منتديات نور فاطمة عليها السلام - منتدى نسائي للمرأة فقط

منتديات نور فاطمة عليها السلام - منتدى نسائي للمرأة فقط (http://www.noorfatema.com/vb/index.php)
-   نور الإمام المهدي (عج) , بقية الله , صاحب العصر و الزمان ... (http://www.noorfatema.com/vb/forumdisplay.php?f=85)
-   -   انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء (http://www.noorfatema.com/vb/showthread.php?t=73403)

نهجنا الإسلام 03-10-2013 08:46 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 20
 
الاعتراض المطلق والذي لم يُقيّد بأيّ قيد هو مثل أن يكون النبي يعقوب (ع) غير مكترث بقميص يوسف (ع)، وبذريعة أنه كان منتظراً للقاء يوسف نفسه، لم يعتدّ بما له من آثار وبركات؛ أو عندما يأتونه بالقميص، وبدلاً من أن ينهل جرعة من منهل الوصال ويمسح القميص الذي يفوح منه عطر الحبيب على عينيه (الذي أدى إلى أن يرتدّ بصيراً)، يعترض قائلاً: «زمن طويل وأنا أنتظر يوسف، والآن تأتونني بقميص؟!» ويرمي بالقميص إلى جانب. إنّ أيّ نسيم يهبّ من جانب الحبيب، يهب الحياة للمنتظر المهجور، وعند ذلك يكون اعتراضه النابع عشق على هجر الحبيب حقيقياً.

2. معرفة الوضع المنشود

العنصر الثاني للانتظار، هو معرفة الوضع المنشود. يعني العلم بالوضع الذي يمكننا أن نعيشه واليوم لا نتمتع به؛ العلم بالخيرات اللامتناهية التي يمكننا ولابد لنا من تلقيّها ولكننا مُبعدين عنها ولا نهتمّ بها لعدم علمنا بها.

أهمية معرفة الوضع المنشود

العنصر الثاني للانتظار، هو معرفة الوضع المنشود؛ الوضع المنشود والمثاليّ الذي أدّى عدم علمنا به إلى أن لا نمتلك دركاً وتحليلاً صحيحاً عن الوضع الموجود. لأنّ جزءاً من إدركنا عن أوضاع وأحوال عصرنا ومعرفة سلبيات الوضع الموجود، منوط باطلاعنا على الوضع المنشود. ولكن كيف يمكننا تقييم وضعنا الموجود من دون ملاحظة أنموذج لفهم ذلك الوضع المنشود؟ هل نعلّق آمالنا على النماذج الشرقية والغربية المندرسة التي نتعلّمها في المدارس والجامعات، ونقيّم أنفسنا بالمعايير الناقصة واللاإنسانية في بلاد الكفر؛ الأمر المرفوض الذي يتداوله بعض النخب المغتربة في بلادنا.

الاعتراض، ثمرة معرفة الوضع المنشود

وأحياناً من لا يحمل معرفة وصورة دقيقة عن الوضع المنشود، لا يمكنه حتى الاعتراض على الوضع الموجود. ولا يتأتى التألّم من حالة الغيبة (الوضع الموجود) والتولّع للظهور إلّا عبر معرفة خصائص المجتمع المهدوي، وإلّا فمن اعتاد على الحياة في ظلّ هذه الظروف المرّة وغفل عن إمكانية التمتع بحياة سامية، لا يمكنه أن يكون منتظراً للوضع الأمثل. فهو يتقبّل جميع نقائص حياته الفردية والاجتماعية ويعتبرها أمراً لا مفرّ منه.
يجب على المنتظر إلى جانب «الاعتراض على الوضع الموجود» أن يحمل صورة عن «الوضع المنشود» أيضاً. وهما أمران يكمّل أحدهما الآخر ويولّدان حالة الانتظار بمعية سائر العناصر المرتبط معظمها بالوضع المنشود والتي سنتعرض لها في تتمة البحث. وإنّ للشعور بالانتظار أساساً صلة وثيقة بهذا الإدراك والمعرفة بالنسبة إلى الوضع المنشود؛ بحدّ يمكن القول بأن تنمية هذه المعرفة تمثل واحدة من طرق تعزيز روح الانتظار.
الانتظار، شعورٌ مختصّ بالمستقبل وبوضع أمثل. ومن هنا فكلّما كانت صورتنا عن الوضع المنشود أوضح، كلّما اشتدّ انتظارنا. ولكن ما هو الوضع الذي ينتظره الجاهل بالوضع المنشود؟ وكما ذكرنا في بحث «النظرة العامية»، فإن من تبرّم من الظلم ولكنه لا يحمل صورة واضحة عن العدالة، لا يُعلم أنه أساساً كم سيرغب في العدالة ويتقبّلها؛ وكم هو مستعدّ لأن يعيش في ظل مجتمع تسوده العدالة.
إنّ لنفس معرفة الوضع المنشود والعلم بماهيته وكيفيته، فوائد جمة، حتى لو لم تؤدّ إلى الانتظار. فمن فوائده المهمة، تهيئة أرضية مناسبة لتحليل صائب عن الماضي والعثور على جواب الكثير من الأسئلة الأساسية في حياة البشر. مثل أنه: لماذا كان أنبياء وأولياء الله على مرّ التاريخ مظلومين في الأغلب؟ لماذا كل هذا التأخير وكل هذه الصعوبة في إقامة الحق؟ لماذا نجد غلبة الأشقياء على الأولياء مستمرة وبشتى الأنحاء؟ والكثير من الأسئلة التي يُجاب عليها.

خبر منقذ

إنّ معرفة الوضع المنشود والإخبار عمّا سيتحقق في المستقبل، يعمل كانفجار النور الذي بإمكانه أن يزيل ظلمات الجهالة، وأن ينشر ضياءاً يمكن من خلاله مشاهدة جانب من الوضع المأساوي الذي تعيشه البشرية. وهذه المعرفة ترفع حالة التوقّع والانتظار؛ وتهيء أرضية الاعتراض الشامل على النظام الموجود في العالم.
الإخبار عن إمكانية ظهور حياة أمثل، في الفضاء الملكوتي لحكومة ولي الله الأعظم (أرواحنا له الفداء)، يكشف عن بطلان جميع النظريات والأفكار الباطلة الموضوعة لحياة البشر ويميط اللثام عن الجهل الكامن في الكثير من العلوم.
وإنّ معرفة الناس بخصائص المجتمع والحكومة المهدوية وبركاتها وإمكانية تحققها، ستؤول إلى التحوّل. وحتى لو لم يكن الناس معتقدين بالعقائد الدينية المساندة للظهور ومصير العالم، فإنّ الحد الأدنى لثمرة هذه المعرفة هو ظهور الشك والتردّد حيال الحلول المطروحة حتى الآن للنجاة من المشاكل؛ والتي قد تبلورت في العلوم المختلفة.
الاطلاع على المجتمع المهدوي، يعبّد طرق التفكير للمفكرين ويفتح آفاقاً جديدة لتدبّر الإنسان حول الحياة. ولو شُبّه الوجود الأقدس للإمام في عصر الغيبة في أحاديثنا بالشمس المغيّبة خلف السحاب[1]، فلعلّ جزءاً من هذه البركات ناظرة إلى نفس تلك المعرفة بالحكومة المهدوية. ولو كنّا نعيش في عصر حاكميّة الإمام، لكانت الحقائق جليّة لنا كالشمس في رابعة النهار. واليوم حيث نعيش عصر الغيبة، يمكننا عبر الوقوف على تلك الفترة والتدبّر في خصائصها، أن نضيء طريقنا كالنور الساطع من الشمس التي جلّلها السحاب.

يتبع إن شاء الله ...

[1]. «قَالَ جَابِرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَهَلْ يَنْتَفِعُ الشِّيعَةُ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ؟ فَقَالَ (ص): إِي وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالنُّبُوَّةِ إِنَّهُمْ لَيَنْتَفِعُونَ بِهِ. يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِ وَلَايَتِهِ فِي غَيْبَتِهِ كَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِالشَّمْسِ وَإِنْ جَلَّلَهَا السَّحَابُ.» کمال الدین وتمام النعمة، ج‏1، ص253.
وكذلك مما جاء في التوقيع الصادر عن الناحية المقدسة للسفير الثاني: «وَأَمَّا وَجْهُ الِانْتِفَاعِ بِي فِي غَيْبَتِي فَكَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ إِذَا غَيَّبَهَا عَنِ الْأَبْصَارِ السَّحَابُ وَإِنِّي لَأَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاء.»کمال الدین وتمام النعمة، ج2، ص483.

نهجنا الإسلام 05-10-2013 01:24 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 21
 
إنّ غيبة الإمام بحدّ ذاتها قد حَرَمتنا من مجموعة من النِعَم، فلا ينبغي أن نزيد من حرماننا بغيبتنا عن معرفة ذلك العصر. ففي ظلّ الجهل بشأن حكومة وليّ الله تنحرف الأفكار وتتورّط بالمزاعم الواهية والنظريات الباطلة. علماً بأنّ هذه النظريات في آخر الزمان سيظهر بطلانها واحدة تلو الأخرى. ولو قام العلماء المنصفون وغير المغرضين في العالم بمجرّد تصوّر المجتمع المهدي، لأدّى ذلك إلى التصديق وإلى تقبّل مقدماته الاعتقادية.

وكلّما ازدادت الصورة والمعرفة إزاء الوضع المنشود شفافية واتّسعت بالاستناد إلى العقل والوحي، كلّما اشتدّ جانب العلم والعشق في مسألة انتظار الفرج. ولابد أن يتمّ هذا التبيين لخصائص عصر الحكومة المهدوية في الأوساط والمراكز العلمية، الدينية والجامعية.

وإن هذه الحقيقة وهي أنّ المجتمع المهدوي وحاكمية ولي الله بإمكانها أن تثبت بطلان النظريات الباطلة في إدارة حياة البشر، قد تم تجربتها إلى حدّ ما في الثورة الإسلامية ونظامنا المقدس. فحينما بدأت تتضاءل مفاهيم «لا يمكن» و«لا يتحقق» لدى العلوم التجريبية في مسار أحداث الثورة الإسلامية، وأخذت انتصارات هذه الأمة الولائية تُثبت وهمية الأفكار غير الإلهية واحدة تلو الأخرى، فمن الطبيعي أن تتحقق هذه الحالة وبنفس هذه الآثار في ذلك العصر بمقياس أكبر، وستسوق المفكّرين إلى إعادة النظر في نظرياتهم. بالطبع إذا سمحت بذلك المؤسسة الإعلامية الاستكبارية وأصحاب النفوس المريضة.



وظيفة المنتظرين في رسم المجتمع المهدوي

ومن البركات الأخرى للمعرفة الجلية بالوضع المنشود، هو استنارة الطريق في هذا العصر والاستلهام للعبور من المشاكل المتفشية في مجتمعنا. يجب علينا رسم خصائص المجتمع المهدوي وفي المرحلة التي تليها تقييم بُعدنا عن الوضع المنشود والمضيّ نحوه. لأنّ بعض خصائص الوضع المنشود، لابد وأن تتحقق على أيدينا قدر استطاعتنا[1]، وهذه هي من لوازم التمهيد للظهور التي هي وظيفتنا ورسالتنا التاريخية نحن الشيعة.

وكما أنّ على مجتمعنا تلقّي الدروس والعِبَر الكثيرة من مدينة النبيّ، يجب علينا أخذ الدروس الكثيرة من المجتمع المهدويّ أيضاً. ويتسنى لمجتمعنا أن يجتاز الكثير من المشاكل التي كانت موجودة في صدر الإسلام والتي من الممكن أن تكون موجودة أيضاً في مجتمعنا وذلك من خلال تلقي الدروس من المجتمع المهدوي. فإننا وإن نفتخر بالتاريخ المشرق لحياة المعصومين (ع) ونأخذ الدروس الكثيرة منه، إلّا أن الغالب على ذلك التاريخ، هو المظلومية الكبيرة لأولياء الله. ويمكننا إكمال معرفتنا عبر إمعان النظر في المجتمع المهدوي الذي ستكون فيه الولاية في أوج اقتدارها.

انظروا إلى المشاكل الموجودة في مجتمعنا اليوم. أيّ واحدة من هذه المشاكل لا يمكن حلّها عبر الوقوف على مجتمع الإمام وحكومته والتأسي به والاستلهام منه؟ سيما وأنّ لمجتمعنا اليوم شبهٌ كبيرٌ بالمجتمع المهدوي، وهو أقرب مجتمع إلى المجتمع الذي سيكوّنه الإمام المهدي (عج).

إن بعض المشاكل الموجودة في مجتمعنا لو ارتفعت، لتقرّبنا إلى الوضع المنشود كثيراً، وهذه هي بشارة مولانا حيث قال في توقيعه الشريف للشيخ المفيد (ره): «وَلَوْ أَنَ‏ أَشْیَاعَنَا وَفَّقَهُمْ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ عَلَی اجْتِمَاعٍ مِنَ الْقُلُوبِ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ عَلَیْهِمْ، لَمَا تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْیُمْنُ بِلِقَائِنَا وَلَتَعَجَّلَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ بِمُشَاهَدَتِنَا.»[2]

إنّ أهم خصّيصة يتحلّى بها مجتعمنا والتي تؤدي إلى قربنا من الإمام، هي كونه ولائياً. واكتساب الكمالات في هذا المجال، يزيد من قربنا للإمام لا محالة. فإنّ اتّصاف مجتمعنا بمزيد من الحالة الولائية، يمثّل تلبية لذلك العهد المأخوذ على عاتقنا. كما أنّ مشاكلنا ناجمة عن قصورنا وسوء تصرفنا في هذا المجال.

وإذا ما نظرنا إلى المجتمع الموعود، لوجدنا أنّ جميع البركات والخيرات في المجتمع المهدوي وتبلور الوضع المنشود، ناجمة من استقرار الولاية وتقبّل أهل الأرض بأجمعهم لها. وأما ما هي الظروف التي يصبح كلّ الناس في ضوئها ولائيين، فهو بحث آخر لابد من التعرّض له في محله، ولكن على أيّ حال، بعد أن يُصبح الجميع ولائيين، تتنزّل النِعَم من الأمن والاستقرار إلى العدالة والرفاهية.

ولو كان للنُخب والخواص في المجتمع دورٌ أساسيّ في تعزيز أركان الولاية في المجتمع، فما هي الآن وظيفة النُخب في مجتمعنا؟ ولو كان عبء حكومة الإمام ملقىً على عاتق النُخب الأتقياء المقتدرين في عصر الظهور، فكم سيكون لتربية مثل هؤلاء النُخب وفسح المجال لهم دور هام في تسيير الأمور؟

ولو أنّ عقول الناس تتكامل بعنايته في ذلك العصر وتؤدي نفس هذه العقلانية إلى إرساء قواعد حكومة الإمام، فما هي وظيفتنا اليوم في تنمية العقلانية في المجتمع؟ ولو أنّ محبة الناس الشديدة للإمام في عهده تؤدي إلى التآلف بين القلوب وإلقاء الرعب في نفوس الأعداء، فما هي مدى أهمية تعزيز المحبة لولي الله ونائبه في المجتمع (الولي الفقيه) في الظروف الراهنة؟

يجب علينا في ضمن بحوث مستقلة، أن نتعرفّ من جانب على خصائص المجتمع المهدوي والوضع المنشود بدقة، وأن نقوم من جانب آخر برصد المشاكل المتفشية في مجتمعنا والبحث عن حلولها في إطار خصائص الوضع الموعود.



يتبع إن شاء الله...



[1]. الإمام الخمیني (ره): «من أجل أيّ شيء يظهر الإمام الحجة؟ من أجل بسط العدل، من أجل تعزيز الحُكم، من أجل القضاء على الفساد. نحن خلافاً للآيات القرآنية الشريفة نكفّ عن النهي عن المنكر، نكفّ عن الأمر بالمعروف ونُوسّع الذنوب من أجل أن يأتي الإمام؟ ماذا سيصنع الإمام إذا ظهر؟ يظهر الإمام ليقوم بهذه الأمور... نحن يجب علينا إن استطعنا وإن كنّا نملك القدرة أن نزيح الظلم والجور بأسره عن العالم. هذه هي وظيفتنا الشرعية، غير أننا لا يسعنا ذلك. الحالة الموجودة هو أنّ الإمام يملأ الأرض عدلاً؛ لا أن تكفّوا عن العمل بتكليفكم، ولا أن يرتفع التكليف عنكم ... نعم، نحن لا نستطيع أن نملأ الأرض عدلاً كما ستُملأ، ولو استطعنا لفعلنا، ولكن لعدم استطاعتنا لابد من أن يظهر الإمام. العالم اليوم مليء بالظلم. أنتم نقطة في العالم والعالم يزخر بالظلم. نحن إن استطعنا الوقوف بوجه الظلم، يجب علينا ذلك وهي وظيفتنا. وقد حتّمت علينا الضرورة الإسلامية والقرآنية أن نقوم بكل هذه الأعمال. ولكن بما أننا لا نستطيع ذلك، لابد من ظهور الإمام والقيام بهذه الأمور. ولكن يجب علينا التمهيد لذلك، وتهيئة الأسباب التي تؤدي إلى تعجيل هذا الأمر، والعمل من أجل أن يستعدّ العالم لمجيء الإمام – سلام الله عليه -.» صحيفة الإمام، ج‏21، ص14-17.

الإمام الخامنئي: «نحن المنتظرون لصاحب الأمر، يجب علينا بناء حياتنا الحالية بنفس الوجهة التي ستتأسس عليها حكومة صاحب العصر (عليه آلاف التحية والثناء وعجّل الله تعالى فرجه). علماً بأننا أقلّ من أن يسعنا بناء ما بناه أو سيبنيه أولياء الله؛ ولكن يجب أن نصبّ سعينا وجهدنا في نفس ذلك الاتجاه.» كلمته بمناسبة ذكرى ولادة صاحب العصر (عج)؛ 13/3/1990.

حجة الإسلام صالح*نيا من تلامذة آية الله الشيخ البهجة مع وكالة فارس: ذات مرة سألت سماحته (آية الله البهجة) بأننا إذا أردنا التعجيل في ظهور الإمام المهدي، ماذا ينبغي أن نفعل؟ فقال سماحته: لنفعل الآن ما يجب علينا فعله في عصر ظهوره. ما هي الأفعال التي سنؤدّيها وما هي الأفعال التي سنتركها إذا كان الإمام حاضراً؟ لنؤدّ الآن نفس تلك الأفعال والأعمال الحسنة ولنترك الآن السيئات، عندها سيتحقق ظهوره. (وكالة أنباء فارس، الخبر المرقّم: 13910225001443؛ 16/5/2012)

[2]. الاحتجاج للطبرسي،‏ ج‏2، ص499.

نهجنا الإسلام 09-10-2013 08:18 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 22
 
نماء الأسئلة وتفتّح الأجوبة

والآن يجب أن نعرف ما هي الصورة التي نحملها عن المجتمع المهدوي؟ للوصول إلى مثل هذه الصورة الجليّة يمكننا النظر إلى نماء أسئلتنا. فهناك الكثير من الأسئلة التي يمكن التفكير فيها والوصول إلى الحقائق المختصة بالمجتمع المهدوي حسب نسبة جودة السؤال.

كيف تتكامل العقلانية؟

كيف تتكامل العقلانية في ذلك العصر؟ ما هو الحدث الذي سيتحقق في ذلك الزمان ولم يتحقق حالياً، وعلى أثره يزداد فهم الناس بحدّ تزول أرضية تقبّل الكلام الخاطئ؟ كم سيكون لكلٍّ من تجربة البشر التاريخية وتمحورهم حول الولاية أثر في تكامل العقلانية؟
ما هي العلاقة بين محبة الإمام وبين كلّ ما يتمخضّ عن العطف والحنان في العلاقات بين الناس؟ ما هو أساس ازدياد النعم وكم سيكون لحضور الإمام وإقبال الناس عليه أثر في هذا المجال؟ هل أنّ السبب الغالب لخوف الأعداء من الإمام هو قوة سيفه أم شدة حبّ أنصاره له؟ ألا تُعدّ هذه المحبة والولاية بذاتها العامل الأهم لتكامل العقل والفهم عند الناس؟
كيف سيكون وضع المذنبين؟ ماذا على من لا يريد أن يكون صالحاً؟ هل أنّ التحلّي بالصلاح سيكون أمراً إجبارياً أم أنّ الظروف لا تسمح لأن يكون الإنسان سيّئاً؟ هل سيُفتضح المذنبون ويُعدَمون على الفور؟

كيفية مشارکة الناس في الحكومة؟ مقدار القوانین وضمان تطبيقها؟

كيف تتم مشاركة الناس في حكومة الإمام؟ ما هو مقدار القوانين التي تُسنّ في المجتمع؟ ما هو الضمان لتطبيق هذه القوانين؟ ما هي نسبة استخدام الشدّة في تطبيق القوانين؟ كم من مهمة إدارة المجتمع ستقع على عاتق الأخلاق بدلاً من القانون؟ كيف تتم تنمية الأخلاق والمعنوية في المجتمع بحيث تحلّ محل الكثير من القوانين الإضافية العديمة التأثير؟ كم سيكون للإيمان بالمبدأ والمعاد دور في تنمية الأخلاق وتأسيس مجتمع أخلاقي؟ ما هو أثر الالتزام بالولاية في هذا الشأن؟

طريقة تبليغ الدین، كيفية الإشراف على المنتوجات الفنية

كيف يتم تبليغ الدين في عصر الموعود؟ كيف سيتم جذب الناس إلى الدين؟ ما هي نسبة استخدام الفنّ في تبليغ الدين؟ هل يستطيع الفنّانون إغواء الناس حتى لصالح الله؟ أساساً كيف سيكون وضع الفنّ في المجتمع المهدوي؟ من الذي يستطيع أن يكون فنّاناً؟ هل يستطيع الفنّانون دسّ السمّ بالعسل تحايلاً؟ هل سيقع الإشراف أكثر على عاتق الحكومة أم الناس في تقييم المنتوجات الفنية؟ هل سينمو ويتوسّع الفنّ أيضاً؟

الرقابة على الإعلام

كم ستتجه وسائل الإعلام إلى إظهار الحقائق وكم ستتمحور حول المصالح؟ كم سيكون لإذاعة السلبيات دور في إدارة المجتمع؟ هل سيكون الإعلام ركناً من أركان المجتمع المهدوي؟ هل ستتم الرقابة على المنتوجات الإعلامية؟ أم أنّ شدّة معرفة الناس وفهم المخاطبين يُغني الحكومة عن الرقابة الشديدة العديمة الجدوى؟ من سيتولّى إدارة الإعلام وما هي الخصائص والصفات التي لابد وأن يتحلّى بها هذا المدير؟
هذه الأسئلة إضافة إلى التوعية، بإمكانها أن تكسب المتنصّلين عن الدين الذين يحملون صورة باطلة عن المجتمع والحكومة الدينية ولذا يهابونها. بل بإمكانها أن تقترب من الإجابة على جميع الأسئلة العالقة على أذهان البشر في الوقت الحاضر.

3. الاعتقاد والأمل بتحقق الوضع المنشود

العنصر الثالث للانتظار هو «الاعتقاد» بتحقق الوضع المنشود. أي الإيمان والاعتقاد بتحقق الوضع المنشود الذي نعرفه. والأمل ينبثق من نفس هذا الاعتقاد. ففي الظروف العصيبة التي تسوق الإنسان إلى اليأس، يكون الأمل ناجماً من عقيدة راسخة بتحقق أمر في المستقبل. فإننا بعد الاعتراض على الوضع الموجود، والحصول على صورة صحيحة بالنسبة إلى الوضع الموعود، يجب علينا الآن الاعتقاد بتحقق ذلك الوضع المنشود. فإن الأمل بالوصول إلى الوضع الموعود هو الذي يأخذ بأيدينا نحوه.
وفي مسألة رسم الوضع المنشود، نصل إلى خصائص يصعب على المرتابين تقبّلها بسهولة. وقد آل المطاف بالبعض في عدم التصديق بالصورة المذكورة في الروايات والتي تبدو خيالية حول خصائص المجتمع المهدوي، بحيث أنه لم يكلّف نفسه عناء إنكارها أيضاً، بل بات يمرّ عليها مرور الكرام، معتبراً بأنّ الوضع المنشود المرسوم لا يمكن تحقّقه.[1]

عوامل رفض تحقق الوضع المنشود

وإن كان من اللابد البحث عن أدلة عدم الاعتقاد هذا في عدم سلامة العقول وقساوة القلوب، ولكن يجب علينا مواصلة حوارنا، علّه يجد سبيلاً ومخرجاً من هو أهل لذلك. إنّ واحدة من عوامل ضيق الأفق ورفض تحقّق الوضع المنشود هو الغور في التجارب البشرية التي يتمّ تنظيرها في مدارس المفكرّين الغربيّين. ومن العوامل الأخرى لإيجاد أرضية التشكيك في المجتمع المهدوي هو السلبيّة وعدم امتلاك فلسفة قويمة لحياة الإنسان.
إنّ للاعتقاد بالمهدوية والوضع المنشود الموعود، عقبات سنشير إليها، ولكن رغم ذلك لا ينبغي إهمال الموانع الجدية التي تحول دون الإيمان بكلّ ما وعده الله. إن الإيمان بأيّ وعد من وعود الأنبياء والاعتقاد بتحققها يحتاج أساساً إلى نوع من صفاء السريرة لتستطيع أجنحة الفكر أن تحلّق بحرية في السماء الملائم لها للوصول إلى أفق الحقيقة. فإنّ أدنى ثغرة كامنة في روح الإنسان قد تقطع بوجهه طريق تقبّل الوعود الإلهية والتدبّر فيها.

يتبع إن شاء الله...

[1]. يقول الإمام الخامنئي في بيان هدف الثورة: «إن القضية لا تختص بإيران. إيران مطلوبة كنموذج للمجتمعات الإسلامية بالدرجة الأولى، وكافة المجتمعات الإنسانية بالدرجة الثانية. أردنا نحن بناء هذا المجتمع بهذه الخصائص - نحن معناها الشعب الإيراني، وثورة إيران، والثوريون الإيرانيون، وليس المراد أنا وعدة أشخاص آخرين - ووضعه أمام كل أبناء البشر والأمة الإسلامية والقول لهم: هذا هو الشيء الذي يطمح إليه الإسلام ويقدر عليه الناس في هذا الزمن. لا يخال البعض أن هذا شيء منشود لكنه غير ميسور. يقال إن بعض ذوي النوايا الحسنة حتى، كانوا خلال فترة كفاح النهضة الإسلامية يقولون: لِمَ كل هذه الجهود التي لا طائل من ورائها؛ نعم، كلامكم صحيح لكنه غير ممكن. وأرادت الثورة أن تثبت للجميع أينما كانوا من العالم الإسلامي أن هذا النموذج ممكن التحقيق، وهذا هو المثال. كان هذا هدف الثورة. كان هذا الهدف مطروحاً منذ البداية وأقول لكم إنه لا يزال قائماً اليوم أيضاً، وسيبقى في المستقبل. إنه هدف ثابت.» كلمته في لقائه مع الأساتذة والجامعيين بمحافظة شيراز؛ 3/5/2008.


براءةْ فآطمةُ الزهرآءْ 09-10-2013 06:28 PM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم
اللهم كن لوليكـ الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعه
وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا
وتمتعه فيها طويلا برحمتك ياارحم الراحمين
جزآكـِ الله خيرا اختي الغالية ((نهجنا الاسلام))

سلمت يداكـ ويعطيكـ الله العافية
في ميزآن اعمالكـ
تحياتي لك واسألك الدعاء

نهجنا الإسلام 19-10-2013 10:03 AM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة براءةْ فآطمةُ الزهرآءْ http://www.noorfatema.com/vb/Hulmy/buttons/viewpost.gif
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم
اللهم كن لوليكـ الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعه
وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا
وتمتعه فيها طويلا برحمتك ياارحم الراحمين
جزآكـِ الله خيرا اختي الغالية ((نهجنا الاسلام))

سلمت يداكـ ويعطيكـ الله العافية
في ميزآن اعمالكـ
تحياتي لك واسألك الدعاء



أسعدني مرورك العطر أختي الكريمة
شكرا على تواجدك في صفحتي والمشاركة الطيبة
تحيتي لك

نهجنا الإسلام 19-10-2013 10:09 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 23
 

وقد تؤول الكثير من الانحرافات الدينية إلى عدم الاعتقاد بالمجتمع المهدوي. فلو تعارضت مسيرة أحد بالكامل مع المبادئ المهدوية، ومن جانب لابد له أن يرى غاية الحياة ونهاية الكمال في المعتقدات المهدوية، فإنّ الطريق الأسهل له هو إنكار المجتمع المهدوي من الأساس. وإلّا فلابد له من تغيير مسيرة حياته أو الاعتراض بخطأ اتجاه حركته على أقل تقدير؛ وهو أمر عسير على الكثير.

عدم اعتقاد المكابرين وعبيد الأموال / المكابرة العلمية

وفي هذا البين، يتضّح دليل عدم اعتقاد المكابرين وعبيد الأموال بالمجتمع المهدوي، وسعيُهُم المستمر لسلب الاعتقاد من المستضعفين أو سوقهم إلى عدم الاكتراث على أقل تقدير بمستقبل خالٍ منهم، واضحٌ للعيان. علماً بأنّ المكابرة لا تختص بدائرة الأموال والحكم، بل لها أقسام وأنواع عدة وبالإمكان ظهورها في شتى المجالات. كأن يقوم طالب العلم في ضمن حوار علميّ بعدم التراجع عن كلامه الباطل حباً بالجاه. فهو ضرب من ضروب المكابرة.
وفي المقابل، فإنّ الاعتقاد بتحقق المجتمع المهدوي دوماً ما يفتح بوجه البشرية آفاق السعادة وله آثار عديدة في إرساء القواعد الدينية لدى المؤمنين، وسوف نشير إلى جملة من هذه الآثار. والحدّ الأدنى للاعتقاد بهذا المستقبل المشرق هو أنك تتحلى بسلامة القلب وهي علامة جيّدة تبعث على الابتهاج؛ وسيترك في حياتك المعنوية الكثير من الخيرات والبركات.

الاعتقاد بالمسائل المعنویة، علامة على سلامة الروح وشدة الدرایة

وأساساً فإنّ الاعتقاد بالمسائل المعنوية علامة على سلامة روح الإنسان، وسرعة التصديق بالوعود الإلهية ناجمة من صفاء السريرة. فإنّ سرعة التصديق وإن تكن تارة بسبب السذاجة وهي مذمومة، غير أنها تارة أخرى تكون بسبب شدة الدراية والحكمة وهو أمر مطلوب للغاية. فإنّ الذي يتمتّع بحكمة ورؤية ثاقبة وسرعة فهم وقوة تحليل، غالباً ما يؤمن بالوعود الإلهية بسرعة. ولكن لا يمكن التغافل إطلاقاً عن دور صفاء السريرة. لأن الإنسان الذكيّ لو لم يتمتع بصفاء السريرة، سيستخدم جميع ذكائه في سبيل الباطل.

لا يكفي صفاء القلب لوحده

وكذلك العكس، فإنّ الذي يتحلى بصفاء القلب ولكن لا يحمل النظر الثاقب، قد لا يستطيع في بعض المواطن اختيار الطريق الصائب. ولذا تجده ينخدع سريعاً وينحرف بأدنى تحايل وإغواء. ولو لم يسقط بمواجهة المتحايلين، فلربّما يفقد إيمانه بمواجهة أدنى امتحان أو بافتراض أنّ الوعود الإلهية غير منطقية.

دور قلة المعرفة في التساقط قرب الظهور

وفيما يخصّ الإيمان بالمهدوية لابد من القول بأن الساحة زاخرة بالابتلاءات، وأن الابتلاءات الإلهية للمؤمنين قرب الظهور وبعدها يتبعها الكثير من التساقط كما في الروايات.[1] فمن عَقَدَ إيمانه على قليل من المعرفة وبنى أساس عقيدته على صفاء سريرته، سيسقط في الابتلاءات الصعبة أو سيستولي عليه الخوف على أقل تقدير وسوف لا ينهض للدفاع عن الحق بشجاعة تامة، تلك التي تنبثق من العقيدة الراسخة والمعرفة السديدة.



الاعتقاد بالموعود، يستلزم الاعتقاد بأحقية الدين


حريّ بنا هنا أن نشير إلى نقطة مهمة وهي دور الاعتقاد بـ«تحقق المجتمع المهدوي» في إثبات «أحقية الدين». فلو فقد الاعتقاد بالمجتمع الموعود، لأصبحت جميع مبادئنا الدينية في العالم عرضة للتشكيك والتساؤل. إذ أنّ في قبال الكثير من الوصايا الاجتماعية للدين والصورة التي يرسمها لنا من المجتمع المنشود، يمكن القول بكل بساطة: «ماذا سيكون لو أمكن، ولكن المؤسف أنه لا يمكن.» ومعنى ذلك أن وصايا الدين حتى لو كانت جيّدة لا يمكن تطبيقها. وليس بالقليل من يقول بهذه المقولة بشتى التعابير.

ضرورة الاعتقاد بإمكانية تحقق الدين كله

نحن لو لم نكن معتقدين بإمكانية تحقق الدين كله، وأنه سيتحقق في يوم من الأيام بصورة شاملة وثابتة، لوقع الدين بأسره عرضة للتشكيك. فلو قمنا بإثبات التوحيد والعدل والنبوة والإمامة وتعرّضنا بعد ذلك لبيان الأحكام الإسلامية، ولكننا غير معتقدين بالمجتمع المهدوي، لا يمكننا عندئذ الدفاع عن أحقية الدين بشكل جيد. لماذا؟
لأنه سيُقال لنا: هذا الدين الذي تدّعون أنه أكمل دين، لم يستقر بالكامل في عهد النبي الأكرم (ص)، وذلك لما وجّهه المنافقون من ضربات كبيرة له وحالوا دون تحقيق القِيَم النبوية بأسرها. وما تحقق منه لم يستمر. ولو كان قد استقر بالكامل، لتحقق وعد الله في قوله: ﴿لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ﴾[2] ولانتشر دين الإسلام في جميع أقطار العالم.
وأهم علامة على عدم استقراره هي الأحداث التي جرت بعد النبي (ص)، حتى آل المطاف إلى أن يتربّع رجل فاسق مثل يزيد على كرسيّ الحكم بصفته خليفة لرسول الله (ص) ثم يقول بعد قتل أبي عبد الله الحسين (ع): «لَعِبَت هاشِمُ بِالمُلكِ فَلا / خَبَرٌ جاءَ وَلا وَحيٌ نَزَل.»[3]
وأمیر المؤمنین (ع) أيضاً لم يوفّق لتحقيق ما كان يرمي إليه بالكامل، وحكومته الإلهية لم تدم أكثر من خمسة أعوام.[4] وسائر الأئمة (ع) أيضاً كانوا في الأغلب يعيشون في غربة ومظلومية وكانوا محرومين من حقوقهم الأولى، فضلاً عن أن تؤاتيهم الفرصة لإحلال الدين في المجتمع.

يتبع إن شاء الله...

[1]. قال الإمام الصادق (ع) لابن أبي يعفور حول أصحاب القائم: «لَابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمَحَّصُوا وَيُمَيَّزُوا وَيُغَرْبَلُوا وَيَخْرُجُ فِي الْغِرْبَالِ خَلْقٌ كَثِيرٌ.» الکافي، ج1، ص370.

وقال (ع) أيضاً في جواب جابر الجعفي الذي سأله: مَتَى يَكُونُ فَرَجُكُمْ؟: «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَا يَكُونُ فَرَجُنَا حَتَّى تُغَرْبَلُوا ثُمَّ تُغَرْبَلُوا ثُمَّ تُغَرْبَلُوا يَقُولُهَا ثَلَاثاً حَتَّى يَذْهَبَ الْكَدِرُ وَيَبْقَى الصَّفْوُ.» الغیبة للطوسي، ص339.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَأَبِي بَصِيرٍ قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ: «لَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا النَّاسِ» فَقُلْنَا: «إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا النَّاسِ فَمَنْ يَبْقَى؟» فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا فِي الثُّلُثِ الْبَاقِي؟» الغیبة للطوسي، ص339، وکمال الدین وتمام النعمة، ج2، ص655، مع اختلاف قليل.

وقال الإمام الكاظم (ع) لأبي إسحاق وهو يسأله عن الفرج: «أَمَا وَاللَّهِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ مَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى تُمَيَّزُوا وَتُمَحَّصُوا وَحَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا الْأَقَلُّ ثُمَّ صَعَّرَ كَفَّهُ.» الغیبة للنعماني، ص208.

وعن الإمام الرضا (ع): «وَاللَّهِ مَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ أَعْيُنَكُمْ إِلَيْهِ حَتَّى تُمَحَّصُوا وَتُمَيَّزُوا...» الغیبة للطوسي، ص336، الغيبة للنعماني، ص208.

وعن الإمام الجواد (ع): «إنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَوْتِ ذِكْرِهِ وَارْتِدَادِ أَكْثَرِ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ.» کمال الدین وتمام النعمة، ج2، ص378.

[2]. ﴿هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» سورة التوبة، الآية 33، وسورة الصف، الآیة 9.

[3]. الاحتجاج للطبرسي، ج2، ص307.

[4]. أمیر المؤمنین (ع): «قَدْ عَمِلَتِ الْوُلَاةُ قَبْلِي أَعْمَالًا خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ (ص) مُتَعَمِّدِينَ لِخِلَافِهِ نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ مُغَيِّرِينِ لِسُنَّتِه‏ وَلَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا وَحَوَّلْتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا وَإِلَى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتَّى أَبْقَى وَحْدِي أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَفَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ...» الکافي، ج8، ص59. وقال الإمام الصادق (ع): «لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) ثَبَتَتْ قَدَمَاهُ، أَقَامَ كِتَابَ اللَّهِ كُلَّهُ وَالْحَقَّ كُلَّهُ.» الکافي، ج5، ص556؛ تهذیب‌ الأحکام، ج7، ص463.



نهجنا الإسلام 20-10-2013 12:26 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 24
 
وقد أشار الإمام الخميني (ره) في كلمته بمناسبة النصف من شعبان إلى هذه المسألة المهمة حسب تعبيره قائلاً:

«إنّ قضية غيبة صاحب العصر، قضية مهمة توقفنا على العديد من المسائل. منها أنّ الله تبارك وتعالى قد ادّخر المهدي الموعود (سلام الله عليه) للبشرية من أجل تحقيق هذا العمل العظيم وهو تطبيق العدالة بمعناها الحقيقي في جميع المعمورة، تلك التي لم يسبقه أحد لها. فقد جاء الأنبياء من أجل تطبيق العدالة وبغيتهم هي تطبيق العدالة في جميع العالم ولكن لم يوفقوا لذلك. حتى الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي جاء لإصلاح البشر ولتطبيق العدالة ولتربية الناس، لم يوفق لذلك في زمانه... فلم تتوافر الإمكانية لأيّ أحد من الأولين والآخرين، وقد توافرت للمهدي الموعود فقط إمكانية نشر العدالة في جميع العالم، حيث ادّخره الله تبارك وتعالى لتحقيق ما لم يوفق إليه الأنبياء مع أنهم جاؤوا لذلك، ولتطبيق ما كان يرمي إليه جميع الأنبياء وجميع الأولياء ولكن الأسباب حالت دون ذلك.»[1]

ويقول الإمام الخامنئي أيضاً:

«إذا لم تكن المهدوية كان معنى ذلك أن كل مساعي الأنبياء وكل الدعوات وكل البعثات وكل هذه الجهود المضنية لا فائدة منها ولا أثر لها. إذن قضية المهدوية قضية أصلية رئيسية ومن أكثر المعارف الإلهية أهمية وأصالة. لذلك يوجد في كل الأديان الإلهية تقريباً - في حدود اطلاعنا طبعاً - شيء لبابه ومعناه الحقيقي هو نفس هذه المهدوية.»[2]

ومن هنا فإن من الإيرادات الموجّهة لديننا بل ولكافة الأديان الإلهية من دون النظر إلى المجتمع المهدوي، هي أنّ دينكم يحمل بين دفتيه تعاليم قيمة للغاية ولكن لا يمكن إدارة حكومة من خلاله؛ كما أنّ أولياء الله أيضاً لم يتمكّنوا من ذلك.

يُنقل أنّ في عصر أحد ملوك الصفوية، عُقد مجلس بحضور الحاكم. فقام أحد الحاضرين بالحديث عن عدل علي (ع) كثيراً لعلمه بادّعاء ملوك الصفوية حبّهم لعلي بن أبي طالب (ع). فعرف الحاكم أنه يتحدّث بتلميح وتهكّم. وبعد انتهاء المجلس وذهاب الحاضرين، أشار إليه بالبقاء وقال له: «ما لك تتكلّم بهذا المقدار عن عدل علي (ع)؟»

فأجابه أخيراً وقال: «كانت لديّ أرض وأخذها رجالك مني بالقوة ولا أجد من أتظلّم إليه.» فقال الحاكم: «قل لي من الذي اغتصب أرضك حتى أعيدها إليك، ولكن لماذا كل هذا الكلام عن عدل علي (ع)؟»

قال الرجل للحاكم: «إنك تدّعي حب علي (ع)، وعليك أن تتصرف مثله بعدالة.» فأجابه الحاكم: «صحيح بأننا نحبّ علياً، غير أنّ حكومة علي (ع) لم تدم أكثر من خمسة أعوام لعدالته. وأنا أريد أن تدوم حكومتي أكثر.» يريد أن يقول: لا يمكن الحكم من خلال عدل علي (ع) ونهجه.



لماذا يتّهم البعض الدين باللاواقعية؟



وهذه هي عقيدة الكثير من المتنصّلين عن الدين الذين يعتبرون الدين أمراً لطيفاً ولا يُستفاد منه سوى لتلطيف روح الإنسان؛ وما زاد عن ذلك فلا للدين أمر محتمل ولا للمجتمع ممكن التطبيق. ومن هنا يصفون الدين باللاواقعية معتبرين أنه مجرد أشعار وحكايات يتحدث بعبارات مبالغ فيها عن القمم والأساطير البعيدة المنال ويبيّن أشدّ المواعظ مبالغة وغلواً ليترك ولو أثراً إيجابياً قليلاً في نفوس المخاطبين.

علماً بأنّ هذه الرؤية شائعة إلى حدّ ما في أوساط الكثير من المؤمنين والمتدينين. أي أنّ عدداً من المؤمنين قد ابتلوا بنوع من العلمانية بدرجات مختلفة، وقد تظهر هذه الرؤية في مواقفهم السياسية. ولا يعبّرون عن ذلك باللادينية بل يعتبرون رؤيتهم هذه مزيجاً بين الواقعية والمبدئية.



الدين كله ممكن التطبيق ويتحقق في المجتمع المهدوي



فلو سأل سائل: «لو كان دينكم برنامجاً للحياة، وممكن التطبيق، فلماذا لم تتوافر إمكانية تطبيقه على يد النبي (ص) وأوصيائه المعصومين (ع)؟»، لا سبيل لنا سوى أن نعده بالمستقل إلى جانب ذكر الموانع الموجودة في السابق بأدلة منطقية، ونقول له بأنّ هذا الدين بصفته أفضل برنامج للحياة في هذه الدنيا، ممكن التطبيق وسيتضح ذلك عبر ظهور المجتمع المهدوي العالمي في المستقبل.

ولا ينبغي أن نفسّر الحسنات والفضائل التي وصّى بها الدين بشكل يؤول إلى اتصافها باللاواقعية وإلى ظهور هذا التصور بأن المجتمع لا يمكن إدارته من خلال التعاليم الدينية. وعلى أيّ حال، فمن ساقه النظر إلى تاريخ أهل البيت (ع) الزاخر بالمظلومية وإلى جميع المظالم الحالة بالبشرية باسم الدين، إلى هذه الرؤية وهي أن التعاليم الدينية خيالية لا يمكن تحققها، فالجواب الوحيد له هو المجتمع المهدوي.



لماذا كلّ هذا التأكيد في ديننا عن الموعود؟



ولهذا فإنّ الاعتقاد بالمهدوية يمثلّ عاملاً مهماً في أن لا يقع أساس المعتقدات الدينية عرضة للتشكيك والتساؤل. ومن هنا نجد النصوص الدينية تؤكّد بشكل كبير على قضية الموعود، فقد خصص النبي الأكرم (ص) جزءاً كبيراً من كلامه في خطبة الغدير بالحديث عن الموعود[3]، لئلا يُتّهم الدين بأنه غير قابل للتطبيق.



يتبع إن شاء الله...



[1]. صحیفة الإمام، ج12، ص480.

[2]. كلمته في الأساتذة والخريجين المتخصصين في المهدوية، 09/07/2011.

[3]. يروي الإمام باقر (ع) القصة والخطبة الكاملة لرسول الله (ص) في غدیر خم. فقد أشار النبي في مقاطع مختلفة من هذه الخطبة إلى الإمام المهدي (ع) وصفاته ورسالته بالتفصيل قائلاً: «مَعَاشِرَ النَّاسِ! آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى‏ أَدْبارِها. مَعَاشِرَ النَّاسِ! النُّورُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ مَسْلُوكٌ، ثُمَّ فِي عَلِيٍّ ثُمَّ فِي النَّسْلِ مِنْهُ إِلَى الْقَائِمِ الْمَهْدِيِّ الَّذِي يَأْخُذُ بِحَقِّ اللَّهِ وَبِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَنَا. لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَنَا حُجَّةً عَلَى الْمُقَصِّرِينَ وَالْمُعَانِدِينَ وَالْمُخَالِفِينَ وَالْخَائِنِينَ وَالْآثِمِينَ وَالظَّالِمِينَ وَالْغَاصِبِينَ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ ... مَعَاشِرَ النَّاسِ! أَلَا وَإِنِّي مُنْذِرٌ وَعَلِيٌّ هَادٍ. مَعَاشِرَ النَّاسِ! إِنِّي نَبِيٌّ وَعَلِيٌّ وَصِيِّي. أَلَا إِنَّ خَاتَمَ الْأَئِمَّةِ مِنَّا الْقَائِمُ الْمَهْدِيُّ. أَلَا إِنَّهُ الظَّاهِرُ عَلَى الدِّينِ. أَلَا إِنَّهُ الْمُنْتَقِمُ مِنَ الظَّالِمِينَ. أَلَا إِنَّهُ فَاتِحُ الْحُصُونِ وَهَادِمُهَا. أَلَا إِنَّهُ قَاتِلُ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ. أَلَا إِنَّهُ الْمُدْرِكُ بِكُلِّ ثَارٍ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. أَلَا إِنَّهُ النَّاصِرُ لِدِينِ اللَّهِ. أَلَا إِنَّهُ الْغَرَّافُ مِنْ بَحْرٍ عَمِيقٍ. أَلَا إِنَّهُ قَسِيمُ كُلِّ ذِي‏ فَضْلٍ بِفَضْلِهِ وَكُلِّ ذِي جَهْلٍ بِجَهْلِهِ. أَلَا إِنَّهُ خِيَرَةُ اللَّهِ وَاللَّهُ مُخْتَارُهُ. أَلَا إِنَّهُ وَارِثُ كُلِّ عِلْمٍ وَالْمُحِيطُ بِهِ. أَلَا إِنَّهُ الْمُخْبِرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُنَبِّهُ بِأَمْرِ إِيمَانِهِ، أَلَا إِنَّهُ الرَّشِيدُ السَّدِيدُ. أَلَا إِنَّهُ الْمُفَوَّضُ إِلَيْهِ. أَلَا إِنَّهُ قَدْ بَشَّرَ بِهِ مَنْ سَلَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ. أَلَا إِنَّهُ الْبَاقِي حُجَّةً وَلَا حُجَّةَ بَعْدَهُ وَلَا حَقَّ إِلَّا مَعَهُ وَلَا نُورَ إِلَّا عِنْدَهُ. أَلَا إِنَّهُ لَا غَالِبَ لَهُ وَلَا مَنْصُورَ عَلَيْهِ. أَلَا وَإِنَّهُ وَلِيُّ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَحَكَمُهُ فِي خَلْقِهِ وَأَمِينُهُ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ. مَعَاشِرَ النَّاسِ! قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ وَأَفْهَمْتُكُمْ وَهَذَا عَلِيٌّ يُفْهِمُكُمْ بَعْدِي.» الاحتجاج للطبرسي، ج1، ص61-63. وكذلك التحصین للسید بن طاووس، ص585-586.

نهجنا الإسلام 26-10-2013 09:45 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 25
 
ما هو تفسير بكاء الأئمة في فراق الإمام المهدي (عج) الذي لم يولد بعد، مع ملاحظة أنهم يتمتعون بمقام الإمامة أيضاً؟ أليس كذلك بأن الإمام سيطبّق بالكامل ذلك الدين الذي قام بتبليغه جميع الأنبياء والأوصياء وكانت بغيتهم تطبيقه وإذاقة الناس طعمه؟ أليس كذلك بأن الأنبياء كانوا يريدون أن يعرف الناس بأنّ هذا النهج الإلهي هو النهج الأمثل للحياة، والإمام سيُبيّن ذلك للناس عملياً والكلّ سيصدقّ به؟

ومن جانب آخر، فإنّ من الطرق الموصلة للاعتقاد بالدين هو الاعتقاد بالموعود والمجتمع المنشود. سيّما في هذا الزمان الذي عمدت المظاهر المادية المغرية في الحضارة الغربية بتهويل إلى أن تعرّف نفسها بأنها هي نفس ذلك المجتمع الموعود. ففي مثل هذه الظروف، يجب التصديّ لإظهار عيوب هذه الحضارة الغربية عبر بيان خصائص المجتمع المهدوي الذي يمثل حالتنا المنشودة، وذلك لإنقاذ الأفكار من الوقوع في فخ هذه الحضارة الزائفة ولهدايتهم إلى الحضارة الإسلامية الأصيلة.

فلو تُبيّنُ الحضارة المهدوية وخصائصها لأولئك المولعين والوالهين والخائبين في الوقت ذاته بالحضارة الغربية (الذي ولعوا بالمبادئ الإنسانية السارية في شعارات الحضارة الغربية وذاقوا كذلك الطعم المرّ لكذبها وزيفها)، سيُدركون محاسنها قبل الآخرين لا محالة، ويؤمنون بدين الإسلام بسبب هذه النهاية الحسنة أفضل وأسرع من غيرهم.



أثر توجه الطبقة المتوسطة في المجتمع الغربي إلى الموعود



إنّ الذين يؤمنون بدين الإسلام قد يتخذون هذا الدين لأسباب بسيطة. كما قيل أن معظم الزنوج في سجون أمريكا قد اعتقنوا الإسلام. فإنّ النزوع نحو دين الإسلام في أوج الشدة واليأس ومن أجل تسكين الروح لا قيمة له بذلك المعنى. في حين أننا لو استطعنا أن نهدي الطبقة المتوسطة في المجتمع الغربي إلى الموعود، تلك التي كانت قد علّقت آمالها على الشعارات ووصلت عملياً إلى بطلانها وهي مستعدّة لاستبدال الحضارة الغربية بفكر جديد، فقد زعزعنا أسس الحضارة الغربية في الرأي العام.

وفي هذا الطريق لا ينبغي أن ننتظر اقتناع بعض المثقفين المغتربين في الداخل ثم التصدي لتنوير الرأي العام في العالم؛ لأنّ من هو في معرض النور، وتجده قابعاً في الظلمة، فإنه قد لا يصل إلى النور إطلاقاً.



إشکالات في طريق الاعتقاد بالموعود (تحقق الوضع المنشود)

لابد من الاعتراف بأن الاعتقاد بتحقق الوضع المنشود مقرون بالصعوبات. فبغضّ النظر عن رفض غير المعتقدين الذين يستهزؤون بكل النداءات الإلهية الغيبية، هناك أناس متذرّعون مرتابون يتسبّبون دوماً إطالة الحوارات والنقاشات. فإنهم وإن يوجبون تنمية علمية كاذبة ويُنعشون سوق البحوث العلمية إنعاشاً ليس بالمفيد كما ينبغي، ولكنهم يبعّدون طريق الوصول إلى المقصد؛ ولو كان الرأي العام في متناول أيديهم لعمدوا وبكل وقاحة إلى زرع الشك والريب في قلوب الناس.

وبالإمكان الاستماع إلى آخر الاحتجاجات الصادرة عن أمثال هؤلاء الناس وصدّ آخر مقاومتهم من خلال استعراض الأدلة الكافية، ولكن لا عجب إن استمروا في رفضهم (لأنه لا يُتوقّع من المتذرّعين سوى ذلك) ولابد من الاكتفاء بإنقاذ الناس من إشاعتهم للشبهات. فإنّ التذرّع لعدم الإيمان بالوعود الإلهية، سنة سيئة في القلوب المريضة التي قد لا تستيقظ بتاتاً.



دراسة إشكالين اعتقاديين



ومن أجل إزالة الإشكالات الاعتقادية، لابد في البدء من تحجيم أرضيات التذرع؛ ولا يتيسّر ذلك إلا بتنمية المعرفة وبسطها. وفيما يلي نستعرض معاً بعض هذه الإشكالات ليمكننا اجتيازها بشكل أمثل:

الإشکال الأول: لو كان ذلك المجتمع الموعود ممكن التحقيق، فهل سيتحقق عبر الالتزام بكل المبادئ التي كان قد التزم بها الرسول الأكرم (ص) وأوصياؤه (ع)؟ المبادئ التي توصل استخدام القوة إلى الحد الأدنى والمرونة إلى الحد الأعلى؛ المبادئ التي تستلزم مراعاة الكرامة الإنسانية والتي يؤدي الالتزام بها إلى إتاحة الفرصة لاستغلال المنافقين وتأثير عناد الكافرين. (وبالطبع كلنا يعلم أن الالتزام بنفس هذه المبادئ هو الذي سبب أن يتعرض المعصومون (ع) للظلم، ولكنه آل في نهاية المطاف إلى اتضاح أحقيتهم؛ ومعلوم أيضاً أن الالتزام بنفس هذا المبادئ قد وهب للمجتمع المهدوي أهمية بالغة ولانتظاره قيمة متزايدة.)

ولو كان من المقرر أن يتحقق المجتمع المهدي عبر الالتزام بتلك المبادئ، ألا يكون الحق مظلوماً للمرة الثانية؟ ولو أننا نسمع بأن الإمام سيستخدم السيف لاستئصال شأفة أعداء الدين،[1] ألا يعتبر ذلك نقضاً لتلك المبادئ؟

قد لا يبدو هذا الإشكال وجوابه مهماً في الوهلة الأولى، غير أنّ أهمية هذه المسألة تظهر عندما نعرف أن البعض – كما جاء في الروايات – ينحرف ويتهم الإمام بالخشونة والقساوة لأنه لا يحمل تحليلاً صحيحاً عن سبب شدة الإمام في تعامله مع المنافقين.[2]

تكمن أهمية مثل هذه الأسئلة والأجوبة في أننا لو أدركنا زمن حضور الإمام وسمعنا بشدة الإمام في تعامله مع المنافقين، سنحمل تحليلا صحيحاً عن ذلك لئلا نقع في تلك الانحرافات ولا نتهم الإمام بالخشونة والعياذ بالله.

الإجابة على هذا السؤال، تميط اللثام عن إمكانية تحقق ثورة الإمام وحكومته ومراحل تشكيلها وإرساء قواعدها (وتُنمّي المعتقدات في هذا المجال)، وتكشف السر أيضاً عن مظلومية أولياء الله؛ السرّ الذي يلعب دوراً هاماً في فهم الدين بشكل صحيح، ومعرفته تحول دون تكرار هذه الظلامات.



يتبع إن شاء الله...



[1]. يقول الإمام الباقر (ع) حول الإمام الثاني عشر: «إِذَا قَامَ سَارَ بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) إِلَّا أَنَّهُ يُبَيِّنُ آثَارَ مُحَمَّدٍ وَيَضَعُ السَّيْفَ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ هَرْجاً هَرْجاً حَتَّى رَضِيَ اللَّهُ.» الغیبة للنعماني، ص164. وقال في رواية أخرى: «سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (ص) ... وَأَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ (ص) فَالْقِيَامُ بِسِيرَتِهِ وَتَبْيِينُ آثَارِهِ ثُمَّ يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ فَلَا يَزَالُ يَقْتُلُ أَعْدَاءَ اللَّهِ حَتَّى يَرْضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» کمال الدین وتمام النعمة، ج1، ص329.

وفي طريق العودة من حرب الجمل، أخذ أمير المؤمنين (ع) يتحدث عن الفتن في ضمن الإجابة على أسئلة الناس، حتى قال رجل آخر فقال: ثُمَّ مَا يَكُونُ بَعْدَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ يُفَرِّجُ الْفِتَنَ بِرَجُلٍ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ كَتَفْرِيجِ الْأَدِيمِ بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ يَسُومُهُمْ خَسْفاً وَيَسْقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ فَلَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ هَرْجاً هَرْجاً يَضَعُ السَّيْفَ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَدَّتْ قُرَيْشٌ عِنْدَ ذَلِكَ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَوْ يَرَوْنِي مَقَاماً وَاحِداً قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ أَوْ جَزْرِ جَزُورٍ لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ بَعْضَ الَّذِي يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَقُولُ قُرَيْشٌ لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ لَرَحِمَنَا فَيُغْرِيهِ اللَّهُ بِبَنِي أُمَيَّةَ فَيَجْعَلُهُمْ مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا.» الغارات، ج1، ص3. وكذلك نهج البلاغه، الخطبة 93؛ والغیبة للنعماني، ص229، ح11، مع اختلاف يسير.

[2]. راجع الروایات الواردة في الهامش ص ؟؟؟.

منتهاها 27-10-2013 02:27 AM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
سلمت اناملك الكريمة وفي ميزان حسناتك وربي يعطيك الف عافية

نهجنا الإسلام 28-10-2013 03:09 PM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منتهاها http://www.noorfatema.com/vb/Hulmy/buttons/viewpost.gif
سلمت اناملك الكريمة وفي ميزان حسناتك وربي يعطيك الف عافية

حياك الله وبياك أختنا الفاضلة
وشكرا جزيلا لك على هذه الكلمات الطيبة
وفقك الله لكل خير


نهجنا الإسلام 18-11-2013 12:53 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 26
 
وعلى سبيل المقدمة ولاتضاح السؤال أكثر، نقول بأن من الأسس المهمة في دين الإسلام هي مراعاة كرامة الإنسان، إلى درجة يمكن أولاً أن يترعرع المنافقون في المجتمع الديني، (وهم الذين يُبطنون الكفر ويُظهرون الإيمان والإسلام.) وأولياء الله بكرمهم يُغلقون أبواب التجسّس والإفشاء من خلال علم الغيب أو بعض المعلومات الطبيعية ويسترون عيوبهم عبر التعامل معهم إنسانياً. وثانياً تُتاح للمنافقين الفرصة بأن يصولون في المجتمع الديني ويُحبطون بعض تدابير أولياء الله. ويكتفي أولياء الله أيضاً في الأغلب بالإفشاء العام وتنمية البصيرة ولا يشيرون بأصابع الكلام إليهم مباشرة إلّا إذا كشف المنافقون الستار عن وجوههم الحقيقية أو تسببوا لأن تُهدِّد المجتمع الديني أخطارٌ جسيمة.
ومن الطبيعي في ظلّ هذا المنهج، أن ينحرف الضعاف من المؤمنين بواسطة المنافقين بسهولة، وأن يستولي اليأس واللبس على عامة الناس أيضاً متأثرين بهذه الأجواء السائدة.
وهناك أيضاً وجه آخر للاهتمام بكرامة الإنسان وهو المهلة التي يُمهلها الله لعامة الناس من أجل أن يميزوا الحق عن الباطل بفكرهم وطينتهم الطاهرة. فإن فرصة التفكير والتحليل التي يوفّرها الله للناس هي ضرب من ضروب تكريم الإنسان، وإن كان أولياء الله يحتملون أنواع المظلومية في هذا الطريق.

منهج القرآن: ذكر علامات المنافق

واحدة من مصاديق هذا الإمهال في مسألة مراعاة كرامة الإنسان في صدر الإسلام، هو عدم إفشاء أسماء المنافقين. فقد أشار القرآن الكريم إلى علامات المنافقين[1] ولم يذكر أسماءهم في مجتمع المدينة الصغير. إلّا أنّ المنافقين كانوا قلقين من أن يفضحهم الله عبر الوحي.[2]

اتباع النبي (ص) المنهج القرآني

وقد اتبع النبي الأكرم نفس هذا المنهج، فكان يشير إلى المصاديق بالتلميح على وجه العموم وبالتصريح على وجه الخصوص. ومن الأمثلة البارزة لهذا الأسلوب في التعامل هو قضية اغتيال النبي (ص) الفاشل عند عودته من غزوة تبوك:
في طريق العودة من غزوة تبوك، تآمر جمع من المنافقين على اغتيال النبي (ص) وذلك بإسقاطه من أعلى الجبل. فأخبر جبرئيل الأمين النبي (ص) بهذه المؤامرة. فوضع رجلين من أصحابه حماية له، وأحبطوا مؤامرة المنافقين وعرفوا المتآمرين بأجمعهم حيث كانوا من وجوه المدينة، وأرادوا مجازاتهم على صنيعهم هذا فمنعم النبي من ذلك ولم يسمح لهم بذكر أسمائهم.[3]
فواصل هؤلاء المنافقون مسيرتهم وبقيت لهم مكانتهم المرموقة في المجتمع الإسلامي المدني، ودبّروا خططاً أخرى وطبقوا بعض مؤامراتهم واكتسبوا نجاحاً ملحوظاً في النيل من الحق. وهذا ما هو مشهود في عهد أمير المؤمنين (ع) أيضاً ولابد من التعرض لذلك في البحث عن سيرته السياسية.
والسؤال المهم هنا هو أنّ من يريد أن يحكم بهذه الطريقة، وأن يراعي كرامة الناس إلى هذا المستوى، فهل ستستمر حكومته؟ ولو أن الإمام المهدي (عج) سينتهج نهج النبي (ص) في حكومته، فهل هو أمر ممكن التحقق؟ وهل ستدوم حكومته؟

النفاق أحد العوارض الطبیعیة لسيادة القيم في المجتمع

والمسألة المهمة التي يجدر الاهتمام بها إضافة إلى ما ذُكر، هي أنّ النفاق يعتبر من بدايات العوارض الطبيعية لسيادة القِيم في المجتمع. فإنّ المبادئ والقيم إذا سادت في مجتمع ما، سواء كانت سيادة ثقافية (شيوع القيم في المجتمع) أو حكوميه، ستؤول بالتالي إلى ظهور النفاق.
لأنّ من لا يؤمن بقيم المجتمع، ينساق إلى التظاهر والنفاق من أجل الحفاظ على موقعه ومكانته الاجتماعية. ورغم أنه يرفض المبادئ، يظهر بمظهر إنسان مبدئي مدافع عن القيم والمبادئ. أو أنه يساير المبادئ ظاهرياً على أقل تقدير، ولكن من الواضح أنه لا يستطيع مواصلة الطريق. فيبدأ بالتذرّع وتوجيه الضربات الخفية. علماً بأن للنفاق أقسام وحدّ أدنى وأعلى ولابد من التعرض لذلك في محله، ولكن على أيّ حال فإن النفاق ظاهرة مشؤومة يبتلي بها كل مجتمع مبدئي بصورة طبيعية.

في المجتمع المبدئي المهدوي، كيف تُقتلع جذور النفاق؟

والإمام المهدي (عج) الذي سيؤسّس مجتمعاً مبدئياً دينياً على صعيد العالم، من الطبيعي أن يكون العارض الأول لهذا المجتمع هو النفاق. ومن جانب آخر فإن الإمام سيقوم باجتثاث النفاق في نفس هذه الحكومة الدينية، كما نقرأ في دعاء الندبة: «أَیْنَ هَادِمُ أَبْنِیَةِ الشِّرْكِ وَالنِّفَاق؟»[4]، ونقرأ أيضاً في ليالي شهر رمضان: «اَللّهُمَّ اِنَّا نَرْغَبُ إِلَیك في‏ دَوْلَةٍ کریمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الْأِسْلامَ وَأَهْلَهُ وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَأَهْلَهُ.»[5]
فإن كان نهج وسيرة أولياء الله في التعامل مع النفاق، هو عدم إفشاء سرّ المنافق وفضحه، ففي هذا الحالة كيف سيتم «اجتثاث» أساس النفاق؟ كيف يُذَلّ النفاق؟ كيف يمكن تحقيق هذه المسألة إلى جانب الحفاظ على كرامة الإنسان؟

صفات المؤمنين، سبب لعدم افتضاح المنافقين

بالإضافة إلى أنّ المؤمنين الحقيقيين في المجتمع الديني، يتحلّون بصفات يؤدي بعضها إلى خفاء وعدم اكتشاف ضروب من النفاق. وعلى سبيل المثال، إذا كان المؤمن لا يبحث عن مقام وجاه وشهرة وسمعة إلّا إذا اضطّر لتقبل المسؤولية أداءً للتكليف، سيقوى احتمال وقوع المناصب بيد الشخص الحريص. وإن كان المؤمن يغضّ الطرف عن أخطاء الآخرين أو حتى يتبنّى أخطاءهم، سيتوفّر احتمال تأخّر افتضاح أهل النفاق المحيطين به. وإذا كان المؤمن مخلصاً يعمل لوجه الله ولا يريد أن تُكتب باسمه إنجازاته الحسنة، فلربّما تُسجّل خدماته باسم غيره. وإن كان المؤمن حَيِيّاً ولا يتصيّد أخطاء الآخرين، فمن الواضح في ظلّ مكارم أخلاقه أن تُتاح الفرصة لظهور مكائد المنافقين.

يتبع إن شاء الله...

[1]. تعرض القرآن الکریم في سورة المنافقون والآية 49 - 74 من سورة التوبة، لبیان علامات المنافقين.

[2]. ﴿یَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَیْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فی‏ قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ.﴾سورة التوبة، الآیة 64.

[3]. المیزان، ج9، ص325 - 349، في ذیل الآية 64 - 74 من التوبة. تعرض العلامة الطباطبائي في ذیل هذه الآيات إلى بحث تفسيري وروائي مبسوط. وفيما يلي نشير إلى ما استخلصه العلامة من هذه الآيات قائلاً: «فيتلخص من الآيات أن جماعة ممن خرج مع النبي (ص) تواطؤوا على أن يمكروا بالنبي (ص)، وأسروا عند ذلك فيما بينهم بكلمات كفروا بها بعد إسلامهم ثم هموا أن يفعلوا ما اتفقوا عليه بفتك أو نحوه فأبطل الله كيدهم وفضحهم وكشف عنه...»

[4]. مفاتیح الجنان، دعاء الندبة. وأيضاً إقبال الأعمال للسید بن طاووس، ص297.

[5]. مقطع من دعاء الافتتاح الوارد عن الإمام الكاظم (ع) الذي يُقرؤ في ليالي شهر رمضان المبارك، تهذیب الأحکام، ج3، ص110. وكذلك جزء من خطبة الجمعة الواردة عن الإمام الباقر (ع)، الکافي، ج3، ص424.


نسائم الزهراء 18-11-2013 03:14 PM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اللهم صل على محمد وال محمد
مشكوره عزيزتي
يعطيك ربي ألف عافيه
بإنتظار جديدك بكل شوق
تحيااتي

نهجنا الإسلام 20-11-2013 02:26 PM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحزينة1 http://www.noorfatema.com/vb/al7oer_...s/viewpost.gif
اللهم صل على محمد وال محمد
مشكوره عزيزتي
يعطيك ربي ألف عافيه
بإنتظار جديدك بكل شوق
تحيااتي


شكرا جزيلا أختي الكريمة على حسن متابعتكم للموضوع

نهجنا الإسلام 23-11-2013 08:22 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 27
 
في مثل هذه الظروف، كيف ستدوم حكومة الإمام المهدي (عج)؟ وإن كانت الفرصة مؤاتية لصولة المنافقين، ومن الممكن أن يجتمع عدد من المنافقين الانتهازيين لهدم كل الجهود. فهل يمكن تحقق المجتمع المهدوي رغم هذه المشاكل؟ وكيف يمكن أن لا ينمو النفاق في عهد الإمام بل يُذلّ أيضاً مع حفظ كرامة الإنسان؟
الجواب هو أن «الالتزام برعاية الكرامة الإنسانية» كان وسيكون واحداً من خصائص الأئمة المعصومين (ع). غير أن افتضاح النفاق وذلته سيتحقق إثر أدلة أخرى. فبصيرة الناس من جانب، وكثرة الخواص الصالحين من جانب آخر، بالإضافة إلى شدة الإمام في التعامل مع الخواص الصالحين المحيطين به والذين هم من ولاته، توجب ذلة المنافقين وافتضاحهم.
إذا تم التعامل مع الولاة بشدة، لا يلجأ أحد للنفاق طمعاً للوصول إلى المقام. وإذا كثُر عدد الخواص الصالحين، لا يستطيع الخواص الطالحون أن يضغطوا على وليّ الأمر للوصول إلى مآربهم. وإذا كان الناس من أهل البصائر، سيفتضح أدنى ما يقوم به شخص من تصرّف نفاقيّ، ولا حاجة عندئذ لاكتشاف النفاق إلى إفشاء أسمائهم من قبل الإمام. وعند ذلك لا يسوغ الترحّم على المنافقين؛ لأنهم من جانب كانت لديهم الفرصة الكافية لاختيار الطريق الصحيح، ومن جانب آخر، يحق للناس الذين تحلّوا بالبصيرة وعرفوا المنافقين أن يعيشوا بسلام واستقرار عبر القضاء عليهم. فقد حُفظت كرامة المنافقين لأن الفرصة كانت متوفرة لديهم وهم الذين فضحوا أنفسهم، ولوحظت كرامة عامة الناس أيضاً لأنهم هم الذين اتّصفوا بالبصيرة وفضحوا المنافقين.

في زمن الظهور، تتهيأ الأرضية لمواجهة المنافقين

فلو شاهدنا أن الإمام يعمل في الظاهر على خلاف سيرة آبائه الطاهرين، فليس دليله بأن تلك الأسس قد ارتفعت، بل لأن الأرضية قد تهيأت لتطبيق أسس أخرى؛[1] ومن أهم تلك الأسس، هي تطبيق حكم الله بشأن المنافقين حيث قال: ﴿یا أَیُّهَا النَّبِیُّ جاهِدِ الْکُفَّارَ وَالْمُنافِقینَ وَاغْلُظْ عَلَیْهِمْ!﴾[2] ، ولو أن الجهاد مع المنافقين والغلظة عليهم قلّما نشهدها في صدر الإسلام، فإن ذلك ناجم من قلبة البصيرة عند الناس وقلة الخواص العارفين.[3] وهذان العاملان يمثلان جزءاً من أسرار وأسباب مظلومية أولياء الله.
الإشکال الثاني: أساساً لا يتحقق الوضع المنشود بالكامل في ظل حكومة الموعود إلّا إذا انتهج الناس كلهم النهج الإلهي. بيد أنّ التجربة التاريخية لحياة البشر تكشف بأن أكثر الناس لا يخضعون للأوامر الإلهية. فيكيف أنهم سيتبعون الحق بعد ظهور الإمام بصورة شاملة وثابتة، ويعبّدون الطريق لاستقرار الحكومة الموعودة واستدامتها؟ هل ستتغير ذائقة الناس تغييراً غريزياً خاصاً، أم أنّ الخوف من حاكمية الدين تسلب منهم التجرؤ على المعصية؟ وبعبارة أخرى، هل ستسلب قدرة التفكير ضد الحق، أم سترتفع أرضية الحديث عن الآراء الباطلة من الأساس؟
يكمن الجواب عن هذه الأسئلة في سرّ حاكمية الحق. ولعل أهم سرّ لحاكمية الولاية الإلهية المطلقة هو أن المكر والجور سينقضي أمدهما في ظلّ هذه الحكومة سيما إذا وصلت إلى ذروة اقتدارها، وانقضاء فترة الطغيان وتحرّر الناس من أسر الطواغيب يوجب تعبيد الطريق لهدايتهم. وفي مثل هذه الأوضاع، سيتقبّل أكثر الناس الحق عقلاً وقلباً وبصورة طبيعية جداً وسيتخذون تلقائياً موقفاً صحيحاً تجاه الدين؛ ذلك الموقف الذي تقتضيه الفطرة ويؤكّد عليه الأنبياء.

حاکمیة الطاغوت، سبب أکثر الانحرافات

على أساس هذا التحليل، فإنّ سبب أكثر الانحرافات والمزلات في الوقت الحاضر، هو عدم حاكمية الحق وبتعبير أدق، حاكمية الطاغوات. وقد صرّح القرآن بذلك معتبراً بأن الطاغوت أشدّ وقعاً على الناس من الكفر حيث قال: ﴿وَالَّذینَ کَفَرُوا أَوْلِیاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَی الظُّلُماتِ.﴾[4]
وإذا ما نظرنا اليوم إلى ساحة الفكر والعلم، لوجدنا بوضوح أنّ العلم لم يسلك طريقه الطبيعي، وأنّ هذه الأفكار الباطلة لم تتبلور إثر التفكير البشري. ولو أمعنّا النظر، لوجدنا أنّ الأفكار اللاإنسانية واللادينية هي إما وليدة هيمنة الطواغيت الفاسدين والمفسدين أو نتيجة غير مباشرة للفساد والظلم الذي أحلّوه بالمجتمعات البشرية. وغالباً ما نجد العلم والفكر على مرّ التاريخ رازحاً تحت سيطرة الجائرين وعبّاد الأموال، وكلّما اقتضت الظروف، استخدموا العلم وسيلة لتحقيق مطامعهم والوصول إلى مآربهم.

الحرية الكاملة تحت ظل حاكمية الولاية

وعندما يصل الناس إلى الحرية الكاملة على أثر حاكمية الولاية، وتوضع عن أفكارهم الأغلال والسلاسل،[5] يتفكرون ويتحدثون بشكل صحيح. وفي هذه الصورة تقترب المسافة من شمس الحقيقة ويغطّي النور الخافقين. ولا تبقى إلّا الخفافيش الميّالة إلى الظلمة التي انتهجت سوء التفكير لمرض في قلبها. فهم حينما لا يجدون موقعاً لهم في أوساط أهل البصائر، سيختمون على أفواههم الثرثارة ولا يبقى مجال لمهاتراتهم التي لا طائل من ورائها في المجتمع.
ولابد أن يعنى بهذه المسألة كل من ينزع إلى الأدب والثقافة طلباً للراحة؛ وهي أنه لا يمكن هداية الخلق من دون السعي لإقامة حكومة الحق؛ ولا يمكن بسط المعرفة والمعنوية من دون إمساك زمام الحكم. فإن دائرة تأثير أي جهد لهداية الناس في عهد حكومة الطاغوت محدودة للغاية.

يتبع إن شاء الله...

[1].عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: «قُلْتُ لَهُ: صَالِحٌ مِنَ الصَّالِحِينَ سَمِّهِ لِي - أُرِيدُ الْقَائِمَ (ع) - فَقَالَ: اسْمُهُ اسْمِي. قُلْتُ: أَيَسِيرُ بِسِيرَةِ مُحَمَّدٍ (ص)؟ قَالَ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا زُرَارَةُ. مَا يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لِمَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) سَارَ فِي أُمَّتِهِ بِاللِّينِ [بِالمِنًّةِ]، كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ، وَالْقَائِمُ (ع) يَسِيرُ بِالْقَتْلِ، بِذَلِكَ أُمِرَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي مَعَهُ، أَنْ يَسِيرَ بِالْقَتْلِ وَلَا يَسْتَتِيبَ أَحَداً، وَيْلٌ لِمَنْ نَاوَاهُ.» الغیبة النعماني، ص231.
وعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَقُولُ: «لَسِيرَةُ عَلِيٍّ (ع) فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَانَتْ خَيْراً لِشِيعَتِهِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّ لِلْقَوْمِ دَوْلَةً فَلَوْ سَبَاهُمْ لَسُبِيَتْ شِيعَتُهُ. قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْقَائِمِ (ع) يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ؟ قَالَ: لَا، إِنَّ عَلِيّاً (ع) سَارَ فِيهِمْ بِالْمَنِّ لِلْعِلْمِ مِنْ دَوْلَتِهِمْ، وَإِنَّ الْقَائِمَ عَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَهُ يَسِيرُ فِيهِمْ بِخِلَافِ تِلْكَ السِّيرَةِ، لِأَنَّهُ لَا دَوْلَةَ لَهُمْ.» الکافي، ج5، ص33.
وعَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُون‏ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) جَالِساً فَسَأَلَهُ مُعَلَّى بْنُ خُنَيْسٍ: أَ يَسِيرُ الْقَائِمُ (ع) بِخِلَافِ سِيرَةِ عَلِيٍّ (ع)؟ قَالَ: «نَعَمْ وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيّاً سَارَ بِالْمَنِّ وَالْكَفِّ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ شِيعَتَهُ سَيُظْهَرُ عَلَيْهِمْ [مِنْ بَعْدِهِ] وَإِنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ، سَارَ فِيهِمْ بِالسَّيْفِ وَالسَّبْيِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ شِيعَتَهُ لَمْ يُظْهَرْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً.» تهذیب الأحکام، ج6، ص154؛ الغیبة للنعماني، ص232.
علماً بأن بعض الروايات تشير إلى أن الإمام يعمل على سيرة رسول الله (ص) أو أمير المؤمنين (ع) في موضوع معين. (كالأحاديث الواردة في الهامش ص ؟؟؟) وبأدنى تأمّل يتضح أن لا تعارض بين هاتين الطائفتين من الروايات ويمكن الجمع بينهما. فإن الإمام (ع) يسير في بعض المسائل على سيرة النبي (ص) ويخالفه في البعض الآخر لتوافر أرضية تطبيق بعض الأحكام والأسس التي لم تكن متوافرة آنذاك. والروايات الواردة في الهامش ص ؟؟؟، قد تؤيّد هذا الرأي.
[2].سورة التوبة، الآیة 73.
[3].فعلى سبيل المثال، قال رسول الله (ص) في سبب عدم مجازاة المتآمرين على قتله: «أَکْرَهُ أَنْ یَتَحَدَّثَ النَّاسُ وَیَقُولُوا إِنَّ مُحَمَّداً قَدْ وَضَعَ یَدَهُ فِي أَصْحَابِهِ.» وذلك لفقدان البصيرة عند الناس. إعلام الوری، ص123. وأمير المؤمنين أيضاً لم يتعامل بشدة مع المنافقين حفظاً لشيعته، وأما في زمن ظهور الإمام الحجة (عج)، فسيتم التعامل مع المنافقين كالفكار، فعن الإمام الباقر (ع): «ثُمَّ یَدْخُلُ الْکُوفَةَ فَیَقْتُلُ بِهَا کُلَّ مُنَافِقٍ مُرْتَاب.» الإرشاد للمفید،ج2،ص384. وعن الإمام الصادق (ع): «لَا یَقْتُلُ أَحَداً مِنْهُمْ إِلَّا کَافِرٌ أَوْ مُنَافِقٌ.» بحار الأنوار، ج52، ص386.
[4].سورة البقره، الآیة 257.
في خصوص معنى الآية، أشكل البعض بأن الكافر كيف يكون له نور أو أنه في نور حتى يُخرجه الطاغوت من النور إلى الظلمة. يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان، في ذيل هذه الآية: «... لكن يمكن أن يقال: إن الإنسان بحسب خلقته على نور الفطرة، هو نور إجمالي يقبل التفصيل، وأما بالنسبة إلى المعارف الحقة والأعمال الصالحة تفصيلاً فهو في ظلمة بعد لعدم تبين أمره، والنور والظلمة بهذا المعنى لا يتنافيان ولا يمتنع اجتماعهما، والمؤمن بإيمانه يخرج من هذه الظلمة إلى نور المعارف والطاعات تفصيلاً، والكافر بكفره يخرج من نور الفطرة إلى ظلمات الكفر والمعاصي التفصيلية.» الميزان، ج‏2، ص364.
ويقول آية الله الشيخ مكارم الشيرازي: «يمكن أن يقال أنّ الكفّار ليس لهم نور فيخرجوا منه، ولكن مع الالتفات إلى أنّ نور الإيمان موجود في فطرتهم دائما فينطبق عليه هذا التعبير انطباقاً كاملاً.» الأمثل، ج2، ص266.
ويقول آية الله الشيخ جوادي الآملي في تفسير هذه الآية: «ثمرة التمسّك بالعروة الوثقى، هي الإيمان الأمثل والنور، ونتيجة تقبل ولاية الطاغوت، هي ازدياد الكفر والظلمة. فإنّ الله يتولّى المؤمنين ويدفع أو يرفع عنهم الظلمة؛ أما الطاغوت الذي هو عدوّ للمؤمن والكافر، فهو يُلقي درس الطغيان ويرفع بذلك نور الفطرة ويدسّ الكافر في الظلمة.» تفسیر تسنیم، ج12، ص194.
[5].﴿يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتي‏ كانَتْ عَلَيْهِمْ.﴾ سورة الأعراف، الآیة 157.



نهجنا الإسلام 02-12-2013 09:12 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 28
 
هناك آية قرآنية مشهورة توصي بتزكية النفس وتدعوا المؤمنين بأن يتعرضوا لأنفسهم: ﴿یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا عَلَیْکُمْ أَنْفُسَکُمْ لا یَضُرُّکُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَیْتُمْ.﴾[1] ولعل البعض بعد نزول هذه الآية، أخذ يتساءل في نفسه: هل نترك المجتمع إذن ونهتم بأنفسنا؟ فسألوا النبي عن المراد من هذه الآية، فقال: «وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَاصْبِرْ عَلَی مَا أَصَابَكَ، حَتَّی إِذَا رَأَیْتَ شُحّاً مُطَاعاً وَهَوًی مُتَّبَعاً وَإِعْجَابَ کُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْیِهِ فَعَلَیْكَ بِنَفْسِكَ وَدَعْ أَمْرَ الْعَامَّةِ.»[2] (وسيرد البحث لاحقاً حول سبب عدم تقدّم تزكية النفس ومواطن استثنائه.)[3]

اهتمام الأئمة الثلاث الأوائل بمسألة الولاية قبل التعليم والتربية

ونشاهد في تاريخ الإسلام أيضاً بأنّ الأئمة الثلاث الأوائل صرفوا كل اهتمامهم الشريف بمسألة الولاية وبذلوا بالغ جهدهم لإنقاذ الولاية الاجتماعية من يد الغاصبين وهدايتها إلى مجراها الصحيح قدر المستطاع. وعندما يئس باقي أئمتنا من تحقيق هذا الهدف للظروف الملمة بهم، لجأوا إلى التعليم والتربية وأعدّوا مائدة الدرس والبحث وسجّلوا المعارف النبوية للأجيال القادمة.
ولا يُدرك الاستراتيجية المتبّعة من قبل الأئمة الثلاث الأوائل، إلّا من يحمل نظرة ثاقبة وفكراً استراتيجياً في المسائل المختلفة كسماحة السيد القائد. يقول الإمام الخامئني حول مدى أهمية وأولوية إقامة الحكومة بالنسبة إلى أمر التعليم والتربية:
«إن الوضع الحالي - أي الوضع القائم للدولة الإسلامية - يبقى أفضل ألف مرة ربّما من أحسن الأحوال التي يمكن للإنسان فيها أن يقوم بنشر ومتابعة وتحقيق المبادئ الإلهية في عهد الطاغوت. فإذن ينبغي تقدير كل ذلك.»[4]

أكثر حقل اعتقادي للدين جاذبية

لو تم هذا التصديق بعد ذلك التصور الصحيح حيال الوضع المنشود، سيكون مبعثاً للهياج والاندفاع. فإن الاعتقاد بالموعود والمهدوية رأسمال كبير الجاذبية للمعتقدات الدينية. وهو نفس ذلك الاعتقاد الذي يُعرّف الإسلام دوماً كدين منتَظَرٍ لم تظهر محاسنه كلها بعد، وتوجد في مكنونه أسرار خافية كثيرة. كالجبل الشاهق الذي لم يظهر منه إلا جزء قليل، والجزء الأعظم منه مخفيٌّ تحت البحار ومن المقرر أن يظهر هذا الجبل بأكمله إلى العيان.
وعلى الرغم من وجود روائع جذابة سارية في شريان الدين ولكلّ منها صبغة خاصة، ولكن لا يصل أيٌّ منها إلى جاذبية هذا الاعتقاد المؤثّر. فلو وصلت بعد تصوّر الوضع المنشود إلى تصديقه، سيكون مبعثاً للنزوة والنشوة بنسبة شدة الاعتقاد ودقة المعرفة.

الاعتقاد بالموعود باعث على تغيير النفوس

وأحياناً كلما تحدثت عن رسول الله (ص) وأوصيائه الطاهرين، لا تتلمّس تغييراً في نفوس البعض، ولكن إذا ما تحدثت عن الموعود بصورة اعتقادية مقنعة، ستشهد تغييراً ملحوظاً في القلوب. ودليل هذا التحوّل والاندفاع يكمن في «تجسيد كل الوعود الإلهية» و«تجلي جميع آيات الله».
أولئك الذين يشهدون نبياً من الأنبياء ويرون معاجزه كنماذج صغيرة من قدرته الفائقة، أو يسمعون منه آيات متضمنة للوعود الإلهية، كيف سينتابهم السرور والابتهاج؟ والآن لو رأوا بأعينهم تحقق جميع الوعود الإلهية وشاهدوا معاجز على الصعيد العالمي، كيف سيكون حالهم؟ إن العقيدة الراسخة بالموعود، بإمكانها أن تبعث في قلب المؤمن هذا الابتهاج الذي ليس له نهاية؛ وكأن ذلك الزمن قد تحقق حالياً، بحيث أن مشاهدة تلك الوقائع العظيمة لم تزده يقيناً.
ومن هنا فإن تأثير تبليغ جميع الأنبياء والأوصياء في كفة، وتأثير حكومة الإمام التي هي تجسيد لكل تلك الأحكام والتعاليم في كفة أخرى.

الاعتقاد بالموعود يزيل ضعف الإیمان

ومن جانب آخر، فإنّ الاعتقاد بالموعود يزيل ضعف الإيمان أيضاً. بحيث يكون الإنسان بمقدوره عبر استذكار هذه القيامة الصغرى أن يقوم بتعزيز دوافعه الدينية. وإنّ لهذا المعتقد آثار أخلاقية ومعنوية واسعة النطاق بحيث يمكن القول بأن «خبر مجيئه يستطيع بحد ذاته أن يربّي أنصاراً للإمام.»

الإيمان بالموعود يستنزف طاقة الكفر والنفاق

إضافة إلى أنّ الإيمان بتحقق المجتمع الموعود بكل درجاته يبعث على استنزاف طاقة الكفر والنفاق أيضاً. وكما أنّ الإمام بعد ظهوره يلقي الرعب في قلوب أعدائه ويفتح الطريق لتقدّم جيوشه، فإنّ الإيمان به وحتى تتبّع أخبار مجيئه والتدبرّ في مسألة ظهوره، يقمع الأعداء ويغلّ يد الشيطان كما في شهر رمضان المبارك.

الأمل والقوة

الاعتقاد، يبعث على الأمل، ولو كان الأمل مسبوقاً بعقيدة عرفانية، سيكون قوياً راسخاً. الأمل، كوكب دريّ في منظومة الانتظار ومن أهم سمات الإيمان. وإن لمفهوم الأمل في مشاهدنا اليومية معنيان: أمل مقرون بنوع من القطع؛ وأمل ليس إلّا مجرد احتمال وتقوّيه الرغبة في تحققه.

الأمل، يعطي الطاقة الكافية لاجتياز العقبات

الأمل بانتظار الموعود، من القسم الأول حيث يتضمن نوعاً من الجزم والقطع ولهذا يكون مبدأً للحيوية والنشاط. لأن الاعتقاد بتحقق أمر في المستقبل ينمّي الشعور بالأمل في قلب الإنسان ويجعله يترقّب المستقبل باطمئنان. الأمل، يربط الإنسان بالمستقبل ويهب له الطاقة الكافية للحركة والأهم من ذلك لاجتياز الموانع والعقبات.

الأمل، يبعث على الاطمئنان

إذا أصبح الاعتقاد والأمل بالنصر يموج في قلب الإنسان المجاهد، سيرى نفسه منتصراً في أحنك الظروف والأزمات. ولا يستولي عليه اليأس الذي هو من مكائد إبليس المستمرة إطلاقاً. ويكتسب اطمئناناً يسوقه إلى البصيرة والدقة. فمن كان يتحلى بهذا الاطمئنان الراسخ، تجده في أي جهاد يخطط بشكل أمثل ويحقّق نجاحاً أكبر.
إن البعض لا يؤمن بـ«تحقق الوعود الإلهية، رغم كل الموانع الظاهرية»، وينتظر أولاً أن يصل إلى أعلى مراتب الفهم في ذلك (كأن يعرف مثلاً كيف يرتفع المانع الفلاني الحائل دون تحقق الوعد الإلهي)، ثم يصل إلى العقيدة الراسخة. في حين أن من يتحلى بصفاء السريرة، سيصل إلى الاعتقاد بأدنى فهم، وعندها سيسوقه نفس هذا الاعتقاد إلى الاطمئنان والبصيرة الثاقبة. ومثل هذا سيحمل مزيداً من الاستعداد للوصول إلى أعلى مراتب الفهم.

يتبع إن شاء الله...

[1]. سوره مائدة: 105.
[2]. تفسیر المیزان، ج6، ص177، نقلاً عن مصادر متعددة؛ مصباح الشریعة، ص18. كما ونقلت هذه الرواية الكثير من التفاسیر الشیعية والسنية في ذيل هذه الآية.
[3]. راجع الصفحة ؟؟؟.
[4]. كلمته في مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية‏؛ 02/12/2000.



نهجنا الإسلام 03-12-2013 09:08 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 29
 
الزمان والانتظار

إنّ من نتائج العقيدة الراسخة بتحقق الوضع المنشود، هيرؤية الفرج والظهور قريباً. فإن كانت أهمية الأمر المترقب قريبة جداً، عندذلك لا يرى المرأ تأخير زمن وقوعه؛ ولا يشعر بالمسافة الزمنية. وعلى سبيلالمثال من يعتبر الموت والحساب في صحراء المحشر أمراً هاماً وغاص في عظمتهسيعتبره قريباً ويشعر بمسايرته. وقد أشير في الروايات كثيراً إلى هذاالمعنى.[1]

رؤية الظهور قريباً، من صفات المنتظرين

إنّ الشعور بقرب الظهور، من صفات المنتظرين. وقد ورد هذا المعنى في الأحاديث بتعابير مختلفة. قال الإمام الصادق (ع) في دعاء العهد: «اللَّهُمَّاکْشِفْ هَذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحُضُورِهِ وَعَجِّلْلَنَا ظُهُورَهُ إِنَّهُمْ يرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً.»[2] كما وأصانا أهل البيت (ع) برؤية الظهور قريباً معتبرين ذلك عاملاًلنجاتنا.[3] وأنّ من لا يرى الفرج قريباً سيقسو قلبه.[4] فلابد أن يترسّخالميل والإيمان بظهور المنقذ في قلوبنا بحيث نتلمّس قربه بكل كياننا. فتصوّرا كم سيترك ذلك من آثار روحية ومعنوية في قلوبنا.

آثار رؤية الظهور قريباً

ولو كنت معتقداً بالفرج ولكن لم يكن هذا الاعتقاد بحيثيقرّبه إليك، فقد قضيت تقريباً على أكثر آثار الاعتقاد والأمل بالظهور. ولوافترضنا أنك اطمأننت عن طريق خاص بقرب الظهور، فما هي الحالة القلبية التيستستولي عليك؟ ألا يكون سلوكك أفضل ومراقبتك أشد؟ لماذا يحرم الإنسان نفسهمن هذه الآثار الكثيرة البركة. فإن كنّا نستطيع اكتساب عامل صحيح وسالملتحسين حالتنا المعنوية وهو الشعور بقرب الظهور، فلماذا نفقد هذا العاملالقيّم؟
وإن كان الاعتقاد بقرب الظهور في هذا العصر ليس بالأمرالعسير، فإنّ معرفة الأحداث التي تجري حولنا والظروف الخاصة التي نعيشهاتعيننا على هذا الاعتقاد والإيمان. وإنّ الشعور بقرب الظهور في مثل الظروفلا يتطلّب اعتقاداً راسخاً ولا يُحسب فضيلة كبيرة.
علماً بأنّ البعض في هذا الزمان أيضاً يحاولون عبر طرحالاحتمالات الغريبة أن ينفون قرب الظهور، أو يُصوّرون أوضاع العالم طبيعيةعلى أقل تقدير. ولكن لابد من العلم بأنّ المنتظر أساساً يعتبر الفرج قريباًمع غض النظر عن تحقق علائم الظهور أو عدمه. فإنّه قد زرع قرب الظهور فيقلبه على الدوام لإيمانه الراسخ حتى لو لم يرَ أيّ علامة وإن كان إذا شاهدأية علامة محتملة اعتبرها بشارة لقرب الظهور وقوّى بها أمله.

الشعور بقرب الظهور منوط بالعقيدة أكثر من العلائم

ولكن لا ينبغي الاستعجال وبناء الشعور بقرب الظهور علىأدلة لا أساس لها بأفكار واهية. فإنّ الشعور بالقرب هذا لدى المؤمن المنتظرمنوط بالاعتقاد والأمل أكثر من أن يكون منوطاً بعلائم الظهور في آخرالزمان.[5] فكما أنّ التسرّع والاستعجال مذموم في كل أمر، قد يُؤدي فيمسألة الظهور أيضاً إلى تضعيف إيمان العوام وإعراض الخواص عن المعارفالمهدوية. فإن الأئمة المعصومين (ع) قد أوصوا شيعتهم برؤية الظهور قريباًوفي الوقت نفسه منعوهم من التسرّع والاستعجال في ذلك. قال الإمام الصادق (ع): «هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ.» فسألة الراوي: «وَمَا الْمَحَاضِيرُ؟» قالالإمام: «الْمُسْتَعْجِلُونَ. وَنَجَا الْمُقَرِّبُونَ.»[6]

4
.الشوق إلى الوضع المنشود

العنصر الرابع للانتظار هو الميل إلى الوضع المنشود. وهو غير العقيدة التي تُكتسب عبر الاستدلال وصفاء السريرة. فإنه وإن كان منآثار تلك العقيدة، لكنه حقيقة أخرى تضفي على عقيدة الإنسان نوعاً من اللذةوالنشوة. فإن اقترنت العقيدة بالميل والرغبة، ستبعث على الحياة كالدم الذييجري من القلب في جميع العروق؛ ويشعر الإنسان بحرارته بكل وجوده.
والآن سواء اعتبرنا العقيدة مقدمة للعشق والشوق بحيثتصبح العقيدة فرعاً والمحبة أصلاً؛ أو اعتبرنا العقيدة أصلاً والمحبة فرعهاوثمرتها بحيث لا تقوى العقيدة إلّا بجني هذه الثمرة. أساساً فإنّ واحدة منطرق إثبات عقيدةٍ في قلب الإنسان هي نفس هذه المحبة. أي بالنظر إلى أنالإنسان قد يخادع نفسه ورغم عدم اعتقاده يرى نفسه معتقداً، لو أراد أن يرىنسبة اعتقاده، عليه أن ينظر إلى المحبة النابعة من هذا الاعتقاد.

الشوق والمحبة من ثمرات الإيمان

والشوق أيضاً ثمرة المحبة، وكلاهما من ثمرات الإيمان، ولهما في منظومة الحقائق المعنوية مكانة قيمة بحيث يقول الإمام الرضا (ع): (مَنْ ذَکَرَ اللَّهَ وَلَمْ يشْتَقْ إِلَي لِقَائِهِ فَقَدِ اسْتَهَزَأَ بِنَفْسِهِ).»[7] ومعنى ذلك أنّ ذكر الله يؤدي بطبيعة الحال إلى الشوق، وإلّا فيتضح أن الإنسان قد أخطأ طريقه أو خادع نفسه.
إن أهم ما يمتلكه المؤمنون على وجه العموم والمنتظرونعلى وجه الخصوص من سلاح للتغلّب على الدنيا وزخارفها هو العشق والرغبة فيمعتقداتهم، تلك التي أعيت أهل العالم واستحقرتهم. فإن مثل هذا الشوق الفائقوالجاذبية البالغة في نفوس المنتظرين للقاء بالإمام الغائب، لا يمكنتصورها وتحققها في أي موقع من حياة البشر. وهنا يمكننا مشاهدة فتح العاشقينوتلمّس غلبة المنتظرين على أهل العالم بأجمعهم حتى قبل الفرج.

يتبع إن شاء الله...

[1]
. عن أمير المؤمنين (ع): «الْأَمْرُ قَرِيبٌ وَالِاصْطِحَابُ قَلِيلً.» نهج البلاغة، الحکمة168.
وعن الإمام الصادق (ع) فيما ناجى به الله عيسى (ع): «يَا عِيسَى شَمِّرْ فَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ.» الکافي، ج8، ص135.
وعن رسول الله (ص): «كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ.» من لا يحضره الفقيه، ج4، ص403.
وعن أمير المؤمنين (ع) في خطبته المعروفة بالوسيلة: «لَا غَائِبَ أَقْرَبُ مِنَ الْمَوْتِ.» الکافي، ج8، ص18. وقال في موضعآخر: «وَالْقَرِيبُ كُلُّ مَا هُوَ آتٍ وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْمَوْتُجامع الأخبار، ص138. وقال في كتاب له: «فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِالْمَوْتَ وَقُرْبَهُ وَأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ فَإِنَّهُ يَأْتِيبِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَخَطْبٍ جَلِيلٍ بِخَيْرٍ لَا يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّأَبَداً أَوْ شَرٍّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَداً.» نهج البلاغة،الكتاب27. وقال في خطبة له: «رَحِمَ اللَّهُ أمْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَوَاعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْقَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْآخِرَةِ عَمَّاقَلِيلٍ لَمْ يَزَلْ وَكُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ وَكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍوَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ دَانٍ.» نهج البلاغة، الخطبة103.
[2]
. مفاتيح الجنان، دعاء العهد. وأيضاً: المصباح للکفعمي، ص550
[3]
.كان أمير المؤمنين (ع) دوماً ما يكرر هذه المقولة: «هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ وَنَجَا الْمُقَرَّبُونَالکافي، ج8، ص294. وروي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «... حَتَّىيَقُومَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِذَا قَامَ قَائِمُنَا بَعَثَهُمُاللَّهُ فَأَقْبَلُوا مَعَهُ يُلَبُّونَ زُمَراً زُمَراً...هَلَكَتِالْمَحَاضِيرُ وَنَجَا الْمُقَرَّبُونَالکافي، ج3، ص132.
وعَنْ أَبِي الْمُرْهِفِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ (ع): «هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ. قُلْتُ: وَمَا الْمَحَاضِيرُ؟قَالَ: الْمُسْتَعْجِلُونَ وَنَجَا الْمُقَرِّبُونَالغيبة للنعماني، ص196.
توضيح: بالاستناد إلى ما ذكره الإمام الصادق (ع)، لابدمن التمييز بين المستعجلين والمقرّبين للفرج. فهناك فرق بين من يتعامل معمسألة الظهور بعجالة ولا يصبر على التأخير المحتمل وينحرف عن الطريق، وبينمن يرى الظهور قريباً ويصبر في الوقت ذاته ويعرف وظائفه في التمهيد للظهورعلى أساس المعارف الدينية ويتابع ذلك عبر التمسك بالتكاليف الشرعيةوالإلهية ومراقبة أعماله، ويعدّ نفسه للظهور. حيث يذكر الإمام أنّ الطائفةالأولى هالكة والطائفة الثانية ناجية.
[4]
. الکافي، ج1، ص369؛ والغيبة للنعماني، ص295. لمشاهدة الحديث راجع الهامش ص ؟؟؟.
[5]
. راجع الروايات الواردة في الهامش السابق (ص؟؟؟)
[6]
. الغيبة للنعماني، ص196. وقد أوردنا روايات أخرى في هذا المجال في هامش الصفحة السابقة (ص؟؟؟)
[7]
. مجموعة ورام، ج2، ص110. وأيضاًکنز الفوائد، ج1، ص330، مع اختلاف بسيط حيث جاء في المصدر الثاني: «وَلَمْيسْتَبِقْ» بدلاً من «وَلَمْ يشْتَقْ»


نهجنا الإسلام 20-01-2014 03:00 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 30
 
عندما تقول للشابّ: أطبق عينيك على زخارف الدنيا السطحية ولذائذها الدنية، وكفّ يدك عن اللغو واللهو فيها، لابد أن تهديه إلى ما يستبدل هذا بذاك. هل من الممكن أن يقضي الإنسان حياته من دون أية سلوة ولذة؟ فالمؤمنون غالباً ما يستبدلون اللذائذ المادية باللذائذ المعنوية وعند ذلك يمكنهم الكف عن اللذائذ المحرمة والإعراض عن الدنيا. بل ويصل بهم الحدّ إلى الفرار والنفرة من الدنيا ولا ينظرون إليها إلا كمكان لأداء التكاليف. إذن من أين تحصل هذه اللذة؟ الشوق والمحبة التي تسانده هو المحفّز الوحيد لأن يعرض الإنسان عن ملذّات الدنيا ويُفكّر في العقبى.

الشوق في دعاء الندبة

ودعاء الندبة زاخر بزفرات الحب التي لا يوجد نظيرها في أيّ نص من نصوص الحب والعشق. فإن الشوق الساري في دعاء الندبة قد بلغ الذروة وهو عالميّ وواسع النطاق. ففي دعاء الندبة نشهد صراخ المنتظر النابع عن شوق وتوق وهو يتمنى نجاة أهل العالم. وعلى الرغم من أن العشق مقولة فردية وشخصية، غير أن الاشتياق إلى فرج المنقذ وظهوره، يجعلك عالمياً؛ وهنا يحلّ العالم بأسره في زاوية من قلبك العاشق وهو منتظر.

دائرة عشق وشوق المنتظر

سبق وأن تحدثنا عن حبّ الإمام وعشقه، ولكن حقيق بنا أن نسلّط الضوء على هذا البُعد من الشوق إلى الظهور لنُدرك أهميته. هل من الممكن أن يشتاق أحد إلى إقامة «حكومة» ليس له فيها منصب؟ هل من الممكن أن نعشق حالة اجتماعية ونذرف الدموع من أجلها؟ الانتظار، يُخرج عشق الإمام والشوق إلى لقائه من حالة ثنائية إلى حالة عالمية، ويؤدي إلى شرح المنتظر صدره بحيث يستطيع أن يبكي على العالم.

مباني الشوق إلى الفرج

كما أنّ للعقيدة أو الفكر، مبانٍ نظرية خاصة إذا فُقدت لا تتبلور تلك العقيدة أو الفكرة من الأساس، أو إذا تبلورت لا تكون راسخة، فإن للعلاقة في الأغلب أيضاً مبانٍ نظرية أو عاطفية خاصة تنبثق من خلالها. وما سوى الفكر الذي يقف ظهيراً للعلاقة الوطيدة، فإنّ أيّ واحدة من علائقنا تستند في الأغلب إلى علاقة أو عدة علائق بدائية. ويتم تقييمها ونسبة ثباتها من خلال المباني النظرية والعاطفية لها.
وفيما يخص الشوق إلى ظهور الإمام وتحقق فرجه، لابد من التوجه لمبانيه العاطفية إلى جانب المباني النظرية أيضاً، وذلك تسهيلاً للوصول إلى هذا الشوق وتحديداً لقيمته وأهميته.

ثواب أعمال المؤمنین في زمن الغیبة أكثر من زمن الظهور

يروى عن أحد أصحاب الإمام الصادق (ع) أنه سأل الإمام: «الْعِبَادَةُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْکُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي السِّرِّ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ أَفْضَلُ أَمِ الْعِبَادَةُ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ وَدَوْلَتِهِ مَعَ الْإِمَامِ الظَّاهِرِ مِنْکُمْ؟» فقال (ع): «الصَّدَقَةُ فِي السِّرِّ وَاللَّهِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْعَلَانِیَةِ وَکَذَلِكَ عِبَادَتُکُمْ فِي السِّرِّ مَعَ إِمَامِکُمُ الْمُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ أَفْضَلُ لِخَوْفِکُمْ مِنْ عَدُوِّکُمْ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ وَحَالِ الْهُدْنَةِ مِمَّنْ یَعْبُدُ اللَّهَ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ مَعَ الْإِمَامِ الظَّاهِرِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ وَلَیْسَ الْعِبَادَةُ مَعَ الْخَوْفِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ مِثْلَ الْعِبَادَةِ مَعَ الْأَمْنِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ... اعْلَمُوا أَنَّ مَنْ صَلَّی مِنْکُمْ صَلَاةً... کَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا خَمْساً وَعِشْرِینَ صَلَاةً... ومَن....»[1] فقد كان الإمام الصادق (ع) وأنصاره في غربة، ولكن الإمام المهدي (عج) قائد العالم، وأنصاره رغم جهدهم الجهيد ليسوا غرباء. ومن الواضح أن العبادة والعمل مع الغربة أكبر أجراً من العبادة والعمل دونها.

إذن لماذا ننتظر الظهور؟

فاستنتج الراوي من كلام الإمام نتيجة خاصة وسأل سؤالاً مهماً آخر: «جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَا نَتَمَنَّی إِذًا أَنْ نَکُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ (ع) فِي ظُهُورِ الْحَقِّ وَنَحْنُ الْیَوْمَ فِي إِمَامَتِكَ وَطَاعَتِكَ أَفْضَلُ أَعْمَالاً مِنْ أَعْمَالِ أَصْحَابِ دَوْلَةِ الْحَقِّ؟»[2]
قبل أن نستمع إلى جواب الإمام الصادق (ع)، لنوضّح أهمية هذا السؤال لأنفسنا من أجل أن نثمّن جواب الإمام بشكل أمثل.
إن الصلاة التي يؤديها الشيعة في عهد الإمام الصادق (ع) أعظم أجراً من الصلاة التي يؤديها الشيعة في زمن الظهور على حسب ما جاء في الرواية. والآن نسأل سؤالاً بسيطاً: «الصلاة التي يؤديها الشيعة اليوم في زمن الغيبة أكبر أجراً أم صلاة أصحاب الإمام الصادق (ع)؟» الجواب هو شيعة عصر الغيبة دون ريب، لأنهم لم يشهدوا حتى الإمام الصادق (ع). وعلى هذا الأساس، لو كان ثواب أصحاب الإمام الصادق (ع) بالنسبة إلى عصر الظهور أعظم بدرجة، فإن ثواب أعمالنا بالنسبة لعصر الظهور أعظم بدرجتين. وبعبارة أخرى، ظهور الإمام يؤدي إلى أن يقّل ثواب أعمالنا درجتين. فعلى هذا لماذا يجب علينا أن ندعو بتعجيل فرج الإمام؟
نحن في هذا الزمن نعيش ظروفاً سيئة، وطبق القاعدة لابد أن يكون ثواب أعمالنا مضاعف، وعقاب بعض ذنوبنا أقل، وقبول توبة المستغفر من ذنبه أسرع. لماذا؟ لأن أداء الصلاة وإعطاء الزكاة في عصر الإمام (عج) ليس بالأمر العسير؛ فإن الحق آنذاك ظاهر. ومن هنا فإن الشهادة في عصر الغيبة أعظم درجة منها في عصر الظهور. لأن الشهادة في سبيل إمام حاضر أسهل بكثير. ومن جانب آخر، فإن عقاب المذنب أكبر، وذلك لأن المعرفة في عصر الظهور قد ازدادات ومجالات الذنب قد تحددت.

يتبع إن شاء الله...

[1].کمال الدین وتمام النعمة، ج2، ص645. وكذلك الكافي، ج1، ص333، مع اختلاف قليل في العبارات.
[2].نفس المصدر.

تفاحة الجنان 26-01-2014 04:29 AM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اللهم صل على محمد وآل محمد
مشكوره
تسلم ايدك
وربي يعطيك العافيه

نهجنا الإسلام 06-05-2014 08:46 AM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تفاحة الجنان http://www.noorfatema.com/vb/seoo3/buttons/viewpost.gif
اللهم صل على محمد وآل محمد
مشكوره
تسلم ايدك
وربي يعطيك العافيه

شكرا جزيلا أختي الكريمة على حسن متابعتكم للموضوع


نهجنا الإسلام 06-05-2014 08:47 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 31
 
إذن والحالة هذه لماذا يجب أن نرغب في تعجيل مجيء الإمام (عج)؟ وبأي رغبة ندعو بقرب الظهور؟ بل قد يجدر بنا أن ندعو بتأخير الفرج قليلاً لاكتساب مزيد من الثواب!

الشوق إلى الفرج، ليس بهذه البساطة

يتضح من ذلك أن الرغبة في تحقق المجتمع المهدوي المنشود ليس بهذه البساطة. وأحياناً عندما نفكّر بأننا نرغب كثيراً في تحقق المجتمع المهدوي، إذا ما قمنا قليلاً بالغور في علائقنا واستخرجنا جذورها، فلربّما ستضمحلّ هذه العلائق واحدة تلو الأخرى.
والآن إذا عدنا إلى تتمة الرواية، سنثمّن جواب الإمام الصادق (ع) لذلك الصحابي الذي سأله: «فَمَا نَتَمَنَّی إِذًا أَنْ نَکُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ (ع) فِي ظُهُورِ الْحَقِّ وَنَحْنُ الْیَوْمَ فِي إِمَامَتِكَ وَطَاعَتِكَ أَفْضَلُ أَعْمَالاً مِنْ أَعْمَالِ أَصْحَابِ دَوْلَةِ الْحَقِّ؟»
أجاب الإمام الصادق (ع): «سُبْحَانَ اللَّهِ أَمَا تُحِبُّونَ أَنْ یُظْهِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ فِي الْبِلَادِ وَیُحْسِنَ حَالَ عَامَّةِ النَّاسِ وَیَجْمَعَ اللَّهُ الْکَلِمَةَ وَیُؤَلِّفَ بَیْنَ الْقُلُوبِ الْمُخْتَلِفَةِ وَلَا یُعْصَی اللَّهُ فِي أَرْضِهِ وَیُقَامَ حُدُودُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَیُرَدَّ الْحَقُّ إِلَی أَهْلِهِ فَیُظْهِرُوهُ حَتَّی لَا یَسْتَخْفِيَ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ، أَمَا وَاللَّهِ یَا عَمَّارُ لَا یَمُوتُ مِنْکُمْ مَیِّتٌ عَلَی الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَیْهَا إِلَّا کَانَ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ کَثِیرٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً وَأُحُداً فَأَبْشِرُوا.»[1] إنّ عصارة جواب الإمام الصادق (ع) هو أنه يجب أن ندعو بتعجيل الفرج لدليلين: الأول محبة الحق، والثاني محبة الخلق.

مبنيان عاطفيان للشوق إلى الفرج

بهذه المقدمة، نعود إلى موضوع البحث: «ما هي مباني الشوق إلى الفرج؟» إن للشوق إلى الفرج بالاستناد إلى كلام الإمام الصادق (ع)، مقدمتين وشرطين أساسيين: «محبة الحق» و«محبة الخلق». فالشوق إلى الفرج وليد هذين العلاقتين ووجودهما شرط إيجاد اشتياق صادق في قلب المنتظر وأمنيته بقرب الفرج.

الشرط الأول: محبة الحق

إنّ من يحبّ الله ويحبّ الحق، يجب بطبيعة الحال أن يحبّ بأن يكون الله معروفاً لدى الجميع؟ يجب أن يحبّ بأن يكون الإمام (عج) معروفاً لدى الجميع؟ يجب أن يقول مثلاً: «لماذا لا يعرف اليابانيون الإمام (عج)؟ إنني لا أطيق أن يكون سيدي مغموراً.» هل يقتصر تكليفنا على اكتساب الأجر لأنفسنا فحسب؟ بهذا يخرج الإنسان من دائرة الأنانية المعنوية أيضاً.
إذا اشتدّت محبة الحق، ستصبح واحدة من مباني الشوق إلى الفرج. وهذا المبنى أثمن من المباني الأخرى كالاضطرار على أثر البلايا والمصائب الدنيوية. فإنّ السبب الرئيس لتمنّي المنتظرين الفرج هو محبة الحق حتى وإن كانوا مضطرين.
وقد يتبلور هذا العشق والحب للحق بأسلوب آخر؛ ويظهر بصورة الانتقام من الظالمين واجتثاث معسكر الباطل. وفي هذه الحالة أيضاً لا يسري في عروق الإنسان إلا طلب الحق لا الأنانية. كما نقرأ في دعاء الندبة: «أَیْنَ الطَّالِبُ بِدَمِ الْمَقْتُولِ بِکَرْبَلاءَ؟»[2]
ويموج هذا العشق للحق أيضاً في مقاطع أخرى من دعاء الندبة التي يمكننا أن نشاهد فيها الشوق والتوق لإقامة الحق، كما يقول: «عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَی الْخَلْقَ وَلاَ تُرَی وَلاَ أَسْمَعُ لَكَ حَسِیساً وَلاَ نَجْوَی‏... عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ أَبْکِیَكَ وَیَخْذُلَكَ الْوَرَی عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ یَجْرِيَ عَلَیْكَ دُونَهُمْ مَا جَرَی....»[3] والأمر الصعب للمنتدب في هذه المقاطع هو أنه مستور.
إن الحرمان من الحق أمر وكون الحق مستوراً أمر آخر. ففي هذه الدنيا التي لا يوجد فيها حيّ إلا وهو عاشق شائق، سوى المغرور الذي ألمّت به الأنانية، فإن المنتظر عاشق للحق. حيث لا يرى الحق وسيلة إجبارية لسعادته دون أن تكون له أي شوق إليه، بل يشهد محاسنه ويُدرك لطائفه ليتأتى له عشقه. ولا تتبلور محبة الحق إلّا بعد تذوّق لذة الاستغراق في الحق؛ بحيث أنه يطلب نفسه للحق لا أنه يطلب الحق لنفسه.

الشرط الثاني: محبة الخلق

والدليل الآخر للدعاء بالفرج، هو محبة «الخلق». فالمنتظر لا يُفكّر بالوصول وحيداً. ولا يستطيع أن يدع الناس في ورطة الباطل. وكأنه يُحادث نفسه: «لو افترضنا أنني وجدت الطريق، ماذا سيكون مصير سائر الناس؟» إن من المباني المهمة للعشق والشوق إلى الفرج، هو أن ترغب في هداية الناس. فإن محبة الخلق هي من المسائل التي قد يتغافل عنها المحبون للحق.
علماً بأن أساس محبة الخلق تكمن في محبة الحق. فلو اشتدّت محبة الإنسان بالله، سيشتد عطفه وحنانه على الناس شيئاً فشيئاً. وبالتالي سيهتم بمصير الناس الذين هم عباد الله وأحبّاؤه.

يتبع إن شاء الله...



[1] نفس المصدر.
[2] مفاتیح الجنان، دعاء الندبة. وأيضاً إقبال الأعمال للسید بن طاووس، ص297.
[3] نفس المصدر.



نهجنا الإسلام 11-05-2014 09:05 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 32
 
ذات يوم جاءني شابّ للاستشارة حول العمل الثقافي في الجامعة وقال: أريد أن أعمل عملاً ثقافياً في جامعتنا، فما هو أفضل عمل أقوم به؟
سألته: هر تعرف غسل الثياب؟
قال: نعم، أعرف غسل الثياب، ولكن ما هي علاقته بالعمل الثقافي؟ إني أريد أن أعمل عملاً ثقافياً.
قلت: مستعد بأن تغسل ثياب زميلك في القسم الداخلي؟
قال: كلا، عمل صعب. ثم قال وهو يمزح: نحن لسنا في الحرب حتى نقوم بمثل هذه التضحيات.
قلت: لسنا في الحرب، ولكن زميلك «إنسان». فكم تقيّم إنسانيته؟
قال: قد لا يكون شاباً جيداً.
قلت: لأنه قد لا يكون شاباً جيداً سألتك هذا السؤال. هل قيمة إنسانيته لديك بالحد الذي تقوم بغسل ثيابه عند الحاجة بطيب خاطر ولذة وتقول بأني أغسل ثياب إنسان؟
قال بصدق: كلا، أنا لست كذلك.
قلت بِوِدّ: إن لم يكن الإنسان عندك بهذا المستوى من الأهمية، فلماذا تريد أن تعمل عملاً ثقافياً لهدايته؟ ما هو دخلك بأن تكون قلقاً على جنة الناس ونارهم؟ إنك لا تحب الناس، فما هو شأنك بمصيرهم؟

لابد من الاهتمام بالآخرين

علماً بأن موضوع غسل ثياب الآخرين، ليس إلا أسلوب للتقييم. لا أنه معيارٌ قطعي. وعلى أي حال، يجب أن ينظر الإنسان مدى اهتمامه بالآخرين.
والآن لننظر إلى أسوة وقدوة. فإن لمشاهدة بعض النماذج والأمثلة أحياناً أثر أبلغ بكثير من عشرات النصائح والمواعظ. ومن النماذج التي يمكن الإشارة إليها في مجال محبة الناس هو الشهيد جمران.
ينقل مدير مكتب الشهيد جمران: عندما كان السيد جمران وزير الدفاع، وقف رجل ببابه لشغل له معه وهو من كبار الضباط في عهد النظام الطاغوتي البائد وكان فصله من الوظيفة أمراً مسجّلاً وقد أمضى الدكتور حكم فصله. فقلت للسيد جمران: «هذا الرجل من الذين سيتم فصلهم. فلا حاجة لأن تشغل وقتك معه.» فنهض جمران وأزاحني عن طريقه وذهب لاستقباله؛ وتعامل معه كما يتعامل مع غيره حيث قام بمصافحته واعتناقه بحرارة ثم أدخله إلى غرفته واستمع إليه بصبر وتروّ. وعندما ذهب ذلك الرجل، سألت جمران: «ليس من المقرر أن يبقى هذا الرجل هنا، فلماذا شغلت وقتك معه؟» فقال جمران: «لابد من فصله؟ حسناً، سلّمناه حكم فصله وعليه بالذهاب. ولكنه إنسان وأنا احترمت إنسانيته.»
من كان كذلك، يستطيع أن يكون منتظراً للفرج. وبالطبع ليس المقصود بأن نعطف بهذا المستوى وفي كل موطن على العناصر الجائرة المناهضة للثورة ونُعطيها الفرصة للقضاء علينا (كما أن الشهيد جمران أيضاً لم يتردّد في فصله)، ولكن بشكل عام، فإن هذا الاستعداد لمحبة الخلق أمر قيّم للغاية.
يكتب الشهيد جمران في مناجياته: «تقع على عاتقي مسؤولية تامة بأن أقف بوجه الشدائد والبلايا، وأحتمل كل الآلام، وأتقبّل المحن، وأحترق كالشمع وأضيء الطريق للآخرين، وأنفخ الروح في الأموات، وأروي غليل المتعطشين للحق والحقيقة.»[1]فانظروا إلى حلاوة الجمع بين محبة الحق ومحبة الخلق في هذه المناجاة.

المنتظر يفكّر بهداية جميع الناس

يُنقل أن عارفاً قد استولى عليه البكاء والنحيب في حالة الاحتضار وهو يقول: «كيف أجيب ربي؟» فقالوا له: «مثلك لماذا يتكلم بهذا الكلام؟» فقال: «لو رحلت إلى ذلك العالم، وقال لي ربي: إنك كنت رفيقاً معنا، ولكن هناك في زاوية من العالم شخص بقي على ضلالته، فلماذا لم تهده إلى رفقتنا وصحبتنا، فبماذا أجيب ربي؟»

الشوق إلى الفرج یعني محبة الناس

الشوق إلى الفرج يعني محبة الناس؛ يعني أن يكون الإنسان واسع الصدر بعيد النظر. فالمنتظر يرى العالم في زاوية قلبه وتربطه صلة مع جميع أهل العالم.
وفي دعاء العهد حينما يريد المنتظر أن يصلّي على الإمام المهدي يقول: «اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلَانَا الْإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِ وَعَلَی آبَائِهِ الطَّاهِرِینَ عَنْ جمیعِ الْمُؤْمِنِینَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا بَرِّهَا وَبَحْرِهَا وَعَنِّي وَعَنْ وَالِدَيَّ مِنَ الصَّلَوَاتِ....»[2] انظروا إلى هذه السعة في الرؤية حيث أنه إذا أراد أن يسلّم على إمام زمانه لم يسلّم عن نفسه فحسب، بل يسلّم عن جميع أهل العالم، وهذا ناتج من سعة الصدر التي يمتلكها المنتظر.
والآن ضعوا سؤال عمار الساباطي المنطقي نسبياً من الإمام الصادق (ع) إلى جانب كلام سلمان الفارسي والشعور الذي انتابه بالنسبة إلى انتظار الفرج، لتجدوا البون الشاسع.[3]

العلاقة بين الذكر والشوق

في خضمّ تنمية هذا الشوق، نصل إلى مفهوم باسم «الذكر». فحريّ بنا إلى جانب اكتساب جميع الفضائل التي تُنعش الحب والشوق، أن نتعرض إلى الذكر أيضاً. فالكثير يسأل: كيف نُنمّي الشوق إلى الفرج في نفوسنا ونعيش في ذروة الشوق إلى الظهور لندخل في عداد المنتظرين الحقيقيين لصاحب الأمر (عج)؟ الجواب هو أنّ تنمية هذا الشوق، ليس إلّا اكتساب التقوى وأداء العبادات والعمل بالأوامر الإلهية ولاسيما التكاليف الاجتماعية بصحة وإخلاص. وإلى جانب كل هذه المسائل، وبعد اكتساب المعارف الضرورية والعلوم الدقيقة والعميقة، لو أردنا أن نعمل عملاً خاصاً فعلينا التوجّه إلى «الذكر». ومن هنا ينبغي الاهتمام بـ«دعاء الندبة» و«دعاء العهد» و«الدعاء لسلامته (ع)» وسائر الأدعية. فإنّ من يحبّ الإمام وينتظره ألا ينبغي أن يذكره ولو في اليوم مرة على أقل تقدير؟ ألا ينبغي أن يرفع يديه للدعاء بفرجه في قنوت صلواته وفي كل لحظة من لحظات استجابة الدعاء؟

يتبع إن شاء الله...

[1]مصطفی جمران، خدا بود و دیگر هیچ نبود، ص28.
[2]دعاء مروي عن الإمام الصادق (ع): مفاتیح الجنان، دعاء العهد. وكذلك المصباح للکفعمي، ص550.
[3]يروي سلمان الفارسي حديثاً طويلاً عن رسول الله (ص) في أن الأئمة من بعده إثني عشر، ثم بدأ يذكر أسماءهم حتى وصل إلى الإمام الثاني عشر وسكت، فقال سلمان: «يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي بِإِدْرَاكِهِمْ، قَالَ: يَا سَلْمَانُ إِنَّكَ مُدْرِكُهُمْ وَأَمْثَالُكَ وَمَنْ تَوَلَّاهُمْ بِحَقِيقَةِ الْمَعْرِفَةِ. قَالَ سَلْمَانُ: فَشَكَرْتُ اللَّهَ كَثِيراً ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُؤَجَّلٌ فِيَّ إِلَى أَنْ أُدْرِكَهُمْ؟ فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ اقْرَأْ ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ...﴾ قَالَ سَلْمَانُ: فَاشْتَدَّ بُكَائِي وَشَوْقِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِعَهْدٍ مِنْكَ؟ فَقَالَ: إِي وَالَّذِي أَرْسَلَ مُحَمَّداً إِنَّهُ بِعَهْدٍ مِنِّي وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَتِسْعَةِ أَئِمَّةٍ... قَالَ سَلْمَانُ: فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ‏ وَمَا يُبَالِي سَلْمَانُ مَتَى لَقِيَ الْمَوْتَ أَوْ لَقِيَه.» بحار الأنوار، ج25، ص6-8.‏

نــ الشهيد ــور 15-05-2014 12:43 AM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اللهم عجل لوليك الفرج..
الله يعطيكِ العافية يالغلا ع الطرح..
تحياتي..



نهجنا الإسلام 18-05-2014 10:35 AM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نــ الشهيد ــور http://www.noorfatema.com/vb/Hulmy/buttons/viewpost.gif
اللهم عجل لوليك الفرج..
الله يعطيكِ العافية يالغلا ع الطرح..
تحياتي..


شكرا جزيلا أختي الكريمة على حسن متابعتكم للموضوع

نهجنا الإسلام 18-05-2014 10:36 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 33
 
يعتبر دعاء العهد برنامجاً مستمراً ويشير إلى مفاهيم أساسية وقيمة ويعدّ دعاء ملحمياً ولهذا فإن له مكانة مرموقة بين الأدعية المختصة بالإمام (ع). كان يقول الإمام الخميني (ره): «دعاء العهد مؤثّر في تقدير الإنسان.»[1] وكان سماحته مواظباً على قراءة دعاء العهد واستمر على هذا البرنامج حتى آخر يوم من حياته في المستشفى.[2] وهو الدعاء الذي أوصى عائلته بقراءته في آخر أيام حياته.[3]

لا ينمو الحب من دون الذکر

المسألة المهمة التي لابد من الالتفات إليها هي أنّ «الحب» لا ينمو مع فقدان «الذكر». وهذا هو الحال بالنسبة إلى الدنيا أيضاً. ما هو الشيء الذي ينمّي حب الدنيا في قلوبنا ويجعلها لذيذة في أعيننا؟ الدنيا التي نتذوّقها ونشمّها ونجرّبها وخلاصة الكلام أنها «حاضرة» ويمكننها تجربتها بسهولة، غير أنّ تجربتها لا تأخذ بمجامع قلوبنا بمقدار ذكرنا لها.

لابد من وضع برنامج لذكر الإمام المهدي (عج)

فالدنيا التي هي حاضرة لا تحلّ في قلبك من دون ذكرها كثيراً فكيف يحل الإمام المهدي في قلوبنا من دون ذكر وهو غائب؟ لا تقل: «كلّما ضاق صدري، أتذكّر الإمام (عج).» إذ ينبغي أن تضع لنفسك برنامجاً للذكر. وليكن برنامجك مختصراً حتى لا ينقطع، فالمواظبة على مثل هذه البرامج مهمة للغاية. وعندها سيحلّ الشوق إلى الإمام في قلبك شيئاً فشيئاً. بالإضافة إلى أننا لو ندّعي الشوق إلى فرج الإمام وظهوره لابد وأن يتجلى كلام أمير المؤمنين (ع) في قلوبنا حيث قال: «مَنْ أَحَبَّ شَیْئاً لَهِجَ بِذِکْرِه.»[4]

يتدفق الذکر من علوّ الفكر

علماً بأن الفكر سندٌ للذكر كما أشرنا إليه سابقاً. فالعلم والمعرفة والتفكر بالمعلومات رأسمال الذكر. والذكر أساساً وإن كان يتدفّق من قلب الإنسان إلّا أنه ينبثق من علّو الفكر. فلو قرن الإنسان فكره بالمودة والعاطفة سيكون ذكراً. ومن هنا يتبيّن الفرق بين «الذكر» و«الورد»، فإن الأوراد رغم أهميتها لم تحظ بعناية أولياء الله إن خلت من الفكر والتوجه.

دعاؤنا للفرج مستجاب

إنّ من المسائل المهمة التي يؤدي الالتفات إليها إلى الدخول في عداد أهل الذكر والتي تحثّ الإنسان على الدعاء سيما في قضية الفرج، هي هذه الحقيقة أنّ دعاءنا للفرج دعاء مستجاب وأن الله سبحانه يعتني بآراء عباده في هذا الشأن. فإذا اعتقدنا أن طلبنا وسؤالنا للفرج ليس أمراً شكلياً ومجاملة وإنما هو حقيقة سامية، سنكعف على الدعاء والذكر دون انقطاع. فهذا أمر عامّ لله حيث قال:﴿ادْعُوني‏ أَسْتَجِبْ لَکُمْ﴾[5] وهذا أمر خاص بالإمام المهدي (ع) حيث قال عن طريق سفيره الثاني إسحاق بن یعقوب: «أَكْثِرُوا الدُّعَاءَ بِتَعْجِيلِ الْفَرَجِ فَإِنَّ ذَلِكَ فَرَجُكُمْ.»[6]
لا ننسى بأنه لا يُعرض عن الدعاء بالفرج إلّا من لا يرى الله وفيّاً في العمل بوعوده أو لا يحمل اعتقاداً راسخاً بعناية الله ولطفه في حق عباده؛ وكلاهما مدعاة لسوء الظن بالله الذي نُهينا عنه بشدة.[7]

للشوق إلى الفرج أثر في التقدير الإلهي

يجب أن نعتقد بأن لشعورنا وشوقنا إلى الفرج تأثير في العالم. وأهم أثر يتركه هذا الشوق هو في التقدير الإلهي،[8] سوى الآثار التي يتركها في قلوبنا وفي مجتمعنا وفي عالمنا. فإن الله الذي بيده أمر الفرج، ينظر لاتخاذ القرار في ذلك إلى قلوبنا.[9] فهو الوحيد الذي يستطيع تقييم نسبة معرفتنا ومحبتنا وعلى أساسها يدبّر مقدّراتنا.
يقول الإمام الحسن العسكري (ع) حول دور وأثر «الدعاء بتعجيل فرج ولده (عج)» في نجاة الإنسان: «وَاللَّهِ لَيَغِيبَنَّ غَيْبَةً لَا يَنْجُو فِيهَا مِنَ التَّهْلُكَةِ إِلَّا مَنْ يُثْبِتُهُ اللَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ وَوَفَّقَهُ لِلدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ فَرَجِهِ.»[10]
ويقول الإمام الصادق (ع) في كلام مهم له حول أثر الدعاء بالفرج في التقدير الإلهي لـنجاة المجتمع وقرب الظهور: «فَلَمَّا طَالَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعَذَابُ ضَجُّوا وَبَكَوْا إِلَى اللَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ يُخَلِّصُهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ فَحَطَّ عَنْهُمْ سَبْعِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): هَكَذَا أَنْتُمْ لَوْ فَعَلْتُمْ لَفَرَّجَ اللَّهُ عَنَّا فَأَمَّا إِذْ لَمْ تَكُونُوا فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْتَهِي إِلَى مُنْتَهَاهُ.»[11]
يقول آية الله الشيخ البهجة (ره) حول التأثير القطعي للدعاء بالفرج: «كم ينبغي أن نفكّر في الإمام الغائب (عج) وأن ندعو بتعجيل فرجه؟! الدعاء بتعجيل فرج الإمام مؤثر لا محالة، ولكن لا بلقلقة اللسان وقول «وعَجِّل فرجه» بصورة جامدة كورد يُقرأ في آخر المنابر على الدوام من أجل أن يقوم الناس. الدعاء بتعجيل الفرج عمل مستحب كصلاة النافلة، أي أن نسأل الله بجدّ وصدق وهمّ وغمّ أن يزيل المسافة التي طالت ألف عام ونيّف بين الناس وبين واسطة الفيض. والدعاء الصادر من الناس لم يتقرن بحالة من الحزن والأسى والتأثر القلبي، وإلّا لتغيّرت الأوضاع لا محالة.»[12]

يتبع إن شاء الله...


[1] تقول فاطمة طباطبائي، زوجة السيد أحمد الخمیني: «من المسائل التي كان يوصيني بها الإمام في أواخر أيام حياته هي قراءة دعاء العهد. وكان يقول: حاولي أن تقرأي دعاء العهد في كل صباح، لأنه يؤثر في مصير الإنسان.» صحيفة اطلاعات، 4/6/1990.
[2]يقول المرحوم آیة ‌الله توسلي: «قالت لي إحدى النساء: اذهب إلى جانب الإمام واقرأ الدعاء. وكان ذلك قبل يوم من وفاة الإمام، فشرعت بقراءة دعاء العديلة. وإذا بي أرى أنّ الإمام قد وضع علامة في موضع من المفاتيح. ففتحته ورأيت أنه دعاء العهد، وبما أن قراءته تستحب أربعين يوماً فقد كتب الإمام على قصاصة بأنه شرع فيه من 8 شوال وقرأه حتى ذلك اليوم.» پابه‌پای آفتاب، ج2، ص102.
ويقول حجة الإسلام والمسلمین آشتیاني: «عندما ارتدى الإمام الثياب المختصة بالمستشفى، كان بيده مفاتيح الجنان وهو يقرأ دعاء العهد بطمأنينة خاصة.» برداشت‌هایی از سیره امام خمینی، ج3، ص43.
[3] برداشت‌هایی از سیره امام خمینی، ج3، ص42. راجع الهامش السابق.
[4]غرر الحکم، ص65، ح859.
[5]سورة غافر، الآیة 60.
[6] کمال الدین وتمام النعمة، ج2، ص483؛ والغیبة للطوسي، ص290.
[7] يقول الإمام الصادق (ع): «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً بِظَهْرِ قَلْبٍ سَاهٍ فَإِذَا دَعَوْتَ فَأَقْبِلْ بِقَلْبِكَ ثُمَّ اسْتَيْقِنِ الْإِجَابَةَ.» الکافي، ج2، ص473. ويقول النبي (ص): «أكبَرُ الكبائرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاللّه.» میزان الحکمة، ح١١٧٢٦، نقلاً عن کنز العمال، ح5849.
[8] يقول الإمام الصادق (ع): «الدُّعَاءُ يَرُدُّ الْقَضَاءَ بَعْدَ مَا أُبْرِمَ إِبْرَاماً فَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ.» الکافي، ج2، ص470. والدعاء من أهم المعالم والنتائج لاشتياق المؤمن، لأن الاشتياق يجر إلى الدعاء لا محالة ولا يتحقق الدعاء الصادق من دون اشتياق.
[9] قال رسول الله (ص) في وصية له لأبي ذر: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ.» الأمالي للطوسي، ص535. وقال أمیر المؤمنین (ع): «عَلَى قَدرِ النِّيَّةِ تَكونُ مِن اللّهِ العَطِيَّةُ.» غرر الحکم، ح6193. وقال الإمام الصادق (ع): «إِنَّمَا قَدَّرَ اللَّهُ عَوْنَ الْعِبَادِ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ فَمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ تَمَّ عَوْنُ اللَّهِ لَهُ وَمَنْ قَصَرَتْ نِيَّتُهُ قَصَرَ عَنْهُ الْعَوْنُ بِقَدْرِ الَّذِي قَصَرَ» الأمالي للمفید، ص65.
[10] کمال الدین وتمام النعمة، ج2، ص384.
[11] تفسیر العیاشي، ج2، ص154.
[12] در محضر بهجت، ج2، الرقم1116.



نهجنا الإسلام 26-05-2014 10:38 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 34
 
5. العمل من أجل تحقق الوضع المنشود

العمل، دليل على صدق الانتظار وسبب لتعزيزه

العنصر الأخير للانتظار هو «العمل». فالعمل من أجل تحقق الوضع المنشود أو امتلاك الدافع للمبادرة على أقل تقدير، يقوّي دعائم الانتظار في وجود الإنسان. فإن العمل والمبادرة من أجل التمهيد للظهور وتهيئة أرضية الفرج قدر المستطاع دليل على صدق ادّعاء الانتظار وسبب لتعزيزه. فعلى المنتظر أن يكون أهل عمل. وهو أمر ثابت في ثقافة المنتظرين؛ لأن المنتظر لا يكون منتظراً حقيقة إلّا إذا تحرّك نحو الوضع المنشود.

أساساً لا يمكن لأي شعور وإدراك أن يبقى محبوساً إلى الأبد في حصار عدم التجلي في العمل. فلو كان المهدي (عج) محبوباً، وكان ظهوره وتحقّق جميع محاسن حاكمية الدين المطلقة محبوباً، إلى متى يمكن أن تبقى هذه المحبة مخفية؟ فمما لا شك فيه أن هذه المحبة ستُظهر آثارها العميقة في سلوك المجتمع ورؤيته وستُحدث بعض التغييرات فيه شئنا أم أبينا. وكلامنا في هذا الحقل يدور حول تعزيز هذه الآثار وكيف أن العمل بمقتضى المحبة وبمقتضى انتظار الفرج يؤدي إلى إرساء قواعد الانتظار والحدّ من طول فترة الغيبة.

وبطبيعة الحال كلّما تتبلور وتنمو رؤية ونزعة حيال موضوع معيّن، ستترك ظلالها على سلوك الإنسان إلى حدّ ما. وفي هذه الحالة لا يحتاج الإنسان إلى وصية خاصة للعمل على أساس هذه الرؤية والنزعة، سوى أنّ التوجّه إلى العمل ودوره والاهتمام به يوجب استخدام الرؤى والنزعات الموجودة. فلا ينبغي أن ننتظر حتى يطفح كيل معرفتنا ومحبتنا القلبية ثم نصل بشكل طبيعي إلى العمل، بل يجب عبر الوقوف على أهمية العمل أن نكون سبباً في إنعاش الشعور الباطني وازدهاره.



العمل، يحدّ من آفات الانتظار

يمكن النظر إلى أهمية «العمل» عند المنتظر من جانب آخر: فإنّ من الأضرار المهمة للانتظار هو التخيّل الذي يتنافى مع روح العمل، وهذه الآفة تصيب الشباب أكثر من غيرهم. ولو أصابت الإنسان منذ حداثة سنه فستبقى معه حتى الكِبَر. ومن جانب آخر، فإنّ المنتظِر يحبّ اعتناق المنتظَر ويتمنى لحظة الوصال.

بيد أنّ نفس هذا الخيال الجميل لو لم يقترن بالعمل لكان مضرّاً؛ ولو لم تُراقَب هذه الآفة العذبة – وهي خيال لقاء المحبوب -، فستؤدي إلى التنصل من العمل. وهذه الآفة الكبيرة لا تختص بهذا الموضوع، بل يمكن أن تتبلور فيما يرتبط بالله سبحانه وعفوه ورحمته. قال أمير المؤمنين (ع) في إحدى غُرر كلماته القصار في نهج البلاغة: «لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الْآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَيُرَجِّي التَّوْبَةَ بِطُولِ الْأَمَل.»[1]

يتضح من كلام الإمام أن هذه البليّة عامة؛ وملذّات الإنسان بإمكانها أن تسوقه نحو الحركة إلى محبوبهم وبإمكانها أن توقفه عن الحركة. والمنتظر حتى وإن كان منتظراً حقيقياً قد يكفّ عن العمل لوقوعه في ورطة هذه الآفة ويغوص في بحر أوهامه وخيالاته العذبة.

وأحياناً يحول إبليس بين الإنسان وبين حركته ونشاطه عبر هذه الأماني العشقية والعرفانية. يجب أن نرى يده الشرّيرة في إسكار الإنسان بالخيالات؛ وأن نخاف من خيانته المستمرة. ينبغي أن نتذكّر على الدوام بأن العمل أمرّ من الأمل بمعنى الأمنية. فجأة ترى المنتظر المتمنّي، غارقاً في حلاوة أمانيه الجميلة وتاركاً للعمل من أجل الوصول إلى أهدافه المنشودة لمرارته. حاله حال الذي ينتظر امتحان الدخول للجامعة، حيث تراه أحياناً ولساعات مديدة غارقاً في بحر أوهامه يلتذّ بتخيّل جلوسه على كرسيّ الجامعة، ولكنه يتقاعس عن الدرس بشتى الحجج والذرائع لمرارته.



تأثیر «مبادرتنا» في «تحقق الوضع المنشود»

قد يختلج هذا السؤال في أذهان البعض بأن عملنا هل يؤثر حقيقة في الظهور؟ من أجل اجتياز هذا المانع الفكري، علينا أن نجيب أولاً على هذا السؤال الذي ليس له أهمية بالغة وهو أنه هل من الممكن أن يكون لنا دورٌ في الظهور أو أن فرج الإمام وظهوره هل هو أمر خارج عن إرادتنا؟ أحياناً قد تبدو لنا بعض الأمور قدسية وبعيدة عن منال البشرية بحيث نعتبرها خارجة عن دائرة علمنا وعملنا. فالذين لا يرغبون في العمل من أجل التمهيد للظهور لأيّ دليل، يعتبرون الفرج أمراً خارجاً عن نطاق البشرية. في حين أنّ أمر الفرج لا يرتبط بـمعرفة البشر وشعور المنتظرين فحسب، بل له ارتباط تام بعملهم أيضاً.

علماً بأن أيّ عمل وفي أيّ زمن سيؤدي إلى أية نتيجة وأن الفرج سيتحقق على أثر أي نسبة من المعرفة والمحبة والعمل، أمر غير بيّن؛ ولكن نعرف بالإجمال أن لعملنا دور كبير في مسألة الظهور.

سبق وأن تعرضنا إلى أن لإدراكنا وشعورنا تأثير في تهيئة أرضية الفرج. وأما الدليل في أن عملنا يؤثر في مصيرنا فهو سنة إلهية صرّحت بها هذه الآية الشريفة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ.﴾[2]



يتبع إن شاء الله...



[1] نهج البلاغة، الحکمة150

[2] سورة الرعد، الآیة 11



نهجنا الإسلام 29-05-2014 09:17 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 35
 
ما هو الدليل على أن تكون شرائط الظهور خارجة عن هذه السنة الإلهية؟ فإنّ هذا أمر مستمر بأننا ما لم نُحدث تغييراً في أنفسنا وفي أوضاع المجتمع والعالم، لا يغيّر الله أوضاعنا.

النصرة الإلهیة منوطة بعمل الإنسان

ومن جانب آخر، وبالإضافة إلى الاستناد إلى هذه الآية الشريفة والاعتماد على هذه السنة الإلهية، يمكننا الرجوع إلى فلسفة الخلقة وسائر السنن الإلهية وبعثة الأنبياء أيضاً. وعندها سنجد أن الفتح والظفر والنصر الإلهي منوط على الدوام بنصر من قبل العباد: ﴿یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ یَنْصُرْکُمْ وَیُثَبِّتْ أَقْدامَکُمْ.﴾[1]
ولو أنّ من المقرر أن يكون الدين برنامجاً لاجتياز الناس من أزمات الطبيعة إلى الله، فلا ينبغي طبقاً للقواعد وفي أيّ زمن أن يكون هذا الاجتياز منوطاً بإرادة الله بالكامل وبعيداً عن أهلية عباده وأعمالهم.

عملنا يستنزل النصرة الإلهية

كما أننا لم نُمنع قطّ عن أداء تكاليفنا وإقامة الحق قدر استطاعتنا بذريعة أن الحق لا يتبلور بالكامل إلا في زمن الظهور، ولم يسقط عنا تكليف تطبيق الحق ونصرة المظلومين ومواجهة الظالمين بمقدار وسعنا.[2] وبطبيعة الحال إذا بادرنا إلى العمل حسب طاقتنا فسيؤدي ذلك إلى إيجاد شرائط جديدة في العالم؛ الشرائط التي تتطلب نصرة الله وفق السنن الإلهية، ونصرة الله لا تتجلى في إطار هذا العالم إلا بظهور الإمام المهدي (عج).
في هذا العصر، لا معنى لإنقاذ جمع من المؤمنين من قبضة الظلم دون النظر إلى سائر المجتمعات الإسلامية بل وحتى سائر المجتمعات الإنسانية. إذا ما نظرنا إلى شرائط العالم لشاهدنا الأوضاع بحيث لو وقف شخص بوجه الظلم، سيجابهه الظلم بأسره؛ ولو انتصر في أي مرحلة، ستقترب سلطنة الظلم كلها إلى الزوال. ولا يمكن بعد لأي صراع ونزاع بين الحق والباطل أن يتحدد بزاوية من العالم ويتوقف فيها. وفي مثل هذه الظروف، لا تكون نصرة الله للمظلومين إلا بتحقق الفرج وإقامة حكومة الحق والعدل الشاملة.

انظروا إلى كلام الإمام الخميني (ره) في خصوص تأثير علمنا في تعجيل الفرج:

«أنتم نقطة في العالم والعالم يزخر بالظلم. نحن إن استطعنا الوقوف بوجه الظلم، يجب علينا ذلك وهي وظيفتنا. وقد حتّمت علينا الضرورة الإسلامية والقرآنية أن نقوم بكل هذه الأعمال. ولكن بما أننا لا نستطيع ذلك، لابد من ظهور الإمام والقيام بهذه الأمور. ولكن يجب علينا التمهيد لذلك، وتهيئة الأسباب التي تؤدي إلى تعجيل هذا الأمر، والعمل من أجل أن يستعدّ العالم لمجيء الإمام - سلام الله عليه -.»[3]
«نحن مكلّفون! وانتظارنا للإمام المهدي – سلام الله عليه – لا يعني أن نجلس في بيوتنا ونأخذ السبحة بأيدينا ونقول: «عَجِّل على فرجه». التعجيل لا يتحقق إلّا بعملكم؛ أنتم يجب عليكم تهيئة الأرضية لمجيئه. وتهيئة الأرضية لاجتماع المسملين. اتّحدوا مع بعض، يظهر إن شاء الله.»[4]
«انتظار الفرج، انتظارٌ لقدرة الإسلام، والذي يجب علينا هو السعي لتحقق قدرة الإسلام في العالم، والتمهيد للظهور إن شاء الله.»[5]
«وآخر كلامي معكم هنا هو أن يبقى وفاؤكم حتى الموت بالجمهورية الإسلامية التي هي ثمرة دماء آبائكم؛ ومن خلال استعدادكم وتصدير الثورة وإبلاغ رسالة دماء الشهداء، مهدوا الأرضية لقيام منقذ العالم وخاتم الأوصياء والألياء، بقية الله – روحي فداه –.»[6]

ولولي أمر المسلمين، الإمام الخامنئي أيضاً كلام واضح في هذا الشأن:

«علماً بأن وعد الله حق واستقرار العدل في العالم لا يتحقق إلّا في عصر ظهور بقية الله (أرواحنا له الفداء)؛ ولكن يستطيع أيّ شعب مؤمن ومناضل أن يمهّد لتشكيل تلك الحكومة؛ كما استطاع الشعب الإيراني حتى الآن وتغلّب على الكثير من المشاكل.»[7]
«في زماننا، ظهر وجل واحد وقال: «لو بقيت وحيداً والعالم بأسره أمامي، لما تراجعت عن طريقي.» ذلك الرجل هو الإمام الذي عمل وصدق: ﴿صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ.﴾ فكلّنا يمتلك لقلقة اللسان. هل رأيتم ماذا فعل الإنسان الحسيني العاشورائي؟ أجل؛ لو أصبحنا جميعاً عاشورائيين، لتسارعت حركة العالم نحو الصلاح ولتوافرت أرضية ظهور ولي الله المطلق.»[8]
«أنتم أيها الأعزاء ولاسيما أنتم الشباب، كلّما ازداد سعيكم في صلاحكم وفي معرفتكم وأخلاقكم وعملكم واكتساب المؤهلات في أنفسكم، ستُقرّبون هذا المستقبل. فإن ذلك بأيدينا. لو قرّبنا أنفسنا من الصلاح، سيقترب ذلك اليوم؛ كما أن شهداءنا عبر التضحية بأنفسهم قرّبوا ذلك اليوم. وإنّ الجيل الذي قدّم تلك التضحيات من أجل الثورة، قرّب بتضحياته هذه ذلك المستقبل. وكلّما قمنا بفعل الخير والإصلاح الذاتي والسعي لإصلاح المجتمع، سنقرّب ذلك المصير باستمرار.»[9]
«ماذا يعني أن الإمام المهدي يأتي ويعمل؟! ما هو تكليفكم اليوم؟ ماذا يجب عليكم اليوم فعله؟ يجب عليكم تمهيد الأرضية، ليظهر الإمام ويعمل في تلك الأرضية الممهَّدة. فلا يمكن أن نبدأ من الصفر! ولا يتأتى لمجتمع أن يستضيف المهدي الموعود أرواحنا فداه إلّا إذا كان مستعداً مؤهّلا، وإلّا فسيكون حاله حال الأنبياء والأولياء على مرّ التاريخ.

يتبع إن شاء الله...

[1]سورة محمد، الآیة 7.
[2] يقول الإمام الخمیني (ره) في هذا الشأن: «من أجل أيّ شيء يظهر الإمام الحجة؟ من أجل بسط العدل، من أجل تعزيز الحُكم، من أجل القضاء على الفساد. نحن خلافاً للآيات القرآنية الشريفة نكفّ عن النهي عن المنكر، نكفّ عن الأمر بالمعروف ونُوسّع الذنوب من أجل أن يأتي الإمام؟ ماذا سيصنع الإمام إذا ظهر؟ يظهر الإمام ليقوم بهذه الأمور. ولكن ألا يوجد الآن تكليف على عاتقنا؟ ألا يوجد تكليف على عاتق البشر؟ تكليفه هو أن يدعو الناس إلى الفساد؟ ... نحن يجب علينا إن استطعنا وإن كنّا نملك القدرة أن نزيح الظلم والجور بأسره عن العالم. هذه هي وظيفتنا الشرعية، غير أننا لا يسعنا ذلك. الحالة الموجودة هو أنّ الإمام يملأ الأرض عدلاً؛ لا أن تكفّوا عن العمل بتكليفكم، ولا أن يرتفع التكليف عنكم ... نعم، نحن لا نستطيع أن نملأ الأرض عدلاً كما ستُملأ، ولو استطعنا لفعلنا، ولكن لعدم استطاعتنا لابد من أن يظهر الإمام.» صحيفة الإمام، ج‏21، ص14-17.
[3]صحيفة الإمام، ج‏21، ص17.
[4]نفس المصدر، ج18، ص269.
[5]نفس المصدر، ج8، ص374.
[6]نفس المصدر، ج20، ص38.
[7]كلمته في مراسم البيعة مع مختلف الشرائح، 29/06/1989.
[8]كلمته في لقائه العلماء والوعّاظ، على أبواب شهر محرم‏، 24/05/1995.
[9]كلمته بمناسبة مولد الإمام المهدي (عج)، 12/11/2000.



شمعه البتول 30-05-2014 02:24 AM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اللهم صل على محمد وال محمد

مشكوره عالطرح الموضوع والجهود المبذوله

وننتظر منكِ جديدك

اختكم

نهجنا الإسلام 19-06-2014 09:57 AM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شمعه البتول http://www.noorfatema.com/vb/aslopde...s/viewpost.gif
اللهم صل على محمد وال محمد

مشكوره عالطرح الموضوع والجهود المبذوله

وننتظر منكِ جديدك

اختكم


حياك الله وبياك أختنا الفاضلة
وشكرا جزيلا لك على هذه الكلمات الطيبة
وفقك الله لكل خير


نهجنا الإسلام 23-06-2014 05:14 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 36
 
ما هو السبب من أن الكثير من أنبياء أولي العزم العظام جاؤوا ولم يستطيعوا تطهير الأرض وتصفيتها من الخبائث؟ لماذا؟ لأن الأرضية لم تكن متوفرة. لماذا لم يتمكّن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام في عهده من اجتثاث الفساد في تلك الفترة القصيرة من حكومته رغم قدرته الإلهية، وعلمه المتصل بالمعدن الإلهي، وقوة إرادته، وما يحمله في شخصيته العظيمة من بهاء وسناء، ورغم وصايا النبي الأكرم في حقه؟ حتى آل الأمر إلى قتله! ... وحينئذ إذا ظهر الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام في عالم من دون استعداد، فستتكرر القضية! لابد من الاستعداد، ولكن كيف يتم هذا الاستعداد؟ ... هذا هو نفس ما تشاهدون بعض مصاديقه في مجتمعكم. حيث توجد اليوم في إيران الإسلامية مسائل معنوية لا توجد في أي بقعة من العالم ...
في أي نقطة من العالم تجدون شباباً يتجنّبون الشهوات والماديات ويتجهون صوب المسائل المعنوية؟ وبالطبع فقد يوجد شاب أو شابان أو إنسان شاذ في زاوية وهذا ما هو موجود في جميع أنحاء العالم، ولكن في أيّ بقعة من العالم تجدون هذا الكم الهائل من الشباب بهذه الحالة؟ لا توجد إلا في هذه البقعة! ... إذن يمكن تهيئة الأرضيات. فإذا اتّسعت مثل هذه الأرضيات إن شاء الله، ستتهيأ أرضية ظهور بقية الله أرواحنا فداه وتتحقق مسألة المهدوية التي هي أمل البشر والمسلمين منذ القِدَم.»[1]
وسنشير في الصفحات التالية إلى بعض كلمات الإمام الخميني (ره) والإمام الخامنئي الأخرى التي تصرّح بتأثير عملنا في تعجيل الفرج.

5.1. الأعمال الفردية

برمجة نشاطات الحياة الرائجة

أقل ما يمكن أن يقوم به المنتظر هو تزكية النفس والتأهّب القلبي لأداء وظائف نصرة الإمام. علماً بأنّ هذا التأهّب لابد وأن يكون متوفراً للعمل بالتكاليف التي تسبق الظهور أيضاً، وذلك لاكتساب القدرة المناسبة من أجل قيام المنتظر بتكاليفه في مسألة التمهيد للظهور. (فإنّ هناك وظائف خطيرة ومتفاوتة ملقاة على عاتق المنتظرين في فترة ما قبل الظهور والتمهيد له ويحتاج العمل بها إلى مزيد من الاستعداد والقدرة. وبالطبع فإن الحديث عن آخر وظائف المنتظر موكول إلى مجال آخر.)
المنتظر يشعر بالمسؤولية تجاه مسألة الظهور. وبالنظر إلى الوظائف الخطيرة الملقاة على عاتقه، يسعى لأن يستعد من أجل العمل بها. واكتساب هذا الاستعداد بحاجة إلى برمجة دقيقة وعمل دؤوب؛ وبهذا تختلف حياة المنتظر عن حياة الآخرين. وكأنّ المنتظر يُبرمج لجميع جوانب حياته. والأجواء السائدة على حياته تشبه حياة مغوار ثوري ومجاهد باسل. فلا يمكن أن يعمد الإنسان إلى تزكية النفس بصفته منتظراً وهو غير ثوري.

برنامج المنتظر: 1. برنامج معنوي 2. برنامج للحياة

وفيما يرتبط بمسألة تزكية النفس، لابد من التعرض لأبعادها المختلفة. فإن محور تزكية النفس وإن كان هو الابتعاد عن «الراحة» و«الغفلة»، بيد أنّ هذه الحركة قد تتعرض لمتابعة البرامج المعنوية وإصلاح الصفات القلبية وقد تتناول تنظيم النشاطات الرائجة في الحياة.
إن المنتظر يُبرمج لطعامه وحتى لنومه ويقظته. فقد ورد في الروايات أنّ أسوء النوم هو نوم ما بين الطلوعين (من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) .[2] ويعتقد الأطبّاء أن نوم ما بين الطلوعين يسلب قوة الإنسان. حتى الرعاة أيضاً لا يدعون أغنامهم تنام في هذا الوقت؛ لأنهم وجدوا بالتجربة أن الغنم إذا نام ما بين الطلوعين، يُصاب بالكسل إلى آخر ذلك اليوم.
ونوم القيلولة مستحب.[3] يقول الأطباء إنّ النوم قبل الظهر لمدة عشرين دقيقة يعادل نوم عدة ساعات في الليل ويزيل تعب الإنسان. فالمنتظر يُنظّم حياته. ويجعل لنفسه برنامجاً رياضياً وبرنامجاً لتسلّق الجبال. فإنّ حياة المؤمنين دوماً ما هي مقرونة بمثل هذه الصعوبات التي يفرضونها على أنفسهم.
لابد من تغيير برنامج الحياة في مقام العمل. فلا يتأتى الوصول إلى المقصد من دون برنامج وبالركون إلى الدعة. فالمنتظر في مقام العمل كالجندي المترقّب الذي قد شدّ أحزمته، لابد أن يكون متأهّباً للخدمة.
نقل لي أحد أقرباء من كان زميلاً للإمام الخميني (ره) في حجرته عن لسانه «إني لم أَرَ الإمام (ره) قط من دون جورب. عندما أستقيظ وقت السحر، أجد الإمام (ره) قد توضّأ، وما إن يرى أحداً قد استقيظ في الحجرة يلبس جوربه. كان سماحة الإمام (ره) مرتباً باستمرار. ورغم أن في الحجرة لا يوجد سوانا نحن الإنثنين، لم أجده في الحجرة من غير نظم وترتيب قط.» فالمنتظر يُنظّم حياته ويعيش بانتظام.
والمنتظر يهتمّ حتى بخطّه أيضاً ويحاول أن يكتب بخطّ جميل. إن الإمام الخامنئي بدأ بالكتابة بيده اليسرى من الثانية والأربعين من العمر (حيث جُرحت يده اليُمنى إثر انفجار قنبلة في مسجد أبي ذر). علماً بأنّ البدء بالكتابة من هذا العمر ليس بالأمر اليسير. غير أنّ خطّه حالياً أجمل من خطّ الكثير منا، لماذا؟ لأننا لا نهتمّ بخطّنا، ولا نمتلك الصبر والأناة، ونمرّ على كل شيء مرور الكرام، ولا نُصرّ على أن نُحسن أعمالنا. ولا ندقّق في جزئيات حياتنا الدنيوية.

يتبع إن شاء الله...

[1] كلمته في لقائه مختلف الشرائح بمناسبة ميلاد الإمام المهدي (عج)، 16/12/1997.
[2] عن الإمام الصادق (ع): «نَوْمَةُ الْغَدَاةِ مَشُومَةٌ تَطْرُدُ الرِّزْقَ وَتُصَفِّرُ اللَّوْنَ وَتُغَيِّرُهُ وَتُقَبِّحُهُ وَهُوَ نَوْمُ كُلِّ مَشُومٍ. إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُقَسِّمُ الْأَرْزَاقَ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَإِيَّاكُمْ وَتِلْكَ النَّوْمَة.» من لا یحضره الفقیه، ج2، ص502؛ وكذلك راجع: وسائل الشیعة، ج6، ص496، بَابُ كَرَاهَةِ النَّوْمِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَعَدَمِ تَحْرِيمِهِ.
[3] عن الإمام الباقر (ع): «النَّوْمُ أَوَّلَ النَّهَارِ خُرْقٌ وَالْقَائِلَةُ نِعْمَةٌ وَالنَّوْمُ بَعْدَ الْعَصْرِ حُمْقٌ.» من لا یحضره الفقیه، ج2، ص502. وانظر أيضاً: وسائل الشیعة، ج6، ص501، بَابُ اسْتِحْبَابِ الْقَیْلُولَة. وكذلك مستدرك الوسائل، ج5، ص113، بَابُ اسْتِحْبَابِ الْقَیْلُولَة.



نهجنا الإسلام 26-06-2014 06:58 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 37
 
كان الإمام الخميني (ره) في منزله يكوي حتى ملابسه الداخلية.[1] إلّا أنّ لحظة تواجدنا في المنزل هي لحظة التحرّر والراحة. وكأننا نرى عدم الترتيب والنظم في فضاء البيت أمراً طبيعياً.
قال أحد تلامذة الإمام الخميني (ره) في النجف الأشرف له: «ذهبت إلى الطبيب لمرض ألمّ بي، فقال لي بما أنّ عملكم هو عمل علمي لابد لكم من المشي يومياً لمدة 20 دقيقة. فهل ترغبون في ذلك؟ فقال الإمام: عمل جيد، وكلام الطبيب صحيح، سأمارس الرياضة.» وتكفي هذه الوصية من الطبيب التي نقلها أحد تلامذته له بأن يستمر على المشي يومياً ولم يتركه حتى آخر عمره.[2] فالوصية يكفي إبلاغها مرة واحدة.
فالمنتظر في مقام العمل يُرتّب حياته ويُنظّم أموره. لماذا استأهل الشيخ المفيد لأن يتسلّم كتاباً من قبل الإمام المهدي (عج)؟ حيث جاء فيه: «وَبَعْدُ فَقَدْ كُنَّا نَظَرْنَا مُنَاجَاتَكَ عَصَمَكَ اللَّهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي وَهَبَهُ اللَّهُ لَكَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَحَرَسَكَ بِهِ مِنْ كَيْدِ أَعْدَائِه.‏»[3]
فوالله صاحب العصر (عج) يعطف علينا ويمسح يد الأبوة على رؤوسنا ويُحبنا ويحزن لحزننا وهو مطّلع على أخبارنا[4]. يفرح إذا رآنا نعمل بحيوية ونشاط ومن دون كسل وملل. وهذا هو جزء من ساحة عملنا.

ب) متابعة البرامج المعنوية وإصلاح الصفات القلبية


لماذا يجب أن تكون حياة المنتظر متفاوتة؟ لأنه في سلوكه المعنوي يعتبر نفسه عدوّاً له ويعلم أنه لا يصل إلى المقصود إلّا عبر مواجهة أنانياته. ونظمه والتزامه الدقيق بآداب حياته الدراسية والشغيلة وليد التقوى التي يتحلى بها. لا أنه يصل إلى الخير والصلاح للنجاح في الحياة المادية فحسب. قال أمير المؤمنين (ع) لولديه الحسن والحسين (ع): «أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ.»[5] فجعل التقوى أساساً للنظم ووصّى به بعدها. وهذا ما لابد أن يكون مشهوداً في حياة المنتظر.
والاسم الآخر للمنتظر أساساً هو المتقي. ولا يمكنكم مهما اجتهدتم أن تجدوا للمنتظر اسماً آخر بهذا المستوى من التناسب. وليس المراد من قول صاحب العصر صلوات الله عليه: «فَمَا يَحْبِسُنَا عَنْهُمْ إِلَّا مَا يَتَّصِلُ بِنَا مِمَّا نَكْرَهُهُ وَلَا نُؤْثِرُهُ مِنْهُمْ.»[6] سوى ذلك. وللتقوى بعدان: ترك المعصية لله وأداء العبادات والطاعات لله أيضاً. علماً بأنّ: «اجْتِنَابُ السَّيِّئَاتِ أَوْلَى مِنِ اكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ.»[7]

يجب أن نفهم التناسب بين مفهومي التقوى والانتظار

فالمتّقي إذا أراد الابتعاد عن الآخرين من أجل معشوقه تجنّب المعصية، وإذا أراد الاتصال بحبيبه أطاع وعَبَد؛ واحدة ألذّ من الأخرى. يجب أن نفهم التناسب بين مفهومي التقوى والانتظار. ويجب بالطبع أن نُفهم ذلك لأنفسنا وفهمه ليس بالأمر الهيّن. لابد أنّ نفكّر ونُلقّن أنفسنا كثيراً بأنه كيف تكون التقوى من لوازم الانتظار؟ فإن لم نُدرك ذلك سيكون شعاراً ليس إلّا. وكلّنا أيضاً يمتلك المواد اللازمة للتفكّر في هذا المجال. ولكن غالباً ما لا نصرف وقتاً لذلك أو لا نملك الاستعداد لتقين أنفسنا بذلك.
فالتلقين بحاجة إلى استعداد والتفكر إلى فرصة، وإلّا فالكل يعلم تقريباً بأننا «إذا أردنا أن نكون منتظرين، لابد أن نكون من المتقين». نحن بانتظار أيّ شيء؟ أليست حكومة الإمام تأتي ممهّدة لتسهيل الأمر على الناس في التزام التقوى؟ ألم يظهر الإمام ليقف بوجه الاستكبار الذي هو حالة مضخّمة من نفس ذنوبنا اليومية؟ هل من الممكن أن ننتظر الإمام ولنا رغبة في الذنوب ورغبة عن تطهير الروح وتزكية النفس؟
يجب أن ندرك العلاقة بين التقوى والانتظار بعمق ونفكر حولها كثيراً ونُلقّنها لأنفسنا في المواضع الحساسة وبشتى الأساليب. لأنّ النفس فرّارة من الموعظة والنصيحة، ترفض الاستماع إلى الكلام المرّ والإجبار على العمل الشاق. ولهذا لابد أن نلقّن هذه الحقيقة لأنفسنا وللآخرين بأسلوب فني. فما هو الاستدلال الذي يُقنعني كمنتظر بأن يجب أن أكون من المتقين؟ ألم يكفي أن أعرف بأنّ ذنوبي تُؤجّل الظهور؟ لعلّ التصديق بذلك صعب علينا.
المنتظر يسعى ويجتهد بمقدار وسعه. فإن أجهده السعي وانسلخت عنه قوة الكفاح، مدّ يده إلى إمامه الغائب واستمدّ العون منه. وبالطبع فإن الإمام الشاهد عليه سيعينه. ولا تتعجّبوا إن ظهر الإمام له. (علماً بأنكم لا تطّلعون على هذا الظهور الخاص.)[8] فالمنتظر يطلب إصلاح العالم بسبب المحاسن والكمالات التي يعشقها لنفسه حتى الموت ويسعى من أجلها.

يريد المنتظر أن يهب «التقوى» لأهل الأرض

وما أجمل لو وصل السالك في مسير سلوكه إلى الله، إلى انتظار الفرج. فإن ذلك علامة على سلامة حركته إلى الله؛ (لأن حركته لو لم تكن سالمة لما انتهت إلى انتظار الفرج.) ورأسمال لانتظاره الحقيقي. تصوّروا أنّ الغارق في لذة القرب من الله وفي التقوى، يصرّ أن يهب لذة هذا القرب والتقوى لجميع أهل الأرض. وبذلك يكون منتظراً.
والآن تصوّرا أن من لم يحمل صورة واضحة وتجربة لذيذة عن التقوى، كيف يستطيع أن يكون منتظراً للفرج؟ الفرج الذي لا يُراد به سوى بسط التقوى في الأرض. فإن التزكية المعنوية مقدمة ضرورية للانتظار ونتيجة قطعية له أيضاً.

حبّ الإمام أسهل من حبّ التقوى

علماً بأن البعض لا يشرع من التقوى للوصول إلى الانتظار، بل يشرع من محبة الإمام؛ وليس من أهل الادّعاء والخيال أيضاً. فمن الطبيعي أن يصل إلى التقوى. لأنّ حبّ الإمام وإن كان أسهل من حبّ التقوى، ولكن إذا ازدادت هذه المحبة قليلاً ستعرض آثارها الإيجابية. حيث يكفي أن تعرف بأن الإمام لا ينظر إلى من ليس من أهل التقوى، ليسوقك ذلك إلى عدم الانفصال عنها.
ولا يعني ذلك أنّ للإمام ذائقة خاصة وهو محبة المتقين فقط. وحتى لو كان كذلك، فهو ملاك للعاشق الصادق. ولكن يجب أن نعرف أساساً أنّ من لم يكن من أهل التقوى لا يستطيع ذاتياً أن يتقرب من الإمام وأن ينفعه. وحاله حال الكافر الذي يفقد استعداده الذاتي لللقاء بالله، ولابد أن يدخل النار بمقتضى طبيعته.

المذنب يحب هواه أكثر من الإمام

فمن فقد عقله لذنب اقترفه،[9] لا يستطيع إدراك محاسن الإمام؛ ولا يمكنه فهم الإمام؛ ولا تتأتى له نصرته؛ بل وقد لا يستطيع أن يحتمل الإمام أيضاً. فهو يحبّ هواه أكثر. ولا يتسنى له حبّ الإمام إلا عن بعد، ولربّما يُصاب بالملل إذا اقترب منه. ولذا فأن يكون الإنسان فاقداً للتقوى وطالباً للقاء الإمام أمر خطير. وإن كان يحدونا الأمل أن يورث اللقاء بنفسه زيادة في المحبة والطاعة، غير أن القاعدة لا تشير إلى ذلك؛ ولا يتحقق هذا الأمر في الكثير من المواطن. وهذا ما صرّح به الله سبحانه في كتابه الكريم: ﴿ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.﴾[10]

يتبع إن شاء الله...


[1] برداشت‌هایی از سیره امام خمینی، ج2، ص157.
[2] برداشت‌هایی از سیره امام خمینی، ج2، ص21.
[3] الاحتجاج للطبرسي، ج2، ص498؛ مستدرك الوسائل، الخاتمة ج3، ص227؛ إلزام الناصب، ج1، ص411.
[4] عن الإمام الرضا (ع): «االْإِمَامُ، الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ وَالْوَالِدُ الشَّفِيقُ وَالْأَخُ الشَّقِيقُ وَالْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِير.» الکافي، ج1، ص200؛ الغیبة للنعماني، ص219.
وعنه (ع): « لِلْإِمَامِ عَلَامَاتٌ؛ يَكُونُ ... ويَكُونُ أَشْفَقَ عَلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ.» من لا یحضره الفقیه، ج4، ص418.
وعن أمیر المؤمنین (ع): «إِنَّا لَنَفْرَحُ لِفَرَحِكُمْ وَنَحْزَنُ لِحُزْنِكُمْ وَنَمْرَضُ لِمَرَضِكُمْ وَنَدْعُو لَكُم‏.» بصائر الدرجات، ج1، ص260.
وعن الإمام الرضا (ع): «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَئِمَّةِ تُعْرَضُ عَلَيْنَا أَعْمَالُ شِيعَتِنَا صَبَاحاً وَمَسَاءً، فَمَا كَانَ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي أَعْمَالِهِمْ سَأَلْنَا اللَّهَ تَعَالَى الصَّفْحَ لِصَاحِبِهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْعُلُوِّ سَأَلْنَا اللَّهَ الشُّكْرَ لِصَاحِبِه.» مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، ج4، ص341.
وعن الإمام المهدي (ع): «فَإِنَّا نُحِيطُ عِلْماً بِأَنْبَائِكُمْ وَلَا يَعْزُبُ عَنَّا شَيْ‏ءٌ مِنْ أَخْبَارِكُم ... إِنَّا غَيْرُ مُهْمِلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ وَلَا نَاسِينَ لِذِكْرِكُم‏‏.» الاحتجاج للطبرسي، ج2، ص497؛ وإلزام الناصب، ج1، ص410.
[5] نهج البلاغة، الكتاب47.
[6] الاحتجاج للطبرسي، ج2، ص499.
[7] من كلمات أمیر المؤمنین (ع)، غرر الحکم، ح3514.
[8] يقول الإمام الخامنئي: ««قد ينال عيون أو فؤاد إنسان سعيد إمكانية الاكتحال بأنوار ذلك الجمال المبارك، لكن هؤلاء لا يطلقون ادعاءات وأقوالاً ولا يفتحون لأنفسهم دكاكين. الذين يفتحون لأنفسهم دكاكين بهذه الطريقة يمكن للمرء أن يقطع ويتيقّن بأنهم كاذبون مفترون. ينبغي إبعاد هذه العقيدة الواضحة الساطعة عن هذه الآفة.» (كلمته بمناسبة يوم النصف من شعبان؛‏ 17/ 08/ 2008).
[9] عن النبي (ص): «مَن قارَفَ ذَنباً فارَقَهُ عَقلٌ لا يَرجِعُ إلَيهِ أبداً.» میزان الحکمة، ح6751، نقلاً عن المحجة البيضاء، ج8، ص160.
[10] سورة البقرة، الآیة2.



نهجنا الإسلام 01-07-2014 04:51 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 38
 

5.2. الأعمال الاجتماعية

النوع الآخر لعمل المنتظرين بعد تزكية النفس هو أداء «الوظائف الاجتماعية» التي لا يتغافلون عنها. وكما أشرنا سابقاً فإن المنتظر أساساً موجود اجتماعي بل عالمي. فلا يمكن تصوّر «الانتظار» من دون «الاجتماع».
وبالطبع لابد من الالتفات إلى أنّ أداء الوظائف الاجتماعية لا يأتي دورها بعد الفراغ من المراحل العليا لتزكية النفس، وذلك أولاً لأن الكثير من وظائفنا الاجتماعية لا تحتاج إلى تزكية النفس وطيّ المراتب المعنوية الخاصة؛ كالإنفاق وأصناف الجهاد المالي. وثانياً فإن العمل الاجتماعي بذاته بنّاءٌ للغاية وهو يعدّ من أهم الطرق لتزكية النفس. نعم من أراد أن يكون مربّياً للمجتمع أو معلّماً لجماعة وأسوة للآخرين، ينبغي له التصدي لجهاد النفس وتزكيتها قبل العمل بهذه الوظائف.[1]
في رواية عن الإمام الباقر (ع)، قال لجماعة من الشيعة تدّعي الاستعداد للقيام: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ جَاءَتِ الْمُزَامَلَةُ وَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى كِيسِ أَخِيهِ فَيَأْخُذُ حَاجَتَهُ فَلَا يَمْنَعُهُ.»[2] فانظروا إلى العلاقات الحميمة فيما بينهم. وفي رواية أخرى أنّ المؤمنين إن لم يكونوا كذلك ليسوا بإخوان.[3] فإن أردنا أن نصل إلى مقام المنتظر، لابد أن نتّجه عملياً نحو هذه الأجواء. كما ذكر الإمام الباقر (ع) أن أصحاب الإمام متخلّقون بهذه الأخلاق.[4]

المنتظر لا نظير له في علاقاته الاجتماعية

وفي زيارة عاشوراء نقرأ: «إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَکُم.»[5] أي: يا سيدي ومولاي، إنني لا أُحبّك فحسب، بل أحبّ كلّ من يُحبُّك. وناصر الإمام المهدي أيضاً يُحبّ الناس عاطفياً ويصادقهم عملياً. فلو اختلف المنتظر شخصياً مع أحد يتغاضى عن حقه وإن كان الحق معه. فهو يحتمل المظلومية ولكنه يُصادق المؤمنين. فالمنتظر لا نظير له في علاقاته الاجتماعية مع الآخرين.
وقد كشفت الإحصائيات في جامعات طهران – كما جاء في التقرير – أن العلاقات الاجتماعية لدى الجامعيين المتدينين أفضل منها لدى غير المتدينين منهم، وأنهم يُقيمون العلاقات مع الآخرين أسهل وأفضل وبحيوية أكبر. علماً بأن هذا هو بداية الطريق ولا ينبغي التوقف عند هذا الحدّ.
الشخص العادّي في الأيام الأولى لدى دخوله محيطاً جديداً كالمدرسة أو الجامعة، تجده ينظر إلى الجميع بنظرة معصومة، متواضعة، سائلة، محتاجة إلى صديق ومتعطّشة إلى العلاقات العاطفية. ولكنه بعد مدة حيث حصوله على أصدقاء عدة تراه لا يكترث بأحد. قلبه صغير كالعصفور لا يسع لأكثر من عشرة أصدقاء. فقد كان في الأيام الأولى من دخوله الجامعة يُسلّم على الجميع، ولكنه بعد سنة إن سلّم عليه طالب حديث الدخول، نظر إليه باغتراب.
فمن كان قلبه صغيراً يمتلئ وعاؤه بالعثور على أربعة أصدقاء. وهو لا يطلب بعدُ أربعين صديقاً، ولا تجد التواضع في عينيه والسعة في صدره ولا يمكنه أن يُقيم الصداقة مع جماعة أكبر ولا يسعه أن يمتلك 100 صديق. الإنسان العادّي يريد أربعة أصدقاء ليبثّ إليهم شكاواه ويبوح لهم بأسراره، غير أنّ دائرة صداقة المنتظر واسعة للغاية. فإنّ صداقاته لا من باب الاحتياج بل من باب المحبة للناس.
المنتظر في مقام العمل، أهل الخدمة إلى الآخرين، أهل التزكية وجهاد النفس، أهل العمل الجهادي، أهل الجهد والسعي الحثيث. وعلامته أنه متفوّق في دروسه على الجميع؛ وفي الوقت ذاته له فرصة للعمل أيضاً، وباستطاعته أن يجمع بينهما لأنّ نفسه سليمة.
تسلّم الشهيد جمران درجة 22 من أستاذ كان معروفاً بعدم منحه درجة 20 للطلاب، وقد تم تسجيل هذه الدرجة في الجامعة بإصرار من نفس هذا الأستاذ[6]. وهو يقول في مناجاته: «إلهي! ينبغي أن أتفوّق من الناحية العلمية على الجميع، لئلا يعيّرني الأعداء من خلال ذلك. يجب أن أُثبِت لهؤلاء القاسية قلوبهم الذين جعلوا من العلم وسيلة للتفاخر على الآخرين، بأنهم أحقر من التراب الذي تحت قدماي. لابد أن أُخضِع كل أولئك الظالمين المتغطرسين والمتكبرين، ثم أكون أكثر أهل الأرض خضوعاً وتواضعاً.»[7]
نحن لا مفرّ لنا في هذا العالم الحرّ المليء بالمنافسات سوى أن نُثبت بأن المهدويّين أفضل من الجميع. لابدّ أن نصل إلى هذه المرتبة بحيث لو طُرح هذا السؤال: من هو المنتظر؟ لأجاب الجميع: «هذا واضح، من هو أنشط من الآخرين، من هو كثير الخدمة، متفوّق في الدراسة، ثابت الجأش، قويّ العزيمة، وبعبارة واحدة من يعرف كيف يعيش.»
المنتظر لا يتعامل مع الناس بشكل جيّد فحسب، بل يُجابه أعداء الناس أيضاً. المنتظر مقارعٌ للظلم. نحن لا نعيش في الخلأ. وعالمنا زاخر بالظلم والجور. ومن هنا فإنّ المنتظر ليس من أهل المحبة فحسب، بل هو من أهل العِداء أيضاً. وليس من أهل العدل فحسب، بل هو ممّن لا يرضخ للظلم أيضاً.
إنّ البعض يرغب في أن يُحدّد الحالة الاجتماعية بحدود معينة. كأن يرى مساعدة الناس ورعاية الفقراء محدودة بمنطقة أو مدينة أو حتى بلد معين. ولا يرغب في اجتثاث جذور الفقر ومكافحته. فهو مستعد لتأسيس مؤسسات خيرية، وليس مستعداً لأن يكافح أساس الفقر وأصله (أي الذين أوجدوا الفقر والحرمان؛ وهم أصحاب الثروة والقوة وعلى رأسهم الاستكبار العالمي). فهذا المنهج يعتبر ضرباً من ضروب مناهضة المجتمع وإخفاء الظالمين الذين دمّروا المجتمعات البشرية بظلمهم. وهو في الحقيقة إيجاد منطقة آمنة لمثل هؤلاء الظلمة.

يتبع إن شاء الله...

[1] عن أمیر المؤمنین (ع): «مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ.»، نهج البلاغة، الحکمة73.
[2] قِيلَ لِأَبِي جَعْفَرٍ (ع): «إِنَّ أَصْحَابَنَا بِالْكُوفَةِ لَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ فَلَوْ أَمَرْتَهُمْ لَأَطَاعُوكَ وَاتَّبَعُوكَ. قَالَ: يَجِي‏ءُ أَحَدُكُمْ إِلَى كِيسِ أَخِيهِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ حَاجَتَهُ؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ: هُمْ بِدِمَائِهِمْ أَبْخَلُ. ثُمَّ قَالَ: ... إِذَا قَامَ الْقَائِمُ جَاءَتِ الْمُزَامَلَةُ وَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى كِيسِ أَخِيهِ فَيَأْخُذُ حَاجَتَهُ فَلَا يَمْنَعُهُ‏.» الاختصاص للشیخ المفید، ص24.
[3] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ الباقِر (ع)، قَالَ يَوماً لأصْحابِهِ: «أيُدخِلُ أحَدَكُمْ يَدَهُ في كُمِّ صاحِبِهِ فَيَأخُذَ حَاجَتَهُ مِنَ الدَّنانيرِ؟ قالوا: لا. قال: فَلَستُم إذاً بِإخوانٍ.» کشف الغمة، ج2، ص148.
[4] الاختصاص للشیخ مفید، ص24. نص الرواية مذكورة في الهامش ص؟؟؟.
[5]مفاتیح الجنان، زیارة عاشوراء؛ کامل الزیارات، ص174؛ المصباح للکفعمي، ص482.
[6] يقول المهندس مهدي جمران (شقيق الشهید الدکتور مصطفی جمران): «كان أستاذ في الكلية الفنية لا يمنح للطالب درجة أكثر من 14 أو 15 والدكتور قد تسلّم منه درجة 22 العجيبة! وعندما سُئل: لماذا منحت جمران درجة 22؟ أجاب: درجة 20 حق كراسه الذي لم أجد فيه أيّ نقص يحتاج إلى التعديل، وقد كتبه بجودة وموسوعية بالغة حتى اضطررت لأن أقدّمه على نفس ما هو عليه لطباعته كتاباً.» المحاضرة الثانية للمهندس مهدي جمران في ملتقى «مصطفى الأفكار» الدولي، الثاني من أكتوبر 2011، المصدر: الموقع الإعلامي لمجمع شباب الشهيد جمران:
(http://www.m-chamran.com/?Content=15)
[7] خدا بود و دیگر هیچ نبود، ص28.



نهجنا الإسلام 06-07-2014 12:36 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 39
 

والطريق الوحيد لخدمة الناس في هذا اليوم هو مقارعة الظالمين والوقوف بوجههم. وبعبارة أخرى، بثّ ثقافة الجهاد وتوعية الناس لمواجهة المستكبرين هو السبيل الوحيد لخدمة البشرية وبالطبع تمهيد للظهور. يقول ولي أمر المسلمين في كلام بالغ الأهمية:

أرضية الوقوف بوجه الاستكبار علامة على الظهور

«في الوقت الذي يُعلم أنّ الأرضية قد تهيّأت لأن يثبت آحاد البشر على كلامهم أمام القوة المادية لمستكبري العالم، فذلك اليوم هو يوم ظهور الإمام المهدي (عج)؛ ذلك اليوم هو اليوم الذي يظهر فيه منقذ عالم البشرية بفضل الله، ورسالته تجذب كلّ القلوب المستعدة المتواجدة في جميع أرجاء العالم، وعند ذلك لا تستطيع القوى الجائرة والقوى القمعية والقوى المستندة إلى الثروة والقوة أن يسوقوا هذه الحقيقة إلى الوراء أو أن يُخفوها كما كانوا يفعلونه دوماً من قبل بفضل ثروتهم وقوتهم.»[1]

الفضائل الفردية والاجتماعیة لا تكون قيّمة إلّا في ظلّ مقارعة الظلم

إن كل ما يتحلّى به المنتظر من أخلاق فردية واجتماعية، لا تُقبل منه إلّا في مسير الثورية ومقارعة الظالمين والمستكبرين؛ وإلّا فلا الله يتقبّل من الإنسان الفضائل التي تمرّ من خلال طلب الراحة والدعة، ولا خلق الله ينتفعون منها. ولابد من البحث عن المعنوية الأصيلة والانتظار الحقيقي في الجهاد الذي يقول في شأنه رسول الله (ص): «مَنْ ماتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحدِّثْ بهِ نَفْسَهُ، ماتَ عَلى شُعْبَةٍ مِنْ نِفاقٍ.»[2]

إنّ الأخلاق الاجتماعية تبدأ من حُسن التصرف مع العائلة عن معرفة بحقوقهم وتواصل مسيرتها عبر الثورية والجهاد في سبيل إنقاذ البشر وتنتهي بظهور منقذ عالم البشرية. ولا يمكن التوقّف في أيّة مرحلة. ولو توقّفنا في أيّ مرحلة فلربّما سنضطرّ للعود من حيث جئنا وسنتبدّل إلى ظلمة لأنفسنا ومجتمعنا. فإنّ من يسكت ويعتزل في هذه الظروف، سيكون عوناً ونصيراً للظالمين بصورة تلقائية؛ لأننا نعيش في زمن قد اندلعت فيه ألسنة الجهاد الأخير[3]، وتبلورت فيه المواجهة التامة بين معسكر الحق والباطل.[4]

5.3. تشکیل النظام الإسلامي

إن العمل الاجتماعي المتواصل والمستمر لا يمكن تصوّره بل ولا تحقّقه من دون تشكيل حكومة. فإنّ عملنا بوظائفنا الاجتماعية والجهادية، سيؤول إلى تشكيل حكومة أو الإطاحة بالحكومات الجائرة لا محالة. ولو أردنا العمل بكل الوظائف الملقاة على عاتقنا لابد لنا من تشكيل حكومة وإسقاط الحكومات الجائرة. ومن هنا تدخل تشكيل حكومة منتظِرة في جدول أعمال المنتظرين. ومن الطبيعي أن يتم تشكيل حكومة المنتظرين هذه قبل الظهور ليتحقق التمهيد للظهور بواسطتهم. كما جاء في الرواية بشأن الممهّدين للظهور أن قوماً يوطّئون للمهدي قبل ظهوره.[5]

إنّ الثمرة الطبيعية والقطعية لمقارعة الظلم هو تشكيل حكومة؛ ومن مستلزمات تشكيل الحكومة في هذه الدنيا المليئة بالظلم، هي الوقوف بوجه عالم الاستكبار للدفاع عن هذه الحكومة. فلا يمكن اليوم تشكيل حكومة تطلب العدالة والأمن من عداءات أعداء العدالة واجتياز هذه العداءات بسلام وأمان. لأن تشكيل مثل هذه الحكومة أساساً بمعنى دقُّ جرس الخطر لاضمحلال الحكومات الجائرة والمناهضة للعدالة. وأساساً لا يمكننا التصوّر بأن تتشكل حكومة حقة في هذا العالم الرازح تحت وطأة معسكر الباطل، ولا تسوق عالم الاستكبار إلى السقوط والزوال. فقد اختلف عالم اليوم عن عالم الماضي.

وإنّ أيّ حركة جهادية كلعبة الدومينو تترك آثارها وتبعاتها الخاصة في العالم المعاصر الذي اقترب نوعاً ما من الانسجام والتناسق العالمي إثر اتّساع العلاقات السياسية والاقتصادية والإعلامية. فلا يمكن في الظروف الراهنة أن تكون منتظراً ولكن لا تواجه الظلم؛ ولا يمكن أن تواجه الظلم الإقليمي ولكن لا تواجه الظلم العالمي؛ ولا يمكن أن تواجه الظلم العالمي ولكن لا تكون أسوة للشعوب المضطهدة؛ لا يمكن أن يؤدي جهادك إلى حركة عالمية كبرى ولكن لا ينتهي بالظهور بصفته السبيل الوحيد للنجاة من الأزمات.

أهمیة الدفاع عن نظام الجمهوریة الإسلامیة في کلام الإمام الخميني (ره):

في مثل هذا الوضع، لا يرى المنتظر شيئاً أكثر قداسة من المساهمة في قضية التمهيد للظهور الهامة. وقد بدأ التمهيد للظهور في أرضنا المشرقة منذ عدة أعوام. ونحن اليوم نمهّد لإنقاذ البشرية في خضمّ المواجهات العالمية للدفاع عن الثورة الإسلامية. فهل يوجد للمنتظر أمرٌ أهم من الدفاع التام عن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران وتعزيزه أمام النظام الاستكباري؟

انظروا إلى کلمات الإمام الخميني (ره) في هذا المجال:

«إن صيانة الجمهورية الإسلامية أهم من الحفاظ على حياة شخص ولو كان إمام العصر؛ لأنّ إمام العصر أيضاً يضحّي بنفسه من أجل الإسلام. وكلّ الأنبياء الذين جاؤوا منذ صدر العالم وحتى يومنا هذا، قد جاهدوا وضحّوا بأنفسهم من أجل كلمة الحق ودين الله. وقد اقتحم النبي الأكرم كل تلك الصعاب وتجشّم أهل بيته العظام كل ذلك العناء وضحّوا بأنفسهم؛ كل ذلك من أجل حفظ الإسلام. الإسلام وديعة إلهية عند الشعوب وقد جاءت لتربية الناس وخدمتهم والحفاظ عليها واجب عيني على الجميع؛ أي أن الكل مكلّفون بالحفاظ عليها حتى تتصدى جماعة للقيام بذلك فيسقط عندها التكليف عن الآخرين.»[6]

يتبع إن شاء الله...

[1] كلمته في يوم ميلاد الإمام المهدي (عج)، 12/ 11/ 2000.

[2]میزان الحکمة، ح٢٨٢٩، نقلاً عن صحيح مسلم، ج3، ص1517، ح158، (طبعة دار الحدیث، القاهرة)، أو ج6، ص49، (طبعة دار الفکر، بیروت).

[3]الجهاد الأخير، هو الجهاد الذي تتبلور فيه المواجهة التامة بين الحق والباطل والذي يؤول إلى انتصار الحق وانكسار الاستبكار العالمي.

[4] «لقد بدأت اليوم حرب بين الحق والباطل، حرب بين الفقر والغناء، حرب بين الاستضعاف والاستكبار، وحرب بين المضطهدين والمترفين. وأنا ألثم أيادي وسواعد كل الأعزاء في أرجاء العالم الذي حملوا على عاتقهم عبأ النضال واعتزموا على الجهاد في سبيل الله واعتلاء عزة المسلمين.» صحیفة الإمام، ج21، ص85.

«نحن بعون الله سنصمد أمام أعداء الإسلام وشعوب العالم المستضعفة ولاسيما أمام أمريكا المصاصة للدماء حتى القضاء عليهم بالكامل.» صحیفة الإمام، ج12، ص261.

«لتعلم أمريكا المصّاصة للدماء أن الشعب العزيز والخميني سيسلبون الراحة منها حتى القضاء الكامل على منافعها وسيواصلون جهادهم الإلهي حتى قطع أياديها... وعلى شعبنا أن يعدّ نفسه لهذه المواجهة الحسينية حتى الانتصار بالكامل.» صحیفة الإمام، ج14، ص407 و408.

«اعلموا بحول الله وقوته بأن حرب الحق مع الباطل ومع الطواغيت والفراعنة وفرعون الاستكبار التي بدأت بقيادة الشعب الإيراني تحت راية الإسلام، ستستمر حتى إسقاط الاستكبار.» كلمة الإمام الخامنئي في لقائه الطلاب والجامعيين، 2/11/2006.

«سوف تتقدم الأمة الإسلامية باضطراد في الطريق الذي ارتقى بمسلمي صدر الإسلام إلى ذروة العظمة والعزة، وستنجو الشعوب المسلمة من التخلّف والهوان الذي فرض عليها في القرون الأخيرة. طلائع هذه الحركة الكبرى قد انطلقت، وأمواج الصحوة قد هدرت في كل أرجاء العالم الإسلامي بنسب متفاوتة... المستقبل للأمة الإسلامية، وبوسع كل واحد منا تقريب هذا المستقبل بحسب إسهامه وقدراته وإمكاناته ومسؤوليته.» نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام، 15/12/2007.

«ليعلم المسلمون في كل أرجاء العالم بأن عهد تخلّف العالم الإسلامى والازدراء به قد ولّى، وأن عهداً جديداً قد بدأ... بدأت اليوم حركة عميقة ومتجذرة في العالم الإسلامي - شاؤوا ذلك أم أبوا - وهذه الحركة هي التي ستنتهي في الوقت المناسب إلی استقلال الأمة الإسلامية وعودة عزها وحياتها المتجددة.» نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام، 24/12/2006.

[5] عن النبي (ص): «یَخرُجُ ناسٌ مِن المَشرِقِ فَیُوطِّئُونَ للمَهدِیِّ سُلْطانَهُ.» میزان الحکمة، ح2366، نقلاً عن كنز العمال، ح38567؛ وكذلك انظر الهامش ص؟؟؟ من هذا الكتاب.

[6] صحیفة الإمام، ج15، ص365.



نورالشمس 17-07-2014 05:45 AM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 


اللهم صل على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم
اللهم كن لوليكـ الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعه
وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا
وتمتعه فيها طويلا برحمتك ياارحم الراحمين
جزآكـِ الله خيرا اختي الغالية ((نهجنا الاسلام))

سلمت يداكـ ويعطيكـ الله العافية
في ميزآن اعمالكـ
تحياتي لك واسألك الدعاء


نهجنا الإسلام 28-07-2014 12:11 PM

رد: انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورالشمس http://www.noorfatema.com/vb/rmadan/...s/viewpost.gif


جزآكـِ الله خيرا اختي الغالية ((نهجنا الاسلام))

سلمت يداكـ ويعطيكـ الله العافية
في ميزآن اعمالكـ
تحياتي لك واسألك الدعاء


أشكركم جزيل الشكر على مروركم وتواجدكم أختي الكريمة

دمتم بحفظ الرحمن

نهجنا الإسلام 28-07-2014 12:14 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 40
 
«إنّ مسألة حفظ نظام الجمهورية الإسلامية في هذا العصر وبالأوضاع التي نشهدها في العالم والسهام الموجّهة من كل حدب وصوب نحو هذا المولود الشريف، من أهمّ الواجبات العقلية والشرعية التي لا يزاحمها شيء؛ ومن الأمور التي يكون احتمال الخلل فيها منجّزٌ عقلاً.»[1]



اتّساع الثورة ممهّد للحكومة المهدویة (عج)



«إنّ الثورة الإسلامية في إيران وبتأييد من الله المنان في حال اتّساع على الصعيد العالمي، وباتّساعها إن شاء الله ستُساق القوى الشيطانية إلى الانزواء وتُقام حكومة المستضعفين وتُهيأ الأرضية لحكومة مهدي آخر الزمان - عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف وأرواحنا لتراب مقدمه الفداه - العالمية.»[2]



مهّدوا الأرضية للظهور من خلال تصدير الثورة



«وآخر كلامي معكم هنا هو أن يبقى وفاؤكم حتى الموت بالجمهورية الإسلامية التي هي ثمرة دماء آبائكم؛ ومن خلال استعدادكم وتصدير الثورة وإبلاغ رسالة دماء الشهداء، مهّدوا الأرضية لقيام منقذ العالم وخاتم الأوصياء والألياء، بقية الله- روحي فداه -.»[3]



آفاق صدور الثورة الإسلامية



«نحن نشهد اليوم آفاق صدور الثورة الإسلامية في عالم المستضعفين والمظلومين أكثر فأكثر، وإنّ حركة المستضعفين والمظلومين في العالم ضد المستكبرين والمتغطرسين التي بدأت وهي في حال اتّساع، مبعث أمل لمستقبل مشرق ومقرّبة لوعد الله سبحانه وتعالى. وكأن العالم يتهيأ لطلوع شمس الولاية من أفق مكة المكرمة وكعبة آمال المحرومين وحكومة المستضعفين... إلهي... نطلب من مقامك الأقدس عاجزين... أن تزيد من عزيمة شعبنا الإيراني العزيز لتسيير الجمهورية الإسلامية وقمع المنحرفين والمخالفين للإسلام وأتباعهم، ليواصلوا مسيرة هذه الثورة إلى الثورة العالمية للمهدي الموعود - أرواحنا فداه -.»[4]



ثورتنا مبدأ لانطلاق الثورة المهدوية



«ليعلم مسؤولونا بأن ثورتنا غير محدودة بإيران. ثورة الشعب الإيراني مبدأ لانطلاق ثورة كبرى في العالم الإسلامي تحت لواء الإمام الحجة - أوراحنا فداه - ونسأل الله أن يمنّ على المسلمين وكلّ أهل العالم وأن يجعل ظهوره وفرجه في العصر الحاضر. ولو أنّ المسائل الاقتصادية والمادية صرفت المسؤولين عن أداء الوظيفة الملقاة على عاتقهم لحظة واحدة، فإن ذلك يبتعه خطر عظيم و خيانة كبيرة. على حكومة الجمهورية الإسلامية أن تبذل بالغ وسعها لإدارة الناس بشكل أمثل، ولكن لا يعني ذلك أن يصرفهم أن أهداف الثورة الكبرى وهي تأسيس حكومة إسلامية عالمية. وعلى شعبنا الإيراني العزيز الذي يمثّل الصورة المشرقة عبر التاريخ الإسلامي الكبير في زماننا المعاصر حقاً، أن يحاولوا تحمّل الصعاب والضغوط في سبيل الله من أجل أن يعمل المسؤولون الكبار في الدولة بوظائفهم الرئيسية وهي نشر الإسلام في العالم وأن يطلبوا منهم التزام الودّ والإخاء في إطار مصلحة الإسلام والمسلمين.»[5]



والإمام الخامنئي أيضاً دوماً ما يعتبر الثورة سائرة في مسير رسالة عالمية وممهدّة للظهور:



يستطيع الشعب المؤمن المناضل أن يمهد للفرج



«مادمتم أنتم أيّها الشعب الإيراني ملتزمون بهذا الاتحاد والتأهّب للقيام بالأعمال الكبيرة، يمكن تحقيق جميع آمال الأنبياء والأولياء (ع) على أيديكم. فإنّ آمالهم الكبيرة هي استقرار العدل ونجاة المستضعفين والقضاء على الظلم في العالم. علماً بأن وعد الله حق واستقرار العدل في العالم لا يتحقق إلّا في عصر ظهور بقية الله (أرواحنا له الفداء)؛ ولكن يستطيع أيّ شعب مؤمن ومناضل أن يمهّد لتشكيل تلك الحكومة؛ كما استطاع الشعب الإيراني حتى الآن وتغلّب على الكثير من المشاكل.»[6]



الخطوة الأولى: الثورة الإسلامية / الخطوة الرابعة: بناء العالم الإسلامي



«إنّ مسيرة تحقق الأهداف الإسلامية مسيرة طويلة وشاقة بطبيعة الحال... الخطوة الأولى - والتي هي الأكثر إثارة وضجيجاً - هي الثورة الإسلامية... والخطوة اللاحقة هي تبلور النظام الإسلامي على خلفية الثورة الإسلامية؛ وما نسميه بالنظام الإسلامي، يعني أن تصبح الهيكلية العامة للمجتمع هيكلية إسلامية، وهذا ما تحقق. والخطوة اللاحقة - والتي هي أكثر صعوبة - هي إقامة الحكومة الإسلامية... والمرحلة التي تليها هي مرحلة ازدهار وتلألؤ النظام الإسلامي؛ أي مرحلة بناء البلد الإسلامي، وإذا ما تبلورت هذه المرحلة سنغدو أسوة وقدوة لمسلمي العالم: ﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاس﴾.[7] وإذا استطعنا طيّ هذه المرحلة بسلام - وليس ذلك بعيد المنال على همم المؤمنين من الرجال والنساء - حينها تحلّ المرحلة التالية وهي بناء العالم الإسلامي؛ لاحظوا، هكذا تقترب مسيرة إقامة النظام الإسلامي خطوة فخطوة من ثمارها النهائية.»[8]



المرحلة الأولى: الثورة الإسلامية / المرحلة الرابعة: الحضارة الإسلامية العالمية



«لقد ذكرت قبل سنتين أو ثلاث في اجتماع مثل اجتماعنا هذا: أننا قمنا بثورة إسلامية، ثم أقمنا نظاماً إسلامياً، ثم جاء دور إقامة الدولة الإسلامية، تليها إقامة بلد إسلامي، ثم تأتي مرحلة قيام الحضارة الإسلامية العالمية. ونحن اليوم في مرحلة الدولة الإسلامية والبلد الإسلامي.»[9]



هدف الثورة: طرح نموذج للمجتمعات البشرية وإثبات إمكانية تحققه



«لقد كان هدف الثورة بناء إيران بالسمات التي سأذكرها: مستقلة، حرة، تتمتع بالثروة والأمن، متدينة وتتحلى بالمعنوية والأخلاق... والقضية لا تختص بإيران. إيران مطلوبة كنموذج للمجتمعات الإسلامية بالدرجة الأولى، وكافة المجتمعات الإنسانية بالدرجة الثانية... لا يخال البعض أن هذا شيء منشود لكنه غير ميسور... أرادت الثورة أن تثبت للجميع أينما كانوا من العالم الإسلامي أن هذا النموذج ممكن التحقيق، وهذا هو المثال. كان هذا هدف الثورة. كان هذا الهدف مطروحاً منذ البداية وأقول لكم إنه لا يزال قائماً اليوم أيضاً، وسيبقى في المستقبل. إنه هدف ثابت.»[10]

كلّما كان الحضور في هذه المنزلة العامة بدائياً وإجبارياً وسهلاً، فإن الحضور في تلك المنزلة الخاصة اختيارياً وصعباً؛ ولصلحاء العالم من أجل الوصول إلى تلك المنزلة الرفيعة تضرّع وابتهال كثير.



يتبع إن شاء الله...



[1] نفس المصدر، ج‏19، ص153.

[2] نفس المصدر، ج8، ص374.

[3] نفس المصدر، ج20، ص38.

[4] نفس المصدر، ج17، ص480-484.
[5] نفس المصدر، ج21، ص327.

[6] كلمته في مراسم البيعة مع مختلف الشرائح، 29/06/1989.

[7] سورة البقرة، الآیة 143.

[8] كلمته في جمع من مسؤولي النظام الإسلامي، 12/11/2001.

[9] كلمته في جمع من مسؤولي النظام الإسلامي، 27/10/2004.

[10] كلمته في لقائه مع الأساتذة والجامعيين بمحافظة شيراز؛ 3/5/2008.


الساعة الآن 06:15 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir