منتديات نور فاطمة عليها السلام - منتدى نسائي للمرأة فقط

صراع ذوي العقول

قد يخطر في أذهانكم أن حديثي هذا سيدور حول الصراعات القائمة في مملكة الغاب ذلك العالم العجيب الذي تتملكه الغرائز فتدفع بضعه للتوحش والإفتراس وتدفع البعض الآخر للحذر من الأنياب التي لا يعلم متى تنغرس في جسده لتُمزقه قهراً وتُغيبه في الأمعاء وكل ذلك يتم بقانون يسمى قانون الغاب ، شاء الله جل وعلا للوحش أن يسعى بغريزته ويفتك بضحيته لا للتعالي عليها ولا للتسلط والتجبر والطغيان وإنما يعمل ذلك من أجل البقاء ، وشاء للبهيمة أن تحذر وتهرب جارية بقوائمها السريعة علها تنجو من الأنياب فإذا ما قدر الله لها أن تكون طُعماً لذلك الوحش تستسلم لتعطي للوحش الحياة ، وكل ذلك يتم حتى لا تضيق الأرض بكثرة البهائم وينتفي بذلك قانون الإتزان

نعم أيها الأحبة
إن ما يحدث في مملكة الغاب من صراعات تتم بقانون إلهي أودعه في غرائز تلك الحيوانات فهي وإن بدى لنا أن بعضها مُتجبر وفتاك يستحق القتل والإعدام وبعضها مُستضعف يستحق الشفقة والإسترحام إلا أن كلا النوعين لم يخرج عن طاعة الله وكلٌ منهما يسبح الله والرزق يأتيه من الله بعد سعيٍ حثيث بغريزةٍ أمده الله بها فلا ضير على الوحش إن افترس البهيمة ولا ضير على البهيمة إن هي استسلمت لقدرها

أما الحديث هنا فهو يدور حول الصراعات القائمة بين ذوي الألباب أولئك الناس الذين خلقهم الله لإعمار الأرض وسخر لهم كل ما في الكون لكي لا يكونوا بحاجة للإقتتال ، حيث رزقهم ظاهرٌ على الأرض والبعض منه مخزون في باطِنها وما عليهم إلا أن يسعو في مناكبها ويأكلوا من زرقه ليتقووا بذلك على عبادته ويصبروا على طاعته ويستغفروه ويتقوه ، فإن فعلوا أمدهم الله من فضله وأعطاهم من خيره ورزقهم من دون حساب
فلماذا إذاً يتصارعوا وإلاما يهدفوا بإراقتهم للدماء ، الجواب جداً بسيط ولا يحتاج إلى تعقيد ، فالهوى أحد الأسباب وحب الدنيا وزخرفها وزبرجها من أهم الأسباب ، ووجود الشيطان الذي يُزين للنفس الأمارة بالسوء فعل القبيح لتكون أسيرة له يهوي بها غداً في النيران له الأثر الأكبر للإستعلاء وفعل الجرائم الشنعاء
نعم أيها الكرام
لا مقارنة بين الصراعات القائمة في مملكة الغاب والصراعات القائمة في حياة الإنسان وقد بينتُ سبب صراع الدواب أما هذا الكائن العجيب الذي كرمه الله على كل الأكوان وزين خِلقته بالعقل الذي هو الميزان ، قد جمد نوع منه عقله عن فعل الخيرات وسخره للظلم والجور والطغيان ليكون هو المعبود من دون الرحمن والرب الأعلى وقد نطق بها بعض الطغاة ، فلما رأى المعارضين لفعله الشنيع ثلة من الأحرار عمل فيهم قتلاً وتشريداً وسجناً وتعذيباً ليُرهبهم ويجبرهم ليكونوا له تبعاً وعبيداً ، ومن هنا بدأ الصراع بين الأشرار والأخيار والمُتجبرين والأحرار ، فالنوع الأول يريد أن يتربع على رقاب الناس مُتسلطاً وعلى أموالهم حارساً وعلى أمنهم قائداً ولا يريد أن يعترض عليه معارض ، فإن فعل فسيكون في خبر كان ، فالعبد ليس له أن يعترض على مولاه

أما النوع الثاني فؤلئك الذين ذاقوا مرارة العيش والذل والهوان فأبوا أن يكونوا كذلك وقد خلقهم الله أحراراً ، فنهضوا وثاروا راجين بذلك الخلاص إما بحياة العز أو بموت الكرام ، ليزرعوا بموتهم بذرة الحب التي ستؤتي أُكلها بهلاك السلطان ، والتاريخ شاهد على الكثير من الثورات التي خلد فيها من أُريقت دماءه على الأرض بسيف الظلم والعدوان ، وخمد ذكر القاتل المتجبر والسلطان المتفرعن لتكون الغلبة لدماء الأحرار

وسيبقى الصراع محتدماً ومن دون انقطاع بين حزب الله المؤمنين وحزب الشيطان الفاسقين والدماء ستبقى تراق لتحيي بذور الخير لتنمو وتثمر بالحياة للأجيال تلو الأجيال ، إلى أن يأتي اليوم الذي ينتفي الشر عن ظهر هذه الأرض ويعم الأمن والأمان ، بظهور مخلص العالم من شرور الطغاة مبيداً لعروشهم ضارباً لخراطيمهم مُدمراً لدولتهم بأمرٍ من الله ، ليبدأ بعدها العمل في إعمار الأرض بالعدل والإحسان والأمن والأمان والخير والإنعام

منقوووول