منتديات نور فاطمة عليها السلام - منتدى نسائي للمرأة فقط

منتديات نور فاطمة عليها السلام - منتدى نسائي للمرأة فقط (http://www.noorfatema.com/vb/index.php)
-   اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية (http://www.noorfatema.com/vb/forumdisplay.php?f=77)
-   -   الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني، للأستاذ بناهيان (http://www.noorfatema.com/vb/showthread.php?t=77537)

نهجنا الإسلام 10-06-2014 12:56 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 7-3
 
نظرة من جديد إلى قواعد حياة الإنسان


أقترح للإخوة الناشطين في هذه الجلسة أن يأخذوا منّي روايات أمير المؤمنين(ع) التي جمعتها في هذا الحاسوب، حيث تتحدث عن الدنيا ومحنها وشدائدها، ويستنسخونها ثم ينصبونها في مدخل المسجد، لتقرأوها وتخافوا جيّدا ولا تتصوروا أنّ عدد الروايات بهذا القدر التي قرأتها عليكم، بل هي أكثر من ذلك بكثير. هذه هي الدينا. فادرسوها جيدا واعرفوا في أي مكان تعيشون.
نحن بدأنا في هذه الأبحاث من الواقع لنصل إلى نقطة منقذة باسم الإيمان وباسم الله سبحانه وباسم الدين. إلى هنا كنا بصدد تعريف منهجنا وأسلوبنا في البحث. وقد خرجنا بهذه النتيجة وهي أن لابدّ لنا في بادئ الأمر أن نشاهد الحقائق المُرّة في حياة الإنسان ووجود الإنسان.
إن هذه الحقائق تخاطب الإنسان وتقول له: أيها الإنسان! إنك ومن أجل أن تستمرّ في الحياة مجبور على جهاد نفسك، ولا سبيل لأي إنسان أن يصل إلى كل رغباته وأهوائه. فهو مضطرّ إلى أن يضحي ببعض أهوائه ليستمر في حياته. فكلما كان اختيارك أفضل وتضحيتك أصوب، ستحظى بمزيد من الحيوية والروحية العالية.
أرجو أن نصير هكذا ونحمل هذه الرؤية إلى آخر شهر رمضان؛ يعني عندما نصبح نفتش عما نضحي به وعندما نعدّ برنامجنا اليومي، ننظر إلى ما يجب أن نضحي به والأهواء التي لابدّ أن نتركها في ذلك اليوم. ونسأل الله أن يعيننا على ترك ما حددناه من أهواء. هكذا يجب أن ننظر إلى الحياة. فإن كانت هذه رؤيتكم وعشتم بهذا الأسلوب، سوف ينظر الله إليكم بعين الرحمة، وسوف تجدون حلاوة رحمته ولطفه.
هذا هو شأنك وحالك أيها الإنسان، فإنّ إنسانيتك مرهونة بجهاد نفسك، فإن لم تجاهد نفسك بالشكل المطلوب، سوف تجاهدها فيما لا يعود لك فيه نفع ولا أجر ولا حاصل سوى الضرر والخسران. كما أن دنياك أيضا لا تنسجم مع رغباتك وأهوائك.
اعلموا أيها الإخوة فإننا نكسب من الله في أوائل عمرنا، ثم نرجعها إلى الله في المرحلة التالية من عمرنا، فما يعطيه الله لنا في مقتبل العمر، يعود ليستوفيه منّا في الجزء الآخر. فكل ما منحك الله إياه، يسلبه منك. فإنه يذيقك لذائذ الدنيا ثم يحرمك منها حسب القواعد الكونية التي أسسها الله بنفسه. يقول لي بعض الإخوة: لماذا تتكلم بهذا الأسلوب المرّ؟ أقول لهم: لأن لا يجوز أن نكذب على بعض. إن طبيعة الإنسان هي أن تسقط أسنانه في الشيخوخة، فلم يعد يقدر على أكل الكثير من الطعام. ثم سوف يضعف جسمك وتعجز عن القيام بكثير من الأعمال. فأنت ذاهب إلى الشيخوخة شئت أم أبيت. فهل هذا الكلام كذب؟ وهل نريد أن ننظر إلى العالم كما ينظر البهائم حتى نغض الطرف عن هذه الحقائق الواضحة؟
هناك رواية عن رسول الله(ص) تقول: «يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَ تَشِبُ‏ مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ وَ الْأَمَل»[تحف العقول/ص56]، فما يشيب ويهرم هو الجسم وحسب، أما نفسك فتبقى في شبابها، ولكن عجز الجسم عن خدمتها وتلبية رغائبها. فإنك في أيام الكبر لا تزال تشتهي وترغب ولكن لا تستطيع على نيل ما تشتهيه. فماذا تريد أن تصنع في زمن هرمك وبحبّ من تريد أن تعيش تلك الأيام؟ فهل تريد أن تعيش في تلك الأيام خائبا حزينا مغموما ثم تدفن كل مشاعرك وتبتسم رغما على حزنك وقلبك الكئيب؟! وهل تريد أن تعيش حياة بلا حب وعشق وفارغة من الهيجان والحيوية؟ مع أن نفسك سوف تبقى شابة وسوف تطمع بكل هذا أكيدا. إذن فلنشاهد الواقع فإن منغصات العيش كثيرة فأرجو أن تحصوها.
كان لنا في أيام المراهقة درس في الأخلاق، وكان الدرس يشبه ورشة عمل، فكنا نجلس في حلقة ونتحدث معا عن مسائل أخلاقية، ولعلّ نصفهم قد استشهدوا في جبهة الدفاع المقدس. كانت تنعقد جلساتنا كل مساء الخميس في مسجد صاحب الزمان في تقاطع عباسي، وأغلب الشهداء الذين استشهد بقصصهم وذكرياتهم دائما، هم شهداء تلك الجلسة.
وكانت في زاوية المسجد غرفة يسكنها شيخ كبير جدا. لم يكن هذا الرجل الكبير خادم المسجد ولكنه كان ساكنا في تلك الغرفة منذ سنين. كان عندما يخرج من غرفته ويعبر من غرفتنا، نسمع صوت حذائه الذي كان ينجرّ على الأرض من شدة عجزه وشيخوخته. فأتذكر أن قلت لأصدقائي في تلك الجلسة: فلننظر إلى مستقبلنا. وأتذكر أن قال بعض الأصدقاء في تلك الجلسة لقد سقط التلّهي بالشهوات من أعيننا، فكانوا قد نظروا نظرة إمعان وتأمل إلى مستقبلهم وتصوروا عجزهم وضعفهم عن المشي. فكان هذا الرجل الكبير مغنما لنا إذ كل ما كان يخرج من غرفته ويمرّ من غرفتنا، ننصت لصوت مشيه، ونحدث أنفسنا أن انظري وشاهدي فسوف تنتهي أيام شبابك ولذتك وهذا هو مستقبلك.

خير شبابكم من تشبه بالشيوخ


لقد روي عن النبي الأعظم(ص) حیث قال:«خَيْرُ شَبَابِكُمْ‏ مَنْ تَشَبَّهَ بِالشُّيُوخِ، وَ شَرُّ شُيُوخِكُمْ مَنْ تَشَبَّهَ بِالشَّبَاب»[نزهة الناظر وتنبيه الخاطر/ص32]‏. لا تقرأوا هذه الرواية على المدلّلين في هذه الدينا، فإنهم يستهزؤون بها ويقولون: هل تريد أن نصبح شيوخا ونعجز عن كل شيء؟! فلا يستحق هؤلاء أن يكلمهم الإنسان، إذ لا أثر للفكر والوعي والفهم في سلوكهم، فلا يعرفون أن الإنسان إذا استطاع أن ينظر إلى فترة هرمه ومشيبه في أيام شبابه، عند ذلك سوف يترك اللعب والتفاهة في أيام الشباب، ويعيش عيشة تحافظ على شبابه إلى فترة مشيبه وشيخوخته. إنهم لا يعرفون ذلك ولا يمكن أن تكلمهم بمثل هذا الكلام.
وفي المقابل «شر الكهول من تشبه بالشباب» فكان لابدّ لك أيها الشيخ الكبير أن ترى أيام عجزك ومشيبك منذ أيام شبابك وتوقن بهذه المرارة لتدع اللهو واللعب والتفاهة من أيام الشباب، ولكنك لم تدع حياة اللهو واللعب حتى بعد مضيّ عمرك وتنكّسك في الخلق.


يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 14-06-2014 11:04 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 7-4
 
هل التغافل عن مرارة الحياة هو الأسلوب الصحيح؟


كيف تحلو هذه المرارات؟ طيّب، هنا قد دخلنا في المرحلة الثانية من الموضوع. عندما ينظر الإنسان إلى المنغصات الكامنة في وجوده وإلى مرارة مصيره ودنياه، عند ذلك يكاد أن لا يطيق هذه الدنيا. طبعا لا يخلو النظر إلى مرارة الحياة من فائدة، فمثل هذا الإنسان سوف يتحمل الصعاب والمحن أسهل من غيره، ولكن سوف تفقد الحياة روحها ونورها ونشاطها وحيويتها في مثل هذه الأجواء. وهنا لابدّ أن نتحدث مع الإنسان وننقذه عن الطرق التي قد يسلكها في سبيل التخفيف من مرارة حياته.
فنقول له: لا تغفل عن هذه المرارات ولا تزعم أنك تندق إن لم تتغافل عنها. ولا تنس الموت أيها الإنسان. فلعلك تقول: إن أجعل الموت نصب عيني دائما، يصفرّ وجهي وأفقد أملي وأكن كالميت بين الأحياء، ولكنك مخطئ في حساباتك. فليكن بعلمك أيها الإنسان أن المفرّ من هذه المرارات ليس بالتغافل عنها.
إن الغفلة عن المرارات تهدم كيانك وتقضي عليك. فلابدّ أن تبني رؤيتك عن الحياة على أساس هذه المحن والمشاكل، وهذا ما يدل عليه الكتاب الحادي والثلاثون من نهج البلاغة الذي خاطب به ابنه الإمام الحسن(ع)، حيث افتتح كلامه فيه بذكر مصائب الدنيا ومراراتها.

ما هو الطريق الأفضل في التعامل مع محن الدنيا؟


ماذا يحدث إن لم تغفل عن مرارات الدنيا؟ إن روحك تصبو إلى ما هو حلو وتطلب اللذة، وتهشّ إلى التحرّر، وكذلك إنك تحظى بروح تحب العشق والغرام. فهي لا تطيق ظروف الدنيا ومعاناتها، ولكن دع يضيق صدرك من هذه الظروف التي تعيشها ومن هذه الدنيا التي حبست فيها. لتصل شيئا فشيئا إلى نقطة ومرحلة بودي أن أجسدها لكم قليلا في هذه الليلة. وسوف استعرض لكم في الليالي القادمة خط السير من نقطة الانطلاق إلى نقطة الهدف بشكل كامل.
أخي العزيز! لا تغفل عن مرارات الدنيا، إذ ليس طريق مواجهة هذه المرارات هو التغافل عنها بل الطريق هو ذكرها على الدوام. إذا أردت أن تتغلب على هذه المرارات فاسعَ لتحصل على عشق بحيث ترغب أن تعاني وتذوق مرارات الحياة في سبيل من عشقته وأحبته وتلتذ بالمعاناة التي تعيشها في سبيله. لابدّ لك أن تصل إلى هذا المستوى وليس لك بدّ آخر وإلا فتُشقي نفسَك. إنك لا تستطيع أن تفرّ من المحن، فلا تنكرها وإلا تصبح أحمقا. ولا تستطيع أن تزيل المحن من حياتك، فإذا أردت أن تتعامل مع محنك بأحسن وجه، فابحث عن عشق سام وعال في حياتك لترغب في تحمل كل هذه المعاناة في سبيل حبيبك. وشتان ما بين من يرغب في تحمل المعاناة في سبيل حبّه، وبين من اقتنع بضرورة المعاناة فقال: لا بأس بمجيئ بعض المحن والمعاناة!
متى يزدهر الإنسان؟ عندما يبلغ درجة حبّ المعاناة وتحمل الآلام في سبيل حبيبه، لا أن يصبر على المحن في سبيل الحبيب وحسب. لقد خلق الإنسان لهذه الحياة، وقد خلقكم الله وركّب روحكم وخلايا وجودكم ومشاعركم وكل الكائنات على أساس هذا النمط من الحياة. والإنسان الحقيقي هو من يرغب أن يعاني ويذوق المحن في سبيل الله. ولهذا عندما رأى إبراهيم أن لا يستطيع ذبح ابنه في سبيل ربّه، حزن وضاق صدره.
ينبغي لك في هذه المرحلة أن ترغب في تلقّي المصائب والمظالم في سبيل الله وأن تعاني من الجوع في سبيله وأن تحزن في سبيله. ولا بأس أن تسأم الجوع وتشتهي الطعام فتناجي ربك وتسأله أن يرزقك طعاما لتشبع به من جوع، ولكن بعد أن شبعت أياما متتالية، سرعان ما يضيق صدرك ويحنّ فؤادك إلى أيام الجوع. إلى هنا يصل الإنسان. أمّا كيف يصل الإنسان إلى هذه المرحلة، فهذا ما يحتاج إلى بحث طويل، فأرجو أن لا يستعجل الإخوة.
ما هو الطريق الأفضل الذي أودعه الله في فطرة الإنسان وحياته لمواجهة المشاكل والآلام؟ إن الطريق الأفضل لا هو الإنكار ولا هو الفرار، بل هو أن يرغب الإنسان في تحمل الآلام في سبيل الله.

إن استطاع الإنسان أن يعشق الله، عند ذلك يحب المعاناة في سبيل الله بمختلف أنواعها، كالصوم وقلة الأكل وقلة النوم وقلة الكلام وقلة الراحة واستماع استهزاء الآخرين وغيرها. هذا شعور خاص لا أدري كيف أشرحه وأوضحه، ولكن من لم يجد في نفسه هذا الحب وهذا الشعور فهو لم يعرف نفسه ولم يعرف ربه ولم يعرف العلاقة بينه وبين ربه ولم يعرف شيئا قط.

حوار افتراضي بين الله وبين عبده العاشق


إنه حبّ نابع من أعماق قلب الإنسان وقد لا يقدر صاحبه على تعبير ما يجري في قلبه. لقد صحت فطرة هذا الإنسان فلا تناقشه ولا تسأله عن دليل، إذ إنه قد عشق الله وقد عشق المعاناة في سبيل الله. وهل تعلمون ما سوف يكون مصير هذا الإنسان؟ سوف يحتضنه الله ويقول له: «وأنا أحبك أيضا وأرزقك المحن والبلايا كما أحبت. لقد اخترتك لنفسي، وقدّرت لك البأساء والضرّاء، وأنت تعاني من أجلي، فما تريد عبدي بعد أن أصبحت حياتك كما تحبّ؟ أنت الآن تعاني من بعض المشاكل والآلام في حياتك، وهذا ما رغبت فيه أنت وأحبته أنت فعانِ إذن وتجرع البلاء. وأنا في المقابل أقدر لك المحن والبلايا على الدوام ولم أقصّر في ذلك. وأنت تتقرّب إليّ يوما بعد يوم بصبرك الجميل على هذه المحن والمشاكل، إذن ليس لك مشكلة بعد وعش سعيدا إلى آخر عمرك». ولكن بعد كل هذا لا يزال العبد حزينا خائفا. فإن سأله الله عن السبب، أجاب وقال: إلهي لا طاقة لي بحر نارك فماذا أفعل إن أدخلتني النار؟ فلا يزال هذا العبد يبكي ويبكي خوفا من نار جهنّم التي سعّرها جبّار السماوات والأرض. وهذا الخوف والبكاء أيضا من هواياته فدعه يبكي.
أنا لا أفهم حقيقة هذا النوع من الحب والغرام، فهل تفهمونه أنتم؟! الشيء الوحيد الذي أدركه من هذا العشق أنه يختلف عن العشق الدنيوي الذي ناجم من الأنانية وحبّ الذات، بيد هذا الإنسان يحب أن يعاني ويتجرع البلاء في سبيل حبيبه. فمهما تحمل من عناء وبأساء وضراء لا يشعر بأنه قد وفّى حق حبيبه، فيبكي خوفا من نار جهنّم! فكيف تفسرون بكاء أمير المؤمنين(ع) الشديد من جهنّم؟! لقد روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: «الْقَلْبُ الْمُحِبُّ لِلَّهِ يُحِبُّ كَثِيراً النَّصَبَ لِلَّهِ وَ الْقَلْبُ اللَّاهِي‏ عَنِ‏ اللَّهِ‏ يُحِبُّ الرَّاحَةَ فَلَا تَظُنَّ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّكَ تُدْرِكُ رِفْعَةَ الْبِرِّ بِغَيْرِ مَشَقَّة»[مجموعة ورام/ج2/ص87].

يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 15-06-2014 07:32 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 7-5
 
إن الله هو صاحب القرار في تعيين نوعية المعاناة التي نعيشها من أجله


بعد أن عشق الإنسان ربّه ورغب في تحمل البلاء من أجله، لم يعطَ حق اختيار البلاء بل الله هو صاحب القرار في تعيين نوعية المعاناة التي لابدّ أن يعيشها من أجله. ولا شك في أن هذا القانون عامّ يشمل جميع الناس ولا العشاق فقط.
أيّها السادة! هل تريدون أن تتصدقوا؟ أجيبوني بنعم. إن كنتم تريدون أن تتصدقوا فاسمحوا لي أن آتي بيوتكم وأختار بنفسي البضاعة لتتصدقوا بها، فهل توافقون على ذلك؟! من المؤكّد أنّكم لا توافقون على ذلك إذ تريدون أن تتصدقوا بما تشاءون لا بما يختاره غيركم. ولكن الله سبحانه يمتحنكم ويقدر لكم المشاكل كيف ما يشاء، وهو يعرف جيدا كيف يبتليكم ويفرض عليكم المحن والمشاكل، إنه يعرف ثغرات حياتكم ويعرف نقاط ضعفكم، وأحيانا يأخذ إسماعيلكم أضحيةً.
طبعا إن الله أرحم الراحمين وهو يراعي قابليتنا وإيماننا، فلا يخف منكم أحد، إذ نحن غير مؤهلين لمثل هذه الامتحانات الصعبة، فلا تقلقوا على مستقبلكم وما سوف يفعله الله بكم. وقد سبق أن قرأت عليكم تلك الرواية التي تقول: «لَوْ لَا إِلْحَاحُ هَذِهِ الشِّيعَةِ عَلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لَنَقَلَهُمْ مِنَ الْحَالِ الَّتِي هُمْ فِيهَا إِلَى‏ مَا هُوَ أَضْيَقُ‏ مِنْهَا»[الكافي/ج2/ص264]
إن الله قد سمح لشخص واحد أن يتجرع البلاء إلى آخره، وهو الحسين(ع)، ولم يعط هذه الفرصة لأحد آخر أبدا. لم يسمح لإبراهيم الخليل(ع) أن يتجرع البلاء بشكل مباشر ولم يسمح لشخص آخر أبدا ولكنه قد سمح للحسين(ع). فأنت الذي تعشق الحسين(ع) وبودك أن تفدي بروحك من أجل الحسين(ع) هل تعلم لماذا أخذ الحسين(ع) من قلبك هذا المأخذ؟ وهل تعرف سبب حبك الشديد هذا للحسين(ع)؟ لأن فطرتك وذاتك تتلهف للحسين(ع) إذ أن الحسين قدوة إنسانيتك وقد جسد الإنسانية بأروع صورها، وهي ليست إلا حب تجرع البلاء من أجل الله، وأنت مفطور على هذا الحبّ، فلابدّ أن تحبّ الحسين(ع).

كيف نصل إلى هذا المقام؟


هناك طريقان:
الطريق الأول هو هذا الكلام الذي تحدثنا به في جلساتنا الماضية. اعترف بمرارة الدنيا لتقدر على التجافي عنها ولئلا تصرف كل همك بإصلاحها. طبعا لا بأس أن يقوم الإنسان بإصلاح دنياه بمقتضى تكليفه، ولكن لا تصرف وجودك في هذه الدنيا البالية. دعها فإنها لا تصلح بشكل كامل. ارفع همتك عن مستوى هذه الدنيا وطهّر قلبك عن التعلق بها وصدّق بمرارتها ولا تصادق من أهلها أحدا ولا تأنس بأحد من أهلها، دعها ولا تفتش عن راحتك وقرارك فيها. هذا هو الطريق الأوّل.
أما الطريق الثاني فهو عقد القلب بالله سبحانه، فدرّب نفسك شيئا فشيئا على عشق الله. وقد جعل الله سبحانه المعصومين الأربعة عشر تسهيلا لحبّه. فإن صعب عليك حبّ الله وعشقه، فاعشق الحسين(ع) لتصل عن طريق عشقه إلى عشق الله. واللطم على الصدور في هذا المسار يمثل سلوكا عرفانيا رائعا. فهو شعار ورمز لمن أحبّ أن يتحمل البلاء في سبيل الحبيب.
إني آسف عليكم جدا إذ لم تدركوا أيام الجبهة والدفاع المقدّس. فلأنقل لكم بعض المشاهد التي عشتها هناك بصفة إنسان شاهد وحسب. كنا نعيش ساعات وأياما تحت قصف القنابل والرصاص، ومن كثرة الشضايا والقنابل والرصاص كنّا نشعر بأنا تحت المطر وكان مطرا من نور. فعندما تنتهي تلك الأيام ونشعر بالأمان ينقبض قلبنا ونشعر بأنه قد اسودّ لقلة البلاء. وقد سمعتم كثيرا أن الشباب المجاهدين عندما كانوا يرجعون إلى مدنهم كان يضيق صدرهم. إذ أن فطرة الإنسان تتلهف للبلاء والشدّة في سبيل الحبيب والمعشوق.

ما هو الأسلوب الأفضل في التعامل مع نعم الله؟


إن هذا الإنسان الذي يلتذّ في البلاء، إذا أنعم الله عليه وخفف عنه البلاء يمتلئ نورا ويصل إلى أوج اللذة وينغمر في حالة الشكر لله. أتذكر أحد المجاهدين في أيام الجبهة كان لا يستطيع أن يأكل شيئا بعد انتهاء الحملة ورجوع القوات إلى الوراء. فسألته عن السبب، فقال: «إني كنت أحصي ديوني لله تحت قصف القنابل في المعركة وكنت أشعر بالخجل والدين لله، فكيف بي الآن وأنا في حالة الأمان الذي أشعر فيه بتصاعد ديوني لله سبحانه؟ وقال: ما زال صدري ضائقا من كثرة ديوني لله فهل أكثّرها؟» كان بودّه أن يضحي من أجل الله ويتقطع قطعة قطعة في سبيل الله، لا أن يأكل ويتنعّم ويتمتّع. فقلت له: أما تسمّي باسم الله قبل الطعام؟ قال: بلى. فقلت: إذن كلْ الطعام إذ لا يتشدّد الله بهذه الدرجة، والله يحب أن يتمتع عبده بنعمه. بعد ذلك كان يجلس على مائدة الطعام ويناجي ربه قليلا ويبكي قليلا ثم يأكل جيدا. فكان يأكل إرضاء لربّه كالولد الذي يأكل ما طبخت له أمه لتفرح أمّه. إن مثل هؤلاء يستطيعون أن يأكلوا من أجل الله فقط، أما الباقي فيأكلون مثل البهائم. لا يستطيع أحد أن يأكل من أجل الله، بل الكل يأكلون تلبية لنفسهم. وإنما الإنسان الذي يتحبب إلى الله في خضمّ البلاء، هو الذي يعرف كيف يتمتع بنعم الله.

صلى الله عليك يا أبا عبد الله


إن عشّاق الله يودّون أن يتلقّوا البلاء في سبيل الله، ولكنّ الله لم يسمح لأحد أن يتجرع كأس البلاء إلى آخره إلا الحسين(ع)، فقد أعطاه الحرية الكاملة لتحمل البلاء وكانت تأتي البلايا على الحسين(ع) واحدا بعد الآخر في يوم عاشوراء. هناك قاعدة تقول: كلما ازداد الإنسان نورا ومقاما وقربا من الله، ازداد حظا من هذا النوع من البلاء. فبما أن الحسين(ع) كان يزداد نورا ومقاما كلما كان يقترب من ظهور عاشوراء وعصر عاشوراء كان يزداد بلاؤه وتشتدّ مصائبه.
لقد استشهد أصحاب الحسين(ع) جميعا وبقي وحيدا، فأخذ يودّع أهله وعياله في الخيام وينزل إلى الميدان. في هذه اللحظات إذا كان ينزل بلاء على الحسين(ع) يفترض أن يكون أصعب من جميع المصائب التي تلقّاها من الصبح لحدّ ذاك الوقت. أنتم أيها الشباب قد لا تستطيعون أن تفهموا شدّة هذا البلاء باعتباركم لم تصبحوا آباءً، ولكن الآباء ولا سيما أولئك الذين لهم بنات صغار، وخاصة إذا كانت بنتهم في التاسعة أو العاشرة من عمرها يدركون شدّة هذه المصيبة نوعا ما. بعد أن ودّع الحسين(ع) النساء جميعا وأراد أن ينطلق إلى الميدان جاءته بنته سكينة وقالت له: «ردّنا إلى حرم جدّنا» إن هذه الكلمة بوحدها تكاد أن تقطع فؤاد الأب الغيور الذي لا سبيل له إلا أن يترك بناته بين قوم سفلة مجرمين.

ألا لعنة الله على القوم الظالمين

نهجنا الإسلام 16-06-2014 03:13 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 8-1
 
إليك ملخص الجلسة الثامنة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.




مرور على ما سبق/نحن بصدد كشف برنامج لحياة وعبادة أفضل



نحن بصدد كشف برنامج لحياة وعبادة أفضل. ولابدّ لهذا البرنامج أن يكون كفوء كما لابدّ أن يكون عمليّا وأن يكون مؤثرا ومفيدا في نفس الوقت، وبالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يتصف بشمولية وأن يكون شاملا لجميع الناس، لا المؤمنين فقط دون غيرهم. فإن كان البرنامج برنامجا عمليا صحيحا لتحقيق حياة وعبادة أفضل، لابدّ أن يكون مشتركا بين الصالحين وغير الصالحين من الناس. ونحن نصبو إلى كشف برنامج جادّ وعميق وصائب ليحسّن حياتنا لا عبادتنا فقط، فإنّ تحسين الحياة مقدمة لتحسين العبادة.


ما هي مواصفات البرنامج الجيد

ما هي مواصفات البرنامج الجيد؟ من مواصفاته هي أن يكون ذا محور واحد. فإن البرنامج التي يجعل الإنسان أمام مئة محور وعمل لا يؤدي إلى نتيجة؛ من قبيل ما لو كان البرنامج عبارة عن مجموعة من الأعمال والوصايا المتناثرة في ضرورة الصبر ووجوب الصدق وحسن التواضع وكراهية البخل وقبح الحسد وحرمة الحرص وأهمية العبادة وضرورة صلة الرحم وحرمة أكل الحرام إلى غيرها من الحسنات والسيئات. فإن هذا ليس ببرنامج، بل مجموعة من الأوامر والنواهي غير المنتظمة وغير المبرمجة. بيد أن هذه الوصايا لها نظام وهيكلية لابد من كشفها وإعطائها للناس، لكي تكون حياتهم على أساس برنامج منتظم.
من مواصفاته الأخرى هي أن يكون مستوحى من القرآن والروايات، وأن يكون منسجما مع أحاديث أهل البيت(ع)، فلا يمكن أن نبدع برنامجا من جيبنا. و من جانب آخر يجب أن يكون متناسبا مع وجود الإنسان، وحقائق حياة الإنسان. فلا يمكن أن يكون البرنامج بلا علاقة مع ما تحدثنا عنه في تعريف الإنسان وهويته وماهيته.

لقد خلق الإنسان من أجل جهاد داخلي روحي، أي مجاهدة الأميال والرغائب

على رأس الخصائص التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في تعريف الإنسان هي: «أن الإنسان قد خلق بأميال ونزعات مختلفة ومتضاربة، وبمقتضى هذه النزعات المختلفة غالبا ما يقف أمام طريقين أو أكثر في مراحل حياته، ولهذا قد منح الإنسان حقّ الاختيار وأصبحت اختياراته الصائبة ذات قيمة». وأما باقي خصائص الإنسان من قبيل قدرته على تحصيل العلم فهي قد منحت له لكي تمكنه من الاختيار الصائب.
فعندما يقف الإنسان في مقام اختيار إحدى رغباته من بين مختلف الرغائب، لابدّ له من أن يضحّي ببعض هذه الرغبات في سبيل بعض أخر. ومن هنا يبدأ موضوع جهاد النفس. ولهذا ندّعي أنّ عنصر «جهاد النفس» يمثل أحد عناصر تعريف الإنسان. يعني أن الإنسان هو كائن خلق من أجل جهاد داخلي وروحي، أي مجاهدة رغائبه. وقد قامت هذه المعركة بسبب وجود نزعات وأميال مختلفة في داخل الإنسان، ولو لا هذا الاختلاف والتعارض لكان الإنسان مَلَكا أو حيوانا.

لقد أودع الله في قلب الإنسان نوعين من الرغائب: 1. الرغائب السطحية والرخيصة، ولكنها جليّة 2. الرغائب العميقة والقيّمة ولكنها خفيّة

وفي سبيل أن يتحقق جهاد الإنسان لأهوائه بشكل صحيح، قد أودع الله في قلب الإنسان نوعين من الرغائب: إحداها هي الرغائب العميقة والقيمة ولكنها خفيّة، والأخرى هي الرغائب السطحيّة والرخيصة ولكنها جليّة. إن هذين النوعين من الرغائب ليست سواء، بل إن الرغائب الجيدة والقيّمة أقوى من الرغائب الرخيصة أو التي لا قيمة لها، ولكن بسبب خفائها لابدّ للإنسان أن يعبر من رغباته السطحية والرخيصة ويضحي بها في سبيل الوصول إلى الرغائب العميقة والقيّمة.
فلو كانت الرغائب الجيّدة والعميقة ظاهرة في داخل الإنسان، لكان الناس جميعهم قد اختاروا هذا النوع من الرغائب لقوتها في قلب الإنسان، ولما حصل جهاد النفس قط. ولهذا فقد أخفى الله هذه الرغائب الشديدة في أعماق قلب الإنسان، وأظهر الرغائب الضعيفة لكي تتوفر أرضية جهاد النفس.
في السنين السبع الأولى من عمر الإنسان تتبلور الرغبات السطحيّة، وتلك المرحلة هي وقت تجربة هذه الرغائب، فقد أوصانا الإسلام أن نجعل الطفل أميرا في البيت وندعه وشأنه يفعل ما يشاء، لتتبلور رغباته السطحية، فلابدّ أن يجرّب هذه الرغبات ويذوق طعمها قدر المستطاع ليعرف الطعم الحلو ويذوق الراحة ويأنس بالمحبة والحنان. كما تتبلور في وجوده الأنانية ويظهر في السنة الثالثة من عمره الحسد أيضا. ثم بعد سنتين يحاول أن يقلّد الكبار ويلبس ملابسهم لتكون علامة على بوادر حبّ العظمة وحبّ الكِبَر وحب المقام.

يزعم البعض أن رغباتهم الرخيصة والسطحيّة أشدّ من غيرها وإن مخالفتها صعب جدا

إن هذه الرغبات التي يتعرف عليها الطفل في السنين السبع الأولى من حياته، ليست برغبات سامية بل هي رغائب سطحية يميل إليها الإنسان كما يميل إليها الحيوان وجميع الحيوانات يدركون هذه الرغبات ويتحركون على أساسها وليس لهم شأن سواها ولا يفهمون شيئا وراءها. إن هذه الرغائب السطحية تظهر نفسها كرغائب شديدة، ولكنها ليست بشديدة. فإن هذه الرغائب السطحية التي تجربها وتعيشها لا تقدر على إمتاعك كثيرا إذ أنها سطحيّة ولم تمتدّ بجذورها إلى أعماق قلبك.
يزعم البعض أن رغباتهم الرخيصة والسطحية أشدّ من غيرها في وجودهم وإن مخالفة هذه الرغائب عمل عسير جدا. بينما إن يبدأوا بجهاد هذه الرغائب، سوف يلتذون بهذا الجهاد شيئا فشيئا وسوف لا يعيرون قيمة لهذه الرغبات السيئة والسطحية. لقد خفي تحت محيط وجود الإنسان سلسلة جبال مرتفعة جدا ولكنها غير ظاهرة، فهناك محلّ استقرار رغباتك الثقيلة جدا ولا سبيل لكشفها إلا بالغوص والغور في أعماق هذا المحيط.
ما هو الطريق للوصول إلى الرغبات الأعمق؟ هل الطريق هو أن يعمد الإنسان إلى عشق الله في أول خطوة؟! كلا. الخطوة الأولى هي أن تذبح رغباتك السطحية. فحاول أحيانا أن لا تأكل الطعام المحبذ لك، بل كل خبزا مع لبن. فابدأ بمنازعة نفسك ومخالفتها في رغباتها السطحيّة. تمرّن على جهاد النفس حتى تموت سبعين مرة في اليوم من شدة الجهاد. ولا تنطق بكل ما رماه هواك إلى لسانك، فكف عن الكلام بكثير مما يحلو لك التحدّث به، حتى إن كان ظاهر الكلام جيدا أو كان بصيغة نصح الآخرين أو إرشادهم، إذ أحيانا نلبّي شهوتنا في الكلام عبر ما يسمى بالكلام اللطيف والنصائح النافعة.

يتبع إن شاء الله...

راية علي 16-06-2014 09:29 PM

رد: الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني، للأستاذ بناهيان
 
اللهم صلِّ على محمد وآلِ محمد
يعطيكـِ العآآآآفيه

نهجنا الإسلام 18-06-2014 08:50 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 8-2
 
إن أهل جهاد النفس يجدون لذة في حياتهم لا يجدها أهل الفسق والفجور

إن مخالفة النفس أمر صعب في الظاهر، إذ تريد أن تخالف رغبة ونزعة ظاهرة، ولأنّها ظاهرة تشعر بأنّها رغبة شديدة، وهذا ما يجعلك تعتبر مخالفة هذه الأهواء أمرا عسيرا. ولكن هذه المخالفة في الواقع هي من أجل الوصول إلى الرغائب الخفيّة التي هي أعمق وأمتع وألصق بالفؤاد. ولهذا عندما نبدأ في هذا الجهاد ونخطو بعض الخطوات إلى الإمام ونذوق شيئا من رغائبنا العميقة، عند ذلك ندرك أن هذه المخالفة ليست بصعبة أبدا.
إن ماهيّة العسر والألم هو أن يكون الشيء مخالفا لهوانا وإنّ ماهيّة اللذة والسرور هو أن يكون الشيء موافقا لهوانا. إذن فعندما يقوم أحد بمخالفة أهوائه السيئة ويصحّي رغباته الجيّدة ويلبّي نزعاته العميقة والقيّمة، يشعر بلذّة لم يذقها أهل الفسق والعصيان في حياتهم قط.
إن عبادة الله يمثّل نزعة عميقة وممتعة جدا في وجود الإنسان. وإنه أقوى وأمتع بكثير من الميل إلى الشهوات، ولكنه أخفى من حبّ الشهوات. فمن هذا المنطلق إن من يلبي رغبته في عبادة الله ويرضي ربّه، يتمتع بلذة لن يجدها من يقوم بإرضاء هوى نفسه أبدا. فعلى سبيل المثال، من الذي يشعر بلذّة أقوى؛ هذا الذي يسبّ ويشتم إرضاء لهواه، أم الذي يسيطر على لسانه إرضاء لربّه؟ فلا شك في أن لا قياس باللذة التي يجدها الثاني تجاه لذّة الأوّل. وأيّهما أشدّ لذة؛ من يقابل السوء بالسوء والانتقام إرضاء لهوى نفسه، أم من يعفو عن الناس إرضاء لربّه؟

كل من تزداد لذته بعلاقته بالله، يزداد بالمقابل أجرا من الله

واللطيف هو أن الذي يحظى بمزيد من اللذة وأقواها بسبب إرضاء الله في حياته، يُفترَض أن يزداد دَيْنا لله بسبب زيادة اللذة التي عاشها في حياته، ولكنّ الله يزيده أجرا ويرفع درجاته في الجنان. إنّ من لطف الله وكرمه هو أن كلما ازداد الإنسان انتفاعا من الله، يزداد نصيبه من الله في الجنة. يعني كل من عاش لذة أشد وأقوى في ظلّ علاقته مع الله في هذه الدنيا، يزداد أجرا منه سبحانه وتعالى. غيّر رؤيتك عن الله، فإن الله لم يرد منك أن تضحّي برغباتك ولذاتك في سبيله، بل أراد أن تضحي بلذاتك السطحية والقليلة في سبيل لذاتك العميقة والشديدة!
عندما تطبخ أمّ لولدها طعاما، كلّما التذّ الولد بطعام والدته وأكل من الطعام أكثر، تزداد الأمّ فرحا. ولا شكّ في أن الله الذي خلق الأمّهات، هو أرحم بعباده منهنّ جميعا.

الإنسان الذي يجاهد نفسه لم ينجز شيئا

لا ينبغي للإنسان الذي يجاهد نفسه، أن يعتبر نفسه قد أنجز شيئا خارقا وقام بعمل شاقّ، إذ أن اللذة التي يجدها في خضمّ جهاد نفسه، لن يجدها الفسقة وشرابو الخمر أبدا. فهو لم يكن يطلب اللهَ شيئا بهذا الجهاد، بل يزداد دَينا له، إذ قد لبّى رغبات قلبه العميقة وحظى بمزيد من اللّذة، وقد نال ما يميل إليه ويرغب فيه واقعا، وبعد كل هذا سيثيبه الله بالجنة لكونه قد لبّى رغباته الحقيقية! وهذا من لطف الله، فلا ينبغي أن نتوهم بأننا قد أنجزنا شيئا كبيرا.

إن الذين يجاهدون أنفسهم يلتذون في حياتهم أكثر من أهل الفسوق والفجور/ إن مخالفة النفس إرضاء للنفس في الواقع

إن أهل الفسق والفجور لا يعيشون لذة أولئك الذين يقومون بتلبية رغباتهم العميقة والفطرية والخفية ولا يشعرون بسرورهم، إذ أن مخالفة النفس هي إرضاء للنفس في الواقع، وهي عبارة عن العبور من أميال النفس السطحية لتلبية الرغائب العميقة والجيّدة في النفس.
سألني أحد الإخوة وقال: «ألا يتعقّد الإنسان نفسيّا فيما إذا جاهد نفسه ليل نهار وحرمها عن لذّاتها؟». قلت له: بالتأكيد! فإن أدمن الإنسان على مخالفة نفسه وهواه يتعقّد نفسيا ويبتلى بمرض في أعصابه وتضعف قواه وقد يحقد على الناس ويصاب بستين مرض آخر! ولكن إنّ مخالفة النفس، ليست مخالفة جميع أبعاد النفس، بل إنما هي مخالفة الجانب السطحي والرخيص منها، وفي نفس الوقت الذي تجاهد فيه هذا البعد من النفس، تلبّي رغبة رائعة وعميقة جدا في نفسك.
يقول الرسول الأكرم(ص): «النَّظَرُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ فَمَنْ تَرَكَهَا خَوْفاً مِنَ اللَّهِ أَعْطَاهُ إِيمَاناً يَجِدُ حَلَاوَتَهُ‏ فِي‏ قَلْبِهِ‏»[جامع الأخبار/ص145]. وقال (ص): «النظر إلى محاسن‏ النّساء سهم من سهام إبليس فمن تركه أذاقه الله طعم عبادة تسرّه»[مستدرك الوسائل/ج14/ص271]. فإن غضّ أحد النظر وترك اللذة ولم يجد تلك اللذة العميقة وطعم العبادة فليعلم أن لم يكن غضّه البصر في سبيل الله وإلا لوجد هذه اللذة.

في سبيل كشف رغائبنا العميقة والكامنة ولا سيما رغبتنا في عبادة الله، لابدّ لنا أن نضحي بأهوائنا ورغائبنا السطحية

في سبيل أن نكشف رغبتنا العميقة والكامنة المتمثلة بحب عبادة الله، لابد أن نجاهد رغائبنا السطحية والتافهة وأن نضحّي بها في سبيل الرغائب العميقة، أي لابدّ أن نقف أمام شهواتنا وأهوائنا. وعليه فلابد أن نخاطب ربنا في سجّادة الصلاة ونقول له: «إلهي! أنا الآن أسير بيد رغباتي السطحيّة ولا أدرك لذة عبادتك، ولكني سمعت أن هناك حقائق وراء هذه الظواهر فصدقت نبيّك، وأنا الآن أصلّي بين يديك بلا أن أشعر بلذة الصلاة...»
أساسا إن الصلاة تمثّل جهادا للنفس، إذ ليس فيها جذابيّة في بداية الأمر، وعادة ما نحاول أن نصلّي ونتمّ الصلاة تأدية للواجب وحسب، ولكن من أجل أن نرغم أنف نفسنا ونحارب أهواءنا، ينبغي أن نصلي باطمئنان وهدوء وبدون استعجال. فكلما أردت أن تستعجل في صلاتك وتكملها بسرعة، أبطئ في صلاتك وكرّر أذكارك لتلوي عنق نفسك وتقعدها في مكانها.
أتذكر في زمن كنّا نصلي خلف آية الله الشيخ الأراكي(رضوان الله عليه) حيث كان يصلّي في مسجد صغير جدا في جوار ضريح السيدة المعصومة(ع)، ولكن كانت صلاته طويلة جدّا ولا تقاس بصلاة الشيخ بهجت من حيث طولها. فكانت صلاته ترغم أنف النفس. فمن كان يريد أن يلوي عنق نفسه، كان يصلي خلفه. فإذا وجدتم إماما يصلي صلاة طويلة، اقصدوه بعض الأيام وصلّوا خلفه لتخالفوا بتلك الصلاة نفوسكم وترغموا أنفها.


يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 21-06-2014 01:46 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 8-3
 
أحيانا يصبح جهاد النفس في سبيل النفس

ليكن بعلمك أخي أن بعض الناس يجاهدون أنفسهم من أجل النفس، فلا تخرّب جهادك. من قبيل من يمسك نفسه عن السبّ والشتم حفاظا على سمعته، أو من يترك حب الغضب تلبية لحبّ المقام في نفسه. فعلامة هذا الإنسان هي أنه مهما تأدب وحسّن أخلاقه وجاهد نفسه، لا يرغب في الصلاة، إذ لم يكن جهاد نفسه في سبيل الله.

إن جهاد النفس هو مراعاة النفس في الواقع، ومخالفة اللذّات هو نيل اللذات في الواقع، ولكن لذة عميقة وغزيرة

عندما يتجه الإنسان نحو الحسنات ورغباته العميقة، ويجاهد أهواءه السطحية في هذا المسار، سيذوق لذة هذا الجهاد بلا ريب، وإن الله يذيقنا هذه اللذة بسرعة. أساسا إن جهاد النفس هو مراعاة النفس في الواقع، ومخالفة اللذات هو نيل اللذات في الواقع، ولكن لذة عميقة وغزيرة لا سطحية وقليلة. ولهذا إن بعض الناس يحرصون على العبادة، فتراهم يجلسون في المسجد منتظرين وقت الصلاة، فهم يجاهدون أنفسهم ويعيشون لذة حقيقية في حياتهم.

إن حقيقة حياة الإنسان هي اختيار خير الرغائب مما هي أدنى عن طريق «العقل»/ العقل قوة لاختيار خير الرغائب

إذن هكذا يمكن أن نعرّف حياة الإنسان: «اختيار الرغائب الأفضل من الرغائب الأدنى»، ويتم هذا الاختيار عبر قوة في وجود الإنسان باسم العقل. لمّا خلق الله العقل أعطاه زمام الإنسان إذ به يُعبَد. «الْعَقْلُ‏ مَا عُبِدَ بِهِ‏ الرَّحْمَنُ‏ وَ اکْتُسِبَ بِهِ الْجِنَان»[هدایه الأمة/ج1/ص4].
يختلف العقل عن العلم، ولهذا عندما يسيء الإنسان في اختيار رغائبه ويختار الخيار الأدنى يقال له: أنت عديم العقل، وعندما يصيب الاختيار ويختار الخيار الأفضل يقال له: أنت إنسان عاقل.
لقد خلق الإنسان ليختار من مجموع الخيارات، ولولا ذلك لما استطاع أن ينتج قيمة مضافة. ولابدّ للاختيار أن يكون من بين نوعين من الرغائب؛ رغبة أشدّ ولكنها كامنة، ورغبة أضعف ولكنها ظاهرة. وإن الرغائب الضعيفة والظاهرة يعني هذه الأهواء والشهوات هي التي تحجز الإنسان عن كشف رغباته العميقة والكامنة. لذلك ينبغي للإنسان أنّ يدمن على محاربة أهوائه النفسانية ورغائبه السطحية والواضحة ويضحّي بها ليصل إلى رغباته العميقة والفطريّة. وإنّما يستطيع الإنسان أن ينجز هذا الإنجاز بالعقل. العقل هو الذي يحذرنا من الاغترار بالرغبات الظاهرية، وهو الذي يشجعنا على الاهتمام بالرغبات العميقة فإنها أكثر لذة. ويقول لنا: دع هذه النزعات السطحية لتكشف رغباتك العميقة.

لماذا لا يتضرع المذنبون إلى الله؟

لماذا لا يتضرع المذنبون إلى الله؟ لأنهم يخافون من الله بشدّة، ويتصورون أن الله بصدد الانتقام منهم. إنهم قد تنكروا لله وظنوا أن الله قد تنكر لهم أيضا.
ما هو انطباعكم عن الله وأنتم تتوبون إليه من ذنوبكم وتخافون منه؟ لماذا يضيق صدركم وتتوبون من ذنوبكم؟ هل تعتذرون إلى الله لأنكم لم تمتثلوا كلامه والآن تخافون أن يعاقبكم عقابا عسيرا؟ وهل أنكم تتوبون إليه مخافة سوطه؟ وهل تنظرون إلى الله كخصم قوي لا يمكن منافسته؟ في حين أن الله قد أراد أن تلتذوا أكثر في حياتكم، وأراد أن تفعّلوا رغباتكم الفطرية، ولهذا ولأنكم قد أضررتم بأنفسكم وحرمتم أنفسكم من مزيد اللذة، لم يرض منكم وغضب علیکم، فإنه لم يرض منا لشدّة حبه لنا. والآن فهو لا يريد أن يضربكم بل يريد أن ترجعوا إليه.
يقول الإمام الباقر(ع): «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ وَ زَادَهُ فِی لَیْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَوَجَدَهَا فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ ذَلِکَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ حِینَ وَجَدَهَا». [الكافي/ج2/ص435] فلابدّ أن نرجع ونعيد بناءنا المعرفي بالله وبالإنسان والحياة من جديد.
إلهنا سبحانك أن تكون محتاجا إلينا فلماذا تفرح بهذه الشدة عند توبتنا؟! إلهنا أنت الذي قال في وصفك الإمام السجاد(ع): «الحمد لله الذي تحبب إلي وهو غني عني» فلماذا تفرح بتوبتنا إلى هذا الحد؟ إنه أراد أن نزداد لذة في الدنيا لنزداد قابلية للتنعم في يوم القيامة وعند لقاء الله. إنه أراد بهذه الأحكام أن نتعطش إلى اختيار الخيار الأفضل ولتكون الدنيا مقدمة للتمتع والالتذاذ بلقاء الله بعد الموت وفي يوم القيامة وفي جنات الخلد. فكان البرنامج الإلهي لنا هو أن ننتعش بذكر الله وجمال الله في الدنيا، ثم يدعونا إليه، لنتمتع باللذة الكاملة عند لقائه.

صلى الله عليك يا أبا عبد الله

إن جهاد النفس يتخذ منحى آخر في مراحله المتقدمة، فكلما كان يشتدّ الأمر بالحسين(ع) ويقدم الأضحية واحدا بعد الآخر كان يشرق لونه وتهدأ جوارحه وتسكن نفسه، فيقف الإنسان حائرا أمام قلب الحسين(ع) عاجزا عن فهمه ووصفه.
أنا أريد أن أخاطب الحسين(ع) وأقول له: يا أبا عبد الله! عندما ودّعت علي الأكبر، أما قدّمته أضحية لله سبحانه؟ ونحن نعلم كم أنت تحب أن تقدم ضحايا في سبيل الله. فما هذا البكاء عليه أمام الأعداء حتى أوشكت بالموت حين وضعت خدك على خده؟!
اسمحوا لي أن أجيب بكلمة واحدة. ألا تحترق أكبادكم إذا جاء أحد ومزّق أمامكم صورة النبي الأكرم(ص)؟! كان علي الأكبر أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسول الله(ص)، وإذا به رآه مقطعا بسيوف القوم...

ألا لعنة الله على القوم الظالمين

نهجنا الإسلام 25-06-2014 03:18 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 9-1
 
إليك ملخص الجلسة التاسعة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

بودّي في هذه الجلسة أن ألخّص مجمل ما ذكرناه في الجلسات السابقة وأستعرض ما خرجنا به من نتائج، لكي يطّلع عليه الإخوة الذين لم يرافقونا من الأول، وكذلك يحصل الإخوة الذين تابعونا من بداية الأبحاث على صورة واضحة عن مجمل ما طرحناه في الليالي الماضية. لابدّ لنا في هذا البحث أن نطوي ثلاثة مراحل، ونحن لم نطوِ عبر الجلسات الماضية إلا المرحلة الأولى منه.

1ـ نحن بحاجة إلى برنامج واحد للحياة والعبادة

نحن ومن أجل أن نحظى بحياة وعبادة أفضل، بحاجة إلى برنامج جيّد. وأساسا نعتقد أن البرنامج الذي يحسّن حياتنا من شأنه أن يحسّن عبادتنا أيضا. وبالعكس، إن البرنامج الذي يحسّن عبادتنا يحسّن حياتنا أيضا.
لابدّ أن يكون هذا البرنامج نافعا لجميع الناس بلا فرق بين المتديّن وغيره، فإذا لم يكن الإنسان متدينا، ينبغي لهذا البرنامج أن يعينه على تحسين حياته، وإن كان متديّنا يعينه على عبادته. ولهذا فمثل هذا البرنامج يهيّئ الأرضيّة لتحاور المتديّنين مع غير المتدينين، كما أن كثيرا من رواياتنا قد اتخذت هذا الخطاب في أسلوبها، يعني أنها قد أشارت إلى أساليب وآداب في الحياة بغض النظر عن الدّين والإيمان، حتى إذا لم يرد أحد أن يعمل بمفادها بدافع ديني، يعمل بها بدافع تطوير حياته.

2ـ يجب أن يكون البرنامج متناسبا مع «تركيبة وجود الإنسان» و «ظروف الحياة الطبيعية»

يجب أن يكون البرنامج متناسبا مع «تركيبة وجود الإنسان» و «ظروف الحياة الطبيعية». فلا ينبغي أن يكون البرنامج خياليّا وبلا علاقة مع هويتنا الإنسانيّة وتركيبتنا الوجودية. وبالإضافة إلى ذلك لابدّ لهذا البرنامج أن يكون منسجما مع خصائص حياة الإنسان والسنن التي تتحكم في عالم الوجود.
فعلى سبيل المثال إحدى خصائص الحياة الدنيا هي أنها كلّما تعطي الإنسان شيئا تسترجعه منه، فإن أعطته الشباب أو الصحّة لا تبقيه على حاله بل تعود إليه وتسلبه ما منحته في الماضي. هذه من طباع الدنيا. وكذلك الدنيا لا تخلو من مشاكل ومنغّصات، فلابدّ أن يؤذيك أحد في حياتك، إما زوجك وإمّا جارك وإما أن تلتقي بعابر مارّ يؤذيك. إن درب الحياة الدنيا لا يخلو من الأشواك ولا فائدة لعقد آمال القلب وأمانيه بعيش خالٍ من المشاكل والمنغّصات. إذن لابدّ أن يكون البرنامج على أساس هذه الميزة في الحياة الدنيا.
مع الأسف إن أكثر مناهجنا الدينية المدوّنة قد تم تنظيمها بغض النظر عن خصائص الحياة. وأساسا أحد المواضيع التي نعاني من الضعف فيها هو معرفة الحياة. بينما هناك قسم كبير من آيات القرآن قد تصدت لتبيين خصائص الحياة.

3ـ أهم رأسمال الإنسان قلبه، أي موطن أمياله/إن أميال الإنسان تمثل الطاقة المحركة لنشاطه

أهم رأسمال الإنسان قلبه الذي هو موطن أمياله ونزعاته. ففي الواقع إن أميالنا ونزعاتنا تمثل أهم رأسمالنا. فإن نزعاتنا هي التي تربط علاقتنا بالحياة وتدفعنا بالطاقة للحركة والنشاط، ففي الواقع إن أميال الإنسان تمثّل الطاقة المحرّكة في وجوده. إن سلطان روح الإنسان قلبه والقلب هو مقرّ الأوامر والإيعازات وهو الذي يأمر الإنسان بالتحرك والنشاط في سبيل سدّ احتياجاته.

4ـ من أهم خصائص الإنسان هو تعارض نزعاته/هناك تضارب في ذات الإنسان

من أهمّ خصائص قلب الإنسان أي مقرّ نزعاته هي أنه ينطوي على أميال ورغائب متضاربة، وليس للإنسان بدّ سوى أن يختار بعض هذه الأميال ويكفّ عن بعض أخر، وبطبيعة الحال سوف يواجه متاعب ومصاعب ومحن في هذا المسار. نحن لم نولد برغبة واحدة بل قد ولدنا برغبات مختلفة ومتنوّعة، فإن اتجهنا لأيّ من هذه الرغبات سوف نقعد عن الأخرى. فمن هذا المنطلق هناك نزاع وتضارب دائم في ذات الإنسان بين مختلف نزعاته المتعارضة.
ينطوي الإنسان على أهواء مختلفة وإن بعضها متضادة ومتعارضة مع بعض وهناك عداء في ما بينهم. ولهذا فإن في ذات الإنسان تضاربا ونزاعا وعليه فدائما هناك ضحايا في ذات الإنسان، إذ لا سبيل له سوى أن يضحّي ببعض رغباته في سبيل بعض أخر.
إن هذا التضارب يبعث في ذات الإنسان حيرة لا مناص منها، إذ هو يحبّ جميع «رغباته»، ولكن ليس بوسعه أن ينال جميعها، فيضطر إلى أن يختار بعضا منها دون الباقي. ثم إن عمليّة الاختيار تحتاج إلى تضحية، وهي بمعنى العبور من إحدى الرغبات في سبيل الوصول إلى رغبة أخرى، إذ لا مجال للحصول على جميع الرغائب معا. إذن لا يخلو ذات الإنسان من الحلاوة والمرارة معا.

5ـ هناك نوعان من الرغبات في وجود الإنسان: 1ـ الرغبات السطحيّة والظاهرة وهي بالفعل و2ـ الرغبات العميقة والخفيّة وهي بالقوّة

هناك رغبتان عامّتان في وجود الإنسان؛ 1ـ الرغبات السطحية والظاهرة وهي بالفعل 2ـ الرغبات العميقة والخفية وهي بالقوّة. وعادة ما تسمى الفئة الأولى بالرغبات الغريزية وتسمّى الثانية بالرغبات الفطريّة. وإن النزاع القائم في وجود الإنسان هو بين هذين النوعين من الرغبات.
وإن تبدو الرغبات السطحية أشدّ وأقوى في بادئ الأمر ولكن النزعات والأميال العميقة هي الأقوى. إن اللذة التي يعيشها الإنسان بعد ما يلبّي رغباته العميقة والكامنة كثيرة جدا ولا تقاس باللذة القليلة والمحدودة الحاصلة بعد تلبية الرغبات السطحية.

6ـ يبدأ الإنسان بتجربة الرغبات السطحية ولكن لا يقف عندها

يبدأ الإنسان بتجربة الرغبات السطحية ولكنه لا يشبع بها، فلا يشعر إنسان بالرضا بعد تمتعه بالرغبات السطحية بل لا يزال حائرا ويبحث عن لذة من نمط آخر تشبع روحه.
في الواقع لا يقنع إنسان بتلبية رغباته السطحية ومهما تمادى في التمتع بهذه الرغبات يزداد إصرارا وولعا بتجربة المزيد من اللذة إذ لم تستقر روحه ولم يشعر بالرضا. وذلك لأنه لم يلتفت إلى رغباته الحقيقية والعميقة التي لا تقنع النفس إلا بها.

يتبع إن شاء الله...

رسل الصالحي 28-06-2014 01:35 PM

رد: الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني، للأستاذ بناهيان
 
http://www.noorfatema.org/up/uploads/13728022812.gif
جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..


جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا
وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا
جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآ عَطآئُگ

نهجنا الإسلام 28-06-2014 03:27 PM

رد: الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني، للأستاذ بناهيان
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رسل الصالحي http://www.noorfatema.com/vb/rmadan/...s/viewpost.gif
http://www.noorfatema.org/up/uploads/13728022812.gif

جزاگ اللهُ خَيرَ الجَزاءْ..


جَعَلَ يومگ نُوراً وَسُرورا

وَجَبالاُ مِنِ الحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحورا

جَعَلَهُا آلله في مُيزانَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآ عَطآئُگ


حياك الله أختي الكريمة
شكرا جزيلا على المرور النير

نهجنا الإسلام 28-06-2014 03:29 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 9-2
 
7ـ إن غاية الرغبات العميقة والفطريّة في الإنسان هي طلب الله والشوق إلى لقائه

إن غاية الرغبات العميقة والفطريّة في الإنسان هي طلب الله وعشق التقرب منه والشوق إلى لقائه. إنّ العشق المحوري الكامن في قلب الإنسان هو حب الله ولم يكن الإنسان بطالب شيئا كحب الله، ولكنه حبّ محجوب في القلب وغالبا ما تخفيه الرغبات السطحية وتمنع الإنسان من كشفها ونيلها. إن محور الإيمان ليس «وجود الله» إذ أن الإيمان بوجود الله مقدمة الإيمان، بل محور الإيمان هو «حب لقاء الله».

8ـ «الطريق الوحيد» هو غضّ الطرف عن الرغبات الظاهرية، للوصول إلى الرغبات العميقة

«الطريق الوحيد» للحصول على حياة طيّبة وعبادة جيّدة هو أن نغض الطرف عن رغباتنا الظاهرية وما هي بالفعل لنصل إلى الرغبات العميقة والتي هي بالقوة. لابدّ أن نضحّي برغباتنا السطحيّة وهذه النقطة هي مبدأ انطلاقنا في جهاد النفس. وإن مفعول جميع المفاهيم الدينية كالإيمان والتقوى والقيامة ونار جهنّم والجنّة هي أن تأخذ بأيدينا في هذا الطريق. وكذلك لابدّ أن نفهم أثر أولياء الله وحبهم في هذا الإطار، وبالتأكيد إن دور أبي عبد الله الحسين(ع) في هذا المسار دور خاصّ.

إن حب الحسين(ع) هو النزعة الفطرية والخفية الوحيدة التي يمكن كشفها بسهولة

إن الإمام الحسين(ع) يمثل أروع فرصة للإنسان لكشف فطرته. إن حب الحسين(ع) هو تلك النزعة الفطرية والخفية الوحيدة التي يقدر الإنسان على كشفها في قلبه بسهولة، وحتى بإمكان الناس العاديّين الذين لم يطووا مدارج التقوى أن يجدوا هذا الحب في قلبهم.
من أجل كشف حب الله، لابد أن تستأصل حب الدنيا من قلبك تماما، ولكن لا يشترط ذلك في حبّ الحسين(ع)، إذ يمكن للقلب المحب للدنيا أن يحبّ الحسين(ع) ويذوق حلاوة حبّه بسهولة. فإذا أراد الإنسان أن يعيش تجربة حبّ الله ويعرف جنس هذا الحبّ، بإمكانه أن يعرف ذلك عبر الشعور بلذة حب الحسين(ع).

9ـ من أهم قدرات الإنسان هو قدرته على تحديد الأولويات بين مختلف أمياله، أي «التعقل»

بعد ما عرفنا هذه الحقيقة وعدم إمكان تلبية جميع الرغبات معا، وأن لابدّ من اختيار بعضها دون الأخرى، فلابدّ أن نرى بأيّ وسيلة يجب أن نقوم بهذا الاختيار. من أهمّ قدرات الإنسان هو قدرته على تحديد الأولويّات وهو ما يسمّى بالتعقّل. إذن يمكن أن نقول: أهمّ «رأسمال» الإنسان هو أمياله ونزعاته و أهم «قدرة» في وجود الإنسان هي العقل.
العقل يفتينا بأن العشق الخالد واللذة الباقية أفضل بلا ريب. وهناك حرب قائمة بين العقل وهوى النفس، إذ أن العقل يختار النزعات الأفضل والأعمق والأبقى أما هوى النفس فيميل إلى النزعات الأقل قيمة والأكثر سطحية وظهورا.
وعلى أساس ما روي عن رسول الله(ص)، كلّما يفضّل الإنسان رأي هوى نفسه على عقله، ينقص من إمكانيات عقله شيء لا يرجع أبدا؛ «مَن قارَفَ ذَنباً فارَقَهُ عَقلٌ لا یَرجِعُ إلَیهِ أبداً» [میزان الحکمة/ الحدیث6751].

10ـ إن في الاهتمام بالأميال السطحيّة مشكلتين: 1ـ لن يطمئن قلب الإنسان مهما نال منها 2ـ لن يقدر على نيل جميعها أبدا

إذا تمحّض الإنسان في تلبية نزعاته الغريزيّة والظاهريّة سيواجه مشكلتين: 1ـ لن يطمئن قلب الإنسان مهما نال منها 2ـ لن يقدر على تلبية جميع هذه الأميال السطحية. وبعبارة أخرى سواء ألبّى رغباته أم لم يلبّها فهو يشعر بالخيبة.

11ـ إن تلبية الرغبات العميقة تواجه مشكلتين: 1ـ لا يمكن تجربتها في بادئ الأمر 2ـ لابدّ وفي سبيل نيلها من غض البصر عن اللذات السطحيّة

ماذا يواجه الإنسان في ما إذا عمد إلى تلبية رغباته العميقة؟ إن تلبية الرغبات العميقة أيضا لا تخلو من مشكلتين:
الأولى هي أن لا يمكن تجربتها في بادئ الأمر؛ يعني عادة ما لا يذوق الإنسان طعم نزعاته الفطريّة العميقة في البداية، إلا القليل أو بعض النزعات العميقة الخاصة من قبيل حب الحسين(ع).
المشكلة الثانية التي تواجهنا هي أنّ نيل هذه الرغبات يقتضي غضّ النظر عن بعض اللذائذ والأميال السطحيّة والتضحية بها. ولهذا فأوّل ما يبدأ الإنسان بالعبور عن هذه النزعات السطحيّة يواجه صعوبة، خاصة وأنه لم يذق طعم النزعات العميقة بعد، وقد تخلّى عن أهوائه الغريزيّة. فعليه أن يصبر في هذه المرحلة لينال غايته بالتدريج. ولكن ما يمنع الإنسان من التوفيق هو خوفه من «الحرمان من تلك، والفشل في هذه»، فلابدّ من الغلبة على هذا الخوف الكاذب، فقد بُعِث الأنبياء جميعا ليطمئنونا على أن هناك حقائق وبشارات، فاسعوا لها سعيها.

يتبع إن شاء الله...


نهجنا الإسلام 29-06-2014 03:56 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 9-3
 
12ـ إن مخالفة الأميال السطحية بحاجة إلى «برنامج» والدين هو المرجع لإعطاء البرنامج/ لماذا لا يمكن جهاد النفس بلا برنامج؟

إن مخالفة الأميال السطحيّة بحاجة إلى برنامج والدين يمنح الإنسان هذا البرنامج الجهادي. إن مجمل البرنامج الديني بشكل عام وفلسفة جميع الأحكام الدينية وحتى العبادات هو جهاد النفس.
لماذا لا يمكن جهاد النفس بلا برنامج؟ إذ أن جهاد النفس ومخالفة الأهواء لا يعني رمي جميع النزعات الظاهرية والقضاء عليها! بل لا ينبغي ذبح هذه النزعات واستئصالها كما يجب تلبية بعضها أحيانا. فعلى سبيل المثال إن جعنا يجب أن نأكل، وإن بلغنا ورغبنا في الزواج علينا أن نتزوّج.
فلو كان القرار أن نقضي على نزعاتنا السطحيّة والظاهرية جملة واحدة وأن نضحّي بجميع احتياجاتنا الابتدائية كالمرتاضين، لما كنا بحاجة إلى برنامج. وأساسا من صعوبات هذا البرنامج وتعقيداته هو أن لابدّ من تلبية بعض هذه الرغبات السطحيّة.

13ـ من أهم خصائص حياة الإنسان هو العناء لا اللذة

إن من أهمّ خصائص حياة الإنسان هو العناء لا اللذّة. يعني أن الأصل والأساس في حياتنا هو العسر والعناء؛ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فی‏ کَبَد)[البلد/4] وبالتأكيد إن هذا العناء لا يخلو من راحة ويسر؛ (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرا)[الإنشراح/6] ولكن الأساس هو العسر. لم تكن الدنيا مهيأة لتجربة حياة ملؤها اللذة والهناء والراحة وأن لا مشكلة في هذا البين إلا أن نمرّ من احتياجاتنا السطحيّة مرور الكرام وثم نحصل على حياة ممتعة في هذه الدنيا، كلا! إذ قد عجنت ذات حياة الدنيا بالعسر والحرمان.
يمكن تقسيم آلام الدنيا إلى قسمين؛ ثابتة ومتغيّرة. إن بعض الآلام ثابتة للجميع ولا مناص منها تقريبا. فعلى سبيل المثال قد فرضت طبيعة هذا العالم ألم المخاض على جميع النساء وهذا واقع لا مفرّ منه.

يحاول الكثير من الناس أن يفرّوا بأوهامهم عن هذا الواقع وهو «أننا مضطرون إلى تحمل العسر والعناء»

مع الأسف إن كثيرا من الناس غير مستعدين لاستماع وقبول حقيقة أن حياة الإنسان لا تخلو من العسر والعناء، كما لم يقتنع الكثير من الناس بحقيقة «أننا مضطرون إلى تحمل العسر والعناء». بما أننا لا نرغب في تحمل العسر والعناء، نؤمّل أنفسنا أن لا عسر إن شاء الله في حياتنا، في حين أنّ هذا الأمل وهمٌ محض. وقد بلغ امتداد هذه الأوهام إلى حدّ أننا أصبحنا لا نجرأ على ذكر قائمة الآلام والمحن الثابتة والمتغيرة في هذه الدنيا خوفا من طلّاب الراحة والدعة.
إذن أصبح تعريف حياة الإنسان هو «العسر والجهاد» إذ قد انطوت ذات حياة الدنيا على العسر ولابدّ في هذا الخضمّ من مخالفة أهواء النفس وأميالها، فهذان عنصران متلازمان في تعريف الحياة.

إن الآمال والأمانيّ النفسيّة تعمي الإنسان عن مشاهدة عسر الحياة ومشاهدة «الموت»

يخدع كثير من الناس أنفسهم ويكذبون على أنفسهم ولا يريدون أن يشاهدوا حقائق الحياة. وكما قال أمير المؤمنين(ع): «الْأَمَانِيّ‏ تُعْمِي‏ عُیُونَ‏ الْبَصَائِرِ»[غررالحکم/الحديث1417].
أحد أهم محاور مرارة الدنيا هو الموت. إن الالتفات إلى قضية الموت تفهّم الإنسان أن الحياة مرّة واقعا ولا تسمح لحلاوة الدنيا أن تأخذ مأخذها من قلب الإنسان. ولكن الأميال النفسانية والآمال الطويلة تعمي الإنسان عن مشاهدة عسر الحياة ومشاهدة الموت. لقد قال أمير المؤمنين(ع): «الْأَمَلُ‏ حِجَابُ‏ الْأَجَل»[عیون الحکم/ص43] وكذلك قال(ع): «الْأَمَلُ‏ سُلْطَانُ‏ الشَّیَاطِینِ عَلَى قُلُوبِ الْغَافِلِین»‏ّ[غررالحکم/الحديث1853]
وقد قال رسول الله(ص): «إنّ آدمَ قَبْلَ أن یُصیبَ الذَّنْبَ کانَ أجلُهُ بینَ عَیْنَیْهِ و أملُهُ خَلْفَهُ، فلمّا أصابَ الذَّنْبَ جَعَلَ الله ُ أملَهُ بینَ عَیْنَیْهِ وأجلَهُ خَلْفَهُ، فلا یَزالُ یُؤَمِّلُ حتّی یَمُوتَ»[میزان الحکمة/الحديث756]

14ـ مجمل حياة الإنسان عبارة عن: عسر + جهاد/ فلابد أن: 1ـ نعترف بمرارة الدنيا 2ـ نضيف إلى مرارتها مرارة جهاد النفس

إن الأجل يمثل أحد أهم عناصر مرارة الدنيا، وهو ينغّص كل حلاوة الدنيا ولذائذها، فسلّم لهذه الحقيقة ولا تحاول مصارعتها. هذه هي حقيقة الدنيا فلا تخدع نفسك. ليس بإمكانك أن تخدع الدنيا فاعبر منها فإنك إن خضت في الدنيا وآمالها، تصطدم بأشواكها وسوف لا تجني منها إلا الخيبة والحسرة. فالحل هو أن تعبر من الدنيا فهيا تمتّع بهذا الطريق.
الخطوة الأولى للالتذاذ والتمتع في الحياة الدنيا هو أن تعترف بأن الدنيا مرّة. بعد ذلك وبعد الاعتراف بمعاناة الحياة، لابدّ أن تخوض في معمعة أخرى وتوطن نفسك على مرارتها وهي ساحة جهاد النفس، فإن فعلت ذلك سوف تذوق حلاوة الحياة في هذه الدنيا قبل الآخرة. بهذا الأسلوب سوف تأتي الدنيا في قبضتك ويتسنّى لك أن تركب جَمَلها وتمسك بزمامها، لا أن تستحوذ عليك آمال الدنيا وأمانيها.
إن تركنا الدنيا وأسقطناها من عيننا لما فيها من مرارات ومعاناة وجاهدنا أنفسنا، سوف يصل بنا الأمر إلى أن تأتينا الدنيا بنفسها وتعطينا زمام أمرها.
فحصيلة الكلام هو هذا التعريف الموجز للحياة الدنيا، فهي عبارة عن: عسر وجهاد؛ العسر الذي تفرضه علينا الدنيا والجهاد الذي لابدّ لكل امرئ أن يمارسه مع أهوائه ونزعاته السطحيّة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نهجنا الإسلام 05-07-2014 02:10 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 10-1
 
إليك ملخص الجلسة العاشرة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

لقد حاولنا في الجلسات الماضية أن نصل إلى برنامج لرشدنا وارتقائنا على أساس «واقع وجود الإنسان» يعني كيفية وجود الإنسان والغرض من خلقته، وكذلك على أساس «واقع الحياة الدنيا» وكيفية تصميمها. وقلنا إن المحور الرئيس في حركة وجود الإنسان هو «مخالفة أهواء النفس». فلابدّ للإنسان أن يتدرب على التضحية من البداية. لقد انطوى وجود الإنسان على رغبات مختلفة لا يمكن أن ينالها جميعا. وكذلك دنيانا هذه قد ملئت بالآلام والمحن وكثيرا ما تنغص حياة الإنسان. وحتى عندما تعطي الإنسان شيئا وتلبي رغبته في مورد ما، فإنما ذلك مقدمة لسلب ذاك الشيء وإذاقة مرارة الحرمان للإنسان.
لم تصمّم الدنيا بهذا الشكل، بسبب زيادة قيمة المرارة على الحلا. ومن جانب آخر لا يلتذّ الله سبحانه بمعاناتنا، بل إن هذه المحن والمعاناة قد فرضت من أجل إنتاج القيمة المضافة وإحداث التغيير. إذ لابدّ ومن أجل إنتاج القيمة المضافة وإحداث التغيير أن ندع بعض ما نهواه ونشتهيه، وإلا فإن اتجهنا إلى ما نرغب، فلا أحدثنا تغييرا ولا أنتجنا قيمة مضافة.


لماذا يجب التأكيد على العناء في هذا الدرب؟

إذا أردنا أن نزداد ثمنا وتكون حركتنا ذا قيمة وثمن على خلاف النباتات والحيوانات والملائكة، لابدّ أن تجذبنا رغبة إلى ما هو عكس اتجاه الله من جانب، وتجذبنا رغبة أخرى إلى الله من جانب آخر.
كلما نخالف أهواءنا السطحية، فقد خطونا خطوة قيّمة إلى الله سبحانه. وبما أن هذه المخالفة سوف تحدث دائما في حياتنا، ولابدّ أن تحدث فإذن نحن في معاناة مستمرة في هذه الحياة الدنيا وفي حركتنا إلى الله سبحانه.
لماذا يجب أن نؤكد على العناء في هذا الدرب؟ لأن الإنسان ولشدّة حبّه للراحة والدعة واللذة، يزعم أنه سوف يصل إليها في هذه الدنيا، فيؤدي به هذا التوهّم إلى غير صواب. فمن أجل أن لا يقع الإنسان في هذا الفخّ، لابدّ أن يدخل عنصر العناء والألم في تفكيره ومنظومته الفكريّة. فلا يجب أن نتحدث عن فوائد الالتفات إلى موضوع العناء والتسليم للعناء وقبوله وحسب، بل لابد أن نأخذ بعين الاعتبار أضرار إهمال هذا الموضوع أيضا.

ما هي أخطار عدم توطين النفس على المعاناة؟ 1. القعود عن درب الحق الحافل بالمعاناة في المراحل النهائية


إن لم يحلّ أحد لنفسه قضية المعاناة في الدنيا، ولم ينطلق في حركته من موضوع العناء ولم يصحبه في الطريق، فإنه حتى وإن كان إنسانا صالحا، يحتمل أن يكون صلاحه ظاهريا وحتى قد يصبح إنسانا خطرا. إن بعض المتدينين قد تحملوا العناء في ديانتهم وفي أداء طقوسهم الدينية، ولكنهم لم يوطّنوا أنفسهم على أصل العناء في الحياة الدنيا، فأصبحوا يتربّصون الأيّام ليحصلوا على الراحة في الدنيا ولو عن طريق الدين.
لماذا وقف الخوارج أمام أمير المؤمنين(ع) مع أنهم كانوا قد قضوا حياتهم في تحمل عناء الزهد والعبادة؟! لأنهم لم يوطنوا أنفسهم على قبول أصل العناء، فما إن فرضت عليهم محنة جديدة من قبل أمير المؤمنين(ع)، لم يطيقوها وشهروا السلاح على أمير المؤمنين(ع). فإن لم يوطّن الإنسان نفسه على تحمل الصعاب والمعاناة في الدنيا بشكل عام، قد يعجز عن مواصلة الطريق في المراحل المتقدّمة.
وكذلك نجد للمعاناة موقعا خاصّا في حياة النبيّ إبراهيم(ع)، فإنه قد عانا ما عانا من المحن والآلام حتى نال مقام النبوّة، وحتى بعد نبوّته لم يسلم من المحن والآلام. ثم تحمّل العناء والألم سنين حتى رزقه الله ولدا، ثم عانا في تربية ولده وبناء الكعبة مع ولده. ثم بعد كل هذا العناء الطويل، أمره الله أن يقدم ولده قربانا! فيا ترى إلى أين يصل الإنسان في تحمل العناء؟! فمن لم يوطّن نفسه على تحمل «أصل العناء» في الدنيا، يعيى عن المواصلة ويقعد عن الطريق في أواخر المطاف.


يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 10-07-2014 04:03 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 10-2
 
لابدّ أن نعلم أن العناء مستمر معنا إلى آخر العمر

لماذا كل هذا التأكيد في الروايات على حسن العاقبة؟ إذ بقدر ما يعاني الإنسان من أجل الدين والعبادة يزداد خطر سقوطه. من اتقى ونهى نفسه عمرا طويلا، فإن لم يكن قد حلّ قضية المعاناة لنفسه، فهو في معرض الخطر أكثر من غيره، إذ يصبح مدّعيا ويشعر بأنه دائن وطالب بما قدمه من عناء، فإذا أراد الله أن يضيف إلى معاناته محنة أخرى، لم يعد يطيق ويعيى عن مواصلة الطريق. وما أكثر الذين قعدوا عن الطريق وارتدوا عن درب المعاناة في سبيل الله.
إن بعض الناس وبعد مدة من المعاناة في سبيل الله يسأم من العناء. فمن هذا المنطلق، أحد أسباب ضرورة الاهتمام بموضوع المعاناة، هو أن لا تملّ من المعاناة لطولها واستمرارها، فإنك إن لم توطّن نفسك على استمرار المعاناة في الدنيا قد تعجز عن المداومة وترجع عن الطريق.
لقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن یَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِیلًا)[الأحزاب/23]. فتدلّ هذه الآية على أن منتظري الشهادة هم في مرتبة الشهداء، إذ قد استقاموا على نهج الشهداء إلى آخر حياتهم. فالمهمّ هو الاستقامة حتى الموت، إذ أن القيمة التي قد أعطاها الله لفئة من المؤمنين ليست بسبب استشهادهم، بل بسبب بقائهم على العهد؛ فمنهم من قضى نحبه أي استشهد ومنهم من ينتظر.
لماذا أفرز الله هؤلاء المؤمنين عن غيرهم في هذه الآية؟ لأن ليس كل المؤمنين مستقيمين على طريقهم وليس كلهم يطيقون معاناة هذا الدرب حتى نهايته. حتى أن كثيرا من المجاهدين في صدر الإسلام قد انحرفوا عن الطريق بعد طول جهادهم بين يدي رسول الله(ص)، إذ قد يسأم الإنسان المعاناة في سبيل الله بعد مدة، ولعله يشعر بالطلب من الله. فيقول: «إلى متى نعاني من المحن والمشاكل؟ فهل عملنا قبيحا إذ اتقينا الله وسلكنا سبيل دينه وجاهدنا في سبيله؟ ثم بعد كل ذلك لابدّ أن نعاني مرة أخرى؟!»
بعد أن عانا الإنسان من محنة، لابدّ أن يجرّب محنة على مستوى أعلى. إن عالم المعاناة والمحن في هذه الدنيا يشبه مراحل العلاج الطبيعي، إذ أن العلاج الطبيعي لا يؤلم كثيرا في بادئ الأمر، وتظهر آلامه الشديدة في المراحل النهائية. وهكذا سبيل الدين، إذ لا يعاني الإنسان كثيرا في أوائل الطريق.
إذا أراد الله سبحانه أن يحصي المسلّمين لقضائه لا ينظر إلى الناس ليرى من المسلّم، بل يمتحن الناس على الدوام ويبتليهم بأنواع الشدائد والمحن ليرى هل قد سلّموا واقعا أم لا؟ حتى أن الإمام الحسين(ع) في آخر لحظات حياته وفي حفرة المذبح ناجى ربه وعبر أنه ما زال مسلّما: «إلهي... تسليما لأمرك»، ويا ترى هل بقيت مصيبة لم ينزلها الله على الإمام الحسين(ع)؟

ما هي أخطار عدم توطين النفس على المعاناة؟ 2. عدم القفز من الموانع والمرور من جنبها طلبا للراحة

الدليل الثاني على ضرورة توطين النفس على المعاناة، هو أنه إن لم يوطن الإنسان نفسه على تحمل المعاناة، عند ذلك بدلا من أن يقفز من الموانع، يمرّ من جنبها بلا مغامرة ومن وحي طلب الرّاحة. إن بعض المسلمين قد عاشوا تحت ظل الإسلام عمرا طويلا ولكنّهم عملوا بالإسلام بدهاء وشيطنة، إذ كلما اقتضى دينهم شيئا من المحنة والمعاناة، التفّوا حولها ومرّوا منها كراما. يعني أنهم قد انتقوا من الدين ما طاب لهم ولم يصطدم براحتهم، أما إن أراد الله منهم أن يجاهدوا أنفسهم ليعانوا في هذا الدرب، تركوا ما أراد الله ومرّوا منه. فإننا إن نمرّ من جانب الموانع بلا معاناة بدلا من أن نقفز عليها، لكي نريح أنفسنا من عناء جهاد النفس، فقد أعدمنا فرص رشدنا في الواقع.

إن بعض الناس يلتزم بالدين ما لم يطالبه بمخاطرة أو مغامرة

إن بعض الناس غير مستعدين على المخاطرة والمغامرة في الدين، ولهذا فإنهم لا يتخذون موقفا يلامون أو يهانون به، وبعبارة أخرى إنهم مواظبون على أن لا يواجهون مشكلة أو مصيبة في ديانتهم. طبعا لابد أن نعلم أن الله يبتلي الناس ويمتحنهم بحسب قابليتهم. وعلى أي حال إذا كان الإنسان قد وطن نفسه على تحمل العناء في الحياة الدنيا لن يتورط بهذا النمط من التديّن.
كان محمد بن مسلم إنسانا محترما وثريّا. ذات يوم قال الإمام الباقر له: تواضع، فقبل هذا الرجل نصيحة الإمام. لعله بدأ يفكر ويبحث عن ثغرات دينه التي جعلت الإمام يشير عليه بالتواضع. ولعلّه خرج بنتيجة أنه ما زال لم يقلع الكبر من قلبه، وأن لابدّ من وجود مانع وإلا لكان المفترض أن تصلح صلاته كلّ الشيء. رجع إلى الكوفة وأخذ سلة من تمر وميزانا وجلس على باب المسجد وبدأ يبيع التمر بصوت عال. فجاءه قومه وأبناء عشيرته وقالوا له: لقد أخزيتنا وشوّهت سمعتنا، فما هذا العمل؟... عن أبی النَّصرِ: «سَألتُ عبدَ الله ِ بنَ محمّدِ بنِ خالدٍ عَن محمّدِ بنِ مُسلمٍ فقالَ : کانَ رجُلاً شَریفا مُوسِرا ، فقالَ لَهُ أبو جعفرٍ علیه السلام : تَواضَعْ یا مُحمّدُ، فلَمّا انصَرَفَ إلَى الکوفَةِ أخَذَ قَوصَرَةً مِن تَمرٍ مَع المِیزانِ ، و جَلَسَ على بابِ مَسجِدِ الجامِعِ و صارَ یُنادی علَیهِ، فأتاهُ قَومُهُ فقالوا لَهُ : فَضَحتَنا! فقالَ : إنّ مَولای أمَرَنی بأمرٍ فلَن اُخالِفَهُ ، و لَن أبرَحَ حتّى أفرَغَ مِن بَیعِ ما فی هذهِ القَوصَرةِ . فقالَ لَهُ قَومُهُ : إذا أبَیتَ إلاّ أن تَشتَغِلَ بِبَیعٍ و شِراءٍ فاقعُدْ فی الطَّحّانِینَ ، فهَیّأَ رَحىً و جَمَلاً و جَعلَ یَطحَنُ» [الاختصاص/51].

يتبع إن شاء الله...

العسكرية 10-07-2014 05:41 PM

رد: الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني، للأستاذ بناهيان
 
اللهم صل على محمد و ال محمد
السلام عليكم و رحمة الله و بركات
اخبارك غاليتي نهجنا الاسلام ؟؟؟ ان شاء الله تكوني بخير
شكرا لك على الطرح المفيد و الجميل
اثابك الله الجنة عزيزتي
في امان الله وحفظه

نهجنا الإسلام 26-07-2014 08:52 AM

رد: الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني، للأستاذ بناهيان
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العسكرية http://www.noorfatema.com/vb/rmadan/...s/viewpost.gif
اللهم صل على محمد و ال محمد
السلام عليكم و رحمة الله و بركات
اخبارك غاليتي نهجنا الاسلام ؟؟؟ ان شاء الله تكوني بخير
شكرا لك على الطرح المفيد و الجميل
اثابك الله الجنة عزيزتي
في امان الله وحفظه


عليكم السلام أختي العزيزة
حياكم الله وبياكم وجعل الجنة مأواكم
شكرا جزيلا لكم على هذه الكلمات الطيبة

نهجنا الإسلام 26-07-2014 08:53 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 10-3
 
إن ديانة الإنسان الفارّ من المعاناة ديانة بلا فائدة

إنّك إن لم تحل قضية المعاناة لنفسك، قد تكون متديّنا ولكن يفرغ دينك من مضمونه وأثره في ترقيتك. فيا ترى ما كنا نفعل لو كنا في مقام محمد بن مسلم وكنّا قد واجهنا الإمام بهذه النصيحة؟ لعلنا كنا نقول: نعم، لابدّ من التواضع. وحسبنا من التواضع هو هذه الابتسامة التي نوزعها على الناس. وهذا يعني المرور من جانب المانع وعدم القفز منه.
طبعا وبالتأكيد ليس طريق التواضع هو ممارسة الأعمال الرديئة دائما ولا أريد أن أنصحكم بممارسة هذه الأعمال، إذ يختلف دواء الناس باختلاف دائهم فكلٌ بحسبه. ولكن حاولوا أن لا تفروا من المحن والابتلاءات التي يقدرها الله لكم ولا تلتفوا حول ابتلاءاتكم. إن الله يمتحن مختلف الناس بمختلف الابتلاءات والمصائب فلابدّ أن توطّن نفسك على البلاء والعناء. وكذلك لابد أن توطّن نفسك على معاناة سحق الهوى والشهوات.
رضوان الله على الشهيد شمران إذ كان قد وعى حقيقة المعاناة بكل وجوده ورحب صدره لأنواع البلاء. لقد جاء في كتاباته: «أنا أعتقد أن الله العظيم يثيب الإنسان بقدر المعاناة التي عاشها في سبيله، وأن قيمة كل إنسان بقدر ما تجرعه من ألم وعناء في هذا السبيل وأرى أن أولياء الله قد ابتلوا بالبلاء والألم والمحنة في حياتهم أكثر من أي أحد». ثم كتب هذا الشهيد العظيم مخاطبا ربه: «إلهي أشكرك إذ عرفتني على الفقر لكي أعيش ألم الجائعين وأشعر بمحنة المحتاجين. إلهي أشكرك إذ قد صببت عليّ أمطار التهم والشتم والافتراءات لكي أغرق في عواصف الظلم والجهل والتهمة الموحشة، وينمحي صوتي المنادي بالحق أمام زئير طوفان الأعداء وعواصفهم، فيحتضنني الألم والبلاء ويفتح عليّ نوافذ فطرتي حتى أشعر بمعاناة عليّ(ع) بأعماق روحي».

أحد الآلام التي يفرضها الله عل الناس هو الموت

أحد الآلام التي فرضها الله علينا هو الموت. فيا ترى لماذا قد أحاط الله الموت بهالة من الشدّة والوحشة والدهشة بحيث يهدم ذكره جميع اللذات؟! لأنه أراد أن تعيش مع ذكر الموت في حياتك كلّها ولا تنساه. لقد قدّم الله تعالى الموت على الحياة وقال: (الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياة)[الملك/2] فكأن الله قد خلق الموت قبل خلق الحياة، وكأنه قد قدّر للناس الموت قبل أن يقدّر لهم الحياة.
إن ذكر الموت يمثّل أحد أهم الأساليب التربويّة في الإسلام كما قال رسول الله(ص): «کفَی بِالمَوتِ واعِظاً»[الكافي/ج2/ص275] فلا تنسوا الموت وتجرعوا مرارة ذكره، فإن كثيرا من الروايات قد دعتنا إلى هذا الأسلوب التربوي وهو هدم اللذات عبر ذكر الموت وتجرع مرارة ذكره. فهل قد رأيت من يلاقي حتفه أمامك؟ وكم قد شيعت من إخوانك وأنزلت جسدهم في القبر؟ ويا ترى لماذا كل هذا التأكيد على ذكر الموت في رواياتنا؟ وكم له من تأثير إيجابي على النفوس؟ ولماذا جاء هذا التأثير؟
استمعوا هذه الرواية الرائعة المروية عن الإمام الصادق(ع) وتأملوا فيها. قال(ع): «ذِکْرُ الْمَوْتِ‏ یُمِیتُ‏ الشَّهَوَاتِ فِی النَّفْسِ وَ یَقْطَعُ مَنَابِتَ الْغَفْلَةِ وَ یُقَوِّی الْقَلْبَ بِمَوَاعِدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ یُرِقُّ الطَّبْعَ وَ یَکْسِرُ أَعْلَامَ الْهَوَى وَ یُطْفِئُ نَارَ الْحِرْصِ وَ یُحَقِّرُ الدُّنْیَا وَ هُوَ مَعْنَى مَا قَالَ النَّبِیُّ ص فِکْرُ سَاعَةٍ خَیْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ وَ ذَلِكَ عِنْدَ مَا تَحُلُّ أَطْنَابَ خِیَامِ الدُّنْیَا وَ تَشُدُّهَا بِالْآخِرَةِ وَ لَا یَسْکُنُ نُزُولُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ ذِکْرِ الْمَوْتِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَ مَنْ لَا یَعْتَبِرُ بِالْمَوْتِ وَ قِلَّةِ حِیلَتِهِ وَ کَثْرَةِ عَجْزِهِ وَ طُولِ مُقَامِهِ فِی الْقَبْرِ وَ تَحَیُّرِهِ فِی الْقِیَامَةِ فَلَا خَیْرَ فِیهِ»[مصباح الشريعة/171].

من آثار ذكر الموت رقة الطبع/نصيحة للفنّانين

إن الفنانين معروفين برقّة الطبع، وقد أعطت هذه الرواية وصفة لرقة الطبع وهي ذكر الموت. فإذا أراد فنان أن يزداد طبعه رقّة عليه أن يكثر من ذكر الموت ويقضي بعض وقته في المقابر! هذه نصيحة صادقة وصريحة جدّا للفنانين. كان المجاهدون في الجبهة يذكرون الموت كثيرا، حتى كانوا يحفرون قبرا لهم في الصحراء ويتعبدون فيه في جوف الليل، كانوا يسجدون فيه وينامون فيه ويبكون فيه. ثم كانوا يرجعون من قبرهم وكأنهم وردة من شدة لطافتهم ورقّتهم. فإذا سالتني: من أين حصل على هذه الرقة واللطافة، أقول: قد أخذها من ذلك القبر الذي بات فيه يبكي إلى الصباح. إن كنت ترى أحدهم لرأيته رؤوفا بالجميع ومتفائل بالخير وله جميع الصفات والحسنات التي تبحث عنها أنت. لقد حظى بجميع تلك الخصال الرائعة حتى بلغ درجة تصدير الصفات والتأثير على غيره. وقد نال كل ذلك بذكر الموت وتجسيم الموت. فانظر إلى أثر ذكر الموت التربوي على النفوس وهو أحد مصاديق الألم والعناء في هذه الدنيا. فإن أردت أن تطوّر نفسك بمعزل عن هذا المنهج تضيع في متاهات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نهجنا الإسلام 09-08-2014 04:12 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 11-1
 
إليك ملخص الجلسة الحادية عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

لا أصالة للعناء ولكنه ضروري لجهاد النفس وإنتاج القيمة المضافة

إن طريق حركتنا الرئيس على أساس خصائص الإنسان والحياة، هو جهاد النفس. فإنّكم عندما تسيرون في درب الدين والكمال والأعمال الصالحة، طريقكم الرئيس هو مخالفة الأهواء بطبيعة حال الحياة وبمقتضى خصائص الإنسان. إن مخالفة الأهواء والرغبات سواء أكانت عبر الأوامر والتكليف أم كانت عبر الفرض والتقدير فهي ما نسميه بالعناء. وهو ما لا تخلو حياتنا منه وإن لم تخل من النّعم واليسر أيضا. إن طريقنا هو طريق جهاد النفس ولا أصالة للعناء، ولكنّه أمر لابدّ منه في عمليّة جهاد النفس. لا يخفى أن العناء الذي يحصل عبر جهاد النفس من خلال البرنامج الإلهي يختلف عن كثير من المعاناة الأخرى، وبودّي أن أسلّط الضوء في هذه الجلسة على هذا الموضوع.
لا أصالة للعناء، ولكنّنا قد خلقنا من أجل إنتاج القيمة المضافة وهذا ما يحتاج إلى جهاد النفس، وجهاد النفس لا ينفك عن العناء.

عادة ما يصطدم الإنسان بمشاكله دون نعمه، فلابد أن يحدّد موقفه تجاه العناء

من بين التكاليف الإلهية قد ينسجم هوانا مع بعض الأوامر والنواهي ولكن الأساس في الأوامر والأعمال الصالحة التي لها دور رئيس في رشدنا هي تلك الأعمال التي لا تنسجم مع هوانا. كما أن العامل الحاسم في تعيين مقامنا من الله سبحانه وتعالى هو الصبر والرضا في المعاناة التي نعيشها في حياتنا، وليس ساعات الراحة واللذة في حياتنا. طبعا لا شك في أن المسرات واللذات طبيعية ولا تخلو منها الحياة ويجب أداء شكرها في المقابل، ولكن أساس العمل الصالح هو المعاناة في سبيل الله. لماذا؟
من جانب يقول الإمام الصادق(ع): «جُبِلَتِ الْقُلُوبُ ‏عَلَى ‏حُبِّ‏ مَنْ ‏یَنْفَعُهَا وَ بُغْضِ مَنْ أَضَرَّ بِهَا»[الكافي/ج8/ص152]. ومن جانب آخر، من طبائع الإنسان هي أنه ينسى مئات النعم، ولكنه يجعل الألم الصغير وقصير الأمد نصب عينيه. وعليه فإذا منّ الله على الإنسان بمئات النعم ووسائل اليسر، ويبتلى معها بعلّة واحدة، يلتفت عن كل نعمه ومسراته إلى تلك العلّة الواحدة. ولهذا فإن خلي الإنسان مع ربّه ليصارحه عن ما في قلبه، قد يضع كل نعمه ودواعي يسره إلى جانب ويعاتب الله لعلة واحدة أو مصيبة واحدة أصابه بها في حياته!
بعبارة أخرى، عادة ما يصطدم الإنسان بمصائبه ويلتفت إليها دون النّعم، ولهذا ومن أجل أن يقدر على السير في هذا الدرب بنجاح، لابدّ في بداية الأمر أن يحدّد موقفه تجاه العناء. فإن كانت نفسك تبحث عن مفرّ من العناء في هذه الدنيا، فهذا وهم باطل وإنك مخطئ في حساباتك. فلابدّ أن نخاطب نفسنا الفارة من العناء ونقول لها بصراحة: إن الحياة غير منفكة عن المعاناة، وإن السّلوك نحو الله سبحانه وتعالى هو صعود وتسلّق عبر طريق مرتفع صعب، وليس بطريق معبد منحدر.

لا نفرّ من الدين بغية الفرار من معاناة التكليف والتقدير فلا فائدة منه

إن طريقنا الرئيس هو جهاد النفس، وأهم قضية تواجهنا في مسار هذا الجهاد هو العناء. فلابدّ أن نحدد موقفنا تجاه العناء ونقبل بوجود أصل العناء ونوطن أنفسنا على مواجهة مختلف المعاناة ولا نفرّ من الدين بغية الفرار من المعاناة إذ لا فائدة منه.
ولابد أن نعلم أن جميع الناس يعانون من مشاكل. فإن وجدنا أحدا يبتسم ولم تبد على ملامحه غبار المصائب فليس ذلك لقلّة معاناته، بل بسبب أنه أكثر صبرا ولعله يسعى لحفظ الظاهر أو أنه إنسان عاقل وفاهم. على أي حال لابدّ لنا أن نحدّد موقفنا تجاه العناء.
لا ينبغي أن ننسى الآلام والمعاناة بل يجب أن نشاهدها بعين مفتوحة، وإلا تخرب عمليّة جهاد النفس ونتهرّب عن المعاناة التكليفية والتقديرية. ثم إن هذا التهرّب لا يرتبط في أكثر الأحيان بقلّة الإيمان. فعندما يواجه الإنسان بعض الناس ممن لم يلتزم بالدين جيدا، قد يقول له: «كن مؤمنا» في حين أنه مؤمن بالفعل ولكنه ليس من أهل تحمّل العناء. إنه مؤمن ولكن قد أخبروه بخبر كاذب فتوّهم أن يوجد مجال في هذه الدنيا لا عناء فيه وهناك طريق مفرّ منه.

إن لم نتعامل مع العناء بالشكل الصحيح، تزدد معاناتنا في الحياة

إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، تزدد معاناتنا في الحياة. وقد أشارت روايات كثيرة إلى هذه الحقيقة. روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: الجَزَعُ أتْعَبُ مِن الصَّبرِ[غرر الحکم/5620] وقال(ع): «الجَزَعُ عندَ المُصیبَةِ یَزیدُها، و الصّبرُ علَیها یُبیدُها»[غررالحکم/2043] وقال(ع) في رواية أخرى: «لا تَجْزَعوا مِن قلیلِ ما أکْرَهَکُم، فیُوقِعَکُم ذلکَ فی کثیرٍ مِمّا تَکْرَهونَ»[غررالحکم/5638] وكذلك روي عن الإمام الكاظم(ع) أنه قال: «المُصیبَةُ للصّابرِ واحدَةٌ ، و للجازعِ اثْنَتانِ»[تحف العقول/414].

يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 10-08-2014 03:42 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 11-2
 
إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، لم نشكر النعم

إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، تتبلور مشكلة أخرى وهي أننا سوف لا نشكر النعم. إن الله سبحانه يعلم أننا أناس نسلّط الضوء على مصيبة واحدة وننشغل بها عن مشاهدة آلاف النعم، ولكنه مع ذلك يستنكر علينا هذا السلوك أن لماذا لا تلتفتون إلى النّعم! (أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً)[اللقمان/20]
ولكن لا يقدر أحد على مشاهدة النعم جيدا إلا أن يكون قد وطّن نفسه على المعاناة في الحياة الدنيا، فمثل هذا يقدر على مشاهدة النعم. وإلا فما إن نبّهت أحدا على نعمة من أنعم الله، يلتفت عنها إلى إحدى مصائبه، فتعمى عينه عن مشاهدة أنعم الله. فمثل هذا الإنسان عاجز عن مشاهدة نعمة الله ورأفته ورحمته وكرمه.
أخي العزيز! أكرّر مرة أخرى أن العناء الذي نتحدث عنه لا أصالة له ولكنه أمر لابدّ منه لإنتاج القيمة المضافة التي لا تتمّ إلا عبر جهاد النفس، وجهاد النفس مصحوب بالعناء غير منفكّ عنه. فاقبل هذه الحقيقة لتصبح الدنيا جنة لك. فإنك إن رأيت إلى المعاناة كقاعدة لابدّ منها في هذه الحياة عندئذ تقف حائرا من جمال الدنيا ومغتبطا من كثرة الفرص التي يعطيها الله لعباده ومدى رأفته وكثرة نعمائه.
إنك ما لم توطّن نفسك على المعاناة وما لم تحل لنفسك قضية العناء وما لم تعجن هذه المسألة لنفسك لن ترى أنعم الله سبحانه. فانظر كم قد أراحك الله في الدنيا من آلامها وأعطاك الفرص فيها. صحيح أن العسر من قواعد هذه الدنيا ولكن بتأكيد مؤكّد يقول الله لكم: (فإنَّ معَ العُسرِ یُسراً * إنَّ معَ العُسر یسراً)[الانشراح/5ـ6]. تمرّنوا أيها الإخوة على مشاهدة النعم الإلهية وعلى رؤية الفرص والمُهَل وعلى مشاهدة رأفة الله وتنازله عن فرض كثير من المحن. إنه إله عظيم وهو الذي يكشف عنا السوء والبلاء على رغم قواعد هذه الدنيا، فكأنه يرقّ قلبه علينا فلا يسمح للبلايا والمصائب أن تنهال علينا بتمامها.

متى يمتلئ قلبنا بمشاعر الشكر لله؟

لعلكم تقولون: لقد أرعبتنا في الليالي الماضية بحديثك عن المعاناة، وإذا بك الآن تقول: إن الله لا يرضى بفرض كثير من العناء علينا! فأقول لكم: إن تعجنوا قضية العناء في قلوبكم جيدا، سوف تمتلئ أدعيتكم ومناجاتكم بشعور الشكر لله. وسوف لا ترون سوى لطف الله عليكم ورأفته بكم. فإن تنظروا إلى هذه الأبحاث جيّدا، تجدوا أنها تفتح علينا خير أبواب الجنان. إنّ فهم الشكر منوط بفهم قاعدة العناء والمحن في هذه الدنيا وأن القرار هو أن نُبتلى بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ثم نجد أن حياتنا لم تكن بهذه الصعوبة والعناء، وقد منّ الله علينا بأنعم جمّة وأنه قد صحب العسر بكثير من اليسر. وهذه المشاهدة تملأ قلوبنا شعورا بالشكر والامتنان لله عز وجل.

لقد خفف الله علينا المعاناة «التقديرية» و«التكليفية»

إن مقتضى قاعدة الدنيا هي أن نصاب فيها بآلام ومحن كثيرة، ولكن الله قد خفف علينا المعاناة في كلا النوعين منها:
1ـ في ما يرتبط بعالم التكوين والتقدير، قال الله سبحانه وتعالى: (فإنَّ معَ العُسرِ یُسراً) فقد صحب الله العسر المقدَّر لنا باليسر.
2ـ وكذلك في التكاليف أيضا لا يريد الله أن يشقّ علينا بل أراد أن يخفّف علينا عناء التكليف. ولهذا بعد ما يأمرنا بتكليف صيام شهر رمضان، يُعفي من كان مريضا أو على سفر ثم يقول: (یُرِیدُ اللَّهُ بِکمُ الْیُسرَ وَ لا یُرِیدُ بِکمُ الْعُسرَ)[البقرة/185]يعني يريد الله أن يتساهل معكم، لا أن يشقّ عليكم ومن هذا المنطلق قد أعفا المسافر عن الصيام. فقد عبّر الله عن سبب الإعفاء كقاعدة عامّة، ولم يكن في مقام التوجيه أو استغلال الفرصة للدعاية! فإن لم ير أحد هذا اللطف والإحسان من قبل الله، فذلك بسبب أنه لم يحلّ قضية العناء لنفسه ولم يوطّن نفسه على تحمل العناء.
وفي مقام آخر، بعد ما يأمر الله بالوضوء قبل الصلاة، يخفف على من تعذر أو صعب عليه الوضوء فيقول: (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‏ أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّبا)[المائدة/6] بعد ذلك يعلل هذا التساهل ويقول: (ما یُریدُ اللَّهُ لِیَجْعَلَ عَلَیْکُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لکِنْ یُریدُ لِیُطَهِّرَکُمْ وَ لِیُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ) [المائدة/6]

إن ضجرتُ من المعاناة ولم أشكر النعم فإنني أعبد هواي ولا أعبد الله

من لم يكن من متحملي الصعاب والمعاناة، فإنه في الواقع إنسان أنانيّ، ولم يعبد الله بعد. لابدّ أن يبتلینا الله بمختلف المصائب ويفرض علينا المعاناة لتزول نزعة «الأنا» من قلوبنا ویحل محلها «الله». ما هي رؤيتنا عن عبادة الله؟ وأي شعور هي؟ لا يمكن أن يكون الإنسان موحّدا ومشركا في نفس الوقت، بحيث يعبد الله ويعبد نفسه. لابدّ أن تموت «أنا» الإنسان لتحلّ محلها عبادة الله. وإنّ هذا الشرك الذي نتحدث عنه هو الشرك الخفي الذي لا يرى بسهولة كما روي عن رسول الله(ص): «الشِّرْكُ فِي أُمَّتِي أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ‏ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاء»[عوالي اللئالئ/ج2/ص74]. فإن ضجرتُ من المعاناة ولم أشكر النعم فإنني أعبد هواي ولا أعبد الله.

إن لم تكن أنانيّا ووطنت نفسك على العناء، سوف ترى رحمة الله ورأفته خلف المحن التي فرضها عليك

إن لم تكن قد وطّنت نفسك على المعاناة، لا ترى رحمة الله ورأفته، وكذلك لا ترى إمهالاته ونعمه. هل قد رأيتم دموع عين الأمّ عندما يحقن الطبيب طفلها؟ صحيح أن الطفل يتألم بالإبرة ولكنها نافعة له. ومع أن الأم تعلم مدى ضرورة هذه الإبرة لعلاج طفلها ولكنها لا تتحمل صراخ الطفل وتبكي لبكاء طفلها. فإن لم ير الطفل سوى وجعه ولم ير دموع أمه، قد لا يشعر بحنان أمّه وحتى قد يتهجّم عليها إذ قد ألقته بيد الطبيب.
فإن لم تكن أنانيّا ترى رأفة الله وشفقته الخاصة خلف المحن التي فرضها عليك. كذلك ترى رحمة الله في ذروة جوعك وعطشك أثناء الصيّام. فما روي أنه: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْیَبُ عِنْدِی مِنْ رِیحِ الْمِسْک»[من لا یحضره الفقیه/ج2/ص76]‏ فهو في الواقع يحكي عن رأفة الله وشفقته. فإن استطعت أن تنظر إلى عين الله المشفقة أثناء معاناة صومك، عند ذلك تودّ لو كان شهر رمضان في الصيف كلّ عام.


يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 11-08-2014 07:23 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 11-3
 
إن طريق «إدراك رأفة الله» هو أن تعرف أنك قد جئت إلى الدنيا للعناء، ولكن الله قد خفف عليك


إسألوا الله في ليالي شهر رمضان أن تصبحوا شاكرين. إن الله رؤوف رحيم، أما طريق إدراك رحمة الله، هو نفس الطريق الذي ذكرناه في مجال إدراك الصعاب والمعاناة. وهو أن يعرف الإنسان بأنه قد جاء إلى الدنيا لتحمل العناء ولكن الله قد خفّف عليه. یقول الله سبحانه وتعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) فاسأله وقل: «أين هذا الكبد يا رب؟! وأين هذا العناء الشديد الذي تحدثت عنه؟! إذ قد أحطت حياتنا بالنعم والخيرات.» وإنك لا تستطيع أن تخاطب ربك بهذه الكلمات إلا بعد أن عجنت قضية العناء لنفسك.


كيف نكسب الأجر في المحن والصعاب؟

بإمكاننا أن نكسب الأجر بأدنى عناء نتحمله في هذه الدنيا. فعلى سبيل المثال نحن نحب الكد والسعي في سبيل الله، ولكننا نتعب ونحتاج إلى النوم، وهذا ما يؤلم الإنسان ولهذا يعوّض الله عنه. فمن هذا المنطلق من ينظر إلى النوم كمانع بينه وبين العمل في سبيل الله ويتألم منه يؤجر ويثاب.

وقد ذكرت روايات عديدة أن الحمى والمرض كفارة الذنوب. فعلى سبيل المثال يقول الإمام الصادق(ع): «حُمَّى لَیْلَةٍ کَفَّارَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَ لِمَا بَعْدَهَا»[ثواب الأعمال/ص193] وقال رسول الله(ص): «السُّقْمُ یَمْحُو الذُّنُوبَ»[مستدرک الوسائل/ج2/ص65].

انظروا إلى رأفة الله إذ كم يعطينا من الثواب بأدنى ألم ومرض. إنه رؤوف رحيم فإن قدر لنا بعض المعاناة في هذه الدنيا، يعوض عنها بمختلف الأساليب. وأحيانا يقدر الله بلاء لينزل على عبده، ولكنه يبحث عن ذريعة لصرف البلاء عنه. ولهذا ما إن تدعو الله أو تعمل عملا صالحا يصرف عنك البلاء. كما روي عن الإمام الصادق(ع): «مَنْ قَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ سَبْعِينَ مَرَّةً صَرَفَ‏ عَنْهُ‏ سَبْعِينَ نَوْعاً مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاء»[الكافي/ج2/ص521] وروي عن رسول الله(ص) أنه قال: «مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَعْبَانَ صُرِفَ‏ عَنْهُ‏ سَبْعُونَ لَوْناً مِنَ الْبَلَاء»[أمالي الصدوق/ص23]


إن محن الدنيا كالمعاناة في الحلم، فلا تبال بها كثيرا

إن الابتلاءات والمعاناة التي نقاسيها في هذه الدنيا عابرة وسرعان ما تنتهي. فإياكم أن تضجروا منها فإنها تمرّ كلحظة العين. إن هذه المعاناة التي تعيشونها في حياتكم هي أشبه شيء بالمحن التي ترونها في الحلم. فإن شاهدتم في منامكم حلما مرعبا، بمجرد أن تستيقظوا من منامكم، تبتسمون وتتنفسون الصعداء، إذ كل تلك المحن كانت حلما. وكذلك عندما تفارقون الدنيا سوف تقولون: «لقد مرت عليّ محن الدنيا وآلامها كالحلم، ولكن كم كنت أحملها على محمل الجدّ». لقد روي عن أمير المؤمنين(ع) حيث قال: «النَّاسُ‏ نِيَامٌ‏ فَإِذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا»[عیون الحکم والمواعظ/ص66]



اخضع للعناء لكي لا تراه/ اخضع للعناء لكي ترى الرخاء


اخضع للعناء لكي لا تراه. اخضع للعناء لكي ترى الرخاء والسراء. إن جمال خلق الإنسان مرهون بمعاناته، فاخضع لهذه القاعدة واقبل بأنك قد خلقت للعناء، عند ذلك سوف ترى أن المحن والابتلاءات تزول من أمام عينك بالرغم من وجودها. فإن تبدّل زاوية رؤيتك سوف تقول: «کانت حياتي كلّها هناء وسعادة، فلماذا لم أكن راضيا عنها!» فاخضع لقاعدة العناء لكي لا تعميك المصائب. وارضَ بالبلايا واستعدّ لها.


انظر إلى من هو أشدّ حالا منك

إن أحد أساليب التعامل مع المعاناة هو أن تنظر إلى من هو أشدّ معاناة منك، وترى ظروفه الصعبة. ثم خاطب ربك وقل: «إلهي اغفر لي أنانيّتي». فإن من يعبد أهواءه ليس بإنسان متعادل وكثيرا ما يفرط في سلوكه. (أَفَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ)[الجاثية/23]

من يتبع أهواءه يصبح إنانيا وينجر إلى الإفراط. فعندما يمنع الله سبحانه النبيَّ عن اتباع من يتبع هواه يشير إلى إفراطه؛(وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ کانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)[الکهف/28]

ما معنى عبادة الله؟ وما هو الشعور الذي تصحبه عبادة الله؟ وما معنى كلمة «أعبدك»؟ إن معنى عبارة «أعبدك» أقوى وأشدّ من معنى عبارات من قبيل «أفديك بنفسي» أو «أحبك» أو «أعشقك». هل تعلمون من الذي يعبد الله؟ كان النبي الأعظم(ص) يعبد الله إذ لم يكن يرى نفسه. أما من يرى نفسه ويهوى نفسه فإنه يعبد نفسه دون الله. فتمرّن أخي العزيز لتصل إلى درجة عبادة الله وتمتّع بعد ذلك بأحلى وأمتع لذات العالم. وسرّ ذلك والخطوة الأولى في حلّ هذه المسألة هو الخضوع للعناء. فإن أردت أن تشعر بالعبادة إقلع «الأنا» من قلبك.


إن خضعت للعناء، تقلّ، وإن هربت منها تتفاقم

إن خضعت للعناء، تقلّ معاناتك. وإن هربت منها تتفاقم آلامك. فإنك إن ترضَ بالمعاناة، يغيّر الله قوانينه ومقدراته، ويرسل مخففات المحن إليك من كل حدب وصوب. ويرسل جميع ملائكته إليك ليعتذروا منك. فارض بالعناء واخضع للمصائب لتقلّ وتخفّ، كما إن فعلت ذلك سوف تزداد شكرا.

وهل تعلم إلى أين تصل في رضاك؟ إلى أن تستقل معاناتك جميعا، فتخاطب الله وتقول له يا إلهي! أنا راض عن كل ما قدرته لي فلا تحزن لمعاناتي فإني راض عن حياتي ومغتبط بها.

سلام الله على أبي عبد الله الحسين(ع) إذ بعد ما جرعه الله أشد أنواع البلاء، وأثناء ما كان ساقطا في حفرة المقتل أخذ يخاطب ربه ويقول له: إلهي رضا بقضائك. فلعله أراد أن يقول لله: إلهي لا تتصور أنا منزعج مما قدرت لي فأنا راض عن كل شيء. إنكم لو تعلمون ماذا يحدث في السماء وما يكتب الله لكم من أجر عند مصائبكم ومعاناتكم وعطشكم وجوعكم في سبيل الله، لناجيتم الله كل حين وكل يوم لتعبّروا عن رضاكم عن كل ما يقدّره لكم.

ولهذا بعد ما تجرعت العقيلة زينب أشدّ المصائب في يوم العاشر من المحرّم، أرادت أن تعبّر عن رضاها عما جرى عليها من قبل الله، فباشرت بصلاة الليل كعادتها في كل ليلة، وكأن لم يحدث شيء، فبدت تستغفر ربها وتقول: «العفو العفو العفو» وتطلب من الله أن يغفر لها كما هو الحال في كل ليلة.

ألا لعنة الله على القوم الظالمين


نهجنا الإسلام 13-08-2014 03:12 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 12-1
 
إليك ملخص الجلسة النانية عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

ما هي فوائد الالتفات إلى العناء في حياة الإنسان

نحن في الجلسات الثمان الأولى، سلّطنا الضوء على بعض الأصول التي أخذت بإيدينا إلى طريق جهاد النفس بصفته «الطريق الوحيد». وهي تلك الأدلّة والكلام الذي أقنعنا على ضرورة التحدث عن العناء وجهاد النفس، إذ أنه يطابق طبيعة حياتنا وينسجم مع طبيعة نفسنا.
أما في الجلسات الثلاث الأخيرة فقد تحدثنا عن أسباب الاهتمام بموضوع العناء والتحدث عنه. فبالإضافة إلى تلك الأدلة التي أوصلتنا إلى هذا الحديث، هناك فوائد وضرورات أخرى تقتضي التحدّث عن العناء وجهاد النفس. فقد تحدثنا في الجلسة السابقة عن بعض فوائد الالتفات إلى هذا الموضوع وضرورته. وأما في هذه الجلسة بودي أن نتحدث عن أهمية العناء وفوائده من جانب آخر.

الالتفات إلى العناء يمنع الإنسان من التوهّم

أحد فوائد الالتفات إلى العناء هو أن يقلّل الآمال التي تحجب الأجل. فمن طبيعة الإنسان هي أنه إذا أحب شيئا يعقد أمله عليه، ثم يتوهمه ويحلم به ويتعامل معه كأنه أمر واقع أو سوف يقع عن قريب، فهو يزعم أنه يقدر على تحقيق أحلامه. وأحيانا تبلغ مشتهيات الإنسان من الأهمية بمكان بحيث تظهر نفسها واقعا. فكيف نستطيع أن نخرج هذه الآمال من قلب هذا الإنسان المتوهم والحالم الذي وقع أسيرا بيد آماله وأحلامه؟ فلابدّ أن نذكره بمعاناته ومصاعب حياته.

الالتفات إلى العناء يضاعف حالة الشكر والصبر لدى الإنسان

ومن الأدلة الأخرى التي ذكرناها هي أن هذا الالتفات يضاعف حالة الشكر لدى الإنسان، وإن هذا الشكر ينتج عن رؤية الإنسان الصحيحة تجاه موقع المعاناة في الحياة. فإن جعل الإنسان الراحة والدعة هي الأصل، سوف لا يشعر بحالة الشكر ولا يشعر بتكليف في هذا الجانب أساسا. إما إن عرف أن هذه النعم قد جاءت في عالم معجون بالعناء والصعاب، وأساسا إن الدنيا هي محل المحن والمعاناة، عند ذلك يشكر النعم التي في حياته بكل وجوده. كما أن هذا الالتفات يضاعف صبر الإنسان وطاقته على تحمل الصعاب.

الالتفات إلى العناء يحسّن رؤية الإنسان عن الدين والدنيا

إذا التفت الإنسان إلى العناء، عند ذلك ينظر إلى الدنيا كدار بلاء ومحنة، وإن هذه الرؤية تحسّن انطباعه عن الدين. فكلما نظرت إلى الدنيا باعتبارها دارا محفوفا بالبلاء، كلما شعرت بلذة الدين أكثر. وفي المقابل كلما نظرت إلى الدنيا بأحلامك وأوهامك واعتبرتها دار متعة ولذة، تبتعد عن الدين وتراه برنامجا مرّا محفوفا بالعناء. فهناك نسبة عجيبة بين هاتين الرؤيتين. فإن لم تنظر إلى معاناة الدنيا تتدهور علاقتك مع الدين، وإذا نظرت إلى الدنيا بنظرة صائبة متأثرة بكثير من آيات القرآن من قبيل قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في‏ كَبَد)[البلد/4]و(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقيه‏)[الانشقاق/6]و (وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْق‏)[يس/68]تحسن علاقتك مع الدين.
لابدّ أن نحفظ هذا التوازن بين الدين والدنيا، كما نجده في ألفاظ آيات القرآن. فعندما يتحدث الله عن الدنيا يقدم العسر على اليسر ويقول: (إنّ مَعَ العُسرِ يُسْرَى)[الانشراح/6] ولكنّه عندما يريد أن يتحدث عن الدين يقول: (یُریدُ الله بِکُمُ الیُسر وَلا یُریدُ بِکمُ العُسر)[البقرة/185]. على أي حال إن الآثار التربوية المترتبة على الحديث عن العناء ومحن الدنيا كثيرة جدا.

4ـ الالتفات إلى العناء يفتح باب محبة الله على الإنسان

ينطوي العناء على آثار وبركات كثيرة للإنسان سواء أكان من قبيل المعاناة الاختيارية والإرادية المتمثلة بجهاد النفس، وسواء أكانت غير إرادية المتمثلة بالمقدّرات الإلهية في منعطفات حياة الإنسان. فعلى سبيل المثال من أجل إدراك محبة الله وألطافه عليك، لابدّ أن تعرف علاقتك مع المعاناة وتدرك قاعدة الدنيا وأنها صبّت على البلايا والمحن، ولكن الله قد رزقك بأنواع النعم وأسباب الراحة في هذه الدنيا التي هي دار بلاء.
يقول أمير المؤمنين(ع) لله سبحانه في المناجاة الشعبانية: (إِلَهِي لَمْ يَكُنْ لِي حَوْلٌ فَأَنْتَقِلَ بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِكَ إِلَّا فِي وَقْتٍ أَيْقَظْتَنِي‏ لِمَحَبَّتِك)[إقبال الأعمال/ج2/ص686] وأنتم تعرفون أن هذه العبارة متناسبة مع أضعف الناس دينا. فقد جاء أمير المؤمنين(ع) وتحدث عن لسانهم بكل صراحة. فهي متناسبة مع حالهم على خلاف بعض العبارات الأخرى في الأدعية التي هي مختصة بمقام أهل البيت(ع) أو مقام الأولياء ولا تناسب حالنا، ولكن هذه العبارة متناسبة مع الجميع وتحكي عن الجميع. في هذه العبارة نقول يا إلهي أنا لا أستطيع أن أترك الذنوب والمعاصي إلا أن توقظني بمحبتك لا بعقوبتك.
طيب، كيف يوقظك الله بمحبته؟! فإذا أردت أن تشعر بمحبّة الله، يجب عليك أن لا تمرّ من موضوع العناء مرور الكرام. وإذا أردت أن تشاهد محبة الله إليك لابدّ أن تنظر إلى الألم والعناء بكل جدّ. هذا هو الطريق ولا مفرّ منه.

یتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 14-08-2014 08:20 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 12-2
 
دور الأمّهات في توطين الأولاد على العناء والألم

إن توطين النفس على العناء ينطوي على آثار تربوية كثيرة ومختلفة. طبعا في مقام تربية الأطفال وتلقينهم مفهومَ العناء لابدّ من التصرف برأفة ورحمة. كالطبيب الذي يداوي مريضه بأعمال مؤلمة وفي نفس الوقت يقوّي معنويّاته بالكلام الطيّب وإظهار الشفقة. إنّ للأمهات دورا بارزا جدّا في تلقين أولادهنّ مفهوم العناء وضرورة المعاناة في الحياة الدنيا. فإن الطفل يواجه الألم والعناء من أول سنين حياته، ولكن على الأمّ أن تتعامل بحكمة مع أوجاع وآلام طفلها وتربّيه بحنانها وفكرها حتى يعلم أنّ الألم والعناء من قواعد الحياة الدنيا. فبحسن تعامل الأم تحسن رؤية الولد تجاه أوجاعه ومعاناته ولا يفرّ منها بعدئذ. طبعا ينبغي للأم أن لا تزيد مرارة آلام ولدها ولا تشمت به إذا هوى على الأرض أو ضربه أحد زملائه، بل تتعامل مع هذه الأحداث كأحداث طبيعية جدا ومطابقة لقواعد الحياة، وفي نفس الوقت تشفق عليه وتواسيه وتلطف به كي تمزج ألمه بحلاوة حنانها.

الالتفات إلى العناء يبعد الإنسان عن طلب الراحة/ إن مشكلة شبابنا الرئيسة في مسار جهاد النفس هي حب الراحة

الإنسان يطلب الراحة، وحب الراحة تمثّل أول مرض وأول مظهر من مظاهر حب الدنيا التي يصاب بها الإنسان. أغلب الشباب ليسوا طلّاب المال وليسوا طلاب الجاه كما أنهم ليسوا مرائين ويحظون بكثير من النزعات الإيجابية من قبيل حب العدالة والعرفان والمثل، كما أنهم براء من كثير من الصفات السيئة، ولكنهم مبتلون بحب الراحة وإن هذا الحب يكاد أن يدمّر حياتهم ومستقبلهم. أول ما يشعر به الإنسان هو طلب الراحة، وبعد ذلك يأتي طلب اللذة.
المشكلة الأولى هي أن الشابّ يتعاجز عن الحركة والقيام بأي أمر، ويخالف أي شيء يزعج راحته. وحتى قد يتعاجز عن ترتيب ملابسه. في حين أن أحد زملاء الإمام الخميني(ره) في أيام شبابه ينقل عن الإمام أنه كان ملبسه مرتبا دائما، فلم نره بلباس غير مرتب حتى في حجرته ومحل استراحته.

إن حبّ الراحة ينسينا العناء ويمنعنا عن الحركة

إن حب الراحة هو أول مانع يقف في وجه الإنسان في درب المعاناة وتحمّل العناء. إن حبّ الراحة يدخل الإنسان في عالم الخيال والأحلام فيزعم بإمكان وجود حياة بلا تعب، غير أنّه إذا استفحلت هذه النزعة في روح الإنسان تتدهور كل حياته. إن حب الراحة ينسينا العناء ويمنع استراتيجية المعاناة من أداء دورها. إنه يعيقنا عن الحركة ويمنعنا من حسن التعامل مع الدين.
يقول أمير المؤمنين: «ثَوَابُ ‏الْعَمَلِ ‏عَلَى ‏قَدْرِ الْمَشَقَّةِ فِیهِ»[غرر الحکم/ص333/الحديث5]. إن بعض الشباب يشكرون ربهم على نزاهتهم من حبّ الدنيا، في حين أنهم غير ملتفتين إلى أن حبّ الراحة هي إحدى شعب حب الدنيا. وفي الواقع إن حب الراحة هي أول مظهر من مظاهر حب الدنيا.

لابدّ أن تكون في الدنيا مثل القوّات الخاصة

في أيام الدفاع المقدّس عندما كان يأخذ الشباب إجازة ويرجعون إلى أهاليهم، لم يكن يطاوع قلبهم على أن يناموا على الفراش، فكانت الأم تفرش الفراش عند الليل، بيد أن هذا الشاب المجاهد كان يأبى أن ينام على الفراش ويقول لها: يضيق صدري بالنوم على الفراش، فاسمحي لي أن أنام بلا فراش فإنه أروح لي!
ولم يكن هذا المجاهد متظاهرا في هذا الموقف، ولم ينم على الأرض طمعا بالثواب، إذ لم يقل له أحد باستحباب النوم على الأرض. حتى لم يكن بصدد مواساة المجاهدين أو يعيش أجواء الجبهة والقتال حيث كان ينام فيها على التراب والصخور أو ينام جالسا. بل كان يشعر بضيق صدره واحتصاره في حالة الراحة.


أتذكر عندما كنا في كتيبة التدمير نتدرّب حيث كنا مستقرين في خندق وخيمة لمدة شهر قبل عمليات «والفجر واحد»، كنا نتذاكر بمثل هذه الأبحاث آنذاك مع أننا لم نكن قد تجاوزنا مرحلة الثانوية. ويشهد الله أن الأبحاث كانت تطرح بشكل تلقائي وجماعي، بلا أن يأتينا أستاذ في الأخلاق أو يدرسنا معلّم لیحثّنا على اتخاذ بعض القرارات، كلا، بل كانت الأجواء تقتضي مثل هذه الأبحاث والقرارات. فبالإضافة إلى الحرب الليلية والإزعاج الليلي والبرامج الصباحية والاستعراضات والهرولة التي كانت متعبة جدا، بحيث كانت تدمع عيون بعض الشباب من شدة التمارين وقساوتها، بالإضافة إلى كل هذه التمارين الشاقّة قرر الشباب على حفر أرض الخيمة وتستطيحها! فكأنه لم تكفهم كل هذه التمارين فأرادوا أن يشقّوا على أنفسهم ويتعبوها أكثر، حتى يحظوا بالروحية المعنوية المترتبة على هذا التعب. كانوا قد شعروا بسلبية العطالة، وكراهيّة الكسل والخمول.
ثم قررنا في الخيمة على أن لا يستعين أحد بصاحبه في المائدة ليناوله الملح أو الخبز أو الماء مثلا، فإذا أراد أحد شيئا من المائدة يجب عليه أن يقوم ويمشي إليه ليستخدمه. فكان إذا يأتينا ضيف يستغرب من سلوكنا ولكن الجميع في تلك الخيمة كانوا يمارسون هذا الأسلوب بكل رغبة، إذ كانوا قد عرفوا أن التعاجز والكسل مرض يهلك الإنسان، شأنه شأن الغاز السام الذي يتسرّب في الغرفة المغلقة، فإنه ينوّم الإنسان في بداية الأمر ثم يقضي عليه.

يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 20-09-2014 08:18 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 12-3
 
يترعرع حب الشهوات في حضن حب الراحة

قبل أن يغترّ الإنسان بالشهوات، يبتلى بحب الراحة والأولى أن تمنع الإنسان عن حب الراحة قبل أن تمنعه من اللهو بالشهوات. إن اللهو بالشهوات ولا سيما الشهوات الجنسية هي أشبه شيء بحركة السيارة بسرعة عالية في منعطف خطر جدا، فإذا وصلت السيارة إلى المنعطف لا فائدة للتنبيه بعد، ولا داعي لأمر السائق بتخفيض السرعة. لابد أن يكون التنبيه قبل الوصول إلى هذا المنعطف الخطر. وهكذا في موضوعنا فيفترض أن تنصح الشابّ وتنبهه عندما تظهر على سلوكه بوادر علائم حب الراحة لتقف أمام حركته نحو فساده وهلاكه، وذلك لأن حبّ الشهوات ينمو في حضن حب الراحة.

تسلق الجبال مفيد لمكافحة حب الراحة/ ما الفرق بين تسلق الجبال وكرة القدم

إن استفحلت نزعة حب الراحة في وجود الإنسان يبتعد عن إنسانيته كثيرا، فلا تسمحوا لأولادكم أن يتربّوا على حبّ الراحة ولا تعودوهم على الراحة والابتعاد عن التعب والنصب.
أحد النشاطات المؤثرة في مكافحة حب الراحة لدى الشباب هو تسلق الجبال الجماعي وإن تأثيره أكثر من لعب كرة القدم فلا تخدع نفسك بكرة القدم بدلا من تسلق الجبال، لأنك في كرة القدم تركض وتسعى وأنت متحمس للتهديف، بيد أن تسلق الجبال خال من هذا الحماس والتنافس، فالعناء فيه أوقع في قلبك وأقوى تأثيرا. كما إذا ذهبت إلى تسلق الجبال مع أصدقائك لا تقدر على الاستراحة والتوقف متى ما شئت لئلا تتأخر عنهم. ثم سوف تعرف قدر وقتك في التسلق الجماعي، لأنك إن تأخّرت عن جماعتك بقدر ما تفتح قيطان حذائك وتشدّه، قد لا تستطيع أن تجبر هذا التأخّر إلى آخر الرحلة. أما في المدينة فلا يعرف الإنسان قدر كثير ما يضيّعه من وقته تلبية لحبّ الراحة. إن تسلّق الجبال يزيدك تمتعا بالنعم الإلهية ويحفظ صحتك. فمن تعوّد على أن يجلس على القنفة الفخمة دائما، يشعر بالوجع وعدم الارتياح بأقل تغيير في جلسته، أما الذي يتسلق الجبال وعوّد نفسه على تحمل الصعاب، فإنه يلتذ ويشعر بالراحة حتى إن جلس على الصخرة الصمّاء ويعيش حياة صحيّة.





لا تقوم التقو
ى على أركان حب الراحة


إن لم نحذر من حب الراحة، تؤثر على نظرتنا العامة تجاه الحياة. فابدأوا، أيها الشباب من أنفسكم واقلعوا جذور حب الراحة من قلوبكم قبل أن تفرض عليكم الحياة ذلك. ولابدّ للآباء أن يبدأوا مع أولادهم بترك الراحة بعد إنهاء السنة السابعة من عمرهم، فأقيموا احتفالا لهم قبل احتفال التكليف وسمّوه باحتفال الأدب. طبعا لا ينبغي أن تشقّوا عليهم وتسودوا لهم الحياة من ذلك العمر، ولكن لابدّ أن تبدأوا معهم شيئا فشيئا وتذيقونهم بعض الصعاب وشيئا من التعب، فعلى سبيل المثال طالبوهم بغسل جواريبهم في بعض الأيام، ثم صعدوا مستوى المطالبات برأفة وحنان. فللأسف قد بلغ بعض الشباب الثماني عشرة من عمرهم ولم يغسلوا شيئا من ملابسهم قط! فلا يُدرى متى يريدون أن يفعّلوا طاقاتهم الإنسانيّة! ويا ترى هل وجود الغسّالات المتطورة دليل على تربية الأولاد على الدلال وعدم التعب؟!

حب النصب مؤشّر لحبّ الله

لماذا يجب علينا أن نتحدث عن العناء والمشقة بشكل صريح، ولماذا يجب أن نأخذ هذه الاستراتيجية بعين الاعتبار وأن نتحرك ونسير على أساس هذه الرؤية؟ إنما نفعل ذلك من أجل أن نصل إلى عشق الله.
أيها الإخوة الأعزاء! بودّي أن ألفت أنظاركم إلى حقيقة عن طريق نقل رواية رائعة لكم. يقول أمير المؤمنين(ع): «الْقَلْبُ‏ الْمُحِبُ‏ لِلَّهِ‏ يُحِبُّ كَثِيراً النَّصَبَ لِلَّهِ وَ الْقَلْبُ اللَّاهِي عَنِ اللَّهِ يُحِبُّ الرَّاحَةَ فَلَا تَظُنَّ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّكَ تُدْرِكُ رِفْعَةَ الْبِرِّ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ مُرٌّ وَ الْبَاطِلَ خَفِيفٌ حُلْو»[مجموعة ورام/ج2/ص87] أنا لا أعرف لماذا يحب العاشق لله أن يتحمل النصب والتعب لربّه، فهل أنتم تعرفون ما العلاقة بين العشق والنصب؟ كم من حجة قد حجّها الإمام السجاد مشيا على الأقدام، مع أن في ذلك الزمان لم يكن فرق كثير بين الذهاب مشيا والذهاب ركوبا على الفرس أو الجمل. هل تعلمون أنّ من أفضل العبادات هو المشي لزيارة بيت الله الحرام وزيارة أبي عبد الله الحسين(ع)؟! لقد روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «مَنْ‏ خَرَجَ‏ مِنْ‏ مَنْزِلِهِ‏ يُرِيدُ زِيَارَةَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ‏ بْنِ عَلِيٍّ ص إِنْ كَانَ مَاشِياً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً وَ مَحَى عَنْهُ سَيِّئَةً حَتَّى إِذَا صَارَ فِي الْحَائِرِ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْمُصْلِحِينَ الْمُنْتَجَبِينَ [الْمُفْلِحينَ الْمُنْجِحِينَ‏] حَتَّى إِذَا قَضَى مَنَاسِكَهُ كَتَبَهُ اللَّهُ مِنَ الْفَائِزِينَ حَتَّى إِذَا أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَتَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص يُقْرِؤُكَ السَّلَامَ وَ يَقُولُ لَكَ اسْتَأْنِفِ الْعَمَلَ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى»[کامل الزيارات/ص132]
لماذا هذا الثواب ولماذا هذا التأكيد على المشي وتحمّل العناء في سبيل الزيارة؟ سمعت أحد المساكين كان يستهزئ بالمشي ويقول: أفهل نترك السيارات بعد ذلك ونرجع إلى القرون الماضية؟ كأنّ الإمام عندما تحدّث عن ثواب المشي في ذلك الزمان، أراد أن يحرّم الخيل والجمال!
أنا لا أعرف علاقة النصب ومحبة الله جيدا، ولكن يبدو من خلال هذه القرائن أن الإنسان المحبّ للراحة لا يبلغ محبة الله، أليس كذلك؟ لا أدري لماذا أصبحت علامة محبّة الله هو حب النصب له. فهل هذا راجع إلى تركيبة الحبّ؟ فما حقيقة الحبّ حتى صار النصب علامة له؟ وما الفرق بين محبة الله وباقي أنواع الحبّ حتى أصبح يعرف بحب النصب والتعب من دون باقي أنواع الحبّ؟
كلما ازداد الإنسان حبّا وعشقا لله، يزداد حبّا للعناء والنصب من أجله، فهو لا يطيق أن يبقى مرتاحا بلا تعب. إذا وفقك الله وزرت إمام العصر(عج) في فسطاطه، فإذا لم يعطك الإمام أي عمل ومسؤولية، بل يوزع المهامّ الصعبة والمتعبة على باقي أصحابه، ماذا تفعل؟! لعلك تخاطب الإمام وتقول له سيدي! مرني بشيء، فتصوّر أن الإمام يمتنع عن إعطاء مهمة لك ويقول: استرح ولا تتعب نفسك! ماذا يحلّ بك إن عاملك الإمام بهذا الأسلوب؟ من المؤكد أنك سوف تكاد أن تموت ألما وحسرة بعد ما ترى أن الإمام لم يعبأ بك ولم ينظر إليك. أما إذا حمّلك أنواع المهامّ والمسؤوليات وشقّ عليك بأنواع المسؤوليات الصعبة والمتعبة تشعر بوجود علاقة الحب بينك وبين الإمام.
إن العناء وحبّ النصب مؤشّر العشق. فإن حذفت استراتيجية المعاناة لم يبق لك حبّ الله ولا حبّ أولياء الله. ولعلّه لهذا السبب تجد أن الله قد جعل برنامج أنس العبد مع ربّه المتمثل بصلاة الليل في جوف الليل! لماذا جعل وقت صلاة الليل في ذلك الوقت؟ مع أنه لو كان قد جعل وقته في وسط النهار، لما تركنا هذه الصلاة ولازداد المصلون حتى أننا قد نبكي ونصليها بحضور أكثر ونشاط أكثر، أما في ذلك الوقت يستيقظ الإنسان وهو يتأرجح يمينا وشمالا من شدة النعس، ثم لا يفهم من صلاته شيء.
فإذا سألتم ربّكم أن لماذا جعلت موعدك مع عشاقك في ذلك الوقت، يقول: إنني أردت أن ألطف بعشاقي، إذ أنهم يودّون النصب من أجلي، ومن جانب لا يحبّون تعب المرتاضين، بل يريدون أن يتحملوا عناء أنا أشرت عليهم به، وإلا فلا يتهنأون بهذا العناء. فتفضلت على عبادي وأمرتهم بالصلاة في السحر، فبهذا الأمر لبيت رغبتهم في تحمل التعب والنصب من أجلي.
رضوان الله تعالى على إمامنا الخميني، إذ كان قد عوّد نفسه على القيام في الليل عدّة مرات، فلم يصلّ صلاة الليل في دفعة واحدة، بل كان يقسمها في طول الليل، طلبا لمزيد من العناء والنصب في حبّ الله. فيا ترى أيّ عناء يودّ المحبّ أن يتحمله من أجل معشوقه؟!
طبعا أنتم أعرف مني بأن العناء لابدّ أن يكون ضمن برنامج وأصول وهو الإسلام. كما أن الله لا يأمر عبده بعناء إلا ويصحب هذا التعب والعناء بلذة عالية جدّا.

صلى الله عليك يا أبا عبد الله

بإمكانكم أن تعرفوا مدى عشق شهداء كربلاء من خلال جراحات أجسادهم. فاذهبوا إلى كربلاء وانظروا أيّهم قد قُطّعوا إربا إربا؟ لقد قطّع أعداء الحسين(ع) رجلين من الشهداء إربا إربا؛ الأول علي الأكبر، والثاني أبو الفضل العباس. لماذا علي الأكبر؟ لأنه كان أشبه الناس برسول الله(ص) فأثار أحقادهم الكامنة. والأهم من ذلك هو أن كان اسمه عليّا، وكانوا قد أشربوا غضبا لأمير المؤمنين(ع)، فانهالوا عليه وما أبقوا له جسدا.
والثاني هو جسد قمر بني هاشم أبي الفضل العباس(ع)، وفي الواقع إنهم قد مثّلوا بجسمه، وهجموا عليه بكل ما لديهم. فما إن سقط العباس على الأرض ظهرت شجاعة القوم، فلما رأوه قطيع اليدين هجموا عليه بأعمدتهم.
بودي هذه الليلة أن أنقل لكم موقفا من مواقف العباس التي لم تسمعوها كثيرا. عندما أراد العباس وإخوته أن يستأذنوا للميدان، قال لهم العباس وكانوا أصغر منه سنّا: «تقدّموا لأحتسبكم عند الله تعالى». إنّ هذا الموقف مجهول وقليل ممن يعرف عظمته. إن أولياء الله كمّل في جميع مشاعرهم وهم أشدّ الناس حظا من المشاعر والعواطف تجاه الإخوة والأحبّة، وأما حبّهم لإخوتهم من أمهم وأبيهم فمما لا يوصف، وهو أمر خاصّ بهم لا تدركه عقولنا. فأراد العباس بهذا الموقف أن يكون أكثر إخوته حظا من بلاء فقد الإخوة والأعزة. ولا أدري فلعلّه أراد بهذا الموقف أن يواسي الحسين(ع) عندما يسقط هو على الأرض ويأتيه الحسين(ع)، ويا لها من لوعة على قلب الحسين(ع). ولهذا لمّا جاء الحسين(ع) إلى أخيه العبّاس(ع) أعلن عن إفلاسه. فكأني به قال: أخي عباس! مهما قتل الأعداء من أولادي وأصحابي لم أنكسر، أما الآن فقد انكسر ظهري وقلت حيلتي.

ألا لعنة الله على القوم الظالمين

نهجنا الإسلام 29-09-2014 02:07 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 13-1
 

إليك ملخص الجلسة الثالثة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

إن موضوع العناء موضوع تربوي وعرفاني بمستوى عال/ لا يمكن نيل الحبّ لله بلا عناء

لقد طرحنا في الجلسات الأخيرة بعض الأبحاث في آثار العناء وبركاته وضرورة الاهتمام بهذه الاستراتيجية والرضا بالمعاناة التقديرية والتكليفية. ومن جملة ما ذكرناه في الجلسة السابقة هو أنه لا يمكن نيل الحبّ لله بلا عناء. فمن اشتمل على حبّ الله في قلبه، يودّ النصب والعناء في سبيل الله.

إن موضوع العناء أعمق وأرقى مستوى من أن نبقى نقول: «الكبد والعناء من ذاتيات هذه الدنيا». إن شأن العناء أعلى وأشرف من هذا المستوى وإنه يتضمن بحثا تربويا وعرفانيا راقيا.

من صعوبات المعاناة هو عدم المعرفة بأسبابها وأهدافها

لا يمكن الاهتمام بموضوع العناء وكسب آثاره التربوية بلا برنامج، فلابدّ أن نتعرف على «برنامج العناء» في كلا صعيدي التكليف والتقدير. لا شكّ في أن العناء الخالي من البرنامج لا يكون عناء جيدا ولا يترك آثارا جيدة على روح الإنسان. أما «العناء المبرمج» فلابدّ أن يكون مصمّما على يد مدرّب ومدير ومصمّم بارع، وهو الله سبحانه ربّ العالمين. فلنعرف أن معاناتنا في الحياة مبرمجة من قبل ربّنا عز وجل.

من صعوبات المعاناة هي أنك جاهل بأسبابها وأهدافها. عندما يفرض مدرّب كمال الأجسام بعض التمارين على أعضاء الفريق، غالبا ما يوضّح لهم الهدف من هذه التمارين الصعبة ويخبرهم بأثرها على عضلاتهم، بيد أن الله سبحانه لا يتحدث عن فلسفة البلايا والمعاناة التي يفرضها علينا بشكل خاص، ولكن يجب أن تؤمن وتثق به وتتوكل عليه.

ما هي علاقة العناء بإحساس لذّة الإيمان؟

من المسائل المهمّة في قضيّة العناء هو أن نعرف ما يرتبط به من القضايا. فعلى سبيل المثال، يرتبط العناء بعشق الله والصبر. أما إحدى القضايا المهمّة التي ترتبط بالعناء هي «الإيمان».

انظروا إلى هذه الروايات فقد قال رسول الله(ص): «مَنْ کَانَ أَکْثَرُ هَمِّهِ نَیْلَ الشَّهَوَاتِ، نَزَعَ‏ مِنْ‏ قَلْبِهِ‏ حَلَاوَةَ الْإِیمَانِ»[مجموعة ورام/ج2/ص116] وقال الإمام الصادق(ع): «حرامٌ على قلوبِکُم أنْ تعرِفَ حَلاوةَ الإیمانِ حتّى تَزهَدَ فی الدّنیا»[الكافي/2/128]. ما هي حلاوة الإيمان؟ هل من الحلاوة أن يعيش الطفل تحت ظل والديه وينمو في أحضانهم؟ هل من الحلاوة أن يكون الإنسان صاحب زوجة وأهل وأسرة؟ وهل من الحلاوة أن يعاد المريض في فراشه إذا مرض؟ وهل من الحلاوة أن يحظى الإنسان بصديق حميم وعزيز؟ وهل من الحلاوة أن يحظى الإنسان بإعجاب وتشجيع الناس؟ كل هذه الحالات حلوة وجميلة، ولكن حلاوة الإيمان أقوى وأشدّ حلاوة منها، وإذا ذاق الإنسان حلاوة الإيمان سينسى طعم غيره من العلاقات الحلوة.

يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 09-10-2014 08:59 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 13-2
 
الإيمان يخرج الإنسان من وحشة الوحدة

الإيمان يخرج الإنسان من وحشة الوحدة ويجعل الله أنيسه ومونسه. الإيمان بالله يقرّب إليك أرحم موجود في العالم. الإيمان بالله الرحمن الرحيم يؤدي إلى نتائج عجيبة. فإذا بحثت عن أيّ شيء سوى الإيمان تُحرَم من حلاوة الإيمان. فحلاوة الإيمان ليس بحلاوة إلى جانب باقي أنواع الحلاوة في العالم. فمن ذاق لذة الإيمان وحلاوته، لا يبقي مجالا لباقي اللذائذ الحلوة بعد.

ولهذا عندما كان الناس يهتفون في حسينيّة جماران ويفدون أرواحهم له، ما كان الإمام يشعر بلذة من تلك المشاعر. إذ كان الإمام قد التذّ بالإيمان بالله لذّة لا تقاس بحلاوتها شيء، إذ لا تقاس محبّة الله بمحبة الناس. كان السيد الإمام(ره) قد بالغ بمجاهدة نفسه وترك الشهوات والملذّات فنال لذّة الإيمان. على أساس حديث رسول الله(ص)، من كان همّه نيل اللذات والشهوات، لن ينال لذة الإيمان، فما بالك بمن تعلّق بهذه اللذات وراح يركض وراءها. ثم لا تقتصر اللذة والشهوة، بالشهوات الجنسية، بل تعمّ جميع مشتهيات الإنسان، بعضها سلبية كالغضب الذي تطرد به شيئا ما، وبعضها إيجابية تنجذب بها إلى منفعة ما.

لقد حبّب الله الإيمان في قلوب المؤمنين وزيّنه في قلوبهم، فأصبح ذا جمال وجذابيّة تسحر الإنسان. فقد قال الله سبحانه: (وَ لکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإِیمانَ وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ)[الحجرات/7].

إيمان المرء يجعله قريبا من الله ويحيط الله بهذه الإنسان بعد الإيمان لكي لا يشعر بالوحشة. ولهذا يقول: ( نَحنُ أَقرَبُ الیهِ مِنْ حَبْلِ الوَرید)[ق/16] ويقول في آية أخرى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ)[الحديد/4]. وكذلك يقول: (أَيْنَمَا تُوَلُّوْا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)[البقرة/115]. فلا إمكان لإنسان أن يحيط بك ويخفف من وحشتك، بل الله هو القادر على الاحاطة بك. ولا يقدر الإنسان أن يعيش وحيدا ولا يستطيع أحد أن يخرجك من وحدتك مثل الله سبحانه.


الإيمان، يسبب النفور من المعصية

إذا ذاق الإنسان حلاوة الإيمان وأصبح الإيمان محبوبا لديه، حينئذ ينفر من الكفر والفسوق والعصيان. وكذلك يشمئز من الإيمان بما سوى الله والعمل القبيح. فإذا أدرك الإنسان قبح الذنوب وتنفّر منها، عند ذلك يحصل على مهجة جيدة لمناجاة الله سبحانه، إذ سوف يعرف مدى قباحة الذنب ودناءته، وسوف يستغفر الله ويناجيه من كل قلبه.


في سبيل الشعور بحلاوة الإيمان لابدّ من تحمّل العناء وجهاد النفس

في سبيل أن يذوق الإنسان حلاوة الإيمان، لابدّ له من تحمل العناء والابتعاد عن السيئات عبر جهاد النفس. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «صَابِرُوا أَنْفُسَکُمْ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَ صُونُوهَا عَنْ دَنَسِ السَّیِّئَاتِ تَجِدُوا حَلَاوَةَ الْإِیمَان»[غرر الحكم/الحديث81]

يحصل الإيمان والعلاقة بالله بالعناء والشدائد لا عبر درس أصول العقائد. طبعا إن درس أصول العقائد جيّد، ولكن من أجل الإجابة عن شبهات العدوّ. يعني إذا أراد العدوّ أن يسلبك عقائدك وإيمانك، هنا يأتي دور دروس العقائد والأبحاث العقلية والكلامية.


يعاني الإنسان أحيانا من بعض المعاناة ولكنّه لا يذوق حلاوة الإيمان


لابدّ للإنسان أن يتعرف على نفسه بشكل جيّد ولا يتحمل عناء لا فائدة فيه. إذ أحيانا يعاني الإنسان ويتحمّل الشدائد ولكنها معاناة بلا جدوى لا ترفع مقامه ولا تذيقه حلاوة الإيمان. أحد الأسباب هي أنه عندما كان يعاني من بعض المشاكل والمصائب كان بصدد التعويض عن معاناته. كبعض المتظاهرين بالتقوى الذين يراعون مقتضيات الزهد والتقوى في سبيل أن يجدوا فرصة للتعويض عن كل الأتعاب التي تحملوها في هذا المسار. فمثل هؤلاء لن يجدوا حلاوة الإيمان مهما تحملوا العناء، لأنهم بصدد العثور على فرصة يعوضوا فيها عن كل الشدائد والصعاب التي تحملوها، وفي الواقع قد تحمّلوا كل هذه المعاناة في سبيل الفوز براحة أكبر في هذه الدنيا.

فعلى سبيل المثال من يعفّ عن الشهوات في سبيل أن يصل إلى جاه ومقام في هذه الدنيا، فإنه لا يذوق حلاوة الإيمان. ومثل هؤلاء الناس ينطبق عليهم قوله تعالى: (خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَة)[الحج/11]. إن شهوة الجاه والمقام تمنع حلاوة الإيمان من أن تدخل في القلب. ولعلّ أحد أسباب توفيق بعض الفسقة ورؤساء العصابات للتوبة والهداية هي أنهم يعرفون ماضيهم وملفّ أعمالهم جيدا فلا يطمعون في نيل الجاه والشأن الرفيع في هذه الدنيا عبر الحصول على المقامات العرفانيّة. فمن أجل أن يذيقنا الله حلاوة الإيمان، لابدّ أن نتحمل المعاناة والمصاعب بصدق، لا من أجل نيل غيرها من الشهوات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نهجنا الإسلام 01-11-2014 07:24 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 14-1
 
إليك ملخص الجلسة الرابعة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

إن جهاد النفس عملية معقدة جدا، لأن النفس تحتال على الإنسان

إن طريقنا الوحيد إلى الكمال هو مخالفة الأهواء والشهوات ولكن ليس مطلق الأهواء وجميع الشهوات. فلا ينبغي أن نجاهد جميع أهواءنا بشكل مطلق، بل لابدّ أن نجاهدها ضمن برنامج. فإن البرنامج المتمركز والاجتناب عن التكثّر المضر ضرورة لازمة في مسار جهاد النفس.
إن عملية جهاد النفس معقّدة جدا، لأن النفس تحتال على الإنسان. حتى بإمكان النفس أن تستغل الدين لصالحها.

ما الداعي إلى الاهتمام بالعناء/ «الفرار من العناء» أهمّ عوامل ترك جهاد النفس

السبب في الاهتمام بالعناء إلى جانب الاهتمام بجهاد النفس هو أنه لأننا بصدد الالتفات إلى الطريق الأصلي في الرشد والكمال، فلابدّ لنا من جهاد النفس وإن جهاد النفس هو عملنا الرئيس في هذه الدنيا. ثم إن أهمّ عامل أو العامل الوحيد الذي يدعونا للفرار من جهاد النفس هو نزعة الفرار من العناء. إذن فلابدّ من الحديث عن العناء لكي نقنع أنفسنا على تحمّل العناء وعدم الفرار منه.
لماذا لا نسمع نصائح الصالحين في موضوع جهاد النفس؟ ولماذا لا نهتمّ كثيرا وبشكل صحيح بآيات الجنة والنار؟ لأننا لا نودّ المحن والمعاناة. إذن تكمن مشكلة أغلب الناس في قضية العناء. ليس الخوف من العناء بخوف محمود وحتى ينبغي لنا أن نطلب بعض مصاديق العناء.

العناء شيء عابر ثم تتبعه راحة ومسرّة طويلة

خوف الإنسان من العناء يدعوه إلى الفرار من جهاد النفس وباقي الفضائل، ولذلك فلابد من تحديد موقفنا تجاه العناء وأسلوب تعاملنا معه. إن العناء شيء عابر ثم تتبعه راحة ومسرّة طويلة. كما قال أمير المؤمنين(ع) في وصف المتقين: «صَبَرُوا أَیَّاماً قَصِیرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِیلَة» [نهج البلاغة/ الخطبة193].

من لم يحلّ لنفسه قضية العناء، تخدعه نفسه حتى بأدلة دينية بحسب الظاهر

يتمثل العناء بترك اللذات تارة، ويتمثل بآلام ومحن تارة أخرى. فإذا لم نحلّ مشكلتنا مع هذين النوعين من العناء، نواجه مشكلتين:
المشكلة الأولى التي تظهر في بداية المطاف وتبقى معنا هي أنه إذا كان قلبك يطلب الراحة، تخدعك نفسك دائما. وإذا كنت غير خاضع للعناء، فتصنع نفسُك دائما ذرائع وحجج جميلة من الآيات والروايات للفرار من الدين والركون إلى الدعة، لأنها نفس أمارة بالسوء. (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء)ِ[یوسف/53]. السبب الرئيس في انخداع الإنسان بالذرائع المصبوبة في قالب ديني هو أننا لم نجتث خفايا جذور طلب الراحة ولم نحلّ لأنفسنا قضية العناء. فإن لم يكن الإنسان قد حلّ موضوع العناء وطلب الراحة والدعة لنفسه، تخدعه نفسه في بداية المطاف.

كيف استطاع المجاهدون أن يطووا طريق مئة عام في ليلة واحدة؟

لماذا قد استطاع المجاهدون في سبيل الله أن ينالوا مقاما بحيث قد اجتازوا مسيرة مئة عام في ليلة واحدة؟ لأنهم قد وطّنوا أنفسهم على تحمل عناء الموت وقبلوا بذلك، وبذلك حصلوا على نورانية رائعة. فكان موضوع العناء محلولا لدى المجاهدين في سبيل الله.
فإذا لم تكن قد وطّنت نفسك على موضوع العناء، تخدعك نفسك من حيث لا تشعر. فعلى سبيل المثال إن غضبت في موقف ما ولم تقدر على تحمّل عناء «سوء معاملة الآخرين» وغضبت عليه أو شتمته، هنا تطمئنك نفسك أن: «کان یستحق هذه المعاملة ولا عليك من تقصير!» أما حلّ موضوع العناء، يعينك على أن لا تنخدع عند مواجهة هذه المعاناة بل تبتهج بتحملها.


يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 09-11-2014 01:17 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 14-2
 
الزواج هو عبارة عن اختيار من سوف نختلف معه في الرأي!

إن هذه، لرؤية مهمة وهي أن الموضوع الرئيس هو أداء التكليف، ولابدّ من تحمّل العناء في إطار التكليف والبرنامج الإلهي. طبعا لابدّ أن نطبّع قلوبنا على ترك اللذات ولكن في مقام العمل، لابدّ أن يكون هذا الترك على أساس الأحكام الإلهية والبرنامج الإلهي لا على أساس اختيارنا. ولذلك فإذا رزق الإنسان لذة ما، حتى وإن فرّ منها تفرض عليه فرضا، وكذلك إذا واجهنا تكليفا إلهيا ممتعا، لا ينبغي أن نتركه بذريعة ترك اللذة. المهم هو حال القلب الذي لا ينبغي أن يطّبّع على حبّ الراحة واللذة، ولابدّ أن نخضع لقضاء الله في فرض بعض المحن علينا.
فعلى سبيل المثال لابدّ لكل زواج أن يشتمل على مشاكل واختلافات، لأن المرأة والرجل إنسانان، وبطبيعة الحال يختلف الناس مع بعض في بعض وجهات نظرهم. ولذلك فإنكم عندما تقدمون على الزواج، في الواقع تختارون من سوف تختلفون معه في الرأي! لا أن تبحثون عن من لا تختلفون معه أبدا. لابدّ من قبول أمثال هذه المعاناة وأن نتعامل معها بأسلوب حسن.

من لم يحلّ لنفسه قضية العناء، حتى وإن أصبح إنسانا صالحا، لن يكون صالحا كثيرا

القضية الأخرى في ما يرتبط بنتيجة عدم الخضوع للعناء هي أنك ما لم توطّن نفسك على العناء، حتى وإن أصبحت إنسانا صالحا، لن تكون صالحا كثيرا، إذ لا تزال أنانيتك موجودة على حالها. كان قد سعى العرفاء وعلماؤنا العظام أن يقلعوا أنانيّتهم، وآخر ما يحمي صنم الأنانية هو نزعة «الفرار من العناء» و «الركون إلى الدعة والشهوة». فإن قضي على «الأنا» تصبح عين الإنسان عين الله ولسانه لسان الله ويده يد الله. فآخر المطاف هو فناء «الأنا» وزوال أهوائنا حتى أن لا يبقى شيء سواه. وهذه هي اللذة الكامنة في الدين وهي أن تتحول أهواء النفس إلى هواه. فنحن نودّ أن نصل إلى درجة من الخلوص حتى لا يبقى شيء تحت عنوان «نحن» ونفنى في «هو». ومن أجل نيل هذه الدرجة لابدّ من توطين النفس على العناء.

إن ترك اللذة حلو/ أيّ لذة نتركها في سبيل كسب نظر لطف الله؟

إن معاناة ترك اللذات، وإن كانت معاناة ولا تخلو من الصعاب، ولكنّك إن عشت أجواءها تشعر بمدى حلاوة الترك، حتى أنّ كثيرا من عرفائنا تغزلوا بترك اللذات وقد اعتبروها عين اللذّة.
نقل الإمام الصادق(ع) حديثا عن النبي الأكرم(ص): «مَنْ ‏أَکَلَ ‏مَا یَشْتَهِی‏ وَ لَبِسَ مَا یَشْتَهِی لَمْ یَنْظُرِ اللَّهُ إِلَیْهِ حَتَّى یَنْزِعَ أَوْ یَتْرُك‏» [التمحیص/ص34] فمن أجل كسب نظر لطف الله، لابدّ من ترك هذه اللذائذ.

علاقة جهاد النفس بالعبادة/ العبادة الحسنة، جائزة جهاد النفس

أحد المواضيع المهمّة، هو كيفية الربط بين جهاد النفس وباقي المفاهيم الدينية. فعلى سبيل المثال ما هي علاقة العبادة مع جهاد النفس؟ فإن العبادة شيء يختلف عن جهاد النفس، وهي عبارة عن العلاقة المباشرة مع الله.
علاقة هذين الأمرين هي أنه إذا كان الإنسان قد جاهد نفسه من بداية الصبح إلى الظهر، تكون صلاتي الظهر والعصر ألصق بفؤاده وتنتعش عباداته. فالصلاة الجيدة تكون جائزة لذلك الجهاد. الصلاة بمثابة لقاء الله. وإن كانت العبادة هي علاقة مباشرة مع الله، ولكن كيفية هذه العلاقة مرهونة بمستوى الجهاد الذي قمت به قبل العبادة. فقل لي ماذا فعلت خارج البيت حتى تريد أن تدخله الآن؟!
يقول الإمام الحسن المجتبى (ع): «إنَّ مَنْ‏ طَلَبَ ‏الْعِبَادَةَ تَزَکَّى لَهَا»[تحف العقول/ص236]. الصلاة نتيجة جميع المحاسن ولذلك فمن أجل إدراك مغزى الصلاة وإحساس طعمها لابد من جهاد النفس. فالذي لم يجاهد نفسه يحرم من إدراك لذة العبادة كالطفل الصغير الذي لا يدرك شيئا من اللذة الجنسيّة.
إن لم تجاهد نفسك طوال يومك فعلى الأقل جاهدها حين الصلاة. فاختر لباسك من حلال والبسه في الصلاة. وأزل النجاسات من جسمك ولباسك. وكن طاهرا واعمل بآداب الصلاة جيّدا. إذا أطلق الإنسان عنان نفسه طوال نهاره ولبّى رغباته مهما شئت، لن ينظر الله إليه في صلاته، فما بالك بمن لم يلزم نفسه أثناء الصلاة. فجاهد نفسك أثناء الصلاة على الأقل.

أي محبوب غير مصحوب بقيود

ليس كل محبوب ومرغوب مصحوب بقيود من بداية الأمر. هناك رغبة وهواية ممتعة جدا، وفي نفس الوقت سهلة الوصول، ويمكن ذوق طعمها من بدء الانطلاق، والمبالغة في التمتع بها ليس إسرافا، وليس هذا الحبّ الجميل سوى حبّ محمد وآل محمد(ص). إن حبّ أهل البيت(ع) هدية الله سبحانه إلى أمّة النبيّ(ص).
فهو حبّ وهوى لا قيد فيه. وليس في حبّ أمير المؤمنين(ع) إفراط. طبعا هذا الذي يدعي أن أمير المؤمنين(ع) إله، لم ينته إلى هذا الانحراف لشدّة حبّه، بل قد جرّه هواه إلى ذلك، إذ أن شدّة الحبّ يجعل من الإنسان مطيعا ومتأسيا بمحبوبه.
أحد العوامل التي يسّرت حبّ أهل البيت(ع) على القلوب، هو ما عانوه من ظلامة. كل من حبّ أهل البيت تزكّى كما جاء في زيارة الجامعة الرائعة: «وَ مَا خَصَّنَا بِهِ مِنْ وَلَایَتِکُمْ طِیباً لِخَلْقِنَا وَ طَهَارَةً لِأَنْفُسِنَا وَ تَزْکِیَةً لَنَا» .

نهجنا الإسلام 27-01-2015 11:42 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.15
 
إليك ملخص الجلسة الخامسة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

الأهداف الدنيوية والأخروية لجهاد النفس

لقد درسنا في الأبحاث السابقة لحد الآن ضرورة جهاد النفس وآثاره. وفي تكملة البحث نحن بصدد الحديث عن هدفين رئيسين لجهاد النفس؛ أحدهما الهدف الدنيوي والآخر الهدف الأخروي لجهاد النفس.

الهدف الدنيوي: ازدياد طاقة روح الإنسان على الالتذاذ والتمتّع

الهدف الدنيوي من جهاد النفس هو ازدياد طاقتنا الروحيّة على الالتذاذ والتمتّع الأكثر بدلا من تنويع اللذات وتكثيرها. يجب أن نعلم أنّه لا يستطيع الإنسان أن يسيطر على حياته ويزيدها لذّة إلا بعد أن صعّد طاقته الروحيّة عبر جهاد النفس. إنّ بعض طلّاب اللذة، يطمعون أن يتمتعوا بلذات كثيرة بلا جهاد النفس، غافلين عن هذه الحقيقة وهي إن لم يجاهدوا أنفسهم يضعفوا عن التمتع بكثير من اللذات.

كيف نزداد لذة من الطعام والمنام واللذة الجنسية

إن واجهنا شخصا غير عارف بالله وغير مؤمن بالمعاد ولم ير هدف الخالق من خلق الإنسان ولم يجعل عالم الآخرة هدفا له في حياته فلابدّ أن نقول له: «ماذا تريد من حياتك الدنيوية الماديّة هذه؟ ألا تريد الالتذاذ والتمتع في هذه الحياة؟! فإن كان هذا هدفك فاترك الاهتمام بتكثير أنواع اللذات وتنويعها واشتغل بتقوية روحك ونفسك لتزداد طاقة على الالتذاذ».
فعلى سبيل المثال، بدلا من الالتذاذ بكثرة النوم والذي لا يخلو من عواقب وأمراض، حاول أن تقوّي روحك بالاستيقاظ في الأسحار، فإنك لو فعلت ذلك، سوف تزداد لذة من النوم في مدى البعيد حتى لو لم تكن مؤمنا بالله. وكذلك إن كنت من هواة اللذات الجنسية وأردت أن تزيد حظك منها، فاترك النظر الحرام فستتزداد حظا من اللذائذ الجنسية. وكذلك إن أردت الالتذاذ بطعامك وشرابك، فقلّل من التنويع والإكثار لكي تزداد لذة من الأكل. وكذلك إن شئت أن تعيش بمزيد من السعادة والسرور فلابدّ أن تتجرّع بعض جرعات الغضب وتكتمه.

الحياة الأفضل في هذه الدنيا، مشروطة بجهاد النفس

إذا استطاع الإنسان أن يقوّي روحه ويزيدها طاقة على الالتذاذ، عند ذلك سوف يلتذ بغرة الفجر والشعر والبحر والجبال والطبيعة لذة لا يشعر بها غيره وسوف يلتذ بأشياء لا يلتذ بها كل إنسان.
بالإضافة إلى كوننا مضطرّين إلى جهاد النفس شئنا أم أبينا، كذلك نحن بحاجة إليه في سبيل تحقيق حياة أفضل في هذه الدنيا، وإلا فبعد ما طوينا رداء الشباب وبدت بوادر الشيخوخة على ملامحنا نتورط بأمراض شتّى كضعف الأعصاب والكآبة والسأم وغيرها. إن جهاد النفس يقوّي إرادة الإنسان ويصنع منه إنسانا لجميع الفصول ومراحل الحياة، قادرا على حفظ معنوياته ونشاطه في مختلف الظروف ومنعطفات الحياة سهلها وصعبها، مرّها وحلوها.

تضعيف الروح بترك جهاد النفس، مدعاة إلى الحرمان من أولى لذات الحياة

إن جهاد النفس يقوّي حياة الإنسان، وكلما ازدادت الروح قوّة، يزداد الإنسان حظا من لذات الحياة. إن بعض الناس وبسبب كثرة الفرار من جهاد النفس، قد أضعفوا روحهم بحيث أصبحوا لا يلتذّون بأولى لذائذ الحياة كاللذة الجنسية. فإن هؤلاء وبسبب ضعف روحهم لا يلتذون بحياتهم، ولذلك فتجد أعصابهم محطّمة دائما باحثين عن لذة يأنسون بها فينجرّون إلى الذنوب لكي يعوضوا عمّا يعيشونه في داخلهم من عقدة الحرمان من اللذات.
يقول أمير المؤمنين(ع): «وَکَأَنِّی بِقَائِلِکُمْ یَقُولُ إِذَا کَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِی طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّیَّةَ أَصْلَبُ عُوداً وَ الرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْیَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَ أَبْطَأُ خُمُودا»[نهج البلاغة/ الكتاب45]
نحن وللأسف قد أضعفنا روحنا بترك جهاد النفس، فلنتب إلى الله ونقل له: «ظلمت نفسي»؛ يعني إلهي لقد أتلفت نفسي! فقد لبيت هواي طيلة عمري وانشغلت بالفسوق والعصيان، إلهي اغفر لي ذنوبي وإطاعة نفسي، فلم أبقِ لي حولا ولا قوة ولا إرادة، فأصبحت إنسانا بلا تركيز وبلا بال صافٍ، عاجزا عن الالتذاذ بالطبيعة، ضعيف الجسم والبدن، فلا يقدر على خدمة غيره، لقد أصبحت إنسانا ضعيف النفس... فخذ بيدي سيدي وأجبر ضعفي. «قَوِّ عَلَى‏ خِدْمَتِكَ‏ جَوَارِحِي»[دعاء كميل]
لقد نقل أحد الأشخاص الذي كان قد زار سماحة الشيخ بهجت(ره) وقال: «أثناء حديثي مع سماحته، وجدت الشيخ بهجت(ره) ما زال يحفظ تفاصيل دقيقة جدا عن أيام ماضية وهو في ذاك العمر الكبير!» فمن أين حصل على هذه الحافظة القويّة؟! بطبيعة الحال إنّها بسبب جهاد النفس، طبعا ضمن البرنامج الذي يعطيه الدّين.

من عجز عن تكوين حياة دنيوية صحيحة، يعجز عن إعمار آخرته أيضا

من أراد أن لا يكون ضعيفا في حياته الدنيويّة ويحصل على قوّة روحيّة، لابدّ له من جهاد النفس. لا يخفى أن هذا هو ليس الهدف الرئيس من جهاد النفس، بل إنما هو الهدف الدنيوي منه الذي يوفّر الحد الأدنى من الحياة لا الحد الأقصى من العبودية. أمّا على أيّ حال هذا الذي لا يقدر على تكوين حياة دنيوية صحيحة، فهو عاجز عن إعمار آخرته أيضا.
من أراد أن يخدم عباد الله ويخدم بلد صاحب العصر والزمان(ع) لابدّ له أن يحظى بالموهبة والقوّة والمكنة اللازمة لهذا الشأن، وإنها تحصل بجهاد النفس.

يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 03-02-2015 10:55 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.15
 
الأصل الأول في تطور الجامعات في الجانب العلمي هو جهاد النفس

إذا عرف الجامعيون أسرار جهاد النفس ومدى تأثيره على قوّة الإنسان الروحية والفكرية، سوف يصبح جهاد النفس الأصل الأوّل في التطوّر العلمي في جميع الجامعات. وهذا ما قد أثبته علم النفس أيضا. يعتقد علماء النفس أن «نسبة الذكاء» لیست العامل الرئيس في النجاح والإبداع العلمي، بل هو مفهوم آخر وعندما يشرحون هذا المفهوم نجد أنه جهاد النفس بعينه.
في أحد الاختبارات، جمع المحققون مجموعة من طلاب الابتدائية في غرفة وجعلوا فيها حلويّات، قم قالوا لهم: «العبوا ما شئتم ولكن لا تأكلوا الحلويّات حتى نرجع، ولكي نعطيكم جوائز». بعض الأطفال لم يبالوا بهذا القانون وبدأوا بأكل الحلويّات، وبعضهم صبروا فترة ثم بدأوا بأكلها بعد نفاد صبرهم وبقي قلة قليلة من الأطفال صبروا إلى النهاية ولم يأكلوا من الحلويّات شيئا. ثم بعد إجراء اختبارات عديدة أخرى على هؤلاء الأطفال ومتابعة حياتهم بدراسات وإحصاءات عديدة، خرجوا بنتيجة أن هؤلاء الأطفال الذين لم يستعجلوا بأكل الحلويّات كانوا في الواقع أكثر سيطرة على أنفسهم، وتوفّقوا أكثر في حياتهم حتى وإن كانت نسبة ذكائهم أقلّ من غيرهم.

الشاب المدمن على الموسيقى في الواقع قد هدم قسما من قواه الذهنية

لماذا قال سماحة السيد القائد: «لا تروجوا الموسيقى في الجامعات»؟! لم يكن السبب هو حرمة بعض أنواع الموسيقى وحسب إذ لا خصوصية لحرمتها في الجامعات، فلعلّ السبب من ذكر الجامعات بالخصوص هو ضرورة حفظ المستوى العلمي والقدرة على إنتاج العلم في الجامعات. كان يقول الإمام الخميني(ره) وكذلك المرحوم شاه آبادي(ره) أن الشاب المدمن على الموسيقى قد هدم قسما من طاقاته الذهنية والروحية ولا تبقى له طاقة بعد للنشاط العلمي، إذ أن الموسيقى تسلب الإنسان قدرته على التركيز.
قد يقول البعض: «بالعکس؛ الموسيقى تزيدنا تركيزا»! ولكن الحقيقة هي أننا لا ينبغي أن نتكل على الموسيقى من أجل التركيز، بل يجب أن نتدرب على التركيز بلا هذه العوامل، وإلا فسوف تضعف قوانا الذهنيّة. ولذلك كان يقول الإمام الخميني(ره) إن الشاب الذي يدمن على الموسيقى لا تبقى له قوّة وطاقة بعد؛ فقد قال الإمام الخميني(ره): «الإذاعة والتلفزيون التي ينبغي أن تكون معلّمة، يجب أن تقوّي الشباب وتمنحهم قوّة. لا ينبغي للتلفزيون أن يبث الموسيقى عشر ساعات، ويسلب شابّنا قوته ويجعله في حالة من النشوة والخلسة، فهذه تشبه المخدّرات ولا تفرق عنها كثيرا وتسبّب حالة من النشوة»[صحيفة الإمام(الفارسية)، ج9، ص205] وكذلك قال الإمام(ره): «ومن جملة القضايا التي تخدّر الأدمغة هي الموسيقى. فعندما استمع دماغ الإنسان إلى الموسيقى فترة من الزمان، يتحول هذا الدماغ إلى دماغ إنسان غير جادّ، فإنها تخرج الإنسان عن جدّيته وتلفته إلى قضايا أخرى. كل هذه الوسائل التي ذكرنا بعضها وقد أعدوا إلى ما شاء الله من هذه الوسائل، كلها في سبيل إغفال الشعب عن مقدّراته وإلفات أنظاره إلى قضايا أخرى وحرفه عن قضايا اليوم حتى لا يزاحمهم...»[صحيفة الإمام(الفارسية)ج9، ص200] وكذلك قال الإمام الخميني(ره): «الإنسان المدمن على المخدرات لا يهتمّ بالبلد. الإنسان الذي أدمن دماغه على الموسيقى لا يستطيع أن يفكر بالبلد»[صحيفة الإمام، ج9، ص464]
طبعا كان الإمام الخميني(ره) يتخذ أحيانا مواقف أصلب وأشد تجاه الموسيقى، فعلى سبيل المثال قال: «إذا أردتم لبلدكم أن يكون سالما وبلدا حرّا وبلدا مستقلا، ينبغي أن تتعاملوا مع القضايا بجدّ وتبّدلوا الراديو والتلفزيون إلى أجهزة تعليميّة. احذفوا الموسيقى، ولا تخشوا من أن يرموكم بالرجعيّة لكوننا حذفنا الموسيقى. لا بأس أن نكون رجعيّين! فلا تخشوا. هذه الكلمات خطة لإرجاعكم عن العمل الجادّ. ما يقال من أنه إن حذفت الموسيقى من الراديو فسيحصل الناس على الموسيقى من أماكن أخرى، [فهو كلام غير صائب] دعوهم يأخذونها من مكان آخر، ولكن أنتم لا تلوّثوا أنفسكم، وبعد ذلك فسيرجع الآخرون إلى هنا شيئا فشيئا. ليس هذا بعذر صحيح أنه إن خلا الراديو من الموسيقى فسيذهب البعض إلى مكان آخر لتحصيلها. فإذا حصلوا على الموسيقى من مكان آخر، هل ينبغي لنا أن نقدم لهم الموسيقى؟! وهل يجوز لنا أن نخون؟! إن هذا السلوك لخيانة للبلد وخيانة لشبابنا. احذفوا الموسيقى بتاتا واستبدلوها بشيء تعليمي مفيد. وعوّدوا الناس وشبابنا شيئا فشيئا على التعلّم، وأرجعوهم من عادتهم الخبيثة تلك. عندما تلاحظون أن شبابنا يذهبون إلى نغمات أخرى إن فقدوها هنا، فإنما ذلك بسبب عادتهم! وهذا ما يدلّ على أنهم قد فسدوا. والآن فنحن مكلفون بإرجاع هذا الجيل الذي قد فسد إلى الصلاح، وأن لا نسمح لصغارنا أن يفسدوا ونقف أمام ذلك. لابدّ أن تحمل هذه المسائل على محمل الجدّ»[صحيفة الإمام،ج9، ص205]
وكذلك قال في كلمة أخرى: «كانت الإذاعة والتلفزيون في زمن الطاغوت تباشر بنشاطات طاغوتية. كانت قد صبت نصف نشاطها في تضعيف شبابنا بالموسيقى. الموسيقى تضعّف روح الإنسان وتسلب الإنسان استقلاله الفكري. كان نصف نشاط الراديو والتلفزيون بث الموسيقى. حاولوا أن تتركوا الموسيقى. لا تزعموا أن الموسيقى هو أمر لازم للبلد المتطوّر. الموسيقى تخرّب أدمغة أطفالنا وتفسدها. إذا كانت الموسيقى تقرع أسماع الشابّ بشكل مستمر، فإنه لا يقدر على مواصلة العمل ولا يقدر على التفكير الجادّ. وهذا هو السبب من تأكيدى على حذفها. ولعلّى عشر مرّات أو أكثر قد أكدت على السيد قطب زاده (مسؤول الإذاعة والتلفزيون يومذاك) وقلت له أن احذف الموسيقى من الإذاعة، ولكنه يقول: «لا یمکن». أنا لا أعلم ما معنى «لا يمكن»؟ ولماذا لا يمكن؟ اسمعوا كلامي. أنا أقول إن عملنا بشيء لصلاح شعبنا، ثم جاء الغربيون أو المتغرّبون وعابوا علينا واتهموا فعلنا بالرجعيّة، فهل ينبغي أن نترك عملنا ونذهب وراءهم، أو يجب أن نرى مصلحتنا؟ يجب علينا أن نتأمل في أن هذا الجهاز الذي يجب أن يكون معلّما ومربّيا وبنّاء للشعب، لا ينبغي أن يديره الإنسان بطريقة بحيث يغفل الناس عن مقدّراتهم ويصبح همّهم هو الجلوس أمام التلفاز وتلقّي هذه البرامج بسمعهم وأبصارهم، ثم يفسد باطنهم بعد أيّام قليلة ويفرغ من محتواه. لا تخافوا من أن يرموكم بالرجعيّة. لق نسبوا لنا ذلك خمسين سنة، وليقولوا ذلك بعد هذا فها نحن كذلك. تلقوا هذه المسائل بجدّ ولا توجّهوا آذانكم إلى أوروبّا لتروا ماذا تقول. وإذا أردتم أن تحسنوا في العمل فلابدّ أن تفرّغوا الإذاعة والتلفزيون من القضايا المضعّفة لقلب الإنسان ولدماغة والتي تبعد الإنسان من إنسانيّته وتسلبه استقلاله الفكري.»[صحيفة الإمام(الفارسية)، ج9، ص156ـ158]
كلما شاهد الإنسان أنه يعاني من ضعف غير معقول في حياته الدنيويّة، فليعرف بأنّه قد فرّ من جهاد النفس في أحد مواطنه.


نهجنا الإسلام 07-02-2015 06:31 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.16
 
إليك ملخّص الجلسة السادسة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

الأهداف الدنيوية والأخروية لجهاد النفس

لقد درسنا في الأبحاث السابقة لحد الآن ضرورة جهاد النفس وآثاره. وفي تكملة البحث نحن بصدد الحديث عن هدفين رئيسين لجهاد النفس؛ أحدهما الهدف الدنيوي والآخر الهدف الأخروي لجهاد النفس.

جهاد النفس من أجل الحصول على الأهداف الدنيوية أمر ضروري لجميع المجتمعات البشريّة

لقد ذكرنا في الجلسة السابقة أحد الأهداف الرئيسة والمهمّة لجهاد النفس وجرى الحديث حوله باختصار. وكان الهدف عبارة عن أننا إذا سيطرنا على هوى نفسنا واستطعنا أن نسيطر على بعض رغباتنا الدانية، سوف نحظى بشخصيّة أقوى تمكّننا من نيل أهدافنا الدنيوية بشكل أفضل. وإن جهاد النفس هذا من أجل الحصول على الأهداف الدنيوية أمر ضروري لمجتمعنا وجميع المجتمعات البشريّة.
إذا كان أهل العالم يمارسون المعاصي وينخدعون بمكائد إبليس، فذلك بسبب أن قد كُذِب عليهم بأن سوف يتمتعون بمزيد من اللذات في هذه الدنيا عبر المعاصي والذنوب، مع أن الواقع هو أن ترك جهاد النفس، يؤدي إلى قلة التذاذ الإنسان في هذه الدنيا فضلا عن الآخرة. إنّ استقبال المصاعب وإيجاد النظم والانضباط في الحياة وتكوين شخصية أقوى عبر جهاد النفس، هي من العوامل التي تقوّي الإنسان على الاستمتاع بلذائذ الحياة الدنيا.

اتباع الهوى مدعاة لذلّ الإنسان وهوانه، وبالتالي عجزه عن إعمار دنياه

إن ترك اللذة تمهّد الإنسان للالتذاذ، إذن أحد أهداف جهاد النّفس المهمّة هو إعمار حياة الدنيا، إذ أنها تزيد الإنسان قوّة وقدرة على التركيز، في حين أن اتباع الهوى مدعاة لذلّ الإنسان وضعفه وهوانه وبالتالي عجزه عن إعمار دنياه.
كما يمكن مشاهدة آثار جهاد النفس في مجال الصحة وسلامة النفس أيضا. فعلى سبيل المثال الإنسان الذي يجاهد نفسه ولا يكذب، يحظى باطمئنان ولا يتشوّش باله ولا شكّ في أن الحياة الأفضل بحاجة إلى هذا الاطمئنان.

الهدف الرئيس من جهاد النفس هو لقاء الله

وإن كان أحد أهداف جهاد النفس المؤكدة هو الحصول على حياة أفضل في الدنيا، ولكنّه هدف فرعي، إذ سرعان ما ينتهي أمد الحياة الدنيا. وأيّ إنسان سليم يقنع بعمران دنياه فقط، مع أنه سرعان ما تمرّ وينتهي شوطها؟ فمثل هذا الهدف ليس بهدف سام وقيّم بأن نهدف إلى حياة أفضل في هذه الدنيا عبر جهاد النفس، فلا ينبغي أن نعتبر الحياة الدنيوية الأفضل هدفا رئيسا لجهاد النفس، بل ينبغي أن نعتبرها هدفا فرعيا وأحد فوائد جهاد النفس.
بعض الأحيان عندما يشاهد الإنسان بعض هذه البرامج في القنوات والفضائيات والتي تستضيف شخصية موفقة وناجحة مثلا، يشعر بالمهانة من شدّة الأهداف النازلة التي تروج لها هذه البرامج. فتراهم يستضيفون الضيف الناجح والموفّق في الحياة ويصفق له الجمهور وهو يطرب لصوت التصفيق، وإذا به لم يصل إلّا إلى هدف بسيط جدا ومحدود بأيام قليلة من هذه الدنيا. وفي الواقع إنجازه هو أن يصفق له جمهور البرنامج ولا غير! ولا يسأل أحد عن مدى حفاظه على اطمئنانه وعقله وفطرته وصفا باطنه.
ويودّ بعض الناس أن يدّنسوا ساحة السياسة بهذا الانحطاط، بحيث يحدّدوا نطاق النجاح السياسي ونجاح الناشط السياسي بإنجاز الأهداف المحدودة بهذه الدنيا. فتعسا لمثل هذا الفكر العار على البشر. لقد اجتاز البشر من هذه المرحلة. متى صارت الأهداف السياسية محدودة بإعمار الدنيا؟! فإنّ هذا الفكر هو عين الوثنية وعين الحماقة والجهل والسفاهة، ولابدّ من إيجاد ثورة على مثل هذه الرؤى المنحطّة، وإلا فلا تخلو أوساطنا السياسية من أناس منحطّين بحيث يقلّلون أهداف الإنسان السامية في شعاراتهم السياسية إلى مستوى هذه الدنيا الدنيّة.
طبعا لا يقتصر هذا الكلام بموضوع السياسة، بل يجب أن تكون أهداف جميع النشاطات الاجتماعية والإنسانية أسمى من هذه الدنيا، وكذلك إن واجهنا أيّ مفهوم مرتبط بالنجاح والتوفيق، من قبيل مؤشرات الإنسان الموفّق، أو الأسرة الناجحة أو المجتمع السالم والمتطوّر، أو النظام السياسي الناجح، أو النظام الاقتصادي الناجح، لابدّ أن لا نحدّد التوفيق والنجاح في هذه الأصعدة المختلفة بالنجاح الدنيوي، وإلّا فيكون تعريفنا عن النجاح والتوفيق أقلّ من شأن الإنسان.
لماذا نريد أن نجاهد أنفسنا؟ قسم صغير من آثار جهاد النفس هو تحسين الحياة الدنيا، ولابد من تحسين الدنيا لتحلو حياة المؤمنين وتزداد صفاء ولذّة وقوّة وتكون أفضل من حياة غير المؤمنين ونحن لا نغضّ الطرف عن هذا الجانب، ولكننا لا ننظر إلى هذا الجانب كهدف أصلا، بل ننظر إليه كواحدة من فوائد جهاد النفس. كما أنك عندما تريد أن تذهب إلى مشهد، لابدّ لك أن تمرّ بمدينة نيشابور، ولكن ليست نيشابور بهدف في سفرك، بل هي إحدى فوائد الذهاب إلى مشهد. فليس من الصحيح أن تقول أنا بصدد الذهاب إلى مشهد وكذلك الذهاب إلى نيشابور! إذ عندما تلاحظ الهدف الأقصى، عند ذلك تتحقق الفائدة ويُنجز الهدف المتوسط والداني بطبيعة الحال.
لا ينبغي أن نحدّد الهدف من جهاد النفس باعتباره الطريق الوحيد، بتحسين الدنيا وإعمارها وتكوين حياة أيسر. فنحن بصدد جهاد النفس في سبيل تحقيق هدف مهمّ جدا. فما هو ذلك الهدف المهم الذي قدّر الله أن يكون الطريق إليه يمرّ من جهاد النفس؟ وما هو ذلك الحدث المهم الذي يجب أن نجاهد أنفسنا في سبيل تحقيقه، ونستمر بجهاد النفس حتى تعمّر آخرتنا فضلا عن دنيانا؟ لقد تمّ تحديد هذا الهدف السامي من قبل الله، ولكن يجب علينا معرفته فقط.
صحيح أن بعض الناس قد لا يرتاح عندما يرى أنه لا دور له في تحديد الهدف الرئيس من حياته، ولكن لا مفرّ من ذلك، إذ يجب أن نسأل خالق الإنسان أن لأيّ غاية خلقنا؟ فإنك إن عرفت هذا الهدف جيّدا، تستطيع أن تعشقه. أمّا من كان باردا لا حافز له ولم يحمل القوّة والطاقة اللازمة لسلوك هذا الطريق الوحيد، فهو لم يتعلق بهذا الهدف بعد. إن جاذبية هذا الهدف أقوى من جاذبيّة الأرض التي تسحب الأشياء إليها وكذلك أقوى من جاذبية القمر الذي يسبب مدّ البحر. فهل لله جاذبية أيضا؟!
نعم ومن المؤكد أن الله جذّاب. وقد خلقنا لنصل إلى الله ونلتذّ بالقرب منه. (إنّا لله وإنا إليه راجعون) و (و إليه المصير). إن يوم القيامة بمثابة الشارع الذي يجب أن نجتازه في سبيل الوصول إلى حيّنا وهي الجنة، وهناك يحدث الحدث الرائع الذي لا يوصف وهو لقاء الله سبحانه. لقد خُلِقت في سبيل لقاء الله وقد صنعت من أجله. إن خالقك هو الذي حدّد هدفك ولم يسمح لك بتحديد هدفك الرئيس.
إلهي! لماذا خلقتني؟! فإن سألته يجبك: لقد جئت إلى هذه الدنيا لتستمتع بالراحة واللذة. لقد خُلِقت من أجل اللذة ولكنك تطلب اللذة الحقيقية، وأمّا اللذّات الفانية فتؤذيك وتضرّك. لقد صنعتك من أجل لذّة عظيمة جدا، وهي لذّة لقائي. فقد خلق الإنسان في سبيل لقاء الله. كلّ لذة تفنى وتنفد ما عدا لذة لقاء الله فإنها غير متناهية.

يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 16-02-2015 02:24 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.16
 
جميع الناس ـ شاءوا أم أبوا ـ سائرون في سبيل لقاء الله

يقول الله سبحانه في القرآن: (یا أَیُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ کادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ کَدْحاً فَمُلاقیه)[الانشقاق/7] وكما تلاحظون لم يأت خطاب الآية بصيغة «یا أيها الذين آمنوا»، بل قد خاطب جميع الناس، يعني جميع الناس ـ شاءوا أم أبوا ـ سائرون في سبيل لقاء الله، ولكن بإمكان الإنسان أن يدير محنه ومصاعبه بحيث يحظى بلقاء أمتع وأجمل مع الله، وكذلك يستطيع أن يتجرّع المصاعب والمتاعب بلا هدف وبرمجة، وبلا أن تترك أثرا إيجابيا على لقائه مع الله.

هيجان لقاء الله هيجان غير متناهٍ

إن لقاء الله ممتع جدّا، وإنما أصحاب القلوب السوداء فقط لا يستطيعون أن يفكّرون بهذا اللقاء. فمن كان يحظى بشيء قليل من صفاء القلب قادر على إحساس حلاوة لقاء الله. طبعا إن حلاوة لقاء الله تختلف عن باقي اللذّات كلها، إذ أن الله هو الخلّاق. قد يصدف أن نرى إنسانا غير جميل يرسم لوحة جميلة جدّا، ولكن الله سبحانه ليس هكذا، إنه خالق الجمال ولا شك في أنه أجمل من كل جمالٍ خلقه. إن هيجان لقاء الله هيجان غير متناهٍ، بحيث يواجه المؤمن لذّة جديدة في أيّ لقاء، فينسى بها اللذّات السابقة. إن الله موجود غير محدود، وكذلك لا حدّ للذّة لقائه. قد يسأل سائل: ألا نضجر من الجنّة؟! كلا! لأننا سوف نتمتع في الجنة بلقاء الله ولن يصبح هذا اللقاء أمرا مكرّرا رتيبا، و نحن قد خلقنا من أجل الاستمتاع بلقاء الله نفسه.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يذيقك ـ أخي العزيز ـ شيئا قليلا من لذّة لقائه في الصلاة، فبعد ذلك تقطّع نفسك وترضى بكلّ شيء في سبيل أن تزداد حظّا من هذه اللذّة اللا نهائية. وبعد ذلك تبقى خجلا من الله سبحانه لشدّة منّه عليك ولا تزال تشعر بالبهجة والسرور بذلك اللقاء، وتقضي باقي أيام حياتك باشتياق هذا اللقاء وانتظار تجربة أخرى من ذلك اللقاء، وتبكي شوقا لساعة اللقاء وما أجملها من ساعة. ثم تُكرَه على البقاء في هذه الدنيا ولو كان الأمر بيدك لغادرتها شوقا إلى لقاء الله. وأساسا تتغير ماهية حياتك في هذه الدنيا بعد تجربة لقاء الله في الصلاة.
أنا لا أدري ما الذي تريدون أن تفعلوه في سبيل نيل شيء من لقاء الله في هذه الدنيا، هل تريدون أن تذكروا الله كثيرا، أو تدمنون على دعاء جوشن الكبير مثلا، أو تريدون أن تصلّوا بكل أدب وخضوع، أو عزمتم على ترك بعض اللذات في سبيل إدراك تلك اللذة العظيمة، أو تريدون أن تقطّعوا أنفسكم إربا إربا... لا أدري ماذا سوف تفعلون، ولكن اسألوا الله أن يذيقكم طعم لقائه، وادعوا لي أنا المسكين الذي أكثر منكم حرمانا وخيبة.
طبعا كل الناس جميعا يلاقون الله سبحانه، ولكن بعضهم سوف يلاقونه في أحسن الحال، وبعضهم يلاقونها في أسوأ الحال. ولقاء كل فرد بالله يختلف عن لقاء الفرد الآخر، فإذا أردنا أن نجسّد تلك الحقيقة الرائعة بألفاظنا الصغيرة نقول: إن البعض لا يجد في لقاء الله سوى ابتسامة ربّه في وجهه، وبعض يضمّه الله إليه، وبعض يباهي به الله وهذه هي ألذّ لذّات العالم. فيا أيها الإنسان الذي تطرب وتنتعش بتصفيق قاعة مليئة بالناس لك، فما تفعل إن صفّق الله لك؟ عند ذلك سوف لا تشتري أهل العالم بفلس أحمر، لشدّة غناك عنهم وشدّة لذّة لقاء الله.
سوف يأتي اليوم الذي ندرك فيه كل هذه الحقائق وذلك يوم القيامة. في ذلك اليوم إذا امتنع الله من أن يكلّم أحدا، يكون أشدّ عليه من عذاب جهنّم. سوف ندرك في ذلك اليوم مدى لذة لقاء الله، فإذا امتنع الله من النظر إلى أحد سيكون أشدّ عليه من عذاب نار جهنّم.

من أجل الوصول إلى لقاء الله لابدّ أن نزداد سعة والطريق إلى ذلك هو جهاد النفس

ليس لنا سوى طريق واحد للوصول إلى لقاء الله وهو جهاد النفس. فبعد أن التفتنا إلى هذا الهدف لابد أن نغض الطرف عن بعض الملذّات والرغائب.
من أجل الوصول إلى لقاء الله لابدّ أن نزيد سعتنا، ولكن كيف يتمّ ذلك؟ طريق ذلك هو أن نتطهّر من الأنانيّات ونترك الرغائب حسب البرنامج الإلهي. فإذا أراد أحد أن ينظم برنامجا لجهاد النفس على أساس رأيه وقراراته الشخصيّة، يخاطبه عقله قائلا: «هل تريد أن تبرمج لنفسك بنفسك؟ فعندئذ تبقى أنانيتك على حالها. فإذا أردت «أنت» أن تترك بعض مشتهياتك، تبقى «إنيتك» على حالها وهذا نقض للغرض.

طريق زوال «الأنا» هو استلام الأوامر من الله

لا ينبغي أن يبقى أثر لإنيتك في مقابل الله سبحانه، ولا يسمح الله لأحد أن يتشرّف بلقاء الله إلا بعد أن زالت أنانيته ورغباته أمام الله ومشيئته.لقد خطّط الله برنامجه بحيث تسيطر على شهواتك بأمره وتغض النظر عن بعض لذائذك ولابدّ أن يكون ذلك بأمر الله لا بأمرك، إذ أن طريق زوال «الأنا» هو استلام الأوامر من الله سبحانه. «الحافز» الرئيس في هذا الطريق الوحيد هو «لقاء الله»، ولا يحقّ لك أن تضع برنامجا في هذا الطريق، فإنك لو فعلت ذلك تتكبّر نفسك مرّة أخرى. ليس تكبّر النفس بشيء جيّد، إذ أن الله هو المتكبر ولا غير، فإنّك إن تكبّرت بمقدار ذرّة، لن تجد رائحة الجنة كما في الرواية. فقد قال رسول الله (ص): «یَا أَبَاذَرٍّ، مَنْ مَاتَ وَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ کِبْرٍ، لَمْ یَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ یَتُوبَ قَبْلَ ذَلِك‏» [أمالي الطوسي/538] وكذلك قال الإمام الصادق(ع): «لَا یَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِی قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ کِبْر» الكافي/2/310]
لابدّ أن يطاع الله بنفس برنامجه الذي حدّده؛ لا البرنامج الذي نحدّده نحن. فقد روي عن الإمام الصادق(ع) أن الله قد قال لإبليس: «إِنَّمَا أُرِیدُ أَنْ أُعْبَدَ مِنْ حَیْثُ أُرِیدُ لَا مِنْ حَیْثُ تُرِیدُ» [تفسیر القمي/1/42] فقد برمج الله المقرّرات والمقدّرات وأعلن عن الضوابط المتمثلة بالأحكام الإلهية في الدين.

يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 21-02-2015 03:10 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 3.16
 
يقضي الله على أنانية الإنسان عبر التقادير والتكاليف

علينا أن نجاهد هوى نفسنا لأن لا يبقى أثر من «الأنا» وهذا هو معنى العشق الذي ما أجمله وما أمتعه وما أكثر الذين طبّلوا وزمّروا باسمه ولم يدركوا شيئا من حقيقته. لا ينبغي أن يبقى أثر من «الأنا» في مقابل المعشوق، وهذا هو الله الذي يسلب أنانية الإنسان عبر تقديراته وتكاليفه. إعطاء البرنامج من شؤون الله والأمر والنهي هما من صميم جهاد النفس. ومن شؤون العبد أن يكون منتظرا لاستلام الأمر متأهّبا لتنفيذه.

«جهاد النفس» يعني الالتزام بالأوامر الإلهيّة

إذن «جهاد النفس» هو عبارة أخرى للالتزام بالأوامر الإلهية والذي يعبّر عنه القرآن بـ «التقوى». تأكيد القرآن على التقوى هو في الواقع تأكيد على الالتزام بالأوامر الإلهية. وركن التقوى هو جهاد النفس عبر الالتزام بأوامر الله لا العمل على أساس أميال النفس. فإنك إن جاهدت نفسك على أساس الأوامر الإلهية فقد عملت بالتقوى. كما قال أمير المؤمنين(ع): «إنَّما هي نَفسي أروضُها بِالتّقوی»[نهج ‌البلاغة/ الكتاب45] فإذا جاءك الأمر من المقام الأعلى فإنّه ذو أثر آخر، ولا يموت هوى نفس الإنسان إلا باستلام الأمر من المقام الأعلى.
يبدو من وجوهكم وأعماركم أنكم لم تكونوا حاضرين في الجبهة. فكم كان لهذا الحديث من طلّاب وشرّاء في جبهات الجهاد. كان بعض المجاهدين عشّاقا للشهادة ومتحمّسين للذهاب إلى الخطّ الأمامي، أما إذا أمرهم القائد أن لا يذهبون إلى الأمام ويبقون في مكانهم، يطيعون ويمتثلون. كنّا نرى هذه الظاهرة في كتيبتنا. وأحيانا كنا نجد بعض المجاهدين الذين كلّ ما يأمره قائد الكتيبة بالبقاء في الخلف، لا يمتثل ولا يطيع. وأكثر هؤلاء المتمرّدين لم ينالوا الشهادة بل قد انحرف بعضهم.
كان أحد المجاهدين فنّانا يخطّ ويرسم لوحات ثقافية وشارات. فکان القسم الثقافي في الفيلق يطلب منه أن يبقى في الخلف ليخطّ اللوحات والشارات المطلوبة. فكان يبقى في الخلف دون أن يصرّ على الذهاب إلى الأمام، وكان يضحك ويقول: «متى ما حان الوقت يأتي صاحب البيت ويأخذنا إليه، ولا علينا سوى أن نعمل بالتكليف». في إحدى الحملات جاءوا إليه من الأمام وقالوا له: قد اشتبكت الطرق في الخط الأمامي، فأسرع إلى هناك لكتابة الشارات. فضحك وقال: ألم أقل لكم متى ما حان الوقت يأتون ويأخذوننا. وفعلا ذهب واستشهد في المرّة الأولى.
أحد العلماء الكبار والمجتهدين، كان قد ذهب إلى الجبهة، فاغتبط به المجاهدون وطلبوا منه أن يأمّهم في الصلاة. ولكنّه امتنع وقال: أنا لا أتقدم على المجاهدين. فكل ما أصرّوا عليه وقالوا له: أنت شيخ كبير وعالم فقيه وفي هذا العمر قد جئت إلى الجبهة فمن أفضل منك الآن، رفض أن يتقدّم في الصلاة. إلى أن قال: في حال واحد أقبل وهو أن يأمرني قائد الكتيبة بإقامة الصلاة، فعند ذلك يجب عليّ امتثال أمره، إذ أن أمره في امتداد أمر قائد الفيلق وقائد القوّات المسلّحة وبالتالي الإمام الحجة(عج)، فإذا أمرني، يجب عليّ الامتثال شرعا.

علاقة التقوى مع جهاد النفس في الروايات

يقول أمير المؤمنين: «رأسُ التُّقی مخالِفَة الهَوى»[عيون الحكم/263] وكذلك قال(ع): «من جاهد نَفسه أکملَ التّقی»[غرر الحكم/ الحديث4940] وقال(ع) في حديث آخر: «لَا یُفْسِدُ التَّقْوَى إِلَّا غَلَبَةُ الشَّهْوَةِ»[غرر الحكم/ الحديث6003] وكذلك قال(ع): «طُوبَى لِمَنْ عَصَى فِرْعَوْنَ هَوَاهُ وَ أَطَاعَ مُوسَى تَقْوَاه‏»[عيون الحكم/5493].
لقد كتب أمير المؤمنين(ع) كتابا إلى معاوية فجاء فيه: «تذْکُرُ التَّقْوَى وَ أَنْتَ عَلَى ضِدِّهَا؛ قَدِ اتَّبَعْتَ هَوَاكَ»[كنز الفوائد/ج2/ص43] وهذا ما يدلّ على تضادّ هوى النفس مع التقوى.
وكذلك جاء في حديث طويل عن الإمام الرضا(ع): «لکنَّ الرَّجُل کلُّ الرَّجل، نِعمَ الرَّجل هو الذّی جَعَلَ هَواه تبعاً لِأمر الله» [مجموعة ورّام/ ج2/ص100]. فمن خلال هذه الروايات يمكن فهم الترابط الموجود بين الأمر الإلهي وبين التقوى وجهاد النفس.

صلى الله عليك يا أبا عبد الله

أحيانا تقتضي التقوى أن تضحّي بأعزّ أعزّائك، وليس شأنك سوى أن تترقّب الأوامر فقط. فلا يكن هدفك أن تصبح إنسانا صالحا، فتفسد بهذا الطريق، بل يجب أن تنفّذ الأوامر. وأحيانا يقتضي امتثال الأمر الإلهي أن تغضّ الطرف عن كثير من القيم والأعمال الصالحة في سبيل أمر أهمّ وأسمى.
أنتم تعلمون أيّها الإخوة أن أهل الإنسان وزوجته وأطفاله من أعزّ الناس عليه، كما أن لهم احترامهم وشأنهم ويجب على الإنسان أن يحافظ عليهم ويحميهم من الأخطار. ولذلك أشاروا على الحسين(ع) أن سلّمنا بأنك عازم على الجهاد ومواجهة الظالمين، ولكن لماذا تذهب بأهلك ونسائك وأخواتك وأطفالك وبناتك إلى الحرب. ولم يكن جواب الحسين(ع) إلا أن قال: لقد أمرني رسول الله(ص) بأمر أنا ماض له.
نحن لو كنّا في زمن الإمام الحسين(ع) لعلّنا كنّا نقول له: إذهب جعلنا الله فداك وامض إلى امتثال أمر الله عسى أن تختم هذه القصّة بخير كما ختمت قصّة إبراهيم الخليل بخير ولم يسمح له الله بذبح ابنه. اذهب فلعلّ الملائكة تهبط وسط الطريق وتقول: لقد تقبّل الله جهادك وقد نجحت في هذا الامتحان فأرجع زينب، ولكن جاء يوم العاشر ومرّت الساعات ولم يأت خبر من السماء...

ألا لعنة الله على القوم الظالمين


نهجنا الإسلام 21-02-2015 06:26 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.17
 
إليك ملخّص الجلسة السابعة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

نحن مازلنا مضطرين إلى مخالفة بعض أميالنا


لقد انتهى بحثنا في الجلسات السابقة إلى أننا مضطرون إلى مخالفة بعض أهوائنا، وأن هذا الاضطرار هو بسبب تركيبة وجود الإنسان وتركيبة الحياة في هذه الدنيا. وقد ذكر في ما يرتبط بتركيبة وجود الإنسان أن الطريق الوحيد لنماء قوى الإنسان الروحيّة وحتّى الجسميّة هو مخالفة بعض الأهواء والرغائب. و أمّا سبب ما تقتضيه تركيبة الحياة من مخالفة الأهواء فهي عوامل شتّى من قبيل استحالة وصول الإنسان إلى جميع آماله، وأن لابدّ للإنسان من هرم ومشيب إذا عمّر في الدنيا، وغيرها من العوامل التي تفرض على الإنسان أن يجاهد نفسه ويخالف بعض أهوائه.


يشكّل الإيمان الحافز اللازم لجهاد النفس/ التقوى هي برنامج لجهاد النفس


الحافز اللازم لجهاد النفس هو الإيمان، وبرنامجه التقوى. إن دور الإيمان في هذه المعمعة هو أن يحدّد لك الهدف لتقدر على اجتياز هذه الساحة الخطرة بحافز قويّ وشوق بالغ. يعدك الإيمان بوجود عالم آخر أبدي خالد بعد هذه الدنيا، ويشرح لك سبب الآلام والمحن الموجودة في هذه الدنيا لكي تعرف أنها كانت لصالحك، ولتعرف أن الذي جعلك في خضمّ هذه المحن والصعاب لم يتركك سدى بلا برنامج وخارطة الطريق، فثق به واركن إليه.

بعد مرحلة الإيمان، يأتي دور اجتياز ساحة الألغام عبر برنامج التقوى. فالإجابة عن كيفية جهاد النفس وما هي الرغبات التي يجب مخالفتها، وأسلوب طيّ هذا الطريق هي تشكّل نقطة الانطلاق في حركة الإنسان الدينيّة.


العلاقة بين التقوى والعبودية


بعد أن اقتنعنا بضرورة الكفّ عن بعض رغباتنا، يطرح هذا السؤال نفسه، وهو: عن أيّ رغباتنا يجب أن نكفّ؟ فلو سألنا الله سبحانه بهذا السؤال لأجابنا: عليكم أن تغضّوا عن رغباتكم حتى لا يبقى أثر من «الأنا» في داخلكم. لذلك إن خالفت بعض أهوائك ولكنك بقيت محافظا على «أنانيتك» فقد نقضت الغرض ولا فائدة في مثل هذا الجهاد إلّا في الدنيا. إنك إن قمت بتصميم هذا البرنامج بنفسك، ففي الواقع قد أبقيت «الأنا» على حالها، أو لعلّك كبّرتها إذ قد أعددت البرنامج بها وقد أطعتها في كيفيّة مخالفة الهوى. نحن إذا برمجنا بأنفسنا لجهاد النفس، تنتفخ أنانيّتنا، فلا يبقى بدّ سوى أن يبرمج الله لنا، وقد تصدّى سبحانه لهذا الأمر عبر أوامره ونواهيه وحلاله وحرامه وواجباته وعباداته.

لقد أعطانا الله برنامجا أدار به عمليّة جهاد النفس وكأنه يقول: «إذا أردت أن أدير حياتك وجهادك فلابدّ لك أن تكون لي عبدا ذليلا». والعبد لا يملك شيئا لنفسه. إن ما أراد الله منّا هو أن نترك اللذات والرغبات ولا نزال كذلك إلى أن لا يبقى شيء من أنانيّتنا ونلتذّ بعد ذلك بالعلاقة مع الله نفسه، وهذا هو معنى العبوديّة. ثم ليس هناك شراكة بيننا وبين الله بحيث يأمر الله تارة ونرتأي نحن تارة أخرى. وكلّما أخفقنا في الطريق يجب أن نتوب وسوف يمهلنا ربّنا، فإن الله أرحم الراحمين وليس بشديد على المؤمنين. ولكن بعد ما أصبحنا عبادا للّه، فكلّما حدثت منّا مخالفة للأوامر الإلهيّة يجب أن نستغفر ونعترف بالذنب.


التقوى هو البرنامج الوحيد الذي يضمن القضاء على أنانيتك


أنت بحاجة إلى برنامج يعينك على إزالة أنانيّتك، لتصبح بعد ذلك عبدا ذليلا لله وتحظى بلذّة العبوديّة. ومن لوازم القضاء على هذه «الأنا»، هو العمل ببرنامج لا دور لك فيه.

ولذلك عندما كان يُسأل الشيخ بهجت(ره) عن برنامج للسير والسلوك أو يسأل عن كتاب مفيد في هذا المجال، كان يقول: «حسبكم هذه الرسالة العمليّة». يعني برنامج طي هذا الطريق والسير والسلوك هو العمل بهذه الرسائل العمليّة. ولعلمكم كان المجاهدون في أيّام الدفاع المقدّس يعشقون الرسائل العمليّة، إذ كانوا قد بلغوا درجة الاستعداد للتضحية، فأيقض الله في قلوبهم شوقَ عبادته فأصبحوا يوّدون أن يسمعوا أوامر الله ليمتثلوها، فكانت الرسائل العملية دواء قلوبهم. حتى أن بعض المجاهدين كانوا قد حفظوا رسالة الإمام الخميني(ره) من قبيل «الشهيد أحمد نيكجو» الذي استشهد في عمليات كربلاء خمسة، فقد نقل عنه أنه كان قد حفظ رسالة الإمام.




إن برنامج جهاد النفس هذا، يرقّينا إلى درجة العبوديّة


إذا أدرنا عمليّة جهاد النفس بأنفسنا، فلا فائدة فيها ولا تزال تسمّى «عبادة النفس» لا «عبادة الله»، ولا نفرق حينئذ عن أولئك الذين يتحملّون الكبد والعناء ولكنّهم لا يتطوّرون. فإنْ تحمّل المعاناة أحد من الناس ولم يتنوّر قلبه فليعرف أن قد عانى وكابد بغير صواب، يعني أنه جاهد نفسه وعانى ما عانى ولكنّه لم يسيطر على هوى نفسه بعد. مضافا إلى أن المعاناة أمر لابدّ منه في هذه الدنيا، فإن لم يعان الإنسان في سبيل الله، فسوف يعاني لا محالة في سبيل نفسه.

إن جهاد النفس يصيّرنا عبادا لله، إذ أن العبد الحقیقي، هو من كان على استعداد من امتثال أمر مولاه والتحرّك ضمن برنامج مولاه، كالعبيد حين يمتثلون أوامر أسيادهم.

إن علاقتنا مع الله تختلف كثيرا عن علاقتنا مع شرطيّ المرور. إذ تهدف أوامر شرطي المرور إلى تنظيم السياقة والمرور في المدينة على أساس قوانين المرور، ولا دخل له بحديثنا داخل السيّارة مثلا. ولكن علاقتنا مع ربّ العالمين ليست هكذا. إنه يصدر مجموعة من الأوامر، ثم ينظر إلينا فردا فردا ليرى هل بقى شيء من أنانيتنا أم لا، حتى إذا وجد لها أثرا يقضي عليها عبر الامتحانات ومحن الحياة. طبعا يفعل الله ذلك بمنتهى الرحمة والصبر والصفح، فإنه يرضى بالقليل من أعمالنا ويصفح عن كثير. فلابدّ أن نرى جميع صفات الله ولا نؤكّد على جانب منها فقط. فإنّ الله يحاول أن يقضي على هوى نفسنا في هذه الدنيا ولكن بمنتهى الرأفة.

يتبع إن شاء الله...


نهجنا الإسلام 23-02-2015 02:08 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.17
 
التقوى هي جهاد النفس ولكن بشرطين...

يجب علينا أن ندع بعض اللذات جانبا في سبيل أن نحظى بلذة لقاء الله ونذوق طعم هذا اللقاء. ينبغي لنا بحكم العقل أن نتغاضى عن بعض اللذات طمعا باللذات الأفضل.
في مثل هذه الليالي يجب أن نتوب من ذنب غفلتنا عن أعظم لذّة في العالم. فقد جعل الله شهر رمضان في سبيل أن نشتغل به. فلا نجد بدّا سوى أن نسلّم أنفسنا إلى الله ونقول له: ربّنا نظّم حياتنا بنفسك. فيقول الله بلسان حاله: «نعم لابدّ من ذلك! وإلى من أكلك؟ فإلى أي أحد أكلك صرت عبده ولن تصل إليّ بعد. بينما يجب أن تكون عبدي وأن تفني نفسك في سبيلي، ويجب أن تفقد نفسك لتنال لذّة لقائي. إذن فيجب أن أديرك بنفسي فأسمّيك عبدا. فبعدما قبلت أن تكون لي عبدا يجب عليك أن تمتثل أوامري. وليَكُن شأنك الوحيد هو اتباع أوامري وأحكامي بلا فرق بين التقديرية منها وبين التكليفيّة».
بعدما قبلنا أصل العناء والكبد، لابد أن نلتفت إلى «البرنامج» ونسعى للتحلّي بالرضا بالمصاعب في هذا الطريق. عندما يعطينا الله سبحانه وتعالى برنامجه في جهاد النفس، لا يستخدم عبارة جهاد النفس، بل يتحدث عن «التقوى». التقوى هي ليست جهادا للنفس وحسب، بل هي جهاد للنفس مع خصيصتين: 1ـ تشتمل على صبغة إلهية فإنك وعبر لزوم التقوى لا تجاهد نفسك في سبيل الدنيا فقط، بل تجاهدها لتنال لقاء الله سبحانه. إذن التقوى هي جهاد النفس بعينه، ولكن في سبيل الله. 2ـ التقوى هي جهاد النفس ولكن عبر البرنامج الإلهي.

لقد جعل الله عقبة في طريق عبادته

إذا استطاع الإنسان أن يدع رغباته امتثالا لأوامر الله وفي سبيل أن ينال لقاء الله ويحظى بلذّة قربه، وراح يطبّق البرنامج الإلهي بحذافيره حتى صار عبدا مطيعا، لا يدلّ ذلك على زوال أنانيّته، بل لا تزال نفسه قادرة على خداعه. يعني حتى لو امتثلنا جميع أوامر الله سبحانه، قد تكون «نفس» الإنسان باقية على قوّتها.
إلهنا! لقد سلّمنا لك أنفسنا ورضينا بأن تكون أنت صاحب القرار في التكليف والتقدير ونحن راضون بذلك وقد أصبحنا عبادا لك، فأي مرض يبقى بعد هذا؟ هنا يجیبك الله قائلا: «يبدو أنك شعرت بالقرب مني ولعلك لم تشعر بالبون الشاسع بيني وبينك وهذا ما يدلّ على بقاء أنانيّتك بعد».
ففي سبيل فرز أولي النفوس المتكبّرة من غيرهم، قد جعل الله عقبة في طريق عبادته وهي قبول «الولاية». فإن كان لابدّ لنا من تلقّي أوامر الله، فالنبيّ هو الذي يبلغنا أمره. فمن أراد أن يستلم أوامر الله مباشرة بدون واسطة النبي، فهو متكبّر. هذا هو قانون الله وهذه هي شريعته. فبمقتضاها لا تكفي إطاعة الله وحسب وإنك لم تكن قاضيا على أنانيتك وهوى نفسك بمجرّد إطاعة أوامر الله، بل يجب أن تمتثل أوامر الإنسان الذي أمر الله بطاعته. وإطاعة من أمر الله بطاعته هي ما نسمّيها بالولاية بمعناها الخاصّ.
الولاية هي المرحلة القصوى الدالة على طهارة الإنسان. الولاية هي تلك المرحلة التي عجز إبليس عن اجتيازها واتضح بعد ستة آلاف سنة أنه كافر كذاب ولم تزل أنانيّته مستفحلة في ذاته.

الولاية هي المحك الأخير لاختبار زوال أنانية الإنسان

تَرَدَّد على بيوت أهل البيت(ع) ولا سيما أمير المؤمنين(ع) وافحص قلبك وانظر هل تشعر بالتواضع الكبير تجاه عظمة أمير المؤمنين(ع) أم لا؟ إنك لم تكن قادرا على رفض عبوديتك للّه، ولكن هل تعتقد بأفضليّة أمير المؤمنين(ع) عليك أو أنك تحسده؟! وعندما تقف بين يدي أمير المؤمنين(ع) هل تخشع له وتتهافت أم يبقى لك شيء من الكبر والاستعلاء؟ إن كنت عبدا لله تقل: «إلهي! دلّني على أحبائك وأعزائك لأكون خادما لهم». وهذا هو الفارق بين العبد الحقيقي والعبد المزيّف. وهذا هو الفارق بين المسلم والمؤمن.
الهدف الذي قدّره الله لنا في هذه الدنيا هو أن نقضي على أنانيّتنا عبر أوامره ونواهيه ونستعين على ذلك بالتقوى. ولابدّ أن نخضع لذلك لنتّسم بالعبوديّة ونتّصف بالتقوى. ولكن في سبيل أن يتضح الأمر حقيقة وأن هل قد زالت أنانيّتنا حقّا أم لا، لابدّ أن نخضع لامتحان الولاية. يجب أن لا يثقل عليك امتثال أمر من أوجب الله طاعته. لقد قال الله سبحانه وتعالى للنبي في القرآن: (فَلا وَ رَبِّكَ لا یُؤْمِنُونَ حَتَّى یُحَکِّمُوكَ فیما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لا یَجِدُوا فی‏ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَ یُسَلِّمُوا تَسْلیماً)[النساء/65]

لماذا يغفر الله لأهل الولاية؟

إذا نجح امرء في امتحان الولاية، فقد أحرز عبوديّته. فإنه إن عثر بزلّة أو ذنب يغفر الله له بسهولة. بينما إذا كان الإنسان قد عبد الله سنين طويلة وقام بأعمال حسنة كثيرة، ولكن لم يطو عقبة الولاية بنجاح فهو مريض، وحتى باقي أعماله الصالحة فهي خداع وقد قام بها لإسكات ضميره لا طاعةً لأمر مولاه. إنّ مثل هذا الإنسان في الواقع عابد لنفسه غاصٌّ في خيالاته وأوهامه. النزاع الرئيس في العالم قائم بين عبادة الله وعبادة النفس، وأقصى مراحل عبادة الله هي أن لا تمتثل أوامر الله وحسب، بل تخضع للولي الذي يؤمّره عليك وتمتثل أوامره.
أحد أفضل عباد الله في زمن النبي(ص) سلمان الفارسي. فقد سئل الإمام الصادق(ع) عن سبب ما كان يكثر من ذكر سلمان الفارسي ومدحه، إذ قال له الراوي: «مَا أَکْثَرَ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ یَا سَیِّدِي ذِکْرَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِ! فَقَالَ: لَا تَقُلِ الْفَارِسِيَّ، وَ لَکِنْ قُلْ سَلْمَانَ الْمُحَمَّدِيَّ، أَ تَدْرِی مَا کَثْرَةُ ذِکْرِي لَهُ قُلْتُ: لَا. قَالَ: لِثَلَاثِ خِلَالٍ: أَحَدُهَا: إِیثَارُهُ‏ هَوَى‏ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (عَلَیْهِ السَّلَامُ) عَلَى هَوَى‏ نَفْسِهِ‏، وَ الثَّانِیَةُ: حُبُّهُ لِلْفُقَرَاءِ وَ اخْتِيَارُهُ إِيَّاهُمْ عَلَى أَهْلِ الثَّرْوَةِ وَ الْعَدَدِ، وَ الثَّالِثَةُ: حُبُّهُ لِلْعِلْمِ وَ الْعُلَمَاءِ. إِنَّ سَلْمَانَ كَانَ عَبْداً صَالِحاً حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏». [أمالي الشیخ الطوسي/ ص133]

لعل ولاية الفقيه أيضا محل امتحان هوى نفس الإنسان

إن موضوع هوى النفس قد جرّنا من العبودية والتقوى إلى الولاية. فهل قد بقي شيء من هوى النفس بعد أم لا؟ كم لولاية الفقيه من علاقة مع ولاية علي بن أبي طالب(ع)؟ لعلّ ولاية الفقيه أيضا هي محل امتحان هوى نفس الإنسان. قد يسأل سائل وهل الولي الفقيه معصوم؟! فأقول له: وهل كان سلمان الفارسي معصوما؟! فإنك إن لم تتولّ سلمان الفارسي فقد خرجت من ولاية أهل البيت(ع). يقول الإمام الباقر(ع): «الْوَلَایَةُ لِلْمُؤْمِنِینَ الَّذِینَ لَمْ یُغَیِّرُوا وَ لَمْ یُبَدِّلُوا بَعْدَ نَبِیِّهِمْ ص وَاجِبَةً مِثْلِ سَلْمَانَ الْفَارِسِیِّ وَ أَبِی ذَرٍّ الْغِفَارِیِّ وَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْکِنْدِیِّ وَ عَمَّارِ بْنِ یَاسِرٍ وَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِیِّ وَ حُذَیْفَةَ بْنِ الْیَمَانِ وَ أَبِی الْهَیْثَمِ بْنِ التَّیِّهَانِ وَ سَهْلِ بْنِ حُنَیْفٍ وَ أَبِی أَیُّوبَ الْأَنْصَارِیِّ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ وَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَ خُزَیْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ذِی الشَّهَادَتَیْنِ وَ أبو [أَبِی‏] سَعِیدٍ الْخُدْرِیِّ وَ مَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ وَ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِمْ» [خصال الصدوق/2/607] فإذا قال قائل، أنا خادم المعصومين الأربعة عشر فقط، وأتواضع لهم فقط، فنقول له: إنك إن لم تتواضع لخدمة أهل البيت(ع) وتتجاسر على أحد خدّامهم تخرج من ولاية أهل البيت(ع). فيجب عليك أن تتواضع لهم جميعا.
كان بإمكان الله أن يعطينا برنامج جهاد النفس مباشرة، أو يخاطبنا بالآيات القرآنية ليكون شأن النبي(ص) إيصال أوامر الله إلى الناس، ولكن أحيانا كان يخاطب النبي ويأمره بإبلاغ الناس فلم يتحدث مع الناس مباشرة. ومن جملة أهمّ مصاديق هذه الحالات هي واقعة الغدير؛ (أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْكَ مِنْ رَبِّك). وكلّما دعا الله في القرآن إلى طاعته، أمر بإطاعة الرسول كذلك. مثل قوله تعالى: (أَطیعُوا اللَّهَ وَ أَطیعُوا الرَّسُول) أو ما نقله عن معظم أنبيائه الذين ذكر قصتهم في القرآن إذ قالوا لأقوامهم: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطیعُونِ). ولعلّ الله قد تحدّث عن طاعته بلا أن يذكر طاعة الرسول في آية واحدة فقط.
يقول أمير المؤمنين(ع): «وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّکُمْ إِذَا اتَّقَیْتُمُ اللَّهَ وَ حَفِظْتُمْ‏ نَبِیَّکُمْ‏ فِی‏ أَهْلِهِ‏ فَقَدْ عَبَدْتُمُوهُ بِأَفْضَلِ عِبَادَتِهِ وَ ذَکَرْتُمُوهُ بِأَفْضَلِ مَا ذُکِرَ وَ شَکَرْتُمُوهُ بِأَفْضَلِ مَا شُکِرَ»[تحف العقول/ص178]

كلّ من كان في قلبه حقد لوليّ الله، تسنّى له أن يجسّده في كربلاء

ما حدث في كربلاء؟ أما في مخيّم الأولياء، فكان قد جاء الإمام الحسين(ع) متيّما بحبّ الله قائلا: «تركت الخلق طرّا في هواكا/ وأيتمت العيال لكي أراكا/ فإن قطّعتني في الحبّ إربا/ لما مال الفؤاد إلى سواكا». وأما من كان في مخيّم الأشقياء؟ لقد شاء الله أن يَحدُث أمران في كربلاء: 1ـ أن يجسّد العشّاق عشقهم 2ـ أن تتاح الفرصة لكل من كان في قلبه كبر تجاه ولي الله أن يظهر ويجسّد رذالته وقذارته. وفي كربلاء نحن نستطيع أن نرى مدى رذالة أولئك القوم الذين تكبّروا على الولاية. وكلّ من كان في قلبه حقد على ولي الله أتيحت له الفرصة أن يجسّدها في كربلاء...

صلى الله عليك يا أبا عبد الله




نهجنا الإسلام 28-02-2015 06:11 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.18
 
إليك ملخّص الجلسة الثامنة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

لقد خلقنا في سبيل إنتاج القيمة المضافة عبر اجتياز بعض الموانع/ يتحقق «جهاد النفس» بالعبور عن النزعات الرخيصة

لقد انتهى حديثنا في هوى النفس إلى أنّنا قد خلقنا في سبيل إنتاج القيمة المضافة، وهناك موانع في هذا الطريق وهي النزعات التافهة والرخيصة التي تشكّل حجر عثرة في طريقنا هذا، فباجتيازها والكفّ عنها ينفتح الطريق علينا نحو الرقيّ والكمال. تنطلق الحياة من الاحتياجات القليلة والنازلة بطبيعة الحال، بعد ذلك ومن خلال المرور من هذه الأميال والنزعات غير السامية، يخوض الإنسان شيئا فشيئا في معمعة جهاد النفس. إن جهاد النفس تشكّل حركتنا الرئيسة التي لا تنفكّ عنّا في هذه الدنيا مدى الحياة. وحتّى أولياء الله معنيّون بجهاد النفس أيضا.

جهاد النفس هو في الواقع مواجهة «الأنا» التي هي في مقابل «المعبود»

لا ينفكّ طريق جهاد النفس عن العناء، فلابدّ أن نحلّ قضية العناء لأنفسنا بادئ ذي بدء. إن من لوازم جهاد النفس هي أن يتصدّى الله سبحانه لبرمجة عمليّات جهاد النفس. وقدّ أعدّ الله هذا البرنامج فعلا على مستوى التكليف والتقدير. في سبيل أن تكون قد جاهدت أنانيّتك، لابدّ أن يكون الله قد أعطاك البرنامج، ولذلك فإن جهاد النفس في الواقع هو مواجهة «الأنا» التي في مقابل «المعبود». لقد خلق الإنسان من أجل لقاء ربّ العالمين، ولا معنى للارتقاء بغير الاتصال بالمعبود. فمن أجل نيل هذا اللقاء لابدّ لك من اجتياز الأنا وأهواء النفس.
إن أنواع الطاعات وشتّى العبادات هي من أجل تضعيف «الأنا». فإن كانت العبادة للأنا غير جائزه، كذلك أصل التديّن يجب أن يكون من أجل الله وفي سبيل تضعيف النفس والأنا. فإن كان التديّن لغير الله وكان من أجل توفير حفنة من الجاه فهو رياء.

في سبيل الارتقاء، لابدّ أن نعمل على خلاف الأهواء

من أجل السير نحو الرقيّ والكمال، لابدّ لنا من العمل على خلاف الأهواء. ومعنى الكمال هنا هو الاستعداد الأكثر والأفضل للقاء الله سبحانه. ففي سبيل لقاء الله، لا يكفينا ترك المشتهيات فحسب، بل لابدّ من ترك الأنا أيضا. أمّا برنامج هذا الطريق فهو التقوى، والحافز لطيّ الطريق هو الإيمان بلقاء الله عز وجل.
لقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (وَاسْتَعینُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ)[البقرة/45]. الصبر هو نموذج ممتاز لردّ فعلنا تجاه المشاكل التقديرية، وأمّا الصلاة فتمثّل نموذجا بارزا لتقبّل التكليف وامتثال الأوامر. ثم قال سبحانه في تكملة الآية: (وَ إِنَّها لَکَبیرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعینَ)[المصدر نفسه]. أمّا من هم الخاشعون؟ لقد أجاب الله عن هذا السؤال في الآية التالية: (الَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنهَّم مُّلَاقُواْ رَبهِّمْ وَ أَنهَّمْ إِلَیْهِ رَاجِعُون)[البقرة/ 46].

يبلّغ الله أوامره عن طريق خليفة الله

لا يكفي الإيمان والتقوى وحدهما، إذ حتى مع وجودهما لا تزال «الأنا» قائمة على حالها. فقد ركّب الله وجود الإنسان من أبعاد معقّدة جدّا وليس الصبر والصلاة يكفيان للبتّ في أنّ الإنسان الصابر والمصلّي قد واجه نفسه حقيقة. فمن أجل أن يتّضح كم أنك قد سحقت نفسك، يبلّغ الله أوامره عن طريق خليفته. فهذا الذي لم يتغلّب على نفسه بعد، سوف يحقد على وليّ الله.
من أبرز مصاديق الحقد على ولي الله، هو ما حدث في عيد الغدير، إذ اعترض الحارث بن النعمان الفهري على رسول الله(ص) بعد أن بلّغ ولاية أمير المؤمنين(ع)؛ «لَمَّا کَانَ یَوْمُ غَدِیرِ خُمٍّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص خَطِیباً فَأَوْجَزَ فِی خُطْبَتِهِ ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع فَأَخَذَ بِضَبْعِهِ ثُمَّ رَفَعَ بِیَدِهِ حَتَّى رُئِیَ بَیَاضُ إِبْطَیْهِمَا ... فَبَلَغَ ذَلِکَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيَّ فَرَحَلَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَیْهَا وَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذْ ذَاكَ بِمَکَّةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْأَبْطَحِ فَأَنَاخَ نَاقَتَهُ ثُمَّ عَقَلَهَا ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِیِّ [ص‏]... وَ إِنَّهُ لَمُغْضَبٌ وَ إِنَّهُ لَیَقُولُ اللَّهُمَّ إِنْ کَانَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ حَقّاً فَأَمْطِرْ عَلَیْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ تَکُونُ نَقِمَةً فِي أَوَّلِنَا وَ آیَةً فِی آخِرِنَا ... فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْأَبْطَحِ رَمَاهُ اللَّهُ بِحَجَرٍ مِنَ السَّمَاءِ فَسَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ وَ خَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ وَ سَقَطَ مَیِّتاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیهِ‏ سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ»[تفسير الفرات/ص 504]
إذن لا يَصلُح الإنسان بالصوم والصلاة فقط، بل لابد أن يطهُر قلبه من لوث الحسد والكبر على أمير المؤمنين(ع). فأولئك الذين أسلموا ولكن أبت قلوبهم حبّ أمير المؤمنين(ع)، فإنهم في الواقع لم يتركوا أنانيّتهم.

يتبع إن شاء الله...

نهجنا الإسلام 03-03-2015 10:30 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.18
 
تنتهي أقصى مراحل العرفان إلى الولاية

إن موضوع الولاية موضوع عرفاني للغاية. إذ تنتهي أقصى مراحل العرفان إلى الولاية. ومعنى الفناء في الله هو هذه العبارة التي نقرأها في زيارة الجامعة: «بِأَبِي أَنْتَ‏ وَ أُمِّي‏ وَ نَفْسِي‏ وَ مَالِي‏ وَ وُلْدِي»[تهذيب الأحکام/ج6/ص61]
يقول الإمام محمّد الباقر(ع): «تَمَامُ‏ الْحَجِ‏ لِقَاءُ الْإِمَام‏»[الکافي/ج4/ص549] و «إِنَّمَا أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يأْتُوا هذِهِ الْأَحْجَارَ، فَيطُوفُوا بِهَا، ثُمَّ يأْتُونَا، فَيخْبِرُونَا بِوَلَايتِهِمْ، وَ يعْرِضُوا عَلَينَا نَصْرَهُمْ‏ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيدِهِ إِلَى صَدْرِهِ إِلَى وَلَايتِنَا» [کافي/ج4/ص549] وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ يحْکِي قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ (رَبَّنا إِنِّي أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّيتي‏ بِوادٍ غَيرِ ذي زَرْعٍ عِنْدَ بَيتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيقيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يشْکُرُونَ) فَقَالَ ع: «مَا قَالَ إِلَيهِ يعْنِي الْبَيتَ مَا قَالَ إِلَّا إِلَيهِمْ أَ فَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيکُمْ إِتْيانَ هَذِهِ الْأَحْجَارِ وَ التَّمَسُّحَ بِهَا وَ لَمْ يفْرُضْ عَلَيکُمْ إِتْيانَنَا وَ سُؤَالَنَا وَ حُبَّنَا أَهْلَ الْبَيتِ وَ اللَّهِ مَا فَرَضَ عَلَيکُمْ غَيرَهُ» [تفسير فرات/224]

الولاية هي شرط قبول الأعمال

الصلاة التي هي شرط قبول الأعمال، لا تقبل بدون الولاية؛ قَالَ الصَّادِقُ ع «إِنَ‏ أَوَّلَ‏ مَا يسْأَلُ‏ عَنْهُ‏ الْعَبْدُ إِذَا وَقَفَ‏ بَينَ‏ يدَيِ‏ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتِ وَ عَنِ الزَّکَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَ عَنِ الصِّيامِ الْمَفْرُوضِ وَ عَنِ الْحَجِّ الْمَفْرُوضِ وَ عَنْ وَلَايتِنَا أَهْلَ الْبَيتِ فَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَايتِنَا ثُمَّ مَاتَ عَلَيهَا قُبِلَتْ مِنْهُ صَلَاتُهُ وَ صَوْمُهُ وَ زَکَاتُهُ وَ حَجُّهُ وَ إِنْ لَمْ يقِرَّ بِوَلَايتِنَا بَينَ يدَيِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ لَمْ يقْبَلِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْهُ شَيئاً مِنْ أَعْمَالِهِ» [أمالي الشيخ الصدوق/256]
وقال الإمام الباقر(ع) في رواية أخرى: «بُنِيَ‏ الْإِسْلَامُ‏ عَلَى‏ خَمْسٍ‏ عَلَى الصَّلَاةِ وَ الزَّکَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ الْوَلَايةِ وَ لَمْ ينَادَ بِشَي‏ءٍ کَمَا نُودِيَ بِالْوَلَايةِ»[الكافي/ج2/ص18]
ما الفائدة في صلاتك وعبادتك إن كنت قد حافظت على أنانيتك؟ لقد خلّف إبليس تاريخا زاهرا في الصلاة والعبادة المقبولة ولمدّة ستة آلاف سنة. حتى وصل به الأمر أن يكلّم الله ويكلّمه الله، ولكن بعد ما أبى أن يسجد لوليّ الله، أنكر الله إيمانه وقال: (أَبى‏ وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرين‏) [البقرة/34]. لماذا يا إلهنا قد أنكرت إيمان إبليس من الأساس؟ ولماذا لم تقل: «وکان ضعيف الإيمان»، بل قلت: (وَ كانَ مِنَ الْكافِرين‏)؟!

من لم يتولّ ولي الله فليس بمؤمن

لقد صرّح القرآن بهذه الحقيقة في سورة النساء إذ قال الله سبحانه: (فلا وَ رَبِّكَ لا يؤْمِنُونَ حَتَّى يحَکِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لا يجِدُوا في‏ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيتَ وَ يسَلِّمُوا تَسْليماً) [النساء/65]. إن جهاد النفس من أجل سحق أنانيتك، أمّا إنك إن أبقيت أنانيتك على قوّتها وضخامتها فسوف تقع في مشكلة مع الولاية.
قال الإمام الرضا(ع) في رواية سلسلة الذهب المعروفة: «حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عن ... عن الحسن بن علي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَلِي بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي» فَلَمَّا مَرَّتِ الرَّاحِلَةُ نَادَي: «بِشُرُوطِهَا وَ أَنَا مِنْ‏ شُرُوطِهَا»[عيون أخبار الرضا ع/ج2/ص135]

نكران الذات وسحق «الأنا» في مقابل الله مرهون بالخضوع لولاية ولي الله

لقد خرجنا بهذه النتيجة بعد أن طوينا مقدمات عديدة وهي أن الإنسان وفي سبيل أن يلقى الله عز وجل، لابدّ أن يخالف نفسه ويجتاز أنانيته. إن اجتياز الأهواء والرغبات يشكّل المرحلة الأولى للاستعداد للقاء الله، ولكن أهمّ خطوة هي الإقلاع عن «الأنا» أمام الله سبحانه، وليس المقصود من الإقلاع عن الأنا هو أن تطيع الله وتمتثل أوامره، بل المقصود هو أن تمتثل أوامر خليفة الله ووليّه.
طبعا قد يتجسّد الخضوع للولاية في مصاديق أخرى. مثل ما إذا كنت مشغولا في تعقيبات الصلاة، وفي هذه الأثناء دعاك أحد والديك لأمر ما، هنا يقتضي جهاد النفس أن تترك التعقيبات وتلبي له؛ يعني يجب الخضوع لولاية الأب بقدرها ونطاقها ولابدّ أن نقدّمها على المستحبّات. هذا هو سرّ عمل أويس القرني، فإنه فرّط في لقاء النبي الأعظم(ص) امتثالا لأمر والدته.

امتحان الولاية امتحان مهمّ وحاسم على المتديّنين

بعد أن انخرط أحد من الناس في سلك المتدينين، يمتحنه الله ليفحص مدى كبره على ولي الله. وعندما يسقط المتدينون في الامتحان، يصبحون ألدّ الخصام للولاية. فعلى سبيل المثل انظروا إلى قاتل أمير المؤمنين(ع). إن استشهاد أمير المؤمنين(ع) باعتبار الشخص الذي باشر بجريمة قتله، لا يقلّ أهمية عن ميلاده(ع) في الكعبة. لم يكن «ابن ملجم» إنسانا بلا دين ولا إيمان، بل كان من طبقة المتديّنين. ولكنّه كان قد أضمر في قلبه شيئا تجاه الولاية بلا أن يعالجه.
كان ابن ملجم ممن اختاره أهل اليمن من زمرة خِيارهم وأرسلوه إلى أمير المؤمنين(ع). بعد أن أرسل أمير المؤمنين(ع) كتابا إلى والي اليمن أن أرسل إليّ عشرة من خيار أهل اليمن، قام أهل اليمن بفرز مئة رجل من خيارهم، ثم فرزوا منهم سبعين رجلا، ثم فرزوا من السبعين ثلاثين، وفي النهاية اختاروا منهم عشرة وأرسلوهم إلى أمير المؤمنين(ع)... «فَلَمَّا أَتَوْهُ ع سَلَّمُوا عَلَيْهِ وَ هَنَّئُوهُ بِالْخِلَافَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ وَ رَحَّبَ بِهِمْ فَتَقَدَّمَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَ قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَ الْبَدْرُ التَّمَامُ... فَاسْتَحْسَنَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع كَلَامَهُ مِنْ بَيْنِ الْوَفْدِ فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُكَ يَا غُلَامُ قَالَ اسْمِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ ابْنُ مَنْ قَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيِّ قَالَ لَهُ أَ مُرَادِيٌ‏ أَنْتَ‏ قَالَ نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ» [بحار الأنوار/ ج42/ص260].

أحد طرق سحق الأنا هو ذكر مصيبة سيد الشهداء والبراءة من أعداء أهل البيت(ع)

أحد طرق سحق الأنا هو ذكر مصيبة سيد الشهداء(ع) والبراءة من أعداء أهل البيت(ع). إن مصائب أهل البيت(ع) وسيد الشهداء(ع) من شأنها أن تؤسّر نفس الإنسان ولها أثر مباشر على تضعيف أنانيّته. فإن لم يتعالج الإنسان في مجالس عزاء الحسين(ع) وفي حفرة مقتل سيد الشهداء، فلا يبحث عن مكان آخر. وإن لم يجث على ركبتيه عند استماع مصائب أهل البيت(ع)، فهو ليس بجاث لأوامرهم وفضائلهم وعدلهم.

صلى الله عليك يا أبا عبد الله


نهجنا الإسلام 05-03-2015 09:47 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.19
 

إليك ملخّص الجلسة التاسعة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

إن أوامر الله تفضّل منه علينا/ لو لم يأمرنا الله لحرنا في أمرنا



النقطة المقابلة لعبادة الله هي عبادة الهوى. أمّا الذي أبى أن يخضع لأوامر الله فبإمكاننا أن نجسّد مدى قبح عمله المتمثل بعبادة الهوى بطريق آخر. بإمكاننا أن نقول: إن الله قد تفضل علينا حين ما أصدر أوامره إلينا. فلو لم يأمرنا الله لتهنا في حيرة عمياء. لقد علم الله أنّنا عاجزون عن تصميم برنامج يزيدنا قيمة، ولكن عبر امتثال الأمر الذي جاء من الأعلى يتسنّى لنا الارتقاء والازدياد قيمةً. ولذلك فإنّ اللّه قد تفضّل علينا وأمرنا لكي ينفتح أمامنا طريق التكامل ونصبح أناسا أولي قيمة.


العصيان هو إساءة لله الذي تفضّل علينا وكأنه قد تنازل عن مقامه الرفيع فأمرنا


لعلّ الله قد تنازل حين أَمَرَنا، إذ كان يعلم أن كثيرا من عباده سوف يعصونه إذا أمرهم ولا يكترثون بأحكامه، ولكن مع ذلك أمرنا تفضّلا ولطفا منه.

وهناك بعض الشواهد في القرآن قد تشير إلى هذه الحقيقة. فعلى سبيل المثال عندما ينظر الله إلى شأنه وعظمته، ينهى النبي الأكرم(ص) عن إنذار بعض الكفّار والمشركين الذين لا يستحقّون الإنذار. فقال لهم: (إِنَّ الَّذينَ کَفَرُوا سَواءٌ عَلَيهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يؤْمِنُونَ)[البقرة/6] وكذلك قال: (ذَرْهُمْ يأْکُلُوا وَ يتَمَتَّعُوا وَ يلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يعْلَمُون)[الحجر/3]

لماذا العصيان وعدم امتثال أمر الله قبيح إلى هذا الحدّ؟ لأنه إساءة إلى الله الذي تنازل عن مقامه الرفيع الأعلى إذ خاطبك وأمرك. فبالرغم من أن الله تنازل وتفضّل علينا وأمرنا، وإذا بالعبد الضعيف الحقير الذي لا يحسب بشيء في مقابل الله عز وجل، يتكبّر على الله ويتمرّد عليه!!! فإنها لإساءة حقّا إلى الله وعمل قبيح جدّا.


التوبة الحقيقيّة لمن يرى أوامر الله إليه محبّة من الله


لا يمكن التوبة إلى الله من أعماق قلوبنا، إلّا بعد أن رأينا أوامر الله لطفا وتفضّلا من الله إلينا. عند ذلك ندرك أن كل أمر تركناه من أوامر الله، فإنه في الواقع إهمال وعدم اكتراث بمحبّة الله ولطفه على عبده.

إن التوبة الحقيقيّة خاصة بهؤلاء. وأمّا التوبة الأقل درجة من هذه فهي لأولئك الذين يتصوّرون عذاب جهنّم. والدرجة التي بعدها فلأولئك الذين يتصوّرون القبر، أي لمن يجسّد في ذهنه لحظة نزع الروح والنزول في القبر فيقول: كل الأعمال السيئة التي ارتكبتها لا تسوى ذاك العذاب. والمرحلة الأنزل هي لمن يدرك ليلة القدر، فيقول: إذا أراد الله أن يقدّر مستقبلي في العام القادم على أساس ما أسلفته في الأعوام الماضية فويل لي.

ولكن من أروع أنواع التوبة هي أن تقارن بين إطاعة الله، وإطاعة النفس، ثم تشعر بمدى قبح إطاعة النفس، فيضيق صدرك حسرة لما تركت من أوامر الله جفاءً ثم أطعت نفسك.


إذا أردت أن تعيش حالة التوبة، فانظر من عصيت ومن أطعت


إذا أردت أن تعيش حالة التوبة، فلابدّ لك أن ترى من عصيت، ومن أطعت في مقابله. إنك قد تركت الله وأطعت نفسك! (أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواه)[الجاثية/23]. إن بعض الناس قد اتخذوا أنفسهم آلهة ولا يزالون يسجدون لها. هذا الإنسان الذي يكتئب ويحزن على ما أساء في اختياره ويلوم نفسه أن لماذا ترك عبادة الله وعبد نفسه بدلا عن الله، يستطيع أن يتوب توبة حقيقية. إن عبادة النفس عمل قبيح جدّا، ولابدّ أن نعي قبحها مقابل جمال عبادة الله.

يا ليتنا لا ننفك عن اجتناب الذنب حتى نعي هذه الحقيقة ونعيش جمالها. إن إدراك جمال الإيمان وإطاعة الله وكذلك فهم قبح معصية أمر الله أمر ممكن. فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَ لکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيکُمُ الْإيمانَ وَ زَينَهُ في‏ قُلُوبِکُمْ وَ کَرَّهَ إِلَيکُمُ الْکُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيان)[الحجرات/7] نحن غير مبتلين بالكفر والفسوق بحمد الله، ولكن يجب أن نسعى لكره العصيان أيضا.


إن ولي الله واسطة بينك وبين ربّ العالمين، لتقدر على التغلّب على هوى النفس وتذوق حلاوة لقاء الله


أحد الطرق التي يعيننا على إدراك هذا المفهوم، هو الاستعانة بأهل البيت(ع). فكما مرّ في موضوع هوى النفس، في سبيل أن تقضي على هوى النفس بأمر الله، لابدّ أن يتوسّط وليّ الله في إبلاغ أوامر الله. إن ولي الله واسطة بينك وبين ربّ العالمين، لتقوى على غلبة هوى النفس وأن تذوق حلاوة لقاء الله.

إذا کان إهمال أمر الله إلى هذا الحدّ من القبح، فكذلك من القبح بمكان أن أضع كلام أمير المؤمنين(ع) على جانب، ثم أطيع نفسي. لقد كان القرار أن أرتقي وأسير نحو الكمال بأمر المولى، فما تقصير مولاي في هذا البين حتى أسيئ إليه وأتجاهل شأنه وحرمته؟ لذلك فإنك إن تستغفر ربك، لم يرض عليك ربك ما لم يرض عليك إمام زمانك، وكذلك الحال في باقي الأشخاص الذين لهم ولاية عليك. فإنك إن كنت قد آذيت والديك وكسرت قلبهما، كيف تقدر على كسب رضا الله سبحانه؟ والأهم من أمّك وأبيك إمام زمانك(عج).


الذي يكتفي بمناجاة الله ولا علاقة له بوليّ الله، فإنه قد أخطأ طريق التوبة


نقول في زيارة الجامعة الكبيرة: «يا وَلِيَّ اللَّه‏ إِنَّ بَينِي وَ بَينَ اللَّهِ ذُنُوباً لَا يأْتِي عَلَيهَا إِلَّا رِضَاکُمْ»[من لا يحضره الفقيه/ج2/ص616]. إن هذا، هو الشعور الذي يجب أن يخامر قلب الشيعي. أمّا هذا الذي قد سار في طريق عبادة الله، بيد أنه قد اكتفى بمناجاة الله ولا علاقة له بوليّ الله، فقد أخطأ طريق التوبة ولم يحظ برؤية صائبة. إنه لا يريد أن يستعين بإمام الزمان(عج) ليغفر له الله، في حين أنه قد عصى إمام زمانه(عج) بمعصيته وذنوبه.

قَالَ أمير المؤمنين(ع): سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: أَ لَا أُخْبِرُكُمْ بِأَكْيَسِ‏ الْكَيِّسِينَ وَ أَحْمَقِ الْحَمْقَى قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَكْيَسُ‏ الْكَيِّسِينَ‏ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ، وَ عَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَ إِنَّ أَحْمَقَ الْحَمْقَى مَنِ اتَّبَعَ نَفْسُهُ هَوَاهَا، وَ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْأَمَانِيَّ. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ كَيْفَ يُحَاسِبُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ قَالَ: إِذَا أَصْبَحَ ثُمَّ أَمْسَى رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ- فَقَالَ: يَا نَفْسِ‏ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَضَى عَلَيْكِ لَا يَعُودُ إِلَيْكِ أَبَداً، وَ اللَّهُ تَعَالَى يَسْأَلُكِ عَنْهُ فِيمَا أَفْنَيْتِيهِ- فَمَا الَّذِي عَمِلْتِ فِيهِ أَ ذَكَرْتِ اللَّهَ أَمْ حَمِدْتِيهِ أَ قَضَيْتِ حَوَائِجَ‏ مُؤْمِنٍ أَ نَفَّسْتِ عَنْهُ كُرْبَةً أَ حَفِظْتِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ فِي أَهْلِهِ وَ وُلْدِهِ أَ حَفِظْتِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي مُخَلَّفِيهِ أَ كَفَفْتِ عَنْ غِيبَةِ أَخٍ مُؤْمِنٍ بِفَضْلِ جَاهِكِ أَ أَعَنْتِ مُسْلِماً مَا الَّذِي صَنَعْتِ فِيهِ فَيَذْكُرُ مَا كَانَ مِنْهُ. فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ خَيْرٌ، حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَ كَبَّرَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ، وَ إِنْ ذَكَرَ مَعْصِيَةً أَوْ تَقْصِيراً، اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ مُعَاوَدَتِهِ، وَ مَحَا ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِتَجْدِيدِ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَ عَرَضَ بَيْعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ ع عَلَى نَفْسِهِ، وَ قَبُولَهُ لَهَا، وَ إِعَادَةَ لَعْنِ أَعْدَائِهِ وَ شَانِئِيهِ وَ دَافِعِيهِ عَنْ حَقِّهِ‏. فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: لَسْتُ أُنَاقِشُكَ فِي شَيْ‏ءٍ مِنَ الذُّنُوبِ- مَعَ مُوَالاتِكَ أَوْلِيَائِي، وَ مُعَادَاتِكَ أَعْدَائِي. [التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري/ ص38]

فيا ترى ماذا يريد الله أن يقول لنا عن أمير المؤمنين(ع) في ليلة القدر هذه؟ لعلّه يريد أن يقول أحبّوا مولاكم أمير المؤمنين(ع) وجدّدوا له البيعة...

صلى الله عليك يا أمير المؤمنين




نهجنا الإسلام 10-03-2015 05:10 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 1.20
 
إليك ملخّص الجلسة العشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

التصديق بخلود بعض الناس في عذاب جهنّم أمر عصيب/ فلنؤمن برذالة الأعداء


من العقائد المهمّة جدّا، هي التصديق والإيمان بنار جهنّم. فإن بعض الناس لا يكاد أن يستطيع التصديق بالعذاب العسير الإلهي. إن التصديق بالخلود في نار جهنم وما فيها من عذاب عسير أبديّ أمر غير هيّن. إذ يتساءل الناس يا ترى كم قد تمادى هذا الإنسان في الرذالة والشقاء حتى استحق الخلود في نار جهنّم؟ يجب علينا أن نصدّق بأن بعض الناس قد بلغوا الذروة في الرذالة والشقاء ومن شأنهم أن يمكثوا في العذاب إلى أبد الآبدين. لقد قال الله سبحانه وتعالى في حقّ بعض الأشقياء: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى یُؤْفَکُونَ» [المنافقون/4].

لابدّ للمتديّنين والصالحین أن يصدّقوا بإمكان وصول بعض الناس إلى هذا المستوى من الرذالة والشقاء. إن بعض المتديّنين الذين لم يتبرأوا من أعداء أهل البيت(ع)، قد يكون بسبب أنهم لم يصدّقوا شدّة رجس هؤلاء وما أعد لهم الله من عذاب شديد. ومن منطلق هذه السذاجة نفسها تجد أن بعض الناس لم يعوا حقيقة هذه الظاهرة المشؤومة المتمثلة بإسرائيل. ولكن يجب أن نؤمن بحقيقة العدو ونصدّق برجسه ورذالته.

إن التصديق بوجود العدو وكذلك الاعتقاد بشقاء بعض الناس وشدّة رذالتهم أمر عسير، في حين أن في سبيل تحقيق مجتمع سليم بعد ظهور الإمام الحجة(عج)، لابدّ لنا أن نتحلّى بهذا التصديق واليقين. فإنك أن لم تصدّق برجس بعض الناس، ينفسح المجال لهؤلاء أن يرتكبوا أبشع الجرائم أمامك حتى تصدّق. إن الجرائم التي بدأت تشيع في بلدان هذه المنطقة، لهي نماذج تدلّ على وجود أناس أرجاس أشقياء. أمّا الطريق الأفضل هو أن تستعين على الإيمان بشقاء بعض الناس ورجسهم واستحقاقهم الخلود في العذاب، بمعرفتك ونور قلبك.

إن كلمات الإمام الخميني(ره) رائعة لفهم دناءة العدو. لقد كان الإمام الخميني(ره) يستخدم أشدّ التعابير وأغلظها للتنديد ببعض المتديّنين الذين كانوا يعبّدون الطريق للأعداء ولم يؤمنوا برجسهم ودناءتهم.

كيف نقنع بخلود بعض الناس في جهنّم؟


إن الطريق للاقتناع بخلود العذاب في جهنّم، هو الإيمان بمدى انحطاط بعض الناس. وطريق الإيمان برجس هؤلاء وانحطاطهم هو أن تدرك مدى سهولة الخضوع لولاية أولياء الله، بيد أن هؤلاء الأرجاس قد أبوا الخضوع لهذه الولاية. لا سبيل إلى تنفيذ أوامر الله بصدق، إلّا عن طريق امتثال أوامر الولي. والجدير بالذكر أن استلام الأوامر عن طريق الولاية قد سهّل الأمر ويسّر الطريق. فإنك إذا عرفت سهولة الخضوع للولاية وامتثال أوامرها، سوف تؤمن برجس المخالفين الذين وقفوا منها وقفة المخالف اللدود.

إنّ من يستنكف عن طيّ طريق الولاية مع سهولته وجماله، فهو إنسان منحطّ جدّا. إذ أن تقبّل حديث أولياء الله هو مخالفة لأهواء النفس بحدّ ذاته ولكنّها مخالفة سهلة. فباعتبار يسر هذا الطريق وسهولته، لابدّ أن نقول: تعسا لأولئك الذين رفضوا الولاية ولهم الويل وعذاب الخلد بما كانوا يتمرّدون. إن الخضوع للولاية لأمر يسير إلاّ على مرضى القلوب والمتكبّرين.

فلننظر إلى حديث الإمام الصادق(ع) لكي نؤمن باستحقاق منكري الولاية الخلودَ في نار جهنّم، وأن لا نصيب لهم من الإيمان. فقد قال(ع): «ثَلَاثَةٌ لا یُکَلِّمُهُمُ اللَّهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ لا یُزَکِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ‏ مَنِ ادَّعَى إِمَامَةً مِنَ اللَّهِ لَیْسَتْ لَهُ وَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللَّهِ وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِیباً» [الكافي/ج1/ص373]

بعد ما تنتهي حركة جهاد النفس إلى الولاية، تخفّ المعاناة


کلّ المعاناة التي أشير إليها في الجلسات الماضية، هي معاناة في مسار جهاد النفس، ولكن بعد ما تنتهي حركة جهاد النفس إلى موضوع الولاية، تخفّ المعاناة وتسهل. فهنا يهون الأمر ويزول عناء الجهاد. إن عناء طاعة الله وأداء تكاليفه والرضا بقَدَره يزول بتقبّل الولاية. لقد أعدّ الله الوليّ لأولي النفوس السليمة لكي يسهّل عليهم هذا الطريق الصعب والطويل، فيلعن الله من أعرض عن هذا الطريق بعد ما سهل وهانت معاناته. لقد جعل الله أمير المؤمنين(ع) وليّا لتسهيل هذا الدين. إذ أن الإنسان الضعيف الذي لم يتلوّت بأمراض القلب، إذا رأى وليّ الله، ينبهر بحسنه ويشعر بسهولة الأمر بعد لقائه! فهو يقول: لقد ابتعدت عن ديني لكوني لم أرك يا مولاي، أمّا الآن وبعد ما رأيتك فقد عشقتك وعشقت الدين الذي تدعو إليه، فها أنا ألتزم بديني بعد.

إن الولاية تيسّر عملية جهاد النفس. لا نريد أن نحكم على جميع الناس عبر هذه القاعدة، إذ أن الجاهلين والمستضعفين خارجون عنها، ولكن من رأى نور أمير المؤمنين(ع) ثم أنكر ولايته، فهو في غاية الرجس والشقاء.

من لم يصدّق رذالة منكري ولاية أمير المؤمنين(ع) فلينظر إلى كربلاء


من لم يصدّق رذالة منكري ولاية أمير المؤمنين(ع) فلينظر إلى كربلاء. فكلّ أولئك الذين ملأوا قلب أمير المؤمنين(ع) قيحا وشحنوا صدره غيظا، قد جسّدوا رذالتهم وشقاءهم في كربلاء. فيا ترى في أي حرب قد ارتكبوا الجرائم التي ارتكبوها في كربلاء؟! من هنا نعرف أن كربلاء ليست بمعركة بسيطة، إنّها محلّ أخذ أعلى المعارف وأسماها.

نحن إن لم ندرك حقيقة ابن ملجم، فلنبحث عن حقيقته في كربلاء. فيا ترى أين كانوا قد أخفوا أضغانهم؟ وليت شعري ما الفائدة التي كان يحصل عليها العدو برضّ الأجساد بحوافر الخيل؟! وما كان الهدف من قرع رؤوس أطفال الإمام الحسين(ع) بالرماح؟ كل ما جرى في كربلاء يدلّ على أن كره أمير المؤمنين(ع) ليس بأمر بسيط. وكذلك ليس بأمر بسيط أن يقوم قوم بقتل الحسين(ع) بغضا لأمير المؤمنين(ع).

الإمام، يسهّل العبوديّة وعملية جهاد النفس


إن كانت مراحل جهاد النفس السابقة صعبة، فإنها تسهل وتهون عند ولاية أمير المؤمنين(ع). الإمام يسهّل العبودية وعملية جهاد النفس. ومن هنا تستفحل ظاهرة العداء لأولياء الله بين مرضى القلوب. كل الحديث الذي جرى حول الكبد والعناء في مسار جهاد النفس، متعلق بالمراحل الابتدائية، أمّا بمجرّد أن نصل إلى موضوع الولاية، تخفّ المعاناة.

لقد روي عن الإمام الحسن العسكري(ع) حديث مشهور؛ «فَأَمَّا مَنْ‏ کَانَ‏ مِنَ‏ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ‏، حَافِظاً لِدِینِهِ، مُخَالِفاً لِهَوَاهُ، مُطِیعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ یُقَلِّدُوه» [وسائل الشيعة/ج27/ص131] فلابدّ أن ننظر «إلى إطاعة أمر المولى» كأمر في امتداد «مخالفة الهوى». فإن هذين العنصرين هما في امتداد واحد.



يتبع إن شاء الله...



نهجنا الإسلام 12-03-2015 01:19 PM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.20
 
إن لاقى أحد صعوبة في مخالفة هوى نفسه، فليكثر في الذهاب إلى مجالس عزاء الإمام الحسين(ع)

إن لاقى أحد صعوبة في مخالفة هوى نفسه، فليكثر في الذهاب إلى مجالس عزاء الإمام الحسين(ع). إنّ لم نغتنم نعمة الولاية هذه التي منحوها لنا مجّانا والتي تعبّد طريق العبودية ومخالفة النفس، ولم نسهّل لأنفسنا عملية جهاد النفس، فعند ذلك سوف نستحق عذاب جهنّم.
لقد قال الإمام الصادق(ع) في تفسير قوله تعالى: (الْيوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ) [المائدة/3]، «الْيوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ‏ بِإِقَامَةِ حَافِظِهِ‏ وَ أَتْمَمْتُ‏ عَلَيکُمْ‏ نِعْمَتِي‏ بِوَلَايتِنَا وَ رَضِيتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِيناً أَيْ تَسْلِيمَ النَّفْسِ لِأَمْرِنَا»[مناقب آل أبي طالب/ ج3/ ص23].
لماذا الإمام يعبّد طريق جهاد النفس لسالكيه؟ لأنه يحظى بجذابيّة وحلاوة متميّزة. ولذلك يقف زائر أهل البيت(ع) عند قبورهم فيقول: «فَمَا أَحْلَى أَسْمَاءَکُمْ» [زيارة الجامعة، عيون أخبار الرضا(ع)/ ج2/ ص276]. من خصال الإمام أنه جميل وجّذاب ويدخل حبّه في الفؤاد. وإنكم تستطيعون أن تشاهدوا دور الإمام في تسهيل العبادة، عبر مشاهدة حياة الصالحين من الناس.
من كان لا يرغب في الالتزام بمواقيت الصلاة، فإنّه إذا أحبّ إمام زمانه(عج) وعرف أن الإمام المنتظر(عج) يحب الصلاة في أول وقتها، سوف يلتزم بمواقيت الصلاة بطبيعة الحال. وكم من الشباب الذين رأيتهم بأم عيني في جبهات الجهاد، من الذين هانت عليهم صعوبة الالتزام بوقت الصلاة، بعد أن أوثقوا عرى حبهم للإمام صاحب الزمان(ع).



إن دور الإمام هو أن يبدّل عملية جهاد النفس إلى علاقة حبّ وغرام ونزهة. هذا هو شأن الإمام في العالم. نعم، إن جهاد النفس صعب عسير، ولكن ما لم يأت الإمام في البين. لماذا أرسل الله الأنبياء إلى الناس، لأنه أراد أن يسهّل عليهم صعوبة الدين، فإرسل إليهم رجالا مشرقي الوجوه و محبوبين خلوقين، فقال لهم اذهبوا إلى قومكم واكسبوا قلوبهم.
الإمام يكسب القلوب، وبحبّه نستطيع أن نلتزم بديننا وندرك حقيقته. كما جاء في زيارة الجامعة: «بِمُوَالاتِکُمْ‏ عَلَّمَنَا اللَّهُ‏ مَعَالِمَ‏ دِينِنَا»[عيون أخبار الرضا ع/ج2/ص277]. كذلك التوحيد بين أبناء المجتمع فإنه ليس بأمر هيّن، ولا يقوى على هذا المهم إلا الولي والإمام. ولذلك نقول في تكملة المقطع السابق من زيارة الجامعة: «وَ بِمُوَالاتِکُمْ تَمَّتِ الْکَلِمَةُ وَ عَظُمَتِ النِّعْمَةُ وَ ائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ»[المصدر نفسه].
انظروا ماذا فعل الإمام الحسين(ع) ليلة العاشر؟ إنه قد سهّل صعوبة الجهاد على أصحابه. إنه عرض على أهله ومن معه من أصحابه أن يتفرّقوا ويجعلوا الليل جملا وقال: إنما يطلبوني وقد وجدوني. فقالوا: قبّح الله العيش بعدك. يعني أصبح البقاء معك سهلا والذهاب علينا صعبا. فبعد ما وجد الإمام الحسين(ع) أن كم قد سهّل الجهاد عليهم بنور الولاية سهّل عليهم الطريق أكثر. إذ بعد ذلك كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم في الجنة. فقد روي عن الإمام السجاد(ع) أن قال الإمام الحسين(ع) لهم في تلك الليلة: «ارفَعوا رُؤوسَكُم وَانظُروا. فَجَعَلوا يَنظُرونَ إلى مَواضِعِهِم ومَنازِلِهِم مِنَ الجَنَّةِ، وهُوَ يَقولُ لَهُم: هذا مَنزِلُكَ يا فُلانُ، وهذا قَصرُكَ يا فُلانُ، وهذِهِ دَرَجَتُكَ يا فُلانُ. فَكانَ الرَّجُلُ يَستَقبِلُ الرِّماحَ وَالسُّيوفَ بِصَدرِهِ، ووَجهِهِ لِيَصِلَ إلى مَنزِلِهِ مِنَ الجَنَّةِ». [الخرائج والجرائح/ج2/ص847]. هذا هو دور الإمام في تسهيل الطريق لأصحابه والخاضعين لولايته. فإنه قد سهّل عليهم جهاد النفس، وبذل الأنفس في سبيل الله والرضا بقضائه.
هنا حري بنا أن يناجي كلّ منا إمام زمانه(عج) ويقول له: سيدي، أرى طريق إصلاح نفسي وعرا، فها أنا أعيش الصعاب والمعاناة في هذا الطريق، مما يدل على أنّي لم أعرفك بعد. سيدي ومولاي! أرجوك أن تعرفني نفسك وتقتحم قلبي وتزيل الغطاء عن وجهي كما فعل الإمام الحسين(ع) لأصحابه. فسهّل بعيني الموت من أجلكم.
لابدّ أن نعرف احتياجنا للإمام ودوره في عملية إصلاح النفس، فإذا أدركنا احتياجنا إليهم واستعنّا بهم، سوف لا يبخلون علينا بمعونتهم. فإنهم قد خلقوا لأداء هذا الدور. وهذه هي المعرفة الرئيسية التي نستطيع أن نعتبر باقي الأبحاث مقدّمة أو هامشية بالنسبة إليها.
لابدّ أن قد سمعتم قصة ذاك الشيعي الذي أمره الإمام الصادق بإلقاء نفسه في التنّور. «قال مأمون الرقّي كُنْتُ عِنْدَ سَيِّدِي الصَّادِقِ ع إِذْ دَخَلَ سَهْلُ بْنُ الْحَسَنِ الْخُرَاسَانِيُّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَكُمُ الرَّأْفَةُ وَ الرَّحْمَةُ وَ أَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتِ الْإِمَامَةِ مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ أَنْ يَكُونَ لَكَ حَقٌّ تَقْعُدُ عَنْهُ وَ أَنْتَ تَجِدُ مِنْ شِيعَتِكَ مِائَةَ أَلْفٍ يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَهُ ع اجْلِسْ يَا خُرَاسَانِيُّ رَعَي اللَّهُ حَقَّكَ ثُمَّ قَالَ يَا حَنِيفَةُ اسْجُرِي التَّنُّورَ فَسَجَرَتْهُ حَتَّي صَارَ كَالْجَمْرَةِ وَ ابْيَضَّ عُلُوُّهُ ثُمَّ قَالَ يَا خُرَاسَانِيُّ قُمْ فَاجْلِسْ فِي التَّنُّورِ فَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّ يَا سَيِّدِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُعَذِّبْنِي بِالنَّارِ أَقِلْنِي أَقَالَكَ اللَّهُ قَالَ قَدْ أَقَلْتُكَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ هَارُونُ الْمَكِّيُّ وَ نَعْلُهُ فِي سَبَّابَتِهِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ ع أَلْقِ النَّعْلَ مِنْ يَدِكَ وَ اجْلِسْ فِي التَّنُّورِ قَالَ فَأَلْقَي النَّعْلَ مِنْ سَبَّابَتِهِ ثُمَّ جَلَسَ فِي التَّنُّورِ وَ أَقْبَلَ الْإِمَامُ ع يُحَدِّثُ الْخُرَاسَانِيَّ حَدِيثَ خُرَاسَانَ حَتَّي كَأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهَا ثُمَّ قَالَ قُمْ يَا خُرَاسَانِيُّ وَ انْظُرْ مَا فِي التَّنُّورِ قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ مُتَرَبِّعاً فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَ سَلَّمَ عَلَيْنَا فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ ع كَمْ تَجِدُ بِخُرَاسَانَ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ وَ اللَّهِ وَ لَا وَاحِداً فَقَالَ ع لَا وَ اللَّهِ وَ لَا وَاحِداً فَقَالَ أَمَا إِنَّا لَا نَخْرُجُ فِي زَمَانٍ لَا نَجِدُ فِيهِ خَمْسَةً مُعَاضِدِينَ لَنَا نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْوَقْتِ.» [ بحارالأنوار/ج47 /ص124] فانظر كيف قد هوّنت الولاية ما لا يطيقه سائر الناس. فلا تزعم أن هارون المكّي قد جاهد نفسه كثيرا حين ما ألقى نفسه في التنّور، أو أنّه قد خيّر نفسه بين نار التنّور ونار جهنّم فاختار نار التنّور كرها، كلّا.

لا ينال ولاية أهل البيت(ع) إلا بالورع

لا ينال ولاية أهل البيت(ع) إلا بالورع، والورع هو أقصى مراحل التقوى. الورع هو ترك هوى النفس بلا مشقّة؛ يعني أن تبلغ المرحلة التي تسهل فيها عملية جهاد النفس. قال أمير المؤمنين(ع) لسليم: «يا سُلَيمُ إِنَّ مِلَاكَ‏ هَذَا الْأَمْرِ الْوَرَعُ‏ لِأَنَّهُ لَا ينَالُ وَلَايتُنَا إِلَّا بِالْوَرَع‏»[کتاب سليم بن القيس/ج2/ص827]
لابدّ أن نتّجه نحو الولاية عن طريق الورع، ثم نعزّز الورع بالولاية. وبهذا الأسلوب يسهل الورع. إن حبّ أمير المؤمنين(ع) يزيد الإنسان ورعا، والورع يزيد الإنسان حبّا لأمير المؤمنين(ع). إن حبّ أمير المؤمنين(ع) هو حبّ جميع المحامد والفضائل في الواقع. فقد جاء في زيارة الجامعة: «إِنْ ذُکِرَ الْخَيرُ کُنْتُمْ أَوَّلَهُ وَ أَصْلَهُ وَ فَرْعَهُ وَ مَعْدِنَهُ وَ مَأْوَاهُ وَ مُنْتَهَاهُ». ويجرّنا هذا الحب إلى جميع الفضائل والمحامد، فإن وجدنا بعض الفضائل ثقيلة على أنفسنا، فذلك بسبب أننا لم نعرف إمامنا جيدا. إذ أن الإمام يسهّل الصعاب كلّها.
الولاء للولي يسهّل عليك عملية جهاد النفس، وكذلك يسهّل عليك إطاعة المولى في جهاد النفس، وفي نفس الوقت يضعّف هوى نفسك بشكل كامل. إذ بولائك قد تقبّلت أن يتفضّل عليك بشر مثلك لأن الله قد فضّله عليك. فإنك عندما تقرّ لأمير المؤمنين(ع) بالولاية والسيادة والإمرة عليك فقد قضيت على نفسك، ويسهل عليك الورع حينئذ.

لماذا الولي يسهّل عمليّة جهاد النفس؟

والسبب الآخر الذي جعل وليّ الله سببا لتسهيل جهاد النفس، هو أن وليّ الله مظلوم. فإنك عندما ترى مظلوميّة أمير المؤمنين(ع) حين استشهاد السيدة الزهراء(س) تهون عملية جهاد النفس بعينك. إن هذا الرجل العظيم الذي استشهد في هذه الأيام، قد شدّ بالحبال وجرّ إلى المسجد. وقد ضربت زوجة هذا الرجل المظلوم أمام عينه.
ما أكثر الشهداء الذين زالت مظلوميتهم بعد استشهادهم، إلا أمير المؤمنين(ع) فقد بدأ الخطباء بعد استشهاد أمير المؤمنين(ع) بلعنه على المنابر. فهل تستطيعون أن تجدوا مظلوما مثل علي بن أبيطالب(ع).
من ظلامات أمير المؤمنين(ع) بعد استشهاده هي أن لم يشيّعه أحد من الناس فقد دفن في ليلة ظلماء بعيدا عن أنظار الناس. فعادت ذكريات مصائب الزهراء(س) على بنته زينب وهي ترى تكرار مشهد التشييع في جوف الليل خفية، فما أعزّ على البنت المصابة بفقد أبيها أن لا تجهش بالبكاء، ولا ترفع صوت النحيب والعويل علي أبيها المقتول ظلما.

ألا لعنة الله على القوم الظالمين


نهجنا الإسلام 05-04-2015 10:31 AM

الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 21
 

إليك ملخّص الجلسة الواحدة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.

جواب الله لبعض عبّاد بني إسرائيل

إن شهر رمضان شهر المغفرة، كما قال رسول الله(ص): «فَإِنَّ الشَّقِيَ‏ مَنْ‏ حُرِمَ‏ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيم» [الأمالي للصدوق/ص93]. فيودّ الجميع أن ينتهزوا أيام هذا الشهر ولياليه ليحصلوا على الحدّ الأقصى من فوائده وبركاته. فإن حُرم استجابةَ اللّه أحدٌ من الناس، لا يهتدي بعدُ إلى طريق نجاةٍ بسهولة. فمن أجل ازدياد استفادتنا من هذا الشهر العظيم، ومن أجل أن نزداد شعورا بأهمية هذا الطريق الذي يجب أن نسلكه، أرجوا أن تلتفتوا إلى هذه الرواية:
قال الإمام الصادق(ع): «إِنَّ حَبْراً مِنْ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبَدَ اللَّهَ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْخِلَالِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيائِهِ فِي زَمَانِهِ قُلْ لَهُ وَ عِزَّتي وَ جَلَالِي وَ جَبَرُوتِي لَوْ أَنَّكَ عَبَدْتَنِي حَتَّى تَذُوبَ کَمَا تَذُوبُ الْأَلْيةُ فِي الْقِدْرِ مَا قَبِلْتُ مِنْكَ حَتَّى تَأْتِينِي مِنَ الْبَابِ الَّذِي أَمَرْتُكَ» [ثواب الأعمال وعقاب الأعمال/ ص203]
وكذلك روي عن الإمام الصادق(ع): «مَرَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ع بِرَجُلٍ وَ هُوَ رَافِعٌ يدَهُ إِلَى السَّمَاءِ يدْعُو اللَّهَ فَانْطَلَقَ مُوسَى فِي حَاجَتِهِ فَبَاتَ سَبْعَةَ أَيامٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيهِ وَ هُوَ رَافِعٌ يدَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ يا رَبِّ هَذَا عَبْدُكَ رَافِعٌ يدَيهِ إِلَيكَ يسْأَلُكَ حَاجَتَهُ وَ يسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ مُنْذُ سَبْعَةِ أَيامٍ لَا تَسْتَجِيبُ لَهُ قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيهِ يا مُوسَى لَوْ دَعَانِي حَتَّى يسْقُطَ يدَاهُ أَوْ ينْقَطِعَ لِسَانُهُ مَا اسْتَجَبْتُ لَهُ حَتَّى يأْتِينِي مِنَ الْبَابِ الَّذِي أَمَرْتُه» [المحاسن/ج1/ص224]
فما هذا الباب الذي يجب أن نعبد الله عن طريقه، وإلا فلن تجدي عبادتنا نفعا مهما تعبّدنا؟ وليت شعري ماذا وأين هذا الباب الذي مهما عملتَ واستغفرت لن ينظر إليك أحد، ولكنك إن جئت من هذا الباب سوف يغفر الله لك بأدنى عمل؟! لابدّ لنا أن نقرّ بكلتا الحقيقتين وهذا ما يحتاج إلى دقّة من جانب وإلى صفاء الباطن من جانب آخر.

الإمام الصادق(ع): ذلل نفسك باحتمال من خالفك ممن هو فوقك

يقول الإمام الصادق(ع): «ذَلِّلْ نَفْسَكَ بِاحْتِمَالِ مَنْ خَالَفَكَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَكَ وَ مَنْ لَهُ الْفَضْلُ عَلَيكَ فَإِنَّمَا أَقْرَرْتَ بِفَضْلِهِ لِئَلَّا تُخَالِفَهُ» [الكافي/ج15/ص554]. يمكن أن يكون هذا الأعلى و «من هو فوقك» هو الأب والأم في البيت، أو الضابط في المعسكر، أو الرئيس في الدائرة. طبعا من المعلوم أن امتثال أمر الأعلى مشروط بأن لا يخالف أمرُه أمرَ الله. وقد جاء هذا الشرط في القرآن بعد ما أمر بالإحسان بالوالدين. [راجع العنكبوت/8 واللقمان/15]

لابد أن نذلّ أنفسنا للّه بجهاد النفس

في سبيل أن ننال المقام الذي خلقنا من أجله، لابدّ أن تذِلّ أنفسنا، ولا طريق إلى إذلال النفس سوى مجاهدتها ومخالفتها. إن جهاد النفس ومخالفتها يقتضي وجود أمرِ من هو فوقنا. وهذا هو «الطريق الوحيد» الذي تحدّثنا عنه في هذه الجلسات الماضية، کما أن الإنسان مجبور على مجاهدة نفسه شاء أم أبى. ولكن لابدّ للإنسان أن يجاهد هوى نفسه ليذلّ لله سبحانه ويصل إليه. لا يمكن للإنسان المتكبّر أن يصل إلى الله ما دام متكبرا. فإن طريق الوصول إلى الله هو التذلّل، يعني أن يقضي الإنسان على أنانيّته ليستطيع السير نحو الله عز وجل.
ولكن يبدو أنه إذا تركت النفسُ مع ربّها، فسيعتريها العجب والغرور شيئا فشيئا، ثم ترى أنها ذو مقام وشأن رفيع، فلم تعد ذليلة مقهورة، ولم تزُل «الأنا» في مقابل الله. لذلك قد لا تحصل حالة الذلّ والخشوع في مقابل الله عبر العلاقة المباشرة مع الله. إن حبط عمل إبليس الذي قد عبد الله ستة آلاف سنة ينبئ بأننا حتى وإن عبدنا اللّه ستّة آلاف سنة بشكل مباشر، مع ذلك قد لم تذل أنفسنا لله بهذه العبادة.

أهمية الذلّ لله

في موضوع أهمية ذلّ النفس للّه، حري بالإشارة إلى الحديث المروي عن الإمام الباقر(ع) حيث قال: «أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى مُوسَى ع أَنْ يا مُوسَى أَ تَدْرِي لِمَ اصْطَفَيتُكَ بِکَلَامِي دُونَ خَلْقِي قَالَ يا رَبِّ وَ لِمَ ذَاكَ قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِلَيهِ أَنْ يا مُوسَى إِنِّي قَلَّبْتُ عِبَادِي ظَهْراً لِبَطْنٍ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِمْ أَحَداً أَذَلَّ لِي نَفْساً مِنْكَ يا مُوسَى إِنَّكَ إِذَا صَلَّيتَ وَضَعْتَ خَدَّكَ عَلَى التُّرَابِ» [الكافي/ج2/ص123].

طريق الذل لله هو الإقرار بأفضليّة ولي الله

ما هو الطريق؟ إذا ما أردت أن تجد إلى اللّه المتكبّر سبيلا، فلابدّ لك من التذلّل. هذه هي فلسفة جهاد النفس وهي أن تلوي عنق نفسك. ولكنك إن عمدت إلى إرغام نفسك، يأت الله إليك بوليّه ويفرض عليك أن تقرّ بكونه أفضل منك. ومضافا إلى الإقرار بأفضلية ولي الله عليك، لابدّ لك أن تستلم أوامر الله عن طريقه، وأن تخضع لأوامره الخاصّة أيضا كما تخضع لأوامر الله.
إن هذه الأحاديث القدسية التي مرّت عليكم والتي تنقل عن الله أنه لا يقبل عبادة العابد وتوبة التائب مهما حاول وسعى وحتى لو ذاب كذوب الشحم في القدر أو كسرت يداه وقطع لسانه ما لم يأت الله من الباب الذي أمره، هذا الباب هو باب الولاية التي يجب أن نستلم أحكام الله عن طريقه.

سبب هلاك إبليس هو الكبر على وليّ الله/ سبب غفران آدم(ع)، التواضع لولي الله

قال الإمام الحسن العسكري(ع) عن النبي الأعظم(ص): «عَصَى اللَّهَ إِبْلِيسُ، فَهَلَكَ لِمَا کَانَ مَعْصِيتُهُ بِالْکِبْرِ عَلَى آدَمَ وَ عَصَى اللَّهَ آدَمُ بِأَکْلِ الشَّجَرَةِ، فَسَلِمَ وَ لَمْيهْلِكْ لِمَا لَمْ يقَارِنْ بِمَعْصِيتِهِ التَّکَبُّرَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيبِينَ، وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لَهُ: «يا آدَمُ عَصَانِي فِيكَ إِبْلِيسُ، وَ تَکَبَّرَ عَلَيكَ فَهَلَكَ، وَ لَوْ تَوَاضَعَ لَكَ بِأَمْرِي، وَ عَظَّمَ عِزَّ جَلَالِي لَأَفْلَحَ کُلَّ الْفَلَاحِ کَمَا أَفْلَحْتَ، وَ أَنْتَ عَصَيتَنِي بِأَکْلِ الشَّجَرَةِ، وَ بِالتَّوَاضُعِ لِمُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ تُفْلِحُ کُلَّ الْفَلَاحِ» [الاحتجاج للطبرسي/1/53].

إن ليلة القدر هي ليلة الاعتذار من الإمام صاحب الزمان(عج)

إن ليلة القدر، هي ليلة الاعتذار من الإمام صاحب الزمان(عج) وقبول توبتنا مشروط بجلب رضا الإمام الحجة(عج). نحن نعتقد أن في ليلة القدر تسلّم صحف أعمالنا إلى الإمام صاحب الزمان(عج)، كما تسلّم الصحف إلى أمير المؤمنين(ع) يوم القيامة. فقد قال النبي(ص) لأصحابه: «آمِنُوا بِلَيلَةِ الْقَدْرِ إِنَّهَا تَکُونُ- لِعَلِي بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ لِوُلْدِهِ الْأَحَدَ عَشَرَ مِنْ بَعْدِي‏» [الكافي/ج1/ص533]

إذا كان الخوض في الشهوات قبيح، فإن الصلاة بلا ولاية قبيحة أيضا

إذا كان الخوض في الشهوات والفسق والفجور قبيح لكون الإنسان المنحدر في هاوية الشهوات يعمل بما يحب، كذلك الصلاة قبيحة بلا ولاية، لأنها تعبّر عن عبادة منسجمة مع هوى الإنسان المتكبّر على ولي الله. وحري بالذكر أن قد ارتكب المصلّون بلا ولاية جرائم لم يرتكبها حتى الكفّار. لقد التزم الكفّار والمشركون ببعض الأصول والقيم في تعاملهم مع سبايا المسلمين، ولكن تعالوا إلى كربلاء لتروا المصلّين الذين جرّدوا دينهم عن الولاية فلم توقفهم أي قيمة وأي حرمة في ارتكاب الجرائم على أطفال الحسين(ع) فضلا عن الكبار.

ألا لعنة الله على القوم الظالمين


الساعة الآن 06:48 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir