإمام الحسن(ع).
ب) إنها معارضة برواية ابن الأثير المتقدمة والتي نصت على أن ارتيابهم كان بسبب اعتزامه الحرب، كما أنها معارضة بروايته التي نصت على اختيار السلم من قبل الأمة عندما قالوا: (البقية.. البقية..! ).
ج) إن من حق أي قائد أن يحسب للسلم حساباته كما يحسب للحرب؛ خصوصاً وأن المرحلة التي ألقي فيها الخطاب كانت في سياق أحداث كانت تصب مصب إرادة السلم من قبل الأمة، فكأنه أراد تذكيرهم بموقفهم مع أبيه(ع)، حيث خالفوه عند الحرب، وخرجوا عليه بعد التحكيم؛ فهم لم يطيعوه لا في الحرب ولا في السلم.
وهذا المعنى أشار إليه ابن أبي الحديد، حيث نقل خطاباً للإمام الحسن(ع) ذكرهم فيه بهذا الموقف(17).
الرواية الثانية: ما نقله كل من الطبري وابن الأثير من أن ابن عباس إنما هرب إلى معاوية وطلب الأمان لنفسه؛ لعلمه أن الإمام الحسن سيصالح(18).
وفي هذه الرواية ما يلي:
أ) إن هذه الرواية ذكرها الطبري فحسب، وإن ابن الأثير إنما نقلها عنه.
ب) اختلف رواة هذه الرواية من جهة أن الرواية عند الطبري تقول إن الذي هرب هو عبد الله، أما ابن الأثير فرغم أنه نقل الرواية عنه إلا أنه ذكر أن الهارب هو عبيد الله، والظاهر أن ذلك لأجل ظنه بأن عبد الله كان في المدينة آنذاك.
ج) إن مفاد هذه الرواية يعارض بروايات أخرى أقوى منها ومرجحة لدى ابن الأثير(19) وكذا اليعقوبي(20)؛ وذلك لأن هذه الرواية تنقل أن القائد كان ابن عباس في حين أن تلك الروايات تنص على أن قيساً كان هو القائد.
د) كما أنها مخالفة لروايات أخرى في سبب هروب ابن عباس؛ حيث أن هناك روايات تنص على أنه إنما هرب لأن معاوية قد وعده وعوداً أثارت أطماعه، وأن الذي حدّثه بأن الحسن سيصالح هو معاوية، لا أنه علم ذلك من الإمام الحسن(ع) نفسه(21).
ثم إن ابن أبي الحديد ينقل أن قيساً قد كتب للإمام بعد التحاق ابن عباس بمعاوية: (إن الوجوه من قواته تتسلل هاربة إلى معاوية)، فخطب الحسن قائلاً:
(خالفتم أبي حتى حكّم وهو كاره، ثم دعاكم إلى قتال أهل الشام فأبيتم، حتى صار إلى كرامة الله، ثم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني، وتحاربوا من حاربني، وقد أتاني أن أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية وبايعوه، فحسبي منكم أن لا تغروني من ديني ونفسي)(22).
هذا النص يوضح أن الإمام الحسن (ع) لم يكن يريد الصلح بدءاً، بل إنه كان يريد ثبات رجاله لقتال معاوية، وإن الخلل الذي وقع في قواته بسبب هروب أعداد منهم إلى معاوية كان أحد دواعي اضطراره للصلح.
من هنا فنحن لا نجد طريقاً قد أدى إلى علم ابن عباس إلا معاوية، وإخبار معاوية لا يعدو كونه إعلاماً مضاداً من أجل تشتيت رجال الإمام الحسن(ع) عنه؛ وقد تكون الرواية مجرد تحليل للربط بين الأحداث؛ فكأنها تنص على هروب ابن عباس دون ذكر السبب، في تحليل الراوي من أجل الربط بين الأحداث وإعطاء المبرر لابن عباس كسبب لهروبه.
الرواية الثالثة: ما ذكره بعض المؤرخين من أن الإمام الحسن(ع) قد عزل قيساً لأنه علم بأن الإمام إنما أراد الصلح.
وتناقش هذه الرواية بنفس ما تقدم، إضافة إلى أنه قد يكون هذا بعد حدوث الأمور التي اضطرت الإمام للمصالحة، كما أن التاريخ يحدثنا أن قيساً قد بقي قائداً حتى بعد الصلح وأنه تمرد على معاوية لاحقاً رافضاً الدخول في الصلح.
عموماً فإن الملاحظ أن هذه الروايات الثلاث تجمع على أمر واحد هو الحكم على أن الإمام الحسن(ع) قد أراد الصلح دون تقديم فعل واحد يدل على إرادته هذه؛ فيمكن أن يكون هذا الأمر مجرد استنباطات اجتهادية وليس رواية تاريخية.

yasmin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس